الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ الآية. المفاتح جمع مِفْتح وَمَفْتحٍ، فالمفتح بالكسر: المفتاح الذي يفتح به، والمفتح بفتح الميم الخزانة، وكل خزانة كانت لصنف من الأشياء فهو مَفْتح [[انظر: "العين" 3/ 194، و"الجمهرة" 1/ 386، و"تهذيب اللغة" 3/ 2732 ، و"الصحاح" 1/ 389، و"مجمل اللغة" 3/ 710، و"مقاييس اللغة" 4/ 469 ، و"المفردات" ص 621، و"اللسان" 6/ 3339 (فتح).]]. قال الفراء في قوله تعالى: ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص: 76] (يعني: خزائنه) [["معاني القرآن" 2/ 310.]]. قال السدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 7/ 212، وابن أبي حاتم 4/ 1304 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 277.]] والحسن [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 52، عن ابن عباس والضحاك ومقاتل والسدي والحسن. وقال القرطبي في "تفسيره" 2/ 7: (قيل: المراد بالمفاتح خزائن الرزق، عن السدي والحسن) ا. هـ]]: (و ﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾: خزائن الغيب)، وخو ذلك قال ابن عباس [[ذكره الماوردي 2/ 121، والواحدي في "الوسيط" 1/ 52، وابن الجوزي 3/ 53، وأخرج الطبري في "تفسيره" 7/ 213 بسند ضعيف عن عطاء الخرساني عن ابن عباس ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ قال: هن خمس: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34]، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 28.]] [والضحاك [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 178 ب، والواحدي في "الوسيط" 1/ 52، والبغوي 3/ 150، والقرطبي 7/ 2.]] ومقاتل [["تفسير مقاتل" 1/ 564.]] (في المفاتح أنها الخزائن). واختلفوا في معنى ﴿الْغَيْبِ﴾ هاهنا، فقال ابن عباس] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] في رواية عطاء: (يريد: ما غاب عنكم من الثواب والعقاب، وما يصير إليه أمري وأمركم) [[لم أقف عليه.]]. وقال مقاتل: (يعني: خزائن غيب العذاب متى ينزل بكم ﴿لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾) [["تفسير مقاتل" 1/ 564.]]. وروي عن ابن عباس: (خزائن الأرض والرزق ونزول العذاب) [[ذكره الماوردي 2/ 121، وابن الجوزي 3/ 53، وأبو حيان 4/ 144، وفي "تنوير المقباس" 2/ 26 نحوه.]] ، وهو قول الضحاك [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 178 ب، والبغوي 3/ 150، والقرطبي 7/ 2.]]. وقال أبو إسحاق: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ (أي: عنده الوصلة إلى علم الغيب قال: وكل ما لا يعلم إذا استعلم يقال فيه: افتح عليَّ) [["معاني القرآن" 2/ 257، ونحوه ذكره النحاس في "معانيه" 2/ 435.]]، فعلى هذا المفاتح جمع [المفتح] [[في (أ): (المُفتح)، بالضم، وفي (ش): (المَفتَح)، بسكون ثم فتح، وقال السمين في "الدر" 4/ 660، وابن حجر في "الفتح" 8/ 291: (جوز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر) ا. هـ. زاد ابن حجر: (وهو بمعنى: الفتح، أي: عنده فتوح الغيب، أي: يفتح الغيب على من يشاء من عباده، ولا يخفى بعد هذا التأويل للحديث المذكور في الباب، وأن مفاتح الغيب لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى) ا. هـ والحديث المقصود هو ما أخرجه البخاري في صحيحه (4627)، كتاب التفسير باب (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) عن عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ قال: "مفاتح الغيب خمس: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34]، وانظر: الأحاديث في هذا الباب في مرويات الإمام أحمد في "التفسير" 3/ 371 - 374.]] بمعنى الفتح، كأن المعنى عنده فتوح الغيب أي: هو يفتح الغيب على من يشاء من عباده بذكره والبيان عنه والدلالة عليه، فيفتح لعباده ما [يشاء] [[في (أ): (ما شاء).]] من ذلك بإعلامهم إياه ويغلق عنهم ما شاء منه بترك دلالتهم عليه. وقوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ قال مجاهد: (البر: القفار، والبحر: كل قرية فيها ماء) [[ذكره الثعلبي 178 ب، والواحدي في "الوسيط" 1/ 53، وابن الجوزي 3/ 54. وقال الماوردي 2/ 121: (الجمهور وهو الظاهر أن: ما في البر ما على الأرض، وما في البحر ما على الماء. وقال مجاهد: البر: القفر، والبحر: القرى لوجود الماء فيها، فلذلك سميت بحرًا) ا. هـ. بتصرف.]] وهذا عام في كل ما في المياه والأرضين من البوادي والقفار، لا يحدث فيها شيء إلا بعلم الله عز وجل. وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ قال أبو إسحاق: (المعنى: أنه يعلمها ساقطة وثابتة، كما تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه، فليس تأويله إلا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط) [["معاني القرآن" للزجاج 2/ 257، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" 2/ 436.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ تقديره: ولا من ﴿حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ قالوا: يعني: في الثرى تحت الأرض [[انظر: "الدر المصون" 4/ 661.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾، قال ابن عباس: (يريد: ما ينبت وما لا ينبت) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 53، وذكره الثعلبي في "الكشف" 178 ب، والبغوي 3/ 151، عن عطاء فقط.]]، وروي عنه أنه قال: (الرطب: الماء، واليابس: البادية) [["تنوير المقباس" 2/ 62، وذكره الثعلبي 178 ب، والبغوي 3/ 151، وانظر: "زاد المسير" 3/ 54.]]. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ قال صاحب "النظم" [[كتاب "نظم القرآن" للجرجاني مفقود، وذكر قوله السمين في "الدر" 4/ 662، ورجح الزمخشري 2/ 24 - 25، وأبو حيان في "البحر" 4/ 146، كونه استثناء بعد استثناء للتأكيد قال أبو حيان: (هذا الاستثناء جار مجرى التوكيد؛ لأن قوله:== ﴿وَلَا حَبَّةٍ﴾ ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾ معطوف على قوله: ﴿مِنْ وَرَقَةٍ﴾ والاستثناء الأول منسحب عليها كما تقول: ما جاءني من رجل إلا أكرمته ولا امرأة، أي: إلا كرمتها، ولكنه لما طال الكلام أعيد الاستثناء على سبيل التوكيد وحسنه كونه فاصلة) ا. هـ ملخصًا، وجعل بعضهم الاستثناء الثاني بدلاً من الأول. انظر: "غرائب الكرماني" 1/ 363، و"البيان" 1/ 324، و"التبيان" 1/ 337، و"الفريد" 2/ 161.]]: (تم الكلام عند قوله ﴿وَلَا يَابِسٍ﴾ ثم استأنف خبراً آخر بقوله تعالى: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ بمعنى: وهو ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ أيضًا؛ لأنك لو جعلت قوله ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ متصلًا بالكلام الأول فسد المعنى)، وبيان فساده [[قال السمين في "الدر" 4/ 662: (فساد المعنى من حيث اعتقد أنه استثناء آخر مستقل، ولو جعله استثناء مؤكدًا للأول لم يفسد المعنى، وكيف يتصور تمام الكلام على قوله: ﴿وَلَا يَابِسٍ﴾ ويبتدأ بإلا، وكيف تقع إلا هكذا؟) ا. هـ. ملخصًا.]] في فصل طويل ذكرناه في سورة يونس في قوله: ﴿وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [[لفظ: ﴿وَلَا أَكْبَرَ﴾ ساقط من (أ).]] [يونس: 61]، [ومعنى قوله ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]]] قال أبو إسحاق: (يجوز أن يكون الله عز وجل أثبت ذلك في كتاب من قبل أن يخلق كما قال جل وعز: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: 22]، فأعلم جل وعز أنه قد أثبت ما خلق من قبل خلقه) [["معاني القرآن" 2/ 257، وقال النحاس في "معانيه" 2/ 437: (أي: إلا يعلمه علمًا يقينًا، ويجوز أن يكون المعنى: إلا قد كتبه قبل أن يخلقه، والله أعلم بما أراد) ا. هـ.]]. قال ابن الأنباري وغيره [[انظر: "تفسير الطبري" 7/ 213، و"معاني النحاس" 2/ 437، و"تفسير الرازي" 13/ 10 - 11.]]: (وفائدة كتب الله ذلك في اللوح المحفوظ مع علمه وأنه لا يفوته شيء هو أنه عز وجل كتب هذه الأشياء وأحصاها قبل أن تكون [[في النسخ (يكون) بالياء، والأولى تكون بالتاء.]] لتقف [[في (ش): (ليقف).]] الملائكة على نفاذ علمه، وأنه لا يغيب عنه مما في السماوات والأرض شيء، فيكون في ذلك عبرة للملائكة الموكلين باللوح؛ لأنهم يقابلون به ما يحدث من الأمور فيجدونه موافقًا له، قال أبو بكر: ويجوز أن يقال: إن الله تبارك وتعالى ذكر ما ذكر من الورقة والحبة تعظيمًا على خلقِه أمر الحساب، وإعلامًا أنه لا يفوته من جميع ما يصنعون في الدنيا شيء؛ لأن الذي يثبت ويكتب مما لا ثواب فيه ولا عقاب كان مما فيه الثواب والعقاب أولى بالكتب. فذكر ما ذكر تبارك وتعالى: [من هذا [[لفظ: (من هذا) ساقط من (أ).]]] معظمًا ومخوفًا ودالًا على أنه لا يغيب عنه من أعمال العباد شيء) [[ذكره ابن الجوزي 3/ 54 - 55.]]، وهذا معنى قول الحسن: (يكتبه الله رطبًا، ويكتبه يابسًا، لتعلم يا ابن آدم أن عملك أولى بالإحصاء) [[لم أقف عليه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب