الباحث القرآني

أَنَّما غَنِمْتُمْ ما موصولة. ومِنْ شَيْءٍ بيانه. قيل: من شيء حتى الخيط والمخيط، فَأَنَّ لِلَّهِ مبتدأ خبره محذوف، تقديره: فحق، أو فواجب أن الله خمسه. وروى الجعفي عن أبى عمرو، فإن الله بالكسر. وتقويه قراءة النخعي: فلله خمسه. والمشهورة آكد وأثبت للإيجاب، كأنه قيل: فلا بد من ثبات الخمس فيه، لا سبيل إلى الإخلال به والتفريط فيه، من حيث إنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات، كقولك: ثابت واجب حق لازم، وما أشبه ذلك، كان أقوى لإيجابه من النص على واحد، وقرئ: خمسه بالسكون فإن قلت: كيف قسمة الخمس؟ قلت: عند أبى حنيفة رحمه الله أنها كانت في عهد رسول الله ﷺ على خمسة أسهم: سهم لرسول الله ﷺ، وسهم لذوي قرباء من بنى هاشم وبنى المطلب، دون بنى عبد شمس وبنى نوفل، استحقوه حينئذ بالنصرة والمظاهرة، لما روى عن عثمان وجبير بن مطعم رضى الله عنهما، أنهما قالا لرسول الله ﷺ: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم، أرأيت إخواننا بنى المطلب أعطيتهم وحرمتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة: فقال ﷺ: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، وشبك بين أصابعه [[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة من طريق سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم بتمامه وهو في الصحيح دون قوله «لم يفارقونى» .]] وثلاثة أسهم: لليتامى والمساكين، وابن السبيل. وأمّا بعد رسول الله ﷺ فسهمه ساقط بموته، وكذلك سهم ذوى القربى، وإنما يعطون لفقرهم، فهم أسوة سائر الفقراء، ولا يعطى أغنياؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وابن السبيل. وأمّا عند الشافعي رحمه الله فيقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول الله ﷺ يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين: كعدّة الغزاة من السلاح والكراع [[قوله «من السلاح والكراع» الكراع: هو اسم جمع الخيل اه صحاح. (ع)]] ونحو ذلك. وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم، يقسم بينهم الذكر مثل حظ الأنثيين. والباقي للفرق الثلاث. وعند مالك ابن أنس رحمه الله: الأمر فيه مفوّض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين هؤلاء، وإن رأى أعطاه بعضهم دون بعض، وإن رأى غيرهم أولى وأهم فغيرهم. فإن قلت: ما معنى ذكر الله عز وجل وعطف الرسول وغيره عليه [[قال محمود «إن قلت ما معنى ذكر الله وعطف الرسول وغيره عليه ... الخ» قال أحمد: لأن مالكا رضى الله عنه لا يرى ذكر الوجوه المذكورة لبيان أنه لا يصرف فيما سواها، وليس لأن يتملكاها ولا على التحديد حتى لا يجوز الاقتصار على بعض الوجوه دون بعض، بل الأمر عنده موكول إلى نظر الامام فيصرف الخمس في مصالح المسلمين ومن جملتها قرابته عليه الصلاة والسلام، ولا تحديد عنده في ذلك البتة، وهذا التأويل الثالث ينطبق على مذهبه، وبيان ذلك أن المراد حينئذ بذكر الله تعالى بيان أن الخمس يصرف في وجوه التقربات لله تعالى غير مقيد، ثم تخصيص الوجوه المذكورة بعد ليس تحديداً، ولكن تنبيها على فضلها والتخصيص لقصد التفصيل بعد التعميم لا يرفع حكم العموم الأول، بل هو قار على حاله، كما أن العموم ثابت للملائكة وإن خص جبريل وميكال، بعده، والله تعالى أعلم.]] قلت: يحتمل أن يكون معنى لله وللرسول، لرسول الله ﷺ، كقوله وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وأن يراد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلى وجه من وجوه القرب. وأن يراد بقوله فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ أن من حق الخمس أن يكون متقرّبا به إليه لا غير. ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة، تفضيلا لها على غيرها. كقوله تعالى وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فعلى الاحتمال الأول مذهب الإمامين. وعلى الثاني ما قال أبو العالية: أنه يقسم على ستة أسهم: سهم لله تعالى يصرف إلى رتاج الكعبة [[قوله «يصرف إلى رتاج الكعبة» في الصحاح «الرتج» بالتحريك: الباب العظيم، وكذلك الرتاج. ومنه. وتاج الكعبة، (ع)]] . وعنه: كان رسول الله ﷺ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم الله تعالى، ثم يقسم ما بقي على خمسة [[أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل من طريق الربيع بن أنس عن أبى العالية. قال «كان النبي ﷺ إذا أتى بالغنيمة قسمها خمسة أقسام، ثم يقبض بيده قبضة من الخمس أجمع ثم يقول: هذه الكعبة. ثم يقول لا تجعلوا لله نصيباً فان لله الآخرة والدنيا ثم يأخذ سهما لنفسه وسهما لذي القربى وسهما اليتامى، وسهما لمساكين، وسهما لابن السبيل، أخرجه أبو عبيدة في الأموال، والطبري من هذا الوجه.]] . وقيل: إن سهم الله تعالى لبيت المال، وعلى الثالث مذهب مالك بن أنس. وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه كان على ستة أسهم لله وللرسول سهمان، وسهم لأقاربه حتى قبض، فأجرى أبو بكر رضى الله عنه الخمس على ثلاثة. وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء. وروى أنّ أبا بكر رضى الله عنه منع بنى هاشم الخمس وقال: إنما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيمكم ويخدم من لا خادم له منكم، فأما الغنى منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنىّ لا يعطى من الصدقة شيئا، ولا يتيم موسر. وعن زيد بن على رضى الله عنه: كذلك قال، ليس لنا أن نبنى منه قصوراً، ولا أن نركب منه البراذين. وقيل: الخمس كله للقرابة. وعن على رضى الله عنه أنه قيل له: إنّ الله تعالى قال وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ فقال: أيتامنا ومساكيننا. وعن الحسن رضى الله عنه في سهم رسول الله ﷺ: أنه لولى الأمر من بعده. وعن الكلبي رضى الله عنه أنّ الآية نزلت ببدر. وقال الواقدي: كان الخمس في غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال، على رأس عشرين شهراً من الهجرة. فإن قلت: بم تعلق قوله إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ؟ قلت: بمحذوف يدل عليه وَاعْلَمُوا المعنى: إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنّ الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة، وليس المراد بالعلم المجرّد، ولكنه العلم المضمن بالعمل، والطاعة لأمر الله تعالى، لأنّ العلم المجرّد يستوي فيه المؤمن والكافر وَما أَنْزَلْنا معطوف على بِاللَّهِ أى إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل عَلى عَبْدِنا وقرئ عبدنا كقوله وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ بضمتين يَوْمَ الْفُرْقانِ يوم بدر. والْجَمْعانِ الفريقان من المسلمين والكافرين. والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقدر على أن ينصر القليل على الكثير والذليل على العزيز، كما فعل بكم ذلك اليوم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب