الباحث القرآني
ققوله تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ). فِيهِ سِتٌّ [[يلاحظ أن المسائل خمس وعشرون مسألة.]] وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ" الْغَنِيمَةُ فِي اللُّغَةِ مَا يَنَالُهُ الرَّجُلُ أَوِ الْجَمَاعَةُ بِسَعْيٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَدْ طَوَّفْتُ فِي الْآفَاقِ حَتَّى ... رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَمُطْعَمُ الْغُنْمِ يَوْمَ الْغُنْمِ مُطْعَمُهُ ... أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ
وَالْمَغْنَمُ وَالْغَنِيمَةُ بِمَعْنًى، يُقَالُ: غَنِمَ الْقَوْمُ غُنْمًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ حَاصِلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ" مَالُ الْكُفَّارِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ. وَلَا تَقْتَضِي اللُّغَةُ هَذَا التَّخْصِيصَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ [[في ز: قدمناه.]]، وَلَكِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ قَيَّدَ اللَّفْظَ بِهَذَا النَّوْعِ. وَسَمَّى الشَّرْعُ الْوَاصِلَ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَيْنَا مِنَ الْأَمْوَالِ بِاسْمَيْنِ: غَنِيمَةً وَفَيْئًا. فَالشَّيْءُ الَّذِي يَنَالُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ بِالسَّعْيِ وَإِيجَافِ [[الإيجاف: سرعة السير، أي لم يعدوا في تحصيله خيلا ولا إبلا، بل حصل بلا قتال. والركاب: الإبل التي يسافر عليها، لا واحد لها من لفظها.]] الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ يُسَمَّى غَنِيمَةً. وَلَزِمَ هذا الاسم هذا الْمَعْنَى حَتَّى صَارَ عُرْفًا. وَالْفَيْءُ مَأْخُوذٌ مِنْ فاء يفئ إِذَا رَجَعَ، وَهُوَ كُلُّ مَالٍ دَخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا إِيجَافٍ. كَخَرَاجِ الْأَرْضِينَ وَجِزْيَةِ الْجَمَاجِمِ وَخُمُسِ الْغَنَائِمِ. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمَا وَاحِدٌ، وَفِيهِمَا الْخُمُسُ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: الْفَيْءُ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَا صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ قَهْرٍ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِأَوَّلِ السُّورَةِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَدِ ادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أن هذه الآية نزلت بعد قوله: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ﴾ [الْأَنْفَالِ: ١] وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ مَقْسُومَةٌ عَلَى الْغَانِمِينَ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَنَّ قَوْلَهُ: "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ" نَزَلَتْ فِي حِينِ تَشَاجَرَ أَهْلُ بَدْرٍ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ السُّورَةِ. قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:) مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا) وَكَانُوا قَتَلُوا سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، فَجَاءَ أَبُو الْيُسْرِ بْنُ عَمْرٍو بِأَسِيرَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ وَعَدْتَنَا مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا، وَقَدْ جِئْتُ بِأَسِيرَيْنِ. فَقَامَ سَعْدٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَمْ يَمْنَعْنَا زِيَادَةٌ فِي الْأَجْرِ وَلَا جُبْنٌ عَنِ الْعَدُوِّ وَلَكِنَّا قُمْنَا هَذَا الْمُقَامَ خشية أن يعطف المشركون، فإنك إن تعطي هؤلاء لا يبقى لأصحابك شي. قَالَ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فَنَزَلَتْ ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] فَسَلَّمُوا الْغَنِيمَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ نَزَلَتْ "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" الْآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَأَنَّ الْغَنِيمَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَيْسَتْ مَقْسُومَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَكَذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ. كَذَا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُمْ. وَاحْتَجُّوا بِفَتْحِ مَكَّةَ وَقِصَّةِ حُنَيْنٍ. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ يَقُولُ: افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ عَنْوَةً وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقْسِمْهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ فَيْئًا. وَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ.
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ حَبَسَهَا وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَضَافَ الْغَنِيمَةَ لِلْغَانِمِينَ فَقَالَ: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ" ثُمَّ عَيَّنَ الْخُمُسَ لِمَنْ سَمَّى فِي كِتَابِهِ، وَسَكَتَ عَنِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، كَمَا سَكَتَ عَنِ الثُّلُثَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾[[راجع ج ٥ ص ٧١.]] [النساء: ١١] فَكَانَ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ اتِّفَاقًا. وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ إِجْمَاعًا، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالدَّاوُدِيُّ وَالْمَازِرِيُّ أَيْضًا وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَالْأَخْبَارُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَظَاهِرَةٌ، وسيأتي بعضها. ويكون معنى قوله: "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ" الْآيَةَ، مَا يُنَفِّلُهُ الْإِمَامُ لِمَنْ شَاءَ لِمَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ: هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ دَابَّةٍ، يَقْضِي فِيهَا الْإِمَامُ بِمَا أَحَبَّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا أَنْفَالُ السَّرَايَا أَيْ غَنَائِمُهَا، إِنْ شَاءَ خَمَّسَهَا الْإِمَامُ، وَإِنْ شَاءَ نَفَّلَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي الْإِمَامِ يَبْعَثُ السَّرِيَّةَ فَيُصِيبُونَ الْمَغْنَمَ: إِنْ شَاءَ الْإِمَامُ نَفَّلَهُ كُلَّهُ، وَإِنْ شَاءَ خَمَّسَهُ. وَحَكَاهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ ثابت: سألت مكحول وَعَطَاءً عَنِ الْإِمَامِ يُنَفِّلُ الْقَوْمَ مَا أَصَابُوا، قَالَ: ذَلِكَ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وجل: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] أَنَّ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ. وَلَمْ يَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ". وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا مِمَّا قَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ (الْقَبَسِ فِي شَرْحِ مُوَطَّإِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ). وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا أَعْلَمُ أن قوله تعالى "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ" الْآيَةَ، نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" بَلْ قَالَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ: "مَا غَنِمْتُمْ" نَاسِخٌ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّحْرِيفُ وَلَا التَّبْدِيلُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
. وَأَمَّا قِصَّةُ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فَتْحِهَا. وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا نَعْلَمُ مَكَّةَ يُشْبِهُهَا شي مِنَ الْبُلْدَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَصَّهُ مِنَ الْأَنْفَالِ وَالْغَنَائِمِ مَا لَمْ يجعله لغيره، وذلك لقوله: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ﴾ [الْأَنْفَالِ: ١] الْآيَةَ، فَنَرَى أَنَّ هَذَا كَانَ خَاصًّا لَهُ. وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ سَنَّ لِمَكَّةَ سُنَنًا لَيْسَتْ لِشَيْءٍ مِنَ الْبِلَادِ. وَأَمَّا قِصَّةُ حُنَيْنٍ فَقَدْ عَوَّضَ الْأَنْصَارَ لَمَّا قَالُوا: يُعْطِي الْغَنَائِمَ قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! فَقَالَ لَهُمْ: (أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى بُيُوتِكُمْ). خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ" لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخُصُوصُ، فَمِمَّا خَصَّصُوهُ بِإِجْمَاعٍ أَنْ قَالُوا: سَلَبُ الْمَقْتُولِ لِقَاتِلِهِ إِذَا نَادَى بِهِ الْإِمَامُ. وَكَذَلِكَ الرِّقَابُ، أَعْنِي الْأُسَارَى، الْخِيرَةُ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ بِلَا خِلَافٍ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَمِمَّا خُصَّ بِهِ أَيْضًا الْأَرْضُ. وَالْمَعْنَى: مَا غَنِمْتُمْ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ وَالسَّبْيِ. وَأَمَّا الْأَرْضُ فَغَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: (لَوْلَا آخِرُ النَّاسِ مَا فُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ (. وَمِمَّا يُصَحِّحُ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا رَوَاهُ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:) مَنَعَتِ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدَّهَا وَدِينَارَهَا) الْحَدِيثَ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: "مَنَعَتْ" بِمَعْنَى سَتَمْنَعُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْغَانِمِينَ، لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ الْغَانِمُونَ لَا يَكُونُ فِيهِ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ تُقْسَمُ مَا بقي لمن جاء بعد الغانمين شي. والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾[[راجع ج ١٨ ص ٣١.]] [الحشر: ١٠] بالعطف على قوله: ﴿لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ﴾ [الحشر: ٨]. قَالَ: وَإِنَّمَا يُقْسَمُ مَا يُنْقَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا حَصَلَ مِنَ الْغَنَائِمِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ شي قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قُسِمَ، إِلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِمْ مُخَيَّرٌ أَنْ يَمُنَّ أَوْ يَقْتُلَ أَوْ يَسْبِيَ. وَسَبِيلُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ وَسُبِيَ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ. وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ الْآيَةِ. قَالَ: وَالْأَرْضُ مَغْنُومَةٌ لَا مَحَالَةَ، فَوَجَبَ أن تقسم كسائر الغنائم. وقد قسم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا افْتَتَحَ عَنْوَةً مِنْ خَيْبَرَ. قَالُوا: وَلَوْ جَازَ أَنْ يُدَّعَى الْخُصُوصُ فِي الْأَرْضِ جَازَ أَنْ يُدَّعَى فِي غَيْرِ الْأَرْضِ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْآيَةِ. وَأَمَّا آيَةُ "الْحَشْرِ" فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَيْءِ لَا في الغنيمة. وقوله: ﴿وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ بِالدُّعَاءِ لِمَنْ سَبَقَهُمْ بِالْإِيمَانِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَلَيْسَ يَخْلُو فِعْلُ عُمَرَ فِي تَوْقِيفِهِ الْأَرْضَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةً اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِهَا، وَطَابَتْ بِذَلِكَ فَوَقَفَهَا. وَكَذَلِكَ رَوَى جَرِيرٌ أَنَّ عُمَرَ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِهَا. وَكَذَلِكَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَبْيِ هَوَازِنَ، لَمَّا أَتَوْهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَصْحَابِهِ عَمَّا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا وَقَفَهُ عُمَرُ فَيْئًا فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى مُرَاضَاةِ أَحَدٍ. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي قَسْمِهَا أَوْ إِقْرَارِهَا وَتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا، وَتَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ كَأَرْضِ الصُّلْحِ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَأَنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَوَسَطٌ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطْعًا، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَوْلَا آخِرُ النَّاسِ، فَلَمْ يُخْبِرْ بِنَسْخِ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَا بِتَخْصِيصِهِ بِهِمْ، غَيْرَ أَنَّ الْكُوفِيِّينَ زَادُوا عَلَى مَا فَعَلَ عُمَرُ، فَإِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا وَقَفَهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُمَلِّكْهَا لِأَهْلِ الصُّلْحِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِأَهْلِ الصُّلْحِ. الرَّابِعَةُ- ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ، وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْغَنِيمَةِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْأَمِيرُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ. إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّمَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا مُقْبِلًا عَلَيْهِ: وَأَمَّا إِذَا قَتَلَهُ مُدْبِرًا عَنْهُ فَلَا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ الْحَدِيثُ (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) عَلَى عُمُومِهِ، لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَسِيرًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ شَيْخًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَلَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ ذَفَّفَ [[تذفيف الجريح: الإجهاز عليه.]] عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ قَتَلَ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُنْهَزِمُ لا يمتنع في انهزامه، وهو كَالْمَكْتُوفِ [[في ز: المكفوف.]]. قَالَ: فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَعَلَ السَّلَبَ لِمَنْ لِقَتْلِهِ مَعْنًى زَائِدٌ، أَوْ لِمَنْ فِي قَتْلِهِ فَضِيلَةٌ، وَهُوَ الْقَاتِلُ فِي الإقبال، لما في ذلك من المئونة. وَأَمَّا مَنْ أُثْخِنَ [[أي أثقل بالجراح.]] فَلَا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، مُقْبِلًا قَتَلَهُ أَوْ مُدْبِرًا، هَارِبًا أَوْ مُبَارِزًا إِذَا كَانَ فِي الْمَعْرَكَةِ. وَهَذَا يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّ سَلَبَهُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا. فَظَاهِرُ هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الطَّبَرِيِّ لِاشْتِرَاطِهِ فِي السَّلَبِ الْقَتْلَ فِي الْمَعْرَكَةِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فِي مَعْرَكَةٍ كَانَ أَوْ غَيْرِ مَعْرَكَةٍ، فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَالْهُرُوبِ وَالِانْتِهَارِ، عَلَى كُلِّ الْوُجُوهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ). قُلْتُ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَوَازِنَ فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَضَحَّى [[أي نتغدى.]] مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فَأَنَاخَهُ، ثُمَّ انْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ [[الطلق (بالتحريك): قيد من جلود. والحقب: الحبل المشدود على حقو البعير أو من حقيبته وهي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب، والوعاء الذي يجعل الرجل فيه زاده.
(عن ابن الأثير).]] فَقَيَّدَ بِهِ الْجَمَلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ يَتَغَدَّى مَعَ الْقَوْمِ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ، وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ فِي الظَّهْرِ [[أي حالة ضعف وهزال في الإبل.]]، وَبَعْضُنَا مُشَاةٌ، إِذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ [[أي خرج مسرعا.]]، فَأَتَى جَمَلَهُ فَأَطْلَقَ قَيْدَهُ ثُمَّ أَنَاخَهُ وَقَعَدَ عَلَيْهِ فَأَثَارَهُ فَاشْتَدَّ بِهِ الْجَمَلُ، فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ [[الأورق من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد.]]. قَالَ سَلَمَةُ: وَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ فَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النَّاقَةِ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ الْجَمَلِ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَأَنَخْتُهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ فِي الْأَرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيْفِي فَضَرَبْتُ رَأْسَ الرَّجُلِ فَنَدَرَ [[ندر: سقط.]]، ثُمَّ جِئْتُ بِالْجَمَلِ أَقُودُهُ، عَلَيْهِ رَحْلُهُ وَسِلَاحُهُ، فَاسْتَقْبَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ: (مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ)؟ قَالُوا: ابْنُ الْأَكْوَعِ. قَالَ: (لَهُ سَلَبَهُ أَجْمَعُ). فَهَذَا سَلَمَةُ قَتَلَهُ هَارِبًا غَيْرَ مُقْبِلٍ، وَأَعْطَاهُ سَلَبَهُ. وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ من أن السلب لا يستحقه القاتل إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى تَكْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ. وَمِنْ حُجَّتِهِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَارَزْتُ رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْتُ سَلَبَهُ، فَأَتَيْتُ سَعْدًا فَخَطَبَ سَعْدٌ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَلَبُ بِشْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِنَّا قَدْ نَفَّلْنَاهُ إِيَّاهُ. فَلَوْ كَانَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ قَضَاءً مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مَا احْتَاجَ الْأَمْرُ أَنْ يُضِيفُوا ذَلِكَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَلَأَخَذَهُ الْقَاتِلُ دُونَ أَمْرِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ ضَرَبَا أَبَا جَهْلٍ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: (أَيُّكُمَا قَتَلَهُ)؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أنا قتلته. فنظر في السيفين فقال: (كلا كما قَتَلَهُ) وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ، إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ لَقَسَمَهُ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُمَا. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ [[أي رجل من المدد الذين جاء وا يمدون جيش مؤتة ويسا عد ونهم.]] مِنَ الْيَمَنِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَقَالَ عَوْفٌ: يَا خَالِدٌ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، ولكني استكثرته. وأخرجه أبو بكر البر قانئ بِإِسْنَادِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِهِ مُسْلِمٌ، وَزَادَ فِيهِ بَيَانًا أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لم يَكُنْ يُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ مَدَدِيًّا كَانَ رَفِيقًا لَهُمْ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فِي طَرَفٍ مِنَ الشَّامِ، قَالَ: فَجَعَلَ رُومِيٌّ مِنْهُمْ يَشْتَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ وَسَرْجٍ مُذْهَبٍ وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ وَسَيْفٍ مُحَلًّى بِذَهَبٍ. قَالَ: فَيُغْرِي بِهِمْ، قَالَ: فَتَلَطَّفَ لَهُ الْمَدَدِيُّ حَتَّى مَرَّ بِهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ، وَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سِلَاحَهُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحَبَسَ مِنْهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِهِ كُلَّهُ، أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ)! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ. قَالَ عَوْفٌ: وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَامٌ، فَقُلْتُ لَهُ: لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَوْفٌ: فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذكر عَوْفٌ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: (لِمَ لَمْ تُعْطِهِ)؟ قَالَ فَقَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ. قَالَ: (فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ) فَقُلْتُ لَهُ: أَلَمْ أُنْجِزْ لَكَ مَا وَعَدْتُكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: (يَا خَالِدُ لَا تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي) [[في ب، ز: أسراى.]]. فَهَذَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ السَّلَبَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بَلْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَنَظَرِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلَّا فِي الْمُبَارَزَةِ خَاصَّةً. الْخَامِسَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَخْمِيسِ السَّلَبِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُخَمَّسُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنْ كَانَ السَّلَبُ يَسِيرًا فَهُوَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا خُمِّسَ. وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ بَارَزَ الْمَرْزُبَانَ فَقَتَلَهُ، فَكَانَتْ قِيمَةُ مِنْطَقَتِهِ وَسِوَارَيْهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَخَمَّسَ ذَلِكَ. أَنَسٌ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِائَةَ رَجُلٍ إِلَّا رَجُلًا مُبَارَزَةً، وَأَنَّهُمْ لَمَّا غَزَوُا الزَّارَةَ [[الزارة: قرية بالبحرين.]] خَرَجَ دِهْقَانُ الزَّارَةِ فَقَالَ: رَجُلٌ وَرَجُلٌ، فَبَرَزَ الْبَرَاءُ فَاخْتَلَفَا بِسَيْفَيْهِمَا ثُمَّ اعْتَنَقَا فَتَوَرَّكَهُ الْبَرَاءُ فَقَعَدَ عَلَى كَبِدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ السَّيْفَ فَذَبَحَهُ، وَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَمِنْطَقَتَهُ وَأَتَى بِهِ عُمَرَ، فَنَفَّلَهُ السِّلَاحَ وَقَوَّمَ الْمِنْطَقَةَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا فَخَمَّسَهَا، وَقَالَ: إِنَّهَا مَالٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ: السَّلَبُ مَغْنَمٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ. وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ. السَّادِسَةُ- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لَا يُعْطَى لِلْقَاتِلِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ على قتله. قال أكثر هم: وَيُجْزِئُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، عَلَى حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ. وَقِيلَ: شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُعْطَاهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَيْسَتِ الْبَيِّنَةُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، بَلْ إِنِ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَهُوَ الْأَوْلَى دَفْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْطَى أَبَا قَتَادَةَ سَلَبَ مقتوله مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَلَا يَمِينٍ. وَلَا تَكْفِي شهادة واحد، ولا يناط بها حكم بمجرد ها. وبه قال الليث بن سعد.
قُلْتُ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ الْمُنْذِرِيَّ الشَّافِعِيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْعَظِيمِ يَقُولُ: إِنَّمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ ﷺ السَّلَبَ بِشَهَادَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ خُزَاعِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ. وَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ النِّزَاعُ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَيَطَّرِدُ الْحُكْمُ. وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ فِيهِ إِلَى بَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ مِنَ الْإِمَامِ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ، فَإِنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ. السَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي السَّلَبِ مَا هُوَ، فَأَمَّا السِّلَاحُ وَكُلُّ مَا يُحْتَاجُ لِلْقِتَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مِنَ السَّلَبِ، وَفَرَسُهُ إِنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ وَصُرِعَ عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْفَرَسِ: لَيْسَ مِنَ السَّلَبِ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي هِمْيَانِهِ [[الهميان: الذي تجعل فيه النفقة. وشداد السراويل.]] وَفِي مِنْطَقَتِهِ دَنَانِيرُ أَوْ جَوَاهِرُ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السَّلَبِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُتَزَيَّنُ بِهِ لِلْحَرْبِ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ السَّلَبِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَيْسَ مِنَ السَّلَبِ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ سَحْنُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَّا الْمِنْطَقَةَ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ السَّلَبِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: وَالسِّوَارَانِ مِنَ السَّلَبِ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ﴿قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] وَلَمْ يُخَمِّسْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَنَائِمَ بَدْرٍ، فَنُسِخَ حُكْمُهُ فِي تَرْكَ التَّخْمِيسِ بِهَذَا. إِلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ" كَانَ لِي شَارِفٌ [[الشارف: الناقة المسنة.]] مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ" الْحَدِيثَ- أَنَّهُ خَمَّسَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ مَرْدُودٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ الَّذِي ذَكَرَ عَلِيٌّ مِنْ إِحْدَى الْغَزَوَاتِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، فَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي [[في شرح المواهب أن غزوة بني سليم هي غزوة البحران.]] سُلَيْمٍ وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَغَزْوَةُ ذِي أَمَرٍّ وَغَزْوَةُ بُحْرَانَ، وَلَمْ يُحْفَظْ فِيهَا قِتَالٌ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ غُنِمَتْ غَنَائِمُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَرُدُّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمِ قَسْمِ غَنَائِمِ بَدْرٍ، إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخُمُسِ إِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ فِي بَدْرٍ تَخْمِيسٌ، مِنْ خُمُسِ سَرِيَّةِ عَبْدِ الله بن جحش فَإِنَّهَا أَوَّلُ غَنِيمَةٍ غُنِمَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ خُمُسٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ". وَهَذَا أَوْلَى مِنَ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّاسِعَةُ- "مَا" فِي قَوْلِهِ: "مَا غَنِمْتُمْ" بِمَعْنَى الَّذِي وَالْهَاءُ مَحْذُوفَةٌ، أَيِ الَّذِي غَنِمْتُمُوهُ. وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ. وَ "إِنْ" الثَّانِيَةَ تَوْكِيدٌ لِلْأُولَى، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو. قَالَ الْحَسَنُ [[هو الحسن بن محمد بن علي المعروف بابن الحنفية.]]: هَذَا مِفْتَاحُ [[أي قوله تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) راجع الحديث في كتاب قسم الفيء في سنن النسائي.]] كَلَامٍ، الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ لِلَّهِ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ. وَاسْتَفْتَحَ عَزَّ وَجَلَّ الْكَلَامَ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ بِذِكْرِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُمَا أَشْرَفُ الْكَسْبِ، وَلَمْ يَنْسُبِ الصَّدَقَةَ إِلَيْهِ لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ. الْعَاشِرَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قَسْمِ الْخُمُسِ عَلَى أَقْوَالٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ- قَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةٍ، فَيُجْعَلُ السُّدُسُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ الَّذِي لِلَّهِ. وَالثَّانِي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَالثَّالِثُ لِذَوِي الْقُرْبَى. وَالرَّابِعُ لِلْيَتَامَى. وَالْخَامِسُ لِلْمَسَاكِينِ،. وَالسَّادِسُ لِابْنِ السَّبِيلِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ: يُرَدُّ السَّهْمُ الَّذِي لِلَّهِ عَلَى ذَوِي الْحَاجَةِ. الثَّانِي- قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيُعْزَلُ مِنْهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَتُقْسَمُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى السَّهْمِ الَّذِي عَزَلَهُ فَمَا قَبَضَ عَلَيْهِ من شي جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، ثُمَّ يَقْسِمُ بَقِيَّةَ السَّهْمِ الَّذِي عَزَلَهُ عَلَى خَمْسَةٍ، سَهْمٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَسَهْمٍ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٍ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ. الثَّالِثُ- قَالَ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَنِ الْخُمُسِ فَقَالَ: هُوَ لَنَا. قُلْتُ لِعَلِيٍّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ" فَقَالَ: أَيْتَامُنَا وَمَسَاكِينُنَا. الرَّابِعُ- قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةٍ. وَرَأَى أَنَّ سَهْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ.
الْخَامِسُ- قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَارْتَفَعَ عِنْدَهُ حُكْمُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَوْتِهِ، كَمَا ارْتَفَعَ حُكْمُ سَهْمِهِ. قَالُوا: وَيُبْدَأُ مِنَ الْخُمُسِ بِإِصْلَاحِ الْقَنَاطِرِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْجُنْدِ، وَرُوِيَ نَحْوَ هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا. السَّادِسُ- قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَيُعْطِي مِنْهُ الْقَرَابَةَ بِاجْتِهَادٍ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَبِهِ قَالَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَبِهِ عَمِلُوا. وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ ﷺ: (مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ). فَإِنَّهُ لَمْ يَقْسِمْهُ أَخْمَاسًا وَلَا أَثْلَاثًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ مَنْ ذَكَرَ عَلَى وَجْهِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهَمِّ مَنْ يُدْفَعُ إِلَيْهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ مُحْتَجًّا لِمَالِكٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل: ﴿يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾[[راجع ج ٣ ص ٢٦.]] [البقرة: ٢١٥] وَلِلرَّجُلِ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ أَنْ يُنْفِقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: خُمُسُ اللَّهِ وَخُمُسُ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يحمل منه ويعطي مِنْهُ وَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شاء. الحادية عشرة- قوله تعالى: "وَلِذِي الْقُرْبى " لَيْسَتِ اللَّامُ لِبَيَانِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ وَالْمَحَلِّ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وربيعة ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَيَا النَّبِيَّ ﷺ، فَتَكَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ، وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فنودي إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ. فَسَكَتَ طَوِيلًا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، قَالَ: وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ [[يقال: ألمع ولمع، إذا أشار بثوبه أو بيده.]] إِلَيْنَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَلَّا تُكَلِّمَاهُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ادْعُوَا لِي مَحْمِيَّةَ [[هو محمية بن جزء، رجل من بني أسد.]] - وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ- ونوفل بن الحارث بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) قَالَ: فَجَاءَاهُ فَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: (أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ) - لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ- فَأَنْكَحَهُ. وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: (أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ) يَعْنِي رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: (أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا). وَقَالَ ﷺ: (مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ). وَقَدْ أَعْطَى جَمِيعَهُ وَبَعْضَهُ، وَأَعْطَى مِنْهُ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَلَيْسَ مِمَّنْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي التَّقْسِيمِ، فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمُوَفِّقُ الْإِلَهُ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قُرَيْشٌ كُلُّهَا، قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا صَعِدَ الصَّفَا جَعَلَ يَهْتِفُ: (يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِي كَعْبٍ يَا بَنِي مُرَّةَ يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ) الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي فِي "الشُّعَرَاءِ" [[راجع ج ١٣ ص ١٤٣.]]. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ: بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا قَسَمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: (إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ إنما بنو هاشم وبنو المطلب شي وَاحِدٌ) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبُخَارِيُّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَزَادَ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ ﷺ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ. وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَأَسْهَمَ النَّبِيُّ ﷺ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، بَيْنَهُمُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ دُونَ الْغَنِيِّ، كَالْيَتَامَى وَابْنِ السَّبِيلِ- وَهُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ- وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِمْ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. الثَّالِثُ- بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والثوري والأوزاعي وغيرهم.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمَ الْخُمُسِ وَسَكَتَ عَنِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ. وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ ورسوله ثم هي لكم). وهذا ما لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَلَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي (أَحْكَامِهِ) وَغَيْرُهُ. بَيْدَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنْ رَأَى أَنْ يَمُنَّ عَلَى الْأُسَارَى بِالْإِطْلَاقِ فَعَلَ، وَبَطَلَتْ حُقُوقُ الْغَانِمِينَ فِيهِمْ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى [[النتنى: جمع نتن، كزمنى وزمن.]] - يَعْنِي أُسَارَى بدر- لتركته لَهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. مُكَافَأَةً لَهُ لِقِيَامِهِ فِي شَأْنِ [نَقْضِ] الصَّحِيفَةِ [[أي الصحيفة التي كتبتها قريش في ألا يبايعوا الهاشمية ولا المطلبية ولا يناكحوهم. وهو مطعم بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مات كافرا في صفر قبل وقعة بدر بنحو سبعة أشهر.
(عن شرح القسطلاني).]]. وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ جَمِيعَهُمْ، وَقَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عقبة ابن أَبِي مُعَيْطٍ مِنْ بَيْنِ الْأَسْرَى صَبْرًا [[صبر الإنسان وغيره على القتل: حبسه ورماه حتى يموت.]]، وَكَذَلِكَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ بِالصَّفْرَاءِ [[موضع قرب بدر.]] صَبْرًا، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَهْمٌ كَسَهْمِ الْغَانِمِينَ، حَضَرَ أَوْ غَابَ. وَسَهْمُ الصَّفِيِّ، يَصْطَفِي سَيْفًا أَوْ سَهْمًا أَوْ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً. وَكَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ مِنَ الصَّفِيِّ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ. وَكَذَلِكَ ذُو الْفَقَارِ [[ذو الفقار: اسم سيف النبي عليه السلام وسمي به لأنه كانت فيه حفر صغار حسان ويقال للحفرة فقرة.]] كَانَ مِنَ الصَّفِيِّ. وَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، إِلَّا عِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ فَإِنَّهُ رَآهُ بَاقِيًا لِلْإِمَامِ يَجْعَلُهُ مَجْعَلَ سَهْمِ النَّبِيِّ ﷺ. وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَرَوْنَ لِلرَّئِيسِ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ. قَالَ شَاعِرُهُمْ:
لَكَ الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا ... وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ [[البيت لعبد الله بن عنمة الضبي يخاطب بسطام بن قيس. والنشيطة: ما أصاب الرئيس في الطريق قبل أن يصير إلى مجتمع الحي. والفضول: ما فضل من القسمة مما لا تصح قسمته على عدد الغزاة كالبعير والفرس ونحوهما (عن اللسان).]]
وَقَالَ آخَرُ:
مِنَّا الَّذِي رَبَعَ الْجُيُوشَ، لِصُلْبِهِ ... عِشْرُونَ وَهْوَ يعد في الأحياء
يُقَالُ: رَبَعَ الْجَيْشَ يَرْبَعُهُ رَبَاعَةً إِذَا أَخَذَ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رُبُعٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخُمُسٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَأْخُذُ بِغَيْرِ شَرْعٍ وَلَا دِينٍ الرُّبُعَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَيَصْطَفِي مِنْهَا، ثم يتحكم بعد الصفي في أي شي أَرَادَ، وَكَانَ مَا شَذَّ مِنْهَا وَمَا فَضَلَ مِنْ خُرْثِيٍّ [[الخرثي (بالضم): أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم.]] وَمَتَاعٍ لَهُ. فَأَحْكَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الدِّينَ بِقَوْلِهِ: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ". وَأَبْقَى سَهْمَ الصَّفِيِّ لِنَبِيِّهِ ﷺ وَأَسْقَطَ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيَّ إِنْ شَاءَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ فَرَسًا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: (أَيْ فُلْ [[الحديث أورده مسلم في كتاب الزهد. قال النووي: بضم الفاء وسكون اللام ومعناه يا فلان وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل هي لغة بمعنى فلان وقال صاحب المرقاة بسكون اللام وتفتح وتضم.]] أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ) الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. "تَرْبَعُ" بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتِهَا: تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ، أَيِ الرُّبُعَ مِمَّا يَحْصُلُ لِقَوْمِكَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَالْكَسْبِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْرِفُهُ فِي كِفَايَةِ أَوْلَادِهِ وَنِسَائِهِ، وَيَدَّخِرُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَ سَنَتِهِ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي الْكُرَاعِ [[الكراع (بالضم): الخيل.]] وَالسِّلَاحِ. وَهَذَا يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ عُمَرُ قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ [[الذي في صحيح مسلم: ( ... فكان ينفق على أهله نفقة سنة ... ) إلخ.]] مِنْهَا قُوتَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ: (وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ). الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- لَيْسَ فِي كِتَابِ [[في ز: ليس في الآية.]] اللَّهِ تَعَالَى دَلَالَةٌ [[في ك: ما يدل.]] عَلَى تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّ رَاجِلًا مِنْ فَارِسٍ. وَلَوْلَا الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَكَانَ الْفَارِسُ كَالرَّاجِلِ، وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ، وَالصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِسْمَةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، فالذي عليه عامة أهل
الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مالك ابن أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ إِلَّا النُّعْمَانَ فَإِنَّهُ خَالَفَ فِيهِ السُّنَنَ وَمَا عَلَيْهِ جُلُّ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ. قَالَ: لَا يُسْهَمُ لِلْفَارِسِ إِلَّا سَهْمٌ وَاحِدٌ. قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: قَالَ الرَّمَادِيُّ كَذَا يَقُولُ ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ لَنَا النَّيْسَابُورِيُّ: هَذَا عِنْدِي وَهْمٌ مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَوْ مِنَ الرَّمَادِيِّ، لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بِشْرٍ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ [[الذي في نسخة الدارقطني: (عن ابن نمير).]] [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [بِخِلَافِ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لفرسه، هكذا رواه عبد الرحمن ابن بِشْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا. وَهَذَا نَصٌّ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعَةٌ أَسْهُمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، سَهْمَيْنِ لِفَرَسِي وَسَهْمًا لِي وَسَهْمًا لِأُمِّي مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَسَهْمًا لِأُمِّهِ سَهْمُ ذَوِي القربى. وخرج عن بشير بن عمرو ابن مُحْصَنٍ قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِفَرَسِي أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِي سَهْمًا، فَأَخَذْتُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَيَنْفُذُ مَا رَأَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- لَا يُفَاضِلُ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ بِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فرس واحد، لأنه أكثر عنا وأعظم منفعة، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَرَوَاهُ سَحْنُونُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ رِوَايَةً عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِأَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَاتِلَ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرَفَاهِيَةٌ وَزِيَادَةُ عُدَّةٍ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي زِيَادَةِ السُّهْمَانِ، كَالَّذِي مَعَهُ زِيَادَةُ سُيُوفٍ أَوْ رِمَاحٍ، وَاعْتِبَارًا بِالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَفْرَاسٌ، لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمٌ. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِلْعِتَاقِ مِنَ الْخَيْلِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَمَا كَانَ مِنَ الْبَرَاذِينِ وَالْهُجُنِ بِمَثَابَتِهَا فِي ذَلِكَ. وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُسْهَمْ له. وقيل: إن أجازهم الْإِمَامُ أَسْهَمَ لَهَا، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَوْضِعِ، فَالْهُجُنُ وَالْبَرَاذِينُ تَصْلُحُ لِلْمَوَاضِعِ الْمُتَوَعِّرَةِ كَالشِّعَابِ وَالْجِبَالِ، وَالْعِتَاقُ تَصْلُحُ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَرُّ وَالْفَرُّ، فَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِرَأْيِ الْإِمَامِ. وَالْعِتَاقُ: خَيْلُ الْعَرَبِ. وَالْهُجُنُ وَالْبَرَاذِينُ: خَيْلُ الرُّومِ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْفَرَسِ الضَّعِيفِ، فَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: لَا يُسْهَمُ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْكَسِيرَ. وَقِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ يُرْجَى بُرْؤُهُ. ولا يسهم للا عجف إِذَا كَانَ فِي حَيِّزِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، كَمَا لَا يُسْهَمُ لِلْكَسِيرِ. فَأَمَّا الْمَرِيضُ مَرَضًا خَفِيفًا مِثْلَ الرَّهِيصِ [[الرهيص: الذي أصابته الرهصة وهي وقره- صدع- تصيب باطن حافر الفرس توهنه.]]، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ الْمَرَضُ عَنْ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ. وَيُعْطَى الْفَرَسُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُسْتَأْجَرُ، وَكَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ، وَسَهْمُهُ لِصَاحِبِهِ. وَيَسْتَحِقُّ السَّهْمَ لِلْخَيْلِ وَإِنْ كَانَتْ فِي السُّفُنِ وَوَقَعَتِ الغنيمة في البحر، لأنها معدة لنزول إِلَى الْبَرِّ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- لَا حَقَّ فِي الْغَنَائِمِ لِلْحَشْوَةِ [[الحشوة (بضم الحاء وكسرها) رذالة الناس.]] كَالْأُجَرَاءِ وَالصُّنَّاعِ الَّذِينَ يَصْحَبُونَ الْجَيْشَ لِلْمَعَاشِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا قِتَالًا وَلَا خَرَجُوا مُجَاهِدِينَ. وَقِيلَ: يُسْهَمُ لَهُمْ، لِقَوْلِهِ ﷺ: (الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ جَاءَ بيانا لِمَنْ بَاشَرَ الْحَرْبَ وَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَكَفَى بِبَيَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُقَاتِلِينَ وَأَهْلَ الْمَعَاشِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَالُهَا فِي حُكْمِهَا، فَقَالَ: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[[راجع ج ١٩ ص ٥٤.]] [المزمل: ٢٠] إِلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا قَاتَلُوا لَا يَضُرُّهُمْ كَوْنُهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ، لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ قَاتَلَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي الْأَجِيرِ: لَا يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ قَاتَلَ. وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ [[أحسه: أزيل التراب عنه بالمحسة.]] وَأَخْدُمُهُ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَهْمَيْنِ، سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِي. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَصَّارِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: (هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الدَّنَانِيرُ حَظُّهُ [[في ز: حصته.]] وَنَصِيبُهُ مِنْ غَزْوَتِهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ). التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ- فَأَمَّا الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ فَمَذْهَبُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَلَا يُرْضَخُ [[الرضخ: العطاء ليس بالكثير.]]. وَقِيلَ: يُرْضَخُ لَهُمْ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ قَاتَلَتِ الْمَرْأَةُ أُسْهِمَ لَهَا. وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. خَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ فِي كِتَابِهِ إِلَى نَجْدَةَ [[هو نجدة بن عامر الحنفي كان من رؤساء الخوارج.]]: تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ [[يحذين: يعطين الحذوة (بكسر الحاء وضمها) وهي العطية.]] مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يُضْرَبْ لَهُنَّ. وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَإِنْ كَانَ مُطِيقًا لِلْقِتَالِ فَفِيهِ عِنْدَنَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْإِسْهَامُ وَنَفْيُهُ حَتَّى يَبْلُغَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُقَاتِلَ فَيُسْهَمَ لَهُ أَوْ يُقَاتِلَ فَلَا يُسْهَمَ لَهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ مَنْ أَنْبَتَ وَيُخَلَّى مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ. وهذه مراعاة لا طاقة الْقِتَالِ لَا لِلْبُلُوغِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْغِلْمَانُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَيُلْحِقُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ، فَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامًا فَأَلْحَقَ غُلَامًا وَرَدَّنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَقْتَهُ وَرَدَدْتَنِي، وَلَوْ صَارَعَنِي صَرَعْتُهُ قَالَ: فَصَارَعَنِي فَصَرَعْتُهُ فَأَلْحَقَنِي. وَأَمَّا الْعَبِيدُ فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ أَيْضًا وَيُرْضَخُ لهم. الموفية عشرين- الْكَافِرُ إِذَا حَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقَاتَلَ فَفِي الْإِسْهَامِ لَهُ عِنْدَنَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْإِسْهَامُ وَنَفْيُهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ. وَيُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ- وَهُوَ لِسَحْنُونَ- بَيْنَ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْمُسْلِمُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ، أَوْ لَا يَسْتَقِلُّوا وَيَفْتَقِرُوا إِلَى مَعُونَتِهِ فَيُسْهَمُ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ مَعَ الْأَحْرَارِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا اسْتُعِينَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أُسْهِمَ لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَسْتَأْجِرُهُمُ الْإِمَامُ مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَعْطَاهُمْ سَهْمَ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يُرْضَخُ لِلْمُشْرِكِينَ إِذَا قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ أَنَّ الْعَبْدَ، وَهُوَ مِمَّنْ [[في ب: وهو مؤمن يجوز. إلخ.]] يَجُوزُ أَمَانُهُ، إِذَا قَاتَلَ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ وَلَكِنْ يُرْضَخُ، فَالْكَافِرُ بِذَلِكَ أَوْلَى أَلَّا يُسْهَمَ لَهُ. الْحَادِيَةَ وَالْعِشْرُونَ- لَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لُصُوصًا وَأَخَذُوا مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَهُوَ لَهُمْ وَلَا يُخَمَّسُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِنَ النِّسَاءِ. فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَقَالَ سَحْنُونُ. لَا يُخَمَّسُ مَا يَنُوبُ الْعَبْدَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُخَمَّسُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ وَيُقَاتِلَ عَلَى الدِّينِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إِذَا خَرَجَ الْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ من الجيش وغنما فالغنيمة للجيش دونهم.
الثَّانِيَةَ وَالْعِشْرُونَ- سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ شُهُودُ الْوَقْعَةِ لِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَلَوْ شَهِدَ آخِرَ الْوَقْعَةِ اسْتَحَقَّ. وَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ فَلَا. وَلَوْ غَابَ بِانْهِزَامٍ فَكَذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ قَصَدَ التَّحَيُّزَ إِلَى فِئَةٍ فَلَا يَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُهُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا، وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لِيفٌ، فَقَالَ أَبَانٌ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: [فَقُلْتُ [[[من ج، ز، ك.]] لَا تَقْسِمْ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبَانٌ: أَنْتَ بِهَا يا وبرا [[الوبر: دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين شديدة الحياء. والضال: شجر السدر من شجر الشوك، وفي ب تدلى علينا من قدوم ضال.]] تَحَدَّرَ عَلَيْنَا مِنْ رَأْسٍ ضَالٍّ [[الوبر: دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين شديدة الحياء. والضال: شجر السدر من شجر الشوك، وفي ب تدلى علينا من قدوم ضال.]]. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (اجْلِسْ يَا أَبَانُ) وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. الثَّالِثَةَ وَالْعِشْرُونَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ خَرَجَ لِشُهُودِ الْوَقْعَةِ فَمَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنْهُ كَمَرَضٍ، فَفِي ثُبُوتِ الْإِسْهَامِ لَهُ وَنَفْيِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: يُفَرَّقُ فِي الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، فَيُثْبِتُهُ إِنْ كَانَ الضَّلَالُ قَبْلَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْإِدْرَابِ [[أدرب القوم: إذا دخلوا أرض العدو.]]، وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَيَنْفِيهِ إِنْ كَانَ قَبْلَهُ. وَكَمَنَ بَعَثَهُ الْأَمِيرُ مِنَ الْجَيْشِ فِي أَمْرٍ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ شُهُودِ الْوَقْعَةِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ لَا يُسْهَمُ لَهُ بَلْ يُرْضَخُ لَهُ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّهْمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْهَمُ لِلْأَسِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَدِيدِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْقِتَالِ، فَمَنْ غَابَ أَوْ حَضَرَ مَرِيضًا كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ. الرَّابِعَةَ وَالْعِشْرُونَ- الْغَائِبُ الْمُطْلَقُ لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِغَائِبٍ قَطُّ إِلَّا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ أَسْهَمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَابَ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها﴾[[راجع ج ١٦ ص ٢٧٨.]] [الفتح: ٢٠]، قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقَسَمَ يَوْمَ بَدْرٍ لِعُثْمَانَ وَلِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَطَلْحَةَ، وَكَانُوا غَائِبِينَ، فَهُمْ كَمَنْ حَضَرَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَأَمَّا عُثْمَانُ فَإِنَّهُ تَخَلَّفَ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَمْرِهِ مِنْ أَجْلِ مَرَضِهَا. فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، فَكَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا [[في ب: فبعد لذلك في أهل بدر.]]. وَأَمَّا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَكَانَ بِالشَّامِ فِي تِجَارَةٍ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، فَيُعَدُّ لِذَلِكَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ. وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَكَانَ غَائِبًا بِالشَّامِ أَيْضًا فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. فَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الْبَدْرِيِّينَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ مِيعَادًا مِنَ اللَّهِ اخْتَصَّ بِهِ أُولَئِكَ النَّفَرَ فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ. وَأَمَّا عُثْمَانُ وَسَعِيدٌ وَطَلْحَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَسْهَمَ لَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ، لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَقِيَ لِعُذْرٍ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَسَعِيدٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ. وَأَنَّ سَهْمَهُمْ كَانَ مِنْ صُلْبِ الْغَنِيمَةِ كَسَائِرِ مَنْ حَضَرَهَا لَا مِنَ الْخُمُسِ. هَذَا الظَّاهِرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ). الْخَامِسَةَ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى "إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ" قَالَ الزَّجَّاجُ عَنْ فِرْقَةٍ: الْمَعْنَى فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ إِنْ كُنْتُمْ، فَ (إِنْ) مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذَا الْوَعْدِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّ (إِنْ) مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ". قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ "وَاعْلَمُوا" يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالِانْقِيَادِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْغَنَائِمِ، فَعَلَّقَ (إِنْ) بِقَوْلِهِ: "وَاعْلَمُوا" عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ فَانْقَادُوا وَسَلِّمُوا لِأَمْرِ اللَّهِ فِيمَا أَعْلَمَكُمْ به من حال قسمة الغنيمة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ﴾ [[المتبادر أن المسألة السادسة والعشرين هي هذه الآية لأنها من تمام الكلام.]] (مَا) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ "يَوْمَ الْفُرْقانِ" أَيِ الْيَوْمُ الَّذِي فَرَّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ.
(يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) حِزْبُ اللَّهِ وَحِزْبُ الشَّيْطَانِ.
(وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
{"ayah":"۞ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا یَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق