الباحث القرآني
﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلّا هو ويَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ وما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلّا يَعْلَمُها ولا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلّا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكم فِيهِ لِيُقْضى أجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكم ثُمَّ يُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٦٠] ﴿وهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ويُرْسِلُ عَلَيْكم حَفَظَةً حَتّى إذا جاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وهم لا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: ٦١] ﴿ثُمَّ رُدُّوا إلى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ ألا لَهُ الحُكْمُ وهو أسْرَعُ الحاسِبِينَ﴾ [الأنعام: ٦٢] ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكم مِن ظُلُماتِ البَرِّ والبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً لَئِنْ أنْجانا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٦٣] ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكم مِنها ومِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ٦٤] ﴿قُلْ هو القادِرُ عَلى أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكم عَذابًا مِن فَوْقِكم أوْ مِن تَحْتِ أرْجُلِكم أوْ يَلْبِسَكم شِيَعًا ويُذِيقَ بَعْضَكم بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهم يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: ٦٥] ﴿وكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وهو الحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكم بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام: ٦٦] ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٦٧] ﴿وإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عَنْهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٦٨] ﴿وما عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِن حِسابِهِمْ مِن شَيْءٍ ولَكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ٦٩] ﴿وذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا وذَكِّرْ بِهِ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ وإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنها أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ وعَذابٌ ألِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [الأنعام: ٧٠] ﴿قُلْ أنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا ولا يَضُرُّنا ونُرَدُّ عَلى أعْقابِنا بَعْدَ إذْ هَدانا اللَّهُ كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ في الأرْضِ حَيْرانَ لَهُ أصْحابٌ يَدْعُونَهُ إلى الهُدى ائْتِنا قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١] ﴿وأنْ أقِيمُوا الصَّلاةَ واتَّقُوهُ وهو الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٧٢] ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ وهو الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ٧٣]
(p-١٤٤)السُّقُوطُ: الوُقُوعُ مِن عُلُوٍّ. الوَرَقَةُ: واحِدَةُ الوَرَقِ مِنَ النَّباتِ والكاغِدِ وهي مَعْرُوفَةٌ. الرَّطْبُ واليابِسُ مَعْرُوفانِ، يُقالُ: رَطْبٌ فَهو رَطِبٌ ورَطِيبٌ ويَبِسٌ ويَبِيسٌ، وشَذَّ فِيهِ يَبِسٌ بِحَذْفِ الياءِ وكَسْرِ الباءِ. الكَرْبُ: الغَمُّ يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ، كَرَبَ الرَّجُلُ فَهو مَكْرُوبٌ. قالَ الشّاعِرُ:
؎ومَكْرُوبٌ كَشَفْتُ الكَرْبَ عَنْهُ بِطَعْنَةِ فَيْصَلٍ لَمّا دَعانِي
الشِّيعَةُ: الفِرْقَةُ تَتْبَعُ الأُخْرى ويُجْمَعُ عَلى أشْياعٍ، وشَيَّعْتُ فُلانًا: اتَّبَعْتُهُ، وتَقُولُ العَرَبُ: شاعَكُمُ السَّلامُ أيِ اتَّبَعَكم، وأشاعَكُمُ اللَّهُ السَّلامَ أيْ أتْبَعَكم. الإبْسالُ: تَسْلِيمُ المَرْءِ نَفْسَهُ لِلْهَلاكِ، ويُقالُ: أبْسَلْتُ ولَدِي أرْهَنْتُهُ، قالَ الشّاعِرُ:
؎وإبْسالِي بُنَيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ∗∗∗ بَعَوْناهُ ولا بِدَمٍ مُراقٍ
بَعَوْناهُ جَنَيْناهُ، والبَعْوُ: الجِنايَةُ. الحَمِيمُ: الماءُ الحارُّ. الحَيْرَةُ: التَّرَدُّدُ في الأمْرِ لا يَهْتَدِي إلى مَخْرَجٍ مِنهُ، ومِنهُ تَحَيَّرَ الماءُ في الغَيْمِ، يُقالُ: حارَ يَحارُ حَيْرَةً وحَيْرًا وحَيَرانًا وحَيْرُورَةً. الصُّورُ: جَمْعُ صُورَةٍ، والصُّورُ: القَرْنُ بِلُغَةِ أهْلِ اليَمَنِ. قالَ:
؎نَحْنُ نَطَحْناهم غَداةَ الجَمْعَيْنِ
؎بِالشّامِخاتِ في غُبارَ النَّقْعَيْنِ ∗∗∗ نَطْحًا شَدِيدًا لا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ
﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلّا هُوَ﴾ لَمّا قالَ تَعالى: ﴿إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٧]، وقالَ: ﴿أعْلَمُ بِالظّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٨]، بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ [الأنعام: ٥٧] انْتَقَلَ مِن خاصٍّ إلى عامٍّ وهو عِلْمُ اللَّهِ بِجَمِيعِ الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، واسْتَعارَ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْها المَفاتِحَ لَمّا كانَتْ سَبَبًا لِلْوُصُولِ إلى الشَّيْءِ فانْدَرَجَ في هَذا العامِّ ما اسْتَعْجَلُوا وُقُوعَهُ وغَيْرُهُ. والمَفاتِحُ جَمْعُ مِفْتَحٍ بِكَسْرِ المِيمِ وهي الآلَةُ الَّتِي يُفْتَحُ بِها ما أُغْلِقَ. قالَ الزَّهْراوِيُّ: ومِفْتَحٌ أفْصَحُ مِن مِفْتاحٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ مِفْتاحٍ لِأنَّهُ يَجُوزُ في مِثْلِ هَذا أنْ لا يُؤْتى فِيهِ بِالياءِ، قالُوا: مَصابِحُ ومَحارِبُ وقَراقِرُ في جَمْعِ مِصْباحٍ وقُرْقُورٍ. وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْقَعِ: (مَفاتِيحُ) بِالياءِ، ورُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِفْتاحُ الغَيْبِ عَلى التَّوْحِيدِ. وقِيلَ: جَمْعُ مَفْتَحٍ بِفَتْحِ المِيمِ ويَكُونُ لِلْمَكانِ أيْ أماكِنُ الغَيْبِ ومَواضِعُها يَفْتَحُ عَنِ المُغَيَّباتِ، ويُؤَيِّدُهُ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنَّها خَزائِنُ المَطَرِ والنَّباتِ ونُزُولِ العَذابِ. وقالَ السُّدِّيُّ وغَيْرُهُ: خَزائِنُ الغَيْبِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنَّهُ قالَ: «مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلّا اللَّهُ»، ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] إلى آخِرِ السُّورَةِ. وقِيلَ: مَفاتِحُ الغَيْبِ الأُمُورُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِها عَلى الغائِبِ فَتُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ، مِن قَوْلِكَ: فَتَحْتُ عَلى الإمامِ: إذا عَرَّفْتَهُ ما نَسِيَ. وقالَ أبُو مَسْعُودٍ: أُوتِيَ (p-١٤٥)نَبِيُّكم كُلَّ شَيْءٍ إلّا مَفاتِحَ الغَيْبِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنَّها خَزائِنُ غَيْبِ السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ الأقْدارِ والأرْزاقِ. وقالَ عَطاءٌ: ما غابَ مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ وما تَصِيرُ إلَيْهِ الأُمُورُ. وقالَ الزَّجّاجُ: الوَصْلَةُ إلى عِلْمِ الغَيْبِ إذا اسْتُعْلِمَ. وقِيلَ: عَواقِبُ الأعْمارِ وخَواتِيمُ الأعْمالِ. وقِيلَ: ما لَمْ يَكُنْ هَلْ يَكُونُ أمْ لا يَكُونُ، وما يَكُونُ كَيْفَ يَكُونُ وما لا يَكُونُ إنْ كانَ كَيْفَ يَكُونُ. و﴿لا يَعْلَمُها إلّا هُوَ﴾ حَصَرَ أنَّهُ لا يَعْلَمُ تِلْكَ المَفاتِحَ ولا يَطَّلِعُ عَلَيْها غَيْرُهُ تَعالى، ولَقَدْ يَظْهَرُ مِن هَؤُلاءِ المُنْتَسِبَةِ إلى الصُّوفِ أشْياءُ مِنِ ادِّعاءِ عِلْمِ المُغَيَّباتِ والِاطِّلاعِ عَلى عِلْمِ عَواقِبِ أتْباعِهِمْ وأنَّهم مَعَهم في الجَنَّةِ مَقْطُوعٌ لَهم ولِأتْباعِهِمْ بِها يُخْبِرُونَ بِذَلِكَ عَلى رُءُوسِ المَنابِرِ ولا يُنْكِرُ ذَلِكَ أحَدٌ، هَذا مَعَ خُلُوِّهِمْ عَنِ العُلُومِ يُوهِمُونَ أنَّهم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ. وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: ومَن زَعَمَ أنْ مُحَمَّدًا يُخْبِرُ بِما يَكُونُ في غَدٍ فَقَدْ أعْظَمَ عَلى اللَّهِ الفِرْيَةَ، واللَّهُ - تَعالى - يَقُولُ: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلّا اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٥] . وقَدْ كَثُرَتْ هَذِهِ الدَّعاوى والخُرافاتُ في دِيارِ مِصْرَ وقامَ بِها ناسٌ صِبْيانُ العُقُولِ يُسَمَّوْنَ بِالشُّيُوخِ عَجَزُوا عَنْ مَدارِكِ العَقْلِ والنَّقْلِ وأعْياهم طِلابُ العُلُومِ:
؎فارْتَمَوْا يَدَّعُونَ أمْرًا عَظِيمًا ∗∗∗ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيلِ لا والكَلِيمِ
؎بَيْنَما المَرْءُ مِنهُمُ في انْسِفالٍ ∗∗∗ أبْصَرَ اللَّوْحَ ما بِهِ مِن رُقُومِ
؎فَجَنى العِلْمَ مِنهُ غَضًّا طَرِيًّا ∗∗∗ ودَرى ما يَكُونُ قَبْلَ الهُجُومِ
؎إنَّ عَقْلِي لَفي عِقالٍ إذا ما ∗∗∗ أنا صَدَّقْتُ بِافْتِراءٍ عَظِيمِ
﴿ويَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ﴾، لَمّا كانَ ذِكْرُهُ تَعالى مَفاتِحَ الغَيْبِ أمْرًا مَعْقُولًا أخْبَرَ تَعالى بِاسْتِئْثارِهِ بِعِلْمِهِ واخْتِصاصِهِ بِهِ ذَكَرَ تَعَلُّقَ عِلْمِهِ بِهَذا المَحْسُوسِ عَلى سَبِيلِ العُمُومِ، ثُمَّ ذَكَرَ عِلْمَهُ بِالوَرَقَةِ والحَبَّةِ والرَّطْبِ واليابِسِ عَلى سَبِيلِ الخُصُوصِ، فَتَحَصَّلَ إخْبارُهُ تَعالى بِأنَّهُ عالِمٌ بِالكُلِّيّاتِ والجُزْئِيّاتِ مُسْتَأْثِرٌ بِعِلْمِهِ وما نَعْلَمُهُ نَحْنُ وقَدَّمَ البَرَّ لِكَثْرَةِ مُشاهَدَتِنا لِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ المُدُنِ والقُرى والمَفاوِزِ والجِبالِ والحَيَوانِ والنَّباتِ والمَعادِنِ، أوْ عَلى سَبِيلِ التَّرَقِّي إلى ما هو أعْجَبُ في الجُمْلَةِ؛ لِأنَّ ما فِيهِ مِن أجْناسِ الحَيَواناتِ أعْجَبُ، وطُولُهُ وعَرْضُهُ أعْظَمُ، والبَرُّ مُقابِلُ البَحْرِ. وقِيلَ: البَرُّ: القِفارُ، والبَحْرُ المَعْرُوفُ، فالمَعْنى: ويَعْلَمُ ما في البَرِّ مِن نَباتٍ ودَوابَّ وأحْجارٍ وأمْدارٍ وغَيْرِ ذَلِكَ، وما في البَحْرِ مِن حَيَوانٍ وجَواهِرَ وغَيْرِ ذَلِكَ. وقالَ مُجاهِدٌ: البَرُّ: الأرْضُ القِفارُ الَّتِي لا يَكُونُ فِيها الماءُ، والبَحْرُ: كُلُّ قَرْيَةٍ ومَوْضِعٍ فِيهِ الماءُ. وقِيلَ: لَمْ يُرِدْ ظاهِرَ البَرِّ والبَحْرِ وإنَّما أرادَ أنَّ عِلْمَهُ تَعالى مُحِيطٌ بِنا وبِما أُعِدَّ لِمَصالِحِنا مِن مَنافِعِهِما، وخُصّا بِالذِّكْرِ لِأنَّهُما أعْظَمُ مَخْلُوقٍ يُجاوِرُنا.
﴿وما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلّا يَعْلَمُها﴾ (مِن) زائِدَةٌ لِاسْتِغْراقِ جِنْسِ الوَرَقَةِ، ويَعْلَمُها مُطْلَقًا قَبْلَ السُّقُوطِ ومَعَهُ وبَعْدَهُ. قالَ الزَّجّاجُ: يَعْلَمُها ساقِطَةً وثابِتَةً، كَما تَقُولُ: ما يَجِيئُكَ أحَدٌ إلّا وأنا أعْرِفُهُ، لَيْسَ تَأْوِيلُهُ في حالِ مَجِيئِهِ فَقَطْ. وقِيلَ: يَعْلَمُ مَتى تَسْقُطُ وأيْنَ (p-١٤٦)تَسْقُطُ وكَمْ تَدُورُ في الهَواءِ. وقِيلَ: يَعْلَمُها كَيْفَ انْقَلَبَتْ ظَهْرًا لِبَطْنٍ إلى أنْ وقَعَتْ عَلى الأرْضِ، و﴿يَعْلَمُها﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ﴿ورَقَةٍ﴾ وهي حالٌ مِنَ النَّكِرَةِ. كَما تَقُولُ: ما جاءَ أحَدٌ إلّا راكِبًا.
﴿ولا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأرْضِ﴾ قِيلَ: تَحْتَ الأرْضِ السّابِعَةِ. وقِيلَ: تَحْتَ التُّرابِ. وقِيلَ: الحَبُّ الَّذِي يُزْرَعُ يُخْفِيها الزُّرّاعُ تَحْتَ الأرْضِ. وقِيلَ: تَحْتَ الصَّخْرَةِ في أسْفَلِ الأرَضِينَ. وقِيلَ: ولا حَبَّةٍ إلّا يَعْلَمُ مَتى تَنْبُتُ ؟ ومَن يَأْكُلُها ؟ وانْظُرْ إلى حُسْنِ تَرْتِيبِ هَذِهِ المَعْلُوماتِ، بَدَأ أوَّلًا بِأمْرٍ مَعْقُولٍ لا نُدْرِكُهُ نَحْنُ بِالحِسِّ وهو قَوْلُهُ: ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾، ثُمَّ ثانِيًا بِأمْرٍ نُدْرِكُ كَثِيرًا مِنهُ بِالحِسِّ وهو ﴿ويَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ﴾ وفِيهِ عُمُومٌ، ثُمَّ ثالِثًا بِجُزْءَيْنِ لَطِيفَيْنِ أحَدُهُما عُلْوِيٌّ وهو سُقُوطُ ورَقَةٍ مِن عُلُوٍّ إلى أسْفَلَ، والثّانِي سُفْلِيٌّ وهو اخْتِفاءُ حَبَّةٍ في بَطْنِ الأرْضِ. ودَلَّتْ هَذِهِ الجُمَلُ عَلى أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِالكُلِّيّاتِ والجُزْئِيّاتِ، وفِيها رَدٌّ عَلى الفَلاسِفَةِ في زَعْمِهِمْ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ الجُزْئِيّاتِ، ومِنهم مَن يَزْعُمُ أنَّهُ تَعالى لا يَعْلَمُ الكُلِّيّاتِ ولا الجُزْئِيّاتِ حَتّى هو لا يَعْلَمُ ذاتَهُ، تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
﴿ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلّا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾، الرَّطْبُ واليابِسُ وصْفانِ مَعْرُوفانِ، والمُرادُ العُمُومُ في المُتَّصِفِ بِهِما، وقَدْ مَثَّلَ المُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِمَثَلٍ، فَقِيلَ: ما يَنْبُتُ وما لا يَنْبُتُ. وقِيلَ: لِسانُ المُؤْمِنِ ولِسانُ الكافِرِ. وقِيلَ: العَيْنُ الباكِيَةُ مِن خَشْيَةِ اللَّهِ والعَيْنُ الجامِدَةُ لِلْقَسْوَةِ، وأمّا ما حَكاهُ النَّقّاشُ عَنْ جَعْفَرٍ الصّادِقِ أنَّ الوَرَقَةَ هي السَّقْطُ مِن أوْلادِ بَنِي آدَمَ، والحَبَّةَ يُرادُ بِها الَّذِي لَيْسَ بِسَقْطٍ، والرَّطْبَ المُرادُ بِهِ الحَيُّ، واليابِسَ يُرادُ بِهِ المَيِّتُ، فَلا يَصِحُّ عَنْ جَعْفَرٍ وهو مِن تَفْسِيرِ الباطِنِيَّةِ لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وقالَ مُقاتِلٌ: ﴿فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ هو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ. وقالَ الزَّجّاجُ: كِنايَةٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ المُتَيَقَّنِ، وهَذا الِاسْتِثْناءُ جارٍ مَجْرى التَّوْكِيدِ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولا حَبَّةٍ﴾، ﴿ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿مِن ورَقَةٍ﴾، والِاسْتِثْناءُ الأوَّلُ مُنْسَحِبٌ عَلَيْها، كَما تَقُولُ: ما جاءَنِي مِن رَجُلٍ إلّا أكْرَمْتُهُ ولا امْرَأةٍ، فالمَعْنى إلّا أكْرَمْتُها، ولَكِنَّهُ لَمّا طالَ الكَلامُ أُعِيدَ الِاسْتِثْناءُ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، وحَسَّنَهُ كَوْنُهُ فاصِلَةَ رَأْسِ آيَةٍ.
وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ أبِي إسْحاقَ وابْنُ السَّمَيْقَعِ: (ولا رَطْبٌ ولا يابِسٌ) بِالرَّفْعِ فِيهِما، والأوْلى أنْ يَكُونا مَعْطُوفَيْنِ عَلى مَوْضِعِ ﴿مِن ورَقَةٍ﴾، ويُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ وخَبَرُهُ ﴿إلّا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ .
{"ayah":"۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق