الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: المَفاتِحُ: جَمْعُ مِفْتَحٌ؛ (p-٥٣)يُقالُ مِفْتَحٌ ومِفْتاحٌ، فَمَن قالَ مِفْتَحٌ، جَمَعَهُ: مَفاتِحُ. ومَن قالَ: مِفْتاحٌ، جَمَعَهُ: مَفاتِيحُ. وفي "مَفاتِحِ الغَيْبِ" سَبْعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها خَمْسٌ لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. رَوى البُخارِيُّ في أفْرادِهِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « "مَفاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إلّا اللَّهُ، لا يَعْلَمُ مَتى تَقُومُ السّاعَةُ إلّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلّا اللَّهُ، ولا تَعْلَمُ نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتى يَنْزِلُ الغَيْثُ إلّا اللَّهُ"» قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أُوتِيَ نَبِيُّكم عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ إلّا مَفاتِيحُ الغَيْبِ. والثّانِي: أنَّها خَزائِنُ غَيْبِ السَّماواتِ مِنَ الأقْدارِ والأرْزاقِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: ما غابَ عَنَ الخَلْقِ مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ، وما تَصِيرُ إلَيْهِ الأُمُورُ، قالَهُ عَطاءٌ. والرّابِعُ خَزائِنُ غَيْبِ العَذابِ، مَتى يَنْزِلُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. (p-٥٤)والخامِسُ الوَصْلَةُ إلى عِلْمِ الغَيْبِ إذا اسْتَعْلَمَ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والسّادِسُ: عَواقِبُ الأعْمارِ وخَواتِيمُ الأعْمالِ. والسّابِعُ: ما لَمْ يَكُنْ، هَلْ يَكُونُ، أمْ لا يَكُونُ؟ وما يَكُونُ كَيْفَ يَكُونُ وما لا يَكُونُ، إنْ كانَ، كَيْفَ يَكُونُ؟ فَأمّا البَرُّ، فَهو القَفْرُ. وفي البَحْرِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الماءُ، قالَهُ الجُمْهُورُ. والثّانِي: أنَّهُ القُرى، قالَهُ مُجاهِدٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلا يَعْلَمُها﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أنَّهُ يَعْلَمُها ساقِطَةً وثابِتَةً، كَما تَقُولُ: ما يَجِيئُكَ أحَدٌ إلّا وأنا أعْرِفُهُ، لَيْسَ تَأْوِيلُهُ: اعْرِفْهُ في حالِ مَجِيئِهِ فَقَطْ. فَأمّا ظُلُماتُ الأرْضِ، فالمُرادُ بِها بَطْنُ الأرْضِ. وَفِي الرَّطْبِ واليابِسِ، خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ الرَّطْبَ: الماءُ، واليابِسُ: البادِيَةُ. والثّانِي: الرَّطْبُ: ما يَنْبُتُ، واليابِسُ: ما لا يَنْبُتُ، والثّالِثُ: الرَّطْبُ: الحَيُّ، واليابِسُ: المَيِّتُ. والرّابِعُ: الرَّطْبُ: لِسانُ المُؤْمِنِ يَذْكُرُ اللَّهَ، واليابِسُ: لِسانُ الكافِرِ لا يَتَحَرَّكُ بِذِكْرِ اللَّهِ. والخامِسُ: أنَّهُما الشَّيْءُ يَنْتَقِلُ مِن إحْدى الحالَتَيْنِ إلى الأُخْرى، فَهو يَعْلَمُهُ رَطْبًا، ويَعْلَمُهُ يابِسًا. وفي الكِتابِ المُبِينِ قَوْلانِ. أحَدُهُما أنَّهُ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ؛ قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ عِلْمُ اللَّهِ المُتْقَنِ؛ ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ. فَإنْ قِيلَ: ما الفائِدَةُ في إحْصاءِ هَذِهِ الأشْياءِ في كِتابٍ؟ فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ، ذَكَرَهُنَّ ابْنُ الأنْبارِيِّ. أحَدُها: أنَّهُ أحْصاها في كِتابٍ، لَتَقِفَ المَلائِكَةُ عَلى نَفاذِ عِلْمِهِ. والثّانِي: أنَّهُ نَبَّهَ بِذَلِكَ عِبادَهُ عَلى تَعْظِيمِ الحِسابِ، وأعْلَمَهم أنَّهُ لا يَفُوتُهُ ما يَصْنَعُونَ، لِأنَّ مِن يُثْبِتُ ما لا ثَوابَ فِيهِ ولا عِقابَ، فَهو إلى إثْباتِ ما فِيهِ ثَوابٌ وعِقابٌ أسْرَعُ. (p-٥٥)والثّالِثُ: أنَّ المُرادَ بِالكِتابِ: العِلْمُ؛ فالمَعْنى: أنَّها مُثْبَتَةٌ في عِلْمِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب