الباحث القرآني

وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ المفاتح جمع المفتح. وقرأ ابن السميقع: مفاتيح على جمع المفتاح، يعني ومن عنده معرفة الغيب وهو يفتح ذلك بلطفه، واختلفوا في مفاتيح الغيب. فروى عبد الله بن عمر إن النبي ﷺ‎ قال: «مَفاتِحُ الْغَيْبِ خمس ... إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [[السنن الكبرى: 4/ 411.]] [139] . وقال السدي: مَفاتِحُ الْغَيْبِ خزائن الغيب. مقاتل، والضحّاك: يعني خزائن الأرض. وعلم نزول العذاب متى ينزل بكم. عطاء: يعني ما غاب عنكم من الثواب والعقاب وما يصير إليه أمري وأمركم، وقيل: هي الآجال ووقت انقضائها، وقيل: أحوال العباد من السعادة والشقاوة، وقيل: عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال، وقيل: هي ما لم يكن بعد إنه يكون أم لا يكون وما يكون كيف يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون. وقال ابن مسعود: أوتي نبيّكم علم كل شيء إلّا مفاتيح الغيب وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. قال مجاهد: البر القفار والبحر كل قرية فيها ماء وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها قال ابن عباس: ما شجرة في بر ولا بحر إلّا وبها ملك وكلّ يعلم من يأكل وما يسقط من ورقها وقل منكم عند ما بقي من الورق على الشجر وما سقط منها. وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدوس يقول: معناه يعلم كما تقلبت ظهرا لبطن إلى أن سقطت على الأرض وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ أي في بطون الأرض، وقيل: تحت الصخرة في أسفل الأرضين وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ قال ابن عباس: الرطب الماء، واليابس البادية. وقال عطاء: يريد ما ينبت وما لا ينبت. وقال الحسن: يكتبه الله رطبا ويكتبه يابسا لتعلم يا بن آدم إن عملك أولى بها [من إصلاح] تلك الجنة. وقال: الرطب لسان المؤمن رطب بذكر الله، واليابس لسان الكافر لا يتحرك بذكر الله. وبما يرضي الله عز وجل. وقيل: هي الأشجار والنبات. وروى الأعمش عن أبي زياد عن عبد الله بن الحرث، فقال: ما في الأرض من شجرة ولا كمغرز إبرة إلّا عليها ملك وكل يأتي الله بعلمها ويبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت. محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ‎: «ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار [وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ] [[هكذا في المصدر.]] إلّا عليها مكتوب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، رزق فلان ابن فلان وذلك قوله تعالى في محكم كتابه وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ» [[تفسير القرطبي: 7/ 4.]] [140] . إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ أي يقبض أرواحكم في منامكم وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ وأصله من [جارحة] اليد. ثم قيل لكل عليك جارح أي عضو من أعضائه عمل ومنه [الزرع الجيد] ، ويقال لا ترك الله له جارحا أي عبدا ولا أمة يكسب له ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ أي ينشركم ويوقظكم فِيهِ في النار لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى يعني أجل الحياة إلى الممات حتى ينقضي أثرها ورزقها. فقرأ أبو طلحة وأبو رجاء لنقضي بالنون المفتوحة أجلا نصب، وفي هذا إقامة الحجة على منكري البعث يعني كما قدرت على هذا فكذلك أقدر على بعثكم بعد الموت. وقال: مكتوب في التوراة: يا ابن آدم كما تنام كذلك تموت وكما توقظ كذلك تبعث ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ يخبركم ويجازيكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم وهو جمع حافظ، ونظيره قوله وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ [[سورة الإنفطار: 10.]] قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : ومن الناس من يعيش شقيّا جاهل القلب، غافل اليقظة، فإذا كان ذا وفاء ورأى حذر الموت واتقى الحفظة، إنما الناس راحل ومقيم الذي راح للمقيم عظة حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا يعني أعوان ملك الموت يقبضونه ثم يدفعونه إلى ملك الموت وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ لا يعصون ولا يضيعون. وقرأ عبيد بن عمر: لا يُفْرِطُونَ بالتخفيف معنى لا يجاوزون الحد ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ يعني الملائكة وقيل: يعني العباد مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ القضاء في خلقه وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ يعني لا يحتاج إلى رويّة ولا تقدير قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إذا ضللتم الطريق وخفتم الهلاك تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وقرأ عاصم: وَخُفْيَةً وهما لغتان. وقرأ الأعمش وخيفة من الخوف كالذي في الأعراف لَئِنْ أَنْجانا الله مِنْ هذِهِ أي ويقولون لئن أنجيتنا من هذه يعني الظلمات لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ من المؤمنين قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ حزن ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ يعني الصيحة والحجارة والريح والطوفان كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم نوح أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ يعني الخسف كما فعل بقارون. وقال مجاهد: عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ السلاطين، الذين مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ العبيد السوء. الضحّاك: عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ من قبل كباركم أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ من أسفل منكم أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أو يخلقكم ويفرق ويبث فيكم الأهواء والمختلفة وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ يعني السيوف المختلفة بقتل بعضكم بعضا كما فعل ببني إسرائيل، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ‎: «يا جبرئيل ما بقاء أمتي على ذلك؟ فقال له جبرائيل: إنما أنا عبد مثلك؟ فسل ربك؟ فقام رسول الله ﷺ‎ وتوضأ وصلى وسأل ربه فأعطى آيتين ومنع واحدة، قال رسول الله ﷺ‎: «سألته أن يبعد على أمتي عذابا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فأعطاني ذلك، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني، وأخبرني جبرئيل (عليه السلام) أن فناء أمتي بالسيف» [[بتفاوت في تفسير الطبري: 7/ 292.]] [141] . وقال الزهري: راقب خباب بن الإرث رسول الله ﷺ‎ ذات ليلة يصلي فلما فرغ، قال: وقت الصباح لقد رأيتك تصلي صلاة ما رأيتك صليت مثلها، قال: أجل إنها صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاثا وأعطاني إثنتين، وزوى عني واحدة، سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يرسل عليهم سنة فتهلكهم فأعطاني، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فزواها عني» . انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ قرأ إبراهيم بن عبلة وكذبت بالتاء بِهِ أي بالقرآن وقيل: بالعذاب قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أي حفيظ ورقيب وقيل: مسلط إنما أنا رسول لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ موضع قوله وحقيقة ومنتهى ينتهي إليه فيتبين صدقه من كذبه وحقه من باطله. قال مقاتل: لكل خبر يخبره الله تعالى وقت ومكان يقع فيه من غير خلف ولا تأخير. قال الكلبي: لكل قول أو فعل حقيقة ما كان منه في الدنيا فستعرفونه. وما كان منه في الآخرة فسوف يبدو لهم وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ذلك. وقال الحسن: لكل عمل جزاء فمن عمل عملا من الخير جوزي به الجنة، ومن عمل عمل سوء جوزي به النار، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يا أهل مكة. وقال السدي: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ أي ميعاد وحد تكتموه، فسيأتيكم حتى تعرفوه. وقال عطاء: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ يؤخر عقوبته ليعمل ذنبه فإذا عمل ذنبه عاقبه. قال الثعلبي: ورأيت في بعض التفاسير إن هذه الآية نافعة من وجع الضرس إذا كتبت على كاغد ووضع عليه السن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب