الباحث القرآني

ولَمّا قَرَّرَ أمْرَ البَراءَةِ إثْباتًا ونَفْيًا، أمَرَ بِما يَصْنَعُ بَعْدَ ما ضَرَبَهُ لَهم مِنَ الأجَلِ فَقالَ: ﴿فَإذا﴾ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ أنَّهُ إذا ﴿انْسَلَخَ﴾ أيِ: انْقَضى وانْجَرَدَ وخَرَجَ ومَضى ﴿الأشْهُرُ الحُرُمُ﴾ أيِ: الَّتِي حَرَّمْتُ عَلَيْكم فِيها قِتالَهم وضَرَبْتُها أجَلًا لِسِياحَتِهِمْ، والتَّعْرِيفُ فِيها مِثْلُهُ: ﴿كَما أرْسَلْنا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولا﴾ [المزمل: ١٥] ﴿فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل: ١٦] ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ﴾ أيِ: النّاكِثِينَ الَّذِينَ ضَرَبْتُمْ لَهم هَذا الأجَلَ إحْسانًا وكَرَمًا؛ قالَ البَغَوِيُّ: قالَ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ: هَذِهِ الآيَةُ تَنْسَخُ كُلَّ آيَةٍ في القُرْآنِ فِيها ذِكْرُ الإعْراضِ والصَّبْرِ عَلى (p-٣٨١)أذى الأعْداءِ. انْتَهى. ومَعْنى: ﴿حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ أيْ: في حِلٍّ أوْ حَرَمٍ في شَهْرٍ حَرامٍ أوْ غَيْرِهِ ﴿وخُذُوهُمْ﴾ أيْ: بِالأسْرِ ﴿واحْصُرُوهُمْ﴾ أيْ: بِالحَبْسِ عَنْ إتْيانِ المَسْجِدِ والتَّصَرُّفِ في بِلادِ الإسْلامِ وكُلِّ مَقْصِدٍ ﴿واقْعُدُوا لَهُمْ﴾ أيْ: لِأجْلِهِمْ خاصَّةً؛ فَإنَّ ذَلِكَ مِن أفْضَلِ العِباداتِ ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ أيِ: ارْصُدُوهم وخُذُوهم بِكُلِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ ولَوْ عَلى غِرَّةٍ أوِ اغْتِيالًا مِن غَيْرِ دَعْوَةٍ، وانْتِصابُهُ عَلى الظَّرْفِ؛ لِأنَّ مَعْنى اقْعُدُوا لَهُمُ: ارْصُدُوهُمْ، ومَتى كانَ العامِلُ في الظَّرْفِ المُخْتَصِّ عامِلًا مِن لَفْظِهِ أوْ مِن مَعْناهُ جازَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ بِغَيْرِ واسِطَةِ ”فِي“ فَكَما يَتَعَدّى الفِعْلُ إلى المَصْدَرِ مِن غَيْرِ لَفْظِهِ إذا كانَ بِمَعْناهُ فَكَذَلِكَ إلى الظَّرْفِ - ذَكَرَهُ أبُو حَيّانَ، والتَّعْبِيرُ بِالقُعُودِ لِلرَّشادِ إلى التَّأنِّي، وفي التَّرَصُّدِ والِاسْتِقْرارِ والتَّمَكُّنِ وإيصالِ الفِعْلِ إلى الظَّرْفِ إشارَةٌ إلى أنْ يَشْغَلُوا في التَّرَصُّدِ كُلَّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ كُلِّ مَرْصَدٍ إنْ قَدَرُوا عَلى ذَلِكَ بِخِلافِ ما لَوْ عَبَّرَ بِ: ”فِي“ فَإنَّهُ إنَّما يَدُلُّ عَلى شَغْلِ كُلِّ مَرْصَدٍ الصّادِقِ بِالكَوْنِ في مَوْضِعٍ واحِدٍ مِنهُ أيَّ مَوْضِعٍ كانَ. ولَمّا أمَرَ تَعالى بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، بَيَّنَ ما يُوجِبُ الكَفَّ عَنْهم فَقالَ: ﴿فَإنْ تابُوا﴾ أيْ: عَنِ الكُفْرِ ﴿وأقامُوا﴾ أيْ: وصَدَّقُوا دَعْواهُمُ التَّوْبَةَ بِالبَيِّنَةِ العادِلَةِ بِأنْ أقامُوا ﴿الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ﴾ أيْ: فَوَصَلُوا (p-٣٨٢)ما بَيْنَهم وبَيْنَ الخالِقِ وما بَيْنَهم وبَيْنَ الخَلائِقِ خُضُوعًا لِلَّهِ تَعالى وتَرْكًا لِلْفَسادِ ومُباشَرَةً لِلصَّلاحِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي أمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإذا وُجِدَ هَذانِ الشّاهِدانِ العَدْلانِ ﴿فَخَلُّوا﴾ أيْ: بِسَبَبِ ذَلِكَ ﴿سَبِيلَهُمْ﴾ أيْ: بِأنْ لا تَعْرِضُوا لِشَيْءٍ مِمّا تَقَدَّمَ لِأنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنهم ويَغْفِرُ لَهم ما سَلَفَ ﴿إنَّ﴾ أيْ: لِأنَّ ﴿اللَّهَ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الجَلالُ والإكْرامُ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ: بَلِيغُ المَحْوِ لِلذُّنُوبِ الَّتِي تابَ صاحِبُها عَنْها والِاتِّباعِ لَهُ بِالإكْرامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب