الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾، قال الليث: "يقال سلخت الشهر إذا خرجت منه فصرت في آخر يومه [[في كتاب"العين" و"تهذيب اللغة": في آخر يوم منه.]]، وانسلخ [[في النسخة (ح): (فانسلخ). وما أثبته موافق لكتاب "العين" و"تهذيب اللغة".]] الشهر" [["تهذيب اللغة" (سلخ) 2/ 1730، والنص في كتاب"العين" (سلخ) 4/ 198.]]، وكشف أبو الهيثم [[تقدمت ترجمته.]] عن هذا المعنى فقال: "يقال: أهللنا هلال شهر كذا أي دخلنا فيه ولبسناه فنحن نزداد كل ليلة إلى مضي نصفه [[في (ى): (نفسه)، وهو خطأ.]] لباسًا منه ثم نسلخه عن أنفسنا [بعد تكامل النصف منه جزءًا فجزءًا حتى نسلخه عن أنفسنا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] كله فينسلخ، وأنشد [[البيت بغير نسبة في: "تهذيب اللغة" (سلخ) 2/ 1731، و"أساس البلاغة" (سلخ) 2/ 453، و"لسان العرب" (سلخ) 4/ 2063.]]: إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله ... كفى قاتلا سلخي الشهور وإهلالي [[اهـ كلام أبي الهيثم، انظر: "تهذيب اللغة" (سلخ) 2/ 1731.]] واختلفوا في معنى الأشهر الحرم هاهنا فمنهم من حملها على ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ويحل [[ساقط من (ح).]] القتال بانسلاخ المحرم على الإطلاق عند من جعل تاريخ [[في (م): (من تاريخ).]] الأشهر الأربعة من أول شوال وهو وقت نزول براءة [[هذا قول الزهري وحده، وقد سبق تخريجه، وانظر رد هذا القول هناك، وفي "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 412.]]، ومن قال: إن تاريخ الأشهر الأربعة من يوم النحر حمل قوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [على التخصيص، ومعناه: فإذا انسلخ الأشهر الحرم ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ى).]] الذين أمهلناهم خمسين يومًا وهم الذين لم يكن لهم ذمة سابقة مع رسول الله -ﷺ-، هذا على قول من يقول الأشهر الحرم هذه الثلاثة التي تعرف بالحرم [[روى هذا القول ابن جرير 10/ 60 - 61، عن ابن عباس والضحاك وقتادة.]] ومنهم من قال: المراد بالأشهر الحرم شهور العهد [[يعني شهور السياحة التي ذكرها الله بقوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: 2]. إذ أن هذا هو قول جميع من نسب إليهم المؤلف هذا القول، وذكر الشوكاني في تفسيره 2/ 337 احتمالاً آخر للمراد بها، وأنها المشار إليها بقوله تعالى: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾.]]، قيل لها: حرم لأن الله تعالى حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين، فإذا مضت قد [[في (ح): (ذلك)، وفي (ى): (دلل)، ولا معنى لهما.]] حل قتالهم عامًا مطلقًا، وهذا قول الحسن [[ذكره عنه الهواري 2/ 114، والماوردي 2/ 340، وابن الجوزي 3/ 398.]]، ومجاهد [[رواه ابن جرير 10/ 79، والثعلبي 6/ 79 ب، والبغوي 4/ 13، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 384 - 385، وهو في "تفسير مجاهد" ص 363.]]، وابن إسحاق [[انظر: "السيرة النبوية" 4/ 204.]]، وابن زيد [[رواه ابن جرير 10/ 79، والثعلبي 6/ 79 ب.]]، وعمرو بن شعيب (¬2)، والسدي [[رواه ابن جرير 10/ 79، وابن أبي حاتم 6/ 1752 - 1753.]]. وقوله تعالى: ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ يوجب تعميم الحل والحرم، قال الفراء: "في الأشهر الحرم وغيرها في الحل والحرم" [["معاني القرآن" 1/ 421.]] ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ أي [[ساقط من (م).]] بالأسر، والأخيذ: الأسير ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ معنى الحصر: المنع عن الخروج من محيط، قال ابن عباس: يريد: إن تحصنوا فاحصروهم" [[ذكره ابن الجوزي في"زاد المسير" 3/ 398.]]، وقال الفراء: "حصرهم: أن يمنعوا من البيت الحرام" [["معاني القرآن" 1/ 421.]]، وقال ابن الأنباري: "يريد: أن احبسوهم واقطعوهم عن البيت الحرام". وقوله تعالى: ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ المرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو، من قولهم: رصدت فلانًا أرصده: إذا ترقبته، قال المفسرون [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 78، والسمرقندي 2/ 34، والثعلبي 6/ 79 ب، والبغوي 4/ 13.]]: يقول: اقعدوا لهم على كل طريق يأخذون فيه إلى البيت أو إلى تجارة، قال أبو عبيدة في قوله: ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ المعنى: كل طريق" [["مجاز القرآن" 1/ 253 بمعناه.]]، وقال أبو الحسن الأخفش: " (على) محذوفة، المعنى: على كل مرصد، وأنشد [[البيت لرجل من قيس، كما في كتاب "المعاني الكبير" 1/ 386، وهو بلا نسبة في "معاني القرآن" للأخفش 1/ 85، و"لسان العرب" (رخص) 3/ 1616.]]: نغالي اللحم للأضياف نيئًا ... ونرخصه إلا نضج القدور المعنى نغالى باللحم [[اهـ كلام الأخفش، انظر: "معاني القرآن" له 1/ 353.]]، فحذف الباء هاهنا فكذلك حذف (على)، قال الزجاج: " ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ ظرف، كقولك: ذهبت مذهبًا، وذهبت طريقًا، وذهبت كل طريق، فلست تحتاج أن تقول في هذا إلا بما تقوله في الظروف نحو: خلف وأمام وقدام" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 431.]]. قال أبو علي: "ذهب أبو الحسن إلى أن المرصد اسم للطريق كما فسره أبو عبيدة، وإذا [[في (ح): (فإذا)، وما أثبته موافق لما في "الإغفال".]] كان اسمًا [[في (ح): (اسم).]] للطريق كان مخصوصًا، وإذا كان مخصوصًا وجب ألا يصل الفعل الذي لا يتعدى إليه إلا بحرف جر [[كلمة (جر) ليست موجودة في "الإغفال".]] نحو: ذهبت إلى زيد، وقعدت على الطريق، إلا أن يجيء في ذلك اتساع فيكون الحرف معه محذوفًا كما حكاه سيبويه [[انظر: "كتاب سيبويه" 1/ 414.]] من قولهم: ذهبت الشام ودخلت البيت فالأسماء المخصوصة إذا تعدت إليها الأفعال التي لا تتعدى فإنما هو على الاتساع، والحكم في تعديها إليها والأصل أن يكون بالحرف، وقد غلط أبو إسحاق في قوله [[في "الإغفال": قوله -عز وجل-.]]: ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ ظرف كقولك ذهبت مذهبًا في أن جعل الطريق ظرفًا كالمذهب وليس الطريق بظرف، ألا ترى [أن الطريق] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ي)، وفي "الإغفال": إلا أنه مكان ... إلخ.]] مكان مخصوص كما أن البيت والمسجد مخصوصان، وقد نص سيبويه على اختصاصه [[انظر: "كتاب سيبويه" 1/ 35.]] والنص به ليس كالمذهب والمكان، ألا ترى أنَّه حمل قول ساعدة [[هو: ساعدة بن جؤية الهذلي، من شعراء هذيل المجيدين، وشعره محشو بالغريب والمعاني الغامضة، وهو من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وقد أسلم، ولم يلق النبي -ﷺ-. انظر: "خزانة الأدب" 1/ 476، و"سمط اللآلئ" ص 115، و"الأعلام" 3/ 70.]]: لَدْنٌ بهز الكف [[في (ى): (الكهف).]] يعسل متنه ... فيه [[ساقطة من (م).]] كما عسل الطريق الثعلب [[البيت لساعدة بن جؤية كما في "شرح أشعار الهذليين" ص 1120، و"كتاب سيبويه" 1/ 36، و"لسان العرب" (عسل) 5/ 2946، و"نوادر أبي زيد" ص15. ورواية المصدر الأول: لذٌ. أي تلذ الكف بهزه. ومعنى: لدن: أي لين. والمتن: الظهر، ويعسل: يضطرب، وعسل الطريق الثعلب: أي اضطرب في الطريق. والشاعر يصف سنانًا مرهفًا يهتز في الكف. انظر: "شرح أشعار الهذليين" ص 1119، 1120، و"لسان العرب" (عسل) 5/ 2946.]] على أنه حذف الحرف اتساعًا، كما حذف عنده من ذهبت الشام [[انظر: "كتاب سيبويه" (1/ 35، 36).]]، وقال أبو إسحاق في هذا المعنى خلاف ما قاله هنا، [وهو أنه قال في قوله -عز وجل- [[في"الإغفال": ألا ترى أنه قال في قوله "لأقعدن .... " إلخ.]]: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: 16]: أي على طريقك، قال: ولا اختلاف بين النحويين أن (على) محذوفة" [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 324.]]، وإذا كان كذلك بلا خلاف لم يجز أن يجعله ههنا مثل ما هو ظرف [[في "الإغفال": مبهم ظرف.]] بلا خلاف من قوله: ذهبت مذهبًا، وإذا كان الصراط [اسمًا للطريق وكان اسمًا مخصوصًا ومما لا يصح أن يكون ظرفًا لاختصاصه فالمرصد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] أيضًا [[في (ى): (هاهنا).]] مثله في الاختصاص، وأن لا يكون ظرفًا، كما لم يكن الصراط والطريق ظرفًا" [[انظر: "الإغفال"، سورة التوبة، المسألة الأولى ص 848 - 852.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾، قال ابن عباس: "يريد: من الشرك" [["تنوير المقباس" 187.]]، ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ قال أصحابنا [[يعني أئمة الشافعية. انظر: "كتاب الأم" 1/ 424، و"أحكام القرآن" للهراس 3/ 177.]]: هذه الآية دليل على أن تارك اصلاة يقتل؛ لأن الله أباح في دماءهم، ثم قال: "فإن تابوا" يعني من الشرك "وأقاموا الصلاة" وهذا اللفظ للفعل لا للاعتقاد؛ ولأن الاعتقاد مندرج تحت التوبة، فإذا لم يقم الصلاة بقي دمه على الإباحة، وإن تاب من الشرك بحكم ظاهر الآية، ودل الظاهر على التسوية بين الصلاة والزكاة فاقتضى الإجماع ترك الظاهر في الزكاة. وقوله تعالى: ﴿وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾، قال ابن عباس: "يريد: زكاة الأموال من العين والمواشي والثمار" [[لم أقف عليه، وقد ذكره في "الوسيط" 2/ 479 بلا نسبة.]]، وقوله تعالى: ﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ قيل: يعني: إلى البيت الحرام، وقيل: إلى التصرف في أمصاركم للتجارة وغيرها، وقوله [[ساقط من (ح) و (ى).]]: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لمن تاب وآمن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب