الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ﴾ الآيَةَ. اخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُرادِ بِالأشْهُرِ الحُرُمِ في هَذِهِ الآيَةِ. (p-١١٥)فَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنَّها المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعالى. ﴿مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦]، قالَ أبُو جَعْفَرٍ الباقِرُ. وَلَكِنْ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: آخِرُ الأشْهُرِ الحُرُمِ في حَقِّهِمُ المُحَرَّمُ، وحَكى نَحْوَ قَوْلِهِ هَذا عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الضَّحّاكُ. وَلَكِنَّ السِّياقَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِها أشْهُرُ الإمْهالِ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾ . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: والَّذِي يَظْهَرُ مِن حَيْثُ السِّياقُ، ما ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ، في رِوايَةِ العَوْفِيِّ عَنْهُ، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ: أنَّ المُرادَ بِها الأشْهُرُ الأرْبَعَةُ المَنصُوصُ عَلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾، ثُمَّ قالَ: ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥]، أيْ: إذا انْقَضَتِ الأشْهُرُ الأرْبَعَةُ الَّتِي حَرَّمْنا عَلَيْكم قِتالَهم فِيها، وأجَّلْناهم فِيها، فَحَيْثُما وجَدْتُمُوهم فاقْتُلُوهم؛ لِأنَّ عَوْدَ العَهْدِ عَلى مَذْكُورٍ أوْلى مِن مُقَدَّرٍ، مَعَ أنَّ الأشْهُرَ الأرْبَعَةَ المُحَرَّمَةَ سَيَأْتِي بَيانُ حُكْمِها في آيَةٍ أُخْرى اهـ. ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): (p-٢٩٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ بَراءَةٌ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ . اعْلَمْ أوَّلًا أنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الأشْهُرِ الحُرُمِ أشْهَرُ المُهْلَةِ المَنصُوصِ عَلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾ [ ٩ ]، لا الأشْهُرُ الحُرُمُ الَّتِي هي ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبٌ عَلى الصَّحِيحِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ العَوْفِيِّ عَنْهُ. وَبِهِ قالَ مُجاهِدٌ وعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ومُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ واسْتَظْهَرَ هَذا القَوْلَ ابْنُ كَثِيرٍ لِدَلالَةِ سِياقِ القُرْآنِ عَلَيْهِ، ولِأقْوالِ هَؤُلاءِ العُلَماءِ خِلافًا لِابْنِ جَرِيرٍ. وَعَلَيْهِ فالآيَةُ تَدُلُّ بِعُمُومِها عَلى قِتالِ الكُفّارِ في الأشْهُرِ الحُرُمِ المَعْرُوفَةِ بَعْدَ انْقِضاءِ أشْهَرِ الإمْهالِ الأرْبَعَةِ وقَدْ جاءَتْ آيَةٌ أُخْرى تَدُلُّ عَلى عَدَمِ القِتالِ فِيها وهي قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا في كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦] . والجَوابُ أنَّ تَحْرِيمَ الأشْهُرِ الحُرُمِ مَنسُوخٌ بِعُمُومِ آياتِ السَّيْفِ ومَن يَقُولُ بِعَدَمِ النَّسْخِ يَقُولُ: هو مُخَصِّصٌ لَها، والظّاهِرُ أنَّ الصَّحِيحَ كَوْنُها مَنسُوخَةً، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ النَّبِيِّ ﷺ في حِصارِ ثَقِيفٍ في الشَّهْرِ الحَرامِ، الَّذِي هو ذُو القَعْدَةِ، كَما ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ أنَّهُ خَرَجَ إلى هَوازِنَ في شَوّالٍ، فَلَمّا كَسَرَهم واسْتَفاءَ أمْوالَهم ورَجَعَ فَلُّهم لَجَأُوا إلى الطّائِفِ، فَعَمَدَ إلى الطّائِفِ فَحاصَرَهم أرْبَعِينَ يَوْمًا وانْصَرَفَ ولَمْ يَفْتَحْها، فَثَبَتَ أنَّهُ حاصَرَ في الشَّهْرِ الحَرامِ وهَذا القَوْلُ هو المَشْهُورُ عِنْدَ العُلَماءِ وعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ ناسِخٌ لِقَوْلِهِ ﴿مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ • وقَوْلِهِ: ﴿لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ولا الشَّهْرَ الحَرامَ﴾ [ ٥ ]، • وقَوْلِهِ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٩٤] . (p-٢٩٨) والمَنسُوخُ مِن هَذِهِ ومِن قَوْلِهِ: ﴿أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾، هو تَحْرِيمُ الشَّهْرِ في الأُولى والأشْهُرِ في الثّانِيَةِ فَقَطْ دُونَ ما تَضَمَّنَتاهُ مِنَ الخَبَرِ، لِأنَّ الخَبَرَ لا يَجُوزُ نَسْخُهُ شَرْعًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب