الباحث القرآني
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَإذا أعانَكم مَوْلاكم عَلَيْهِمْ وغَلَبْتُمُوهم وغَنِمْتُمْ فِيهِ فَلا تَنْسُبُوا إلى أنْفُسِكم فِعْلًا، بَلِ اعْلَمُوا أنَّهُ هو الفاعِلُ وحْدَهُ لِأنَّ جَمِيعَ الأفْعالِ مُتَلاشِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلى فِعْلِهِ فَلا تَتَنازَعُوا في المَغْنَمِ تَنازُعَ مَن أخَذَهُ بِقُوَّتِهِ وحازَهُ بِقُدْرَتِهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (p-٢٨٣)﴿واعْلَمُوا﴾ ابْتِداءً بِهَذا الأمْرِ إشارَةً إلى أنَّ ما بَعْدَها مِنَ المُهِمّاتِ لِيَبْذُلُوا الجُهْدَ في تَفْرِيغِ أذْهانِهِمْ لِوَعْيِهِ وتَنْزِيلِهِ مَنازِلَهُ ورَعْيِهِ ﴿أنَّما﴾ أيِ: الَّذِي ﴿غَنِمْتُمْ﴾ الغَنِيمَةُ لُغَةً: الفَوْزُ بِالشَّيْءِ، وشَرْعًا: ما دَخَلَ في أيْدِي المُسْلِمِينَ مِن مالِ الكُفّارِ قَهْرًا بِالخَيْلِ والرِّكابِ، وزادَ في التَّعْمِيمِ حَتّى لِأقَلِّ ما يُمْكِنُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن شَيْءٍ﴾ أيْ: حَتّى الخَيْطِ والمَخِيطِ فَإنَّهُ كُلَّهُ لَهُ؛ لِأنَّهُ النّاصِرُ وحْدَهُ وإنَّما أنْتُمْ آلَةٌ لا قُدْرَةَ لَكم عَلى مُقاوَمَةِ الأعْداءِ لِأنَّهم جَمِيعُ أهْلِ الأرْضِ ولا نِسْبَةَ لَكم مِنهم في عَدَدٍ ولا قُوَّةٍ أصْلًا، فالجارِي عَلى مِنهاجِ العَدْلِ المُتَعارَفِ عِنْدَكم أنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ ولا يُمَكِّنَكم مِن شَيْءٍ مِنهُ كَما كانَ فِيمَن قَبْلَكُمْ، يُعْزَلُ فَتَنْزِلُ نارٌ مِنَ السَّماءِ فَتَأْكُلُهُ، ولَكِنَّهُ سُبْحانَهُ - عَلِمَ ضَعْفَكم فَمَنَّ عَلَيْكم بِهِ ورَضِيَ مِنكم مِنهُ بِالخُمْسِ فَسَمّاهُ لِنَفْسِهِ ورَدَّهُ عَلَيْكُمْ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ﴿خُمُسَهُ﴾
ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أجَلُّ مَن أنْ يَنالَهُ نَفْعٌ أوْ ضُرٌّ، كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ ذِكْرَ اسْمِهِ سُبْحانَهُ إنَّما هو لِلْإعْلامِ بِأنَّ إسْلامَ هَذا الخُمْسِ والتَّخَلِّيَ عَنْهُ لا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ، وإنَّما هو لِمَحْضِ الدِّينِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ سُبْحانَهُ، فَذَكَرَ مَصْرِفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولِلرَّسُولِ﴾ أيْ: يُصْرَفُ إلَيْهِ خُمْسُ هَذا الخُمْسِ ما دامَ حَيًّا لِيَصْرِفَهُ في مَصالِحِ المُسْلِمِينَ، ويُصْرَفُ بَعْدَهُ إلى القائِمِ مَقامَهُ، يَفْعَلُ فِيهِ ما كانَ ﷺ يَفْعَلُهُ ﴿ولِذِي القُرْبى﴾ أيْ: مِنَ الرَّسُولِ، وهُمُ الآلُ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الزَّكاةُ: بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ ﴿واليَتامى﴾ أيْ: لِضَعْفِهِمْ ﴿والمَساكِينِ﴾ لِعَجْزِهِمْ ﴿وابْنِ السَّبِيلِ﴾ أيِ: المُسافِرِ لِأنَّ الأسْفارَ مَظِنّاتُ الِافْتِقارِ، فالحاصِلُ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمْ يَرْزَأْكم مِن (p-٢٨٤)المَغْنَمِ شَيْئًا، فاعْرِفُوا فَضْلَهُ عَلَيْكم أوَّلًا بِالإنْعامِ بِالنَّصْرِ، وثانِيًا بِحِلِّ المَغْنَمِ، وثالِثًا بِالإمْكانِ مِنَ الأرْبَعَةِ الأخْماسِ، ورابِعًا بِرَدِّ الخُمْسِ الخامِسِ فِيكُمْ، فاشْتَغِلُوا بِشُكْرِهِ فَضْلًا عَنْ أنْ تَغْفُلُوا عَنْ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ أنْ تَتَوَهَّمُوا أنَّ بِكم فِعْلًا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ شَيْئًا فَضْلًا عَنْ أنْ تَفْعَلُوا مِنَ المُنازَعَةِ في المَغْنَمِ فِعْلَ القاطِعِ بِالِاسْتِحْقاقِ، اعْلَمُوا ذَلِكَ كُلَّهُ عِلْمَ المُصَدِّقِ المُؤْمِنِ المُذْعِنِ لِما عَلِمَ لِتَنْشَأ عَنْهُ ثَمَرَةُ العَمَلِ ﴿إنْ كُنْتُمْ﴾ صادِقِينَ في أنَّكم ﴿آمَنتُمْ بِاللَّهِ﴾ أيِ: الَّذِي لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ ﴿وما﴾ أيْ: وبِالَّذِي ﴿أنْـزَلْنا﴾ أيْ: إنْزالًا واحِدًا سَرِيعًا لِأجْلِ التَّفْرِيجِ عَنْكم مِنَ القُرْآنِ والجُنُودِ والسَّكِينَةِ في قُلُوبِكم وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا تَقَدَّمَ وصْفُهُ ﴿عَلى عَبْدِنا﴾ أيِ: الَّذِي يَرى دائِمًا أنَّ الأفْعالَ كُلَّها لَنا فَلا يَنْسُبُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا إلّا بِنا ﴿يَوْمَ الفُرْقانِ﴾ أيْ: يَوْمِ بَدْرٍ الَّذِي جَعَلْنا لَكم فِيهِ عِزًّا يَنْفُذُ بِهِ أقْوالُكم وأفْعالُكم في فَصْلِ الأُمُورِ.
ولَمّا وصَفَهُ سُبْحانَهُ بِالفُرْقانِ تَذْكِيرًا لَهم بِالنِّعْمَةِ، بَيَّنَهُ بِما صَوَّرَ حالَهم إتْمامًا لِذَلِكَ - أوْ أبْدَلَ مِنهُ - فَقالَ: ﴿يَوْمَ التَقى﴾ أيْ: عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ بَلْ بِمَحْضِ تَدْبِيرِ اللَّهِ ﴿الجَمْعانِ﴾ أيِ: اللَّذانِ أحَدُهُما أنْتُمْ وكُنْتُمْ حِينَ التَّرائِي - لَوْلا فَضْلُنا - قاطِعِينَ بِالمَوْتِ، وثانِيهِما: أعْداؤُكم وكانُوا عَلى اليَقِينِ بِأنَّكم في قَبْضَتِهِمْ، وذَلِكَ هو الجارِي عَلى مَناهِجِ العَوائِدِ، ولَوْ قِيلَ: يَوْمِ بَدْرٍ، لَمْ يُفِدْ هَذِهِ الفَوائِدَ.
ولَمّا كانَ انْعِكاسُ الأمْرِ في النَّصْرِ مَحَلَّ عَجَبٍ، خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: (p-٢٨٥)﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ: مِن نَصْرِ القَلِيلِ عَلى الكَثِيرِ وعَكْسِهِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن جَمِيعِ الأُمُورِ ﴿قَدِيرٌ﴾ فَكانَ خَتْمُها بِذَلِكَ كاشِفًا لِلسِّرِّ ومُزِيلًا لِلْعَجَبِ ومُبَيِّنًا أنَّ ما فُعِلَ هو الجارِي عَلى سُنَنِ سُنَّتِهِ المُطَّرِدِ في قَدِيمِ عادَتِهِ عِنْدَ مَن يَعْلَمُ أيّامَهُ الماضِيَةَ في جَمِيعِ الأعْصُرِ الخالِيَةِ.
{"ayah":"۞ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا یَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











