الباحث القرآني
(p-٣٠٧٢)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٥ ] ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهم وخُذُوهم واحْصُرُوهم واقْعُدُوا لَهم كُلَّ مَرْصَدٍ فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهم إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
﴿فَإذا انْسَلَخَ﴾ أيِ: انْقَضى ﴿الأشْهُرُ الحُرُمُ﴾ أيِ: الَّتِي أُبِيحَ لِلَّذِينِ عُوهِدُوا فِيها أنْ يَسِيحُوا في الأرْضِ، وحَرُمَ فِيها قِتالُهم ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ أيْ: مِن حِلٍّ أوْ حَرَمٍ - كَذا قالَهُ غَيْرُ واحِدٍ - .
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذا عامٌّ، والمَشْهُورُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الحَرَمِ، لِتَحْرِيمِ القِتالِ فِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تُقاتِلُوهم عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكم فِيهِ فَإنْ قاتَلُوكم فاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١]
﴿وخُذُوهُمْ﴾ أيِ: ائْسِرُوهم ﴿واحْصُرُوهُمْ﴾ أيِ: احْبِسُوهم في المَكانِ الَّذِي هم فِيهِ، لِئَلّا يَتَبَسَّطُوا في سائِرِ البِلادِ ﴿واقْعُدُوا لَهُمْ﴾ أيْ: لِقِتالِهِمْ، ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ أيْ: طَرِيقٍ ومَمَرٍّ ﴿فَإنْ تابُوا﴾ أيْ: عَنِ الكُفْرِ ﴿وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ أيْ: فاتْرُكُوا التَّعَرُّضَ لَهم ﴿إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ: يَغْفِرُ لَهم ما سَلَفَ مِنَ الكُفْرِ والغَدْرِ.
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: ما ذَكَرْناهُ مِن أنَّ المُرادَ (بِالأشْهُرِ الحُرُمِ) أشْهَرُ العَهْدِ، هو الَّذِي اخْتارَهُ الأكْثَرُونَ.
سَمّاها (حُرُمًا) لِتَحْرِيمِ قِتالِ المُشْرِكِينَ فِيها ودِمائِهِمْ، فالألِفُ واللّامُ لِلْعَهْدِ، ووَضْعُ المُظْهَرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ لِيَكُونَ ذَرِيعَةً إلى وصْفِها بِالحُرْمَةِ، تَأْكِيدًا لِما يُنْبِئُ عَنْهُ إباحَةُ السِّياحَةِ مِن حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهم، مَعَ ما فِيهِ مِن مَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِها.
وقِيلَ: المُرادُ (بِالأشْهُرِ الحُرُمِ): رَجَبٌ، وذُو القِعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ (p-٣٠٧٣)والضَّحّاكِ والباقِرِ، واخْتارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وضُعِّفَ بِأنَّهُ لا يُساعِدُهُ النَّظْمُ الكَرِيمُ، لِأنَّهُ يَأْباهُ تَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ (بِالفاءِ)، فَهو مُخالِفٌ لِلسِّياقِ الَّذِي يَقْتَضِي تَوالِيَ هَذِهِ الأشْهُرِ.
قالَ ابْنُ القَيِّمِ: ﴿الحُرُمُ﴾ هاهُنا هي أشْهَرُ التَّسْيِيرِ أوَّلُها يَوْمُ الأذانِ، وهو اليَوْمُ العاشِرُ مِن ذِي الحِجَّةِ، وهو يَوْمُ الحَجِّ الأكْبَرِ، الَّذِي وقَعَ فِيهِ التَّأْذِينُ بِذَلِكَ، وآخِرُها العاشِرُ مِن رَبِيعٍ الآخَرِ. ولَيْسَتْ هي الأرْبَعَةَ المَذْكُورَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا في كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: ٣٦] فَإنَّ تِلْكَ واحِدٌ فَرْدٌ هو رَجَبٌ، وثَلاثَةٌ سَرْدٌ وهي ذُو القِعْدَةِ وتالِياهُ.
ولَمْ يُسَيِّرِ المُشْرِكِينَ في هَذِهِ الأرْبَعَةِ، فَإنَّ هَذا لا يُمْكِنُ، لِأنَّها غَيْرُ مُتَوالِيَةٍ، وهو إنَّما أجَّلَهم أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، ثُمَّ أمَرَهُ بَعْدَ انْسِلاخِها أنْ يُقاتِلَهُمُ. انْتَهى.
وقالُوا: يَلْزَمُ عَلى هَذا بَقاءُ حُرْمَةِ تِلْكَ الأشْهُرِ، وتَكَلُّفُ الجَوابِ بِنَسْخِها، إمّا بِانْعِقادِ الإجْماعِ عَلَيْهِ، أوْ بِما صَحَّ مِن أنَّهُ ﷺ حاصَرَ الطّائِفَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنَ المُحَرَّمِ، مَعَ أنَّ هَذا الإجْماعَ كَلامًا، وقَدْ خالَفَ بَعْضُهم في بَقاءِ حُرْمَتِها، إلّا أنَّهم لَمْ يَعْتَدُّوا بِهِ كَما قالَهُ في (" العِنايَةِ ") .
وفِيها: إنَّ لَكَ أنْ تَقُولَ: مَنعُ القِتالِ في الأشْهُرِ الحُرُمِ في تِلْكَ السَّنَةِ، لا يَقْتَضِي مَنعَهُ في كُلِّ ما شابَهَها، بَلْ هو مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَلا يُخالِفُ الإجْماعَ، ويَكُونُ حِلُّهُ مَعْلُومًا مِن دَلِيلٍ آخَرَ.
وأقُولُ: يَظْهَرُ لِي هَذا الثّانِي وأنَّ المُرادَ بِالأرْبَعَةِ الأشْهَرِ هي المَعْرُوفَةُ، وأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ﴾ هي هَذِهِ الأرْبَعَةُ، لِأنَّها حَيْثُما أُطْلِقَتْ في التَّنْزِيلِ لا تَنْصَرِفُ إلّا إلَيْها، فَصَرْفُها إلى غَيْرِها يَحْتاجُ إلى بُرْهانٍ قاطِعٍ.
قالَ في (" فَتْحِ البَيانِ "): ومَعْنى الآيَةِ عَلى هَذا وُجُوبُ الإمْساكِ عَنْ قِتالِ مَن لا عَهْدَ لَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ في هَذِهِ الأشْهُرِ الحُرُمِ، وقَدْ وقَعَ النِّداءُ والنَّبْذُ إلى المُشْرِكِينَ بِعَهْدِهِمْ يَوْمَ (p-٣٠٧٤)النَّحْرِ، فَكانَ الباقِي مِنَ الأشْهُرِ الحُرُمِ الَّتِي هي الثَّلاثَةُ المَسْرُودَةُ، خَمْسِينَ يَوْمًا، تَنْقَضِي بِانْقِضاءِ شَهْرِ المُحَرَّمِ، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ بِقَتْلِ المُشْرِكِينَ حَيْثُ يُوجَدُونَ، وبِهِ قالَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ. انْتَهى.
ولا يُقالُ: إنَّ الباقِيَ مِنَ الأشْهُرِ الحُرُمِ ثَمانُونَ يَوْمًا، إذِ الحَجُّ في تِلْكَ السَّنَةِ كانَ في العاشِرِ مِن ذِي القِعْدَةِ، بِسَبَبِ النَّسِيءِ، ثُمَّ صارَ في السَّنَةِ المُقْبِلَةِ في العاشِرِ مِن ذِي الحِجَّةِ، وفِيها حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: ««إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ»» الحَدِيثَ، لِأنّا نَقُولُ: كانَ ذُو القِعْدَةِ عامَئِذٍ هو ذا الحِجَّةِ بِحِسابِهِمْ، لا في الواقِعِ، وكَذَلِكَ ذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، فَعُومِلُوا بِحِسابِهِمْ.
الثّانِي: قالَ السُّيُوطِيُّ في (" الإكْلِيلِ ") في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ هَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ النّاسِخَةُ لِآياتِ العَفْوِ والصَّفْحِ والإعْراضِ والمُسالَمَةِ. انْتَهى.
ورُوِيَ عَنِ الضَّحّاكِ أنَّها مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ مُحَمَّدٍ: ﴿فَإمّا مَنًّا بَعْدُ وإمّا فِداءً﴾ [محمد: ٤]
ورَدَّهُ الحاكِمُ بِأنَّهُ لا شُبْهَةَ في أنَّ بَراءَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ مُحَمَّدٍ، ومُقْتَضى كَلامِ الحاكِمِ، أنَّها لا ناسِخَةٌ ولا مَنسُوخَةٌ، قالَ: لِأنَّ الجَمْعَ مِن غَيْرِ مُنافاةٍ مُمْكِنٌ، فَحَيْثُ ورَدَ في القُرْآنِ ذِكْرُ الإعْراضِ، فالمُرادُ بِهِ إعْراضُ إنْكارٍ، لا تَقْرِيرٍ، وأمّا الأسْرُ والفِداءُ، فالمُرادُ بِهِ أنَّهُ خَيْرٌ بَيْنَ ذَلِكَ، لا أنَّ القَتْلَ حَتْمٌ، إذْ لَوْ كانَ حَتْمًا، لَمْ يَكُنْ لِلْأخْذِ مَعْنًى بَعْدَ القَتْلِ. انْتَهى.
ويَشْمَلُ عُمُومُها مُشْرِكِي العَرَبِ وغَيْرَهم، واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واحْصُرُوهم واقْعُدُوا لَهم كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ عَلى جَوازِ حِصارِهِمْ والإغارَةِ عَلَيْهِمْ وبَياتِهِمْ.
(p-٣٠٧٥)الثّالِثُ: فَهو مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ تابُوا﴾ الآيَةَ، أنَّ الأمْرَ بِتَخْلِيَةِ السَّبِيلِ مُعَلَّقٌ عَلى شُرُوطٍ ثَلاثَةٍ: التَّوْبَةِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، فَحَيْثُ لَمْ تَحْصُلْ جازَ ما تَقَدَّمَ مِنَ القَتْلِ والأخْذِ والحَصْرِ.
ولِهَذا اعْتَمَدَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، في قِتالِ مانِعِي الزَّكاةِ، عَلى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ وأمْثالِها.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أبا بَكْرٍ، ما كانَ أفْقَهَهُ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: ««أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكاةَ»» .
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإذا شَهِدُوا، واسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنا، وأكَلُوا ذَبِيحَتَنا، وصَلَّوْا صَلاتَنا، فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْنا دِماؤُهم وأمْوالُهم إلّا بِحَقِّها، لَهم ما لِلْمُسْلِمِينَ، وعَلَيْهِمْ ما عَلَيْهِمْ»» . رَواهُ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ.
الرّابِعُ: ذَكَرَ ابْنُ القَيِّمِ خُلاصَةً بَدِيعَةً في سِياقِ تَرْتِيبِ هَدْيِهِ ﷺ مَعَ الكُفّارِ والمُنافِقِينَ، مِن حِينِ بُعِثَ إلى حِينِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، مِمّا يُؤَيِّدُ فَهْمَ ما تُشِيرُ إلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ، قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أوَّلُ ما أوْحى إلَيْهِ رَبُّهُ تَبارَكَ وتَعالى أنْ يَقْرَأ بِاسْمِ رَبِّهِ الَّذِي خَلَقَ، وذَلِكَ أوَّلُ نُبُوَّتِهِ، فَأمَرَهُ أنْ يَقْرَأ في نَفْسِهِ، ولَمْ يَأْمُرْهُ إذْ يَأْمُرُهُ إذْ ذاكَ بِتَبْلِيغٍ، ثُمَّ أنْزَلَ عَلَيْهِ: ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١] ﴿قُمْ فَأنْذِرْ﴾ [المدثر: ٢] فَنَبَّأهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اقْرَأْ﴾ [العلق: ١] وأرْسَلَهُ بِـ: ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١] ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ (p-٣٠٧٦)الأقْرَبِينَ، ثُمَّ أنْذَرَ قَوْمَهُ، ثُمَّ أنْذَرَ مَن حَوْلَهم مِنَ العَرَبِ، ثُمَّ أنْذَرَ العَرَبَ قاطِبَةً، ثُمَّ أنْذَرَ العالَمِينَ، فَأقامَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ نُبُوَّتِهِ يُنْذِرُ بِالدَّعْوَةِ بِغَيْرِ قِتالٍ ولا جِزْيَةٍ، ويُؤْمَرُ بِالكَفِّ والصَّبْرِ والصَّفْحِ، ثُمَّ أذِنَ لَهُ في الهِجْرَةِ، وأذِنَ لَهُ في القِتالِ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يُقاتِلَ مَن قاتَلَهُ، ويَكُفَّ عَمَّنْ لَمْ يُقاتِلْهُ، ثُمَّ أمَرَهُ بِقِتالِ المُشْرِكِينَ حَتّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، ثُمَّ كانَ الكَفّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأمْرِ بِالجِهادِ ثَلاثَةَ أقْسامٍ: أهْلَ صُلْحٍ وهُدْنَةٍ، وأهْلَ حَرْبٍ، وأهْلَ ذِمَّةٍ.
فَأُمِرَ بِأنْ يُتِمَّ لِأهْلِ العَهْدِ والصُّلْحِ عَهْدَهم، وأنْ يُوفِيَ لَهم بِهِ ما اسْتَقامُوا عَلى العَهْدِ، فَإنْ خافَ مِنهم خِيانَةً نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهم، ولَمْ يُقاتِلْهم حَتّى يُعْلِمَهم بِنَقْضِ العَهْدِ، وأُمِرَ أنْ يُقاتِلَ مَن نَقَضَ عَهْدَهُ لَمّا نَزَلَتْ سُورَةُ (بَراءَةَ)، نَزَلَتْ بِبَيانِ حُكْمِ هَذِهِ الأقْسامِ كُلِّها، فَأمَرَهُ فِيها أنْ يُقاتِلَ عَدُوَّهُ مِن أهْلِ الكِتابِ حَتّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ، أوْ يَدْخُلُوا في الإسْلامِ.
وأمَرَهُ فِيها بِجِهادِ الكُفّارِ والمُنافِقِينَ والغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، فَجاهَدَ الكُفّارَ بِالسَّيْفِ والسِّنانِ، والمُنافِقِينَ بِالحُجَّةِ واللِّسانِ، وأمَرَهُ فِيها بِالبَراءَةِ مِن عُهُودِ الكُفّارِ، ونَبْذِ عُهُودِهِمْ إلَيْهِمْ، وجَعَلَ أهْلَ العَهْدِ في ذَلِكَ ثَلاثَةَ أقْسامٍ: قِسْمًا أمَرَهُ بِقِتالِهِمْ، وهُمُ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ، ولَمْ يَسْتَقِيمُوا لَهُ، فَحارَبَهم وظَهَرَ عَلَيْهِمْ.
وقِسْمًا لَهم عَهْدٌ مُوَقَّتٌ لَمْ يَنْقُضُوهُ، ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْهِ، فَأمَرَهُ أنْ يُتِمَّ لَهُ عَهْدَهم إلى مُدَّتِهِمْ.
وقِسْمًا لَمْ يَكُنْ لَهم عَهْدٌ، ولَمْ يُحارِبُوهُ، أوْ كانَ لَهم عَهْدٌ مُطْلَقٌ، فَأمَرَهُ أنْ يُؤَجِّلَهم أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، ثُمَّ أمَرَهُ بَعْدَ انْسِلاخِها أنْ يُقاتِلَهم.
فَقَتَلَ النّاقِضَ لِعَهْدِهِ، وأجَّلَ مَن لا عَهْدَ لَهُ أوْ لَهُ عَهْدٌ مُطْلَقٌ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، وأمَرَهُ أنْ يُتِمَّ لِلْمُوفِي بِعَهْدِهِ إلى مُدَّتِهِ، فَأسْلَمَ هَؤُلاءِ كُلُّهم، ولَمْ يُقِيمُوا عَلى كُفْرِهِمْ إلى مُدَّتِهِمْ. وضَرَبَ عَلى أهْلِ الذِّمَّةِ الجِزْيَةَ فاسْتَقَرَّ أمْرُ الكُفّارِ مَعَهُ بَعْدَ نُزُولِ (بَراءَةَ) عَلى ثَلاثَةِ أقْسامٍ: مُحارِبِينَ لَهُ، وأهْلِ عَهْدٍ، وأهْلِ ذِمَّةٍ.
ثُمَّ آلَتْ حالُ أهْلِ العَهْدِ والصُّلْحِ إلى الإسْلامِ، فَصارُوا مَعَهُ قِسْمَيْنِ: مُحارِبِينَ، وأهْلِ ذِمَّةٍ، والمُحارِبُونَ لَهُ (p-٣٠٧٧)خائِفُونَ مِنهُ، فَصارَ أهْلُ الأرْضِ مَعَهُ ثَلاثَةَ أقْسامٍ: مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ بِهِ، ومُسالِمٌ لَهُ آمِنٌ. وخائِفٌ مُحارِبٌ.
وأمّا سِيرَتُهُ في المُنافِقِينَ فَإنَّهُ أمَرَ أنْ يَقْبَلَ مِنهم عَلانِيَتَهم، ويَكِلَ سَرائِرَهم إلى اللَّهِ، وأنْ يُجاهِدَهم بِالعِلْمِ والحُجَّةِ، وأُمِرَ أنْ يُعْرِضَ عَنْهم، ويُغْلِظَ عَلَيْهِمْ، وأنْ يَبْلُغَ بِالقَوْلِ البَلِيغِ إلى نُفُوسِهِمْ، ونُهِيَ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ وأنْ يَقُومَ عَلى قُبُورِهِمْ، وأخْبَرَهُ أنَّهُ إنِ اسْتَغْفَرَ لَهم أوْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهم، فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهم، فَهَذِهِ سِيرَتُهُ في أعْدائِهِ مِنَ الكُفّارِ والمُنافِقِينَ. انْتَهى.
وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ حَیۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُوا۟ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدࣲۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِیلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق