الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلا هو ويَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ وما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلا يَعْلَمُها ولا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَيْلِ ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكم فِيهِ لِيُقْضى أجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكم ثُمَّ يُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
"مَفاتِحُ": جَمْعُ "مِفْتَحٌ"؛ وهَذِهِ اسْتِعارَةٌ؛ عِبارَةٌ عَنِ التَوَصُّلِ إلى الغُيُوبِ؛ كَما يُتَوَصَّلُ في الشاهِدِ بِالمِفْتاحِ إلى المُغَيَّبِ عَنِ الإنْسانِ؛ ولَوْ كانَ جَمْعَ "مِفْتاحٌ"؛ لَقالَ: "مَفاتِيحُ"؛ ويَظْهَرُ أيْضًا أنَّ "مَفاتِحُ"؛ جَمْعُ "مَفْتَحٌ"؛ بِفَتْحِ المِيمِ؛ أيْ: مَواضِعُ تُفَتَّحُ عَنِ المُغَيَّباتِ؛ ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُ السُدِّيِّ ؛ وغَيْرِهِ: "مَفاتِحُ الغَيْبِ": خَزائِنُ الغَيْبِ؛ فَأمّا "مِفْتَحٌ"؛ بِالكَسْرِ؛ فَهو بِمَعْنى "مِفْتاحٌ"؛ وقالَ الزَهْراوِيُّ: و"مِفْتَحٌ"؛ أفْصَحُ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما - وغَيْرُهُ: اَلْإشارَةُ (p-٣٧٧)بَـ "مَفاتِحُ الغَيْبِ"؛ هي إلى الخَمْسَةِ الَّتِي في آخِرِ "لُقْمانَ": ﴿إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ﴾ [لقمان: ٣٤] ؛ اَلْآيَةِ؛ لِأنَّها تَعُمُّ جَمِيعَ الأشْياءِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ بَعْدُ؛ ثُمَّ قَوّى البَيانَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَعْلَمُ ما في البَرِّ والبَحْرِ﴾ ؛ تَنْبِيهًا عَلى أعْظَمِ المَخْلُوقاتِ المُجاوِرَةِ لِلْبَشَرِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿ "مِن ورَقَةٍ"؛﴾ عَلى حَقِيقَتِهِ في ورَقِ النَباتِ؛ و"مِن"؛ زائِدَةٌ؛ و﴿ "إلا يَعْلَمُها"؛﴾ يُرِيدُ: عَلى الإطْلاقِ؛ وقَبْلَ السُقُوطِ؛ ومَعَهُ؛ وبَعْدَهُ؛ و﴿وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأرْضِ﴾ ؛ يُرِيدُ: في أشَدِّ حالِ التَغَيُّبِ؛ وهَذا كُلُّهُ - وإنْ كانَ داخِلًا في قَوْلِهِ: ﴿وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ ؛ عِنْدَ مَن رَآها في الخَمْسَةِ؛ وغَيْرِها - فَفِيهِ البَيانُ؛ والإيضاحُ؛ والتَنْبِيهُ عَلى مَواضِعِ العِبَرِ؛ أيْ: "إذا كانَتْ هَذِهِ المَحْقُوراتُ مَعْلُومَةً؛ فَغَيْرُها مِنَ الجَلائِلِ أحْرى".
﴿وَلا رَطْبٍ ولا يابِسٍ﴾ ؛ عُطِفَ عَلى اللَفْظِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ؛ وعَبْدُ اللهِ بْنُ أبِي إسْحاقَ: "وَلا رَطْبٌ ولا يابِسٌ"؛ بِالرَفْعِ؛ عَطْفًا عَلى المَوْضِعِ في "وَرَقَةٍ"؛ لِأنَّ التَقْدِيرَ: "وَما تَسْقُطُ ورَقَةٌ"؛ و﴿إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ ؛ قِيلَ: يَعْنِي "كِتابًا"؛ عَلى الحَقِيقَةِ؛ ووَجْهُ الفائِدَةِ فِيهِ امْتِحانُ ما يَكْتُبُهُ الحَفَظَةُ؛ وذَلِكَ أنَّهُ رُوِيَ أنَّ الحَفَظَةَ يَرْفَعُونَ ما كَتَبُوهُ؛ ويُعارِضُونَهُ بِهَذا الكِتابِ المُشارِ إلَيْهِ؛ لِيَتَحَقَّقُوا صِحَّةَ ما كَتَبُوهُ؛ وقِيلَ: اَلْمُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿إلا في كِتابٍ﴾ ؛ عِلْمُ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ؛ وحَكى النَقّاشُ عن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَوْلًا: "إنَّ الوَرَقَةَ يُرادُ بِها السَقْطُ مِن أولادِ بَنِي آدَمَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ والحَبَّةَ يُرادُ بِها الَّذِي لَيْسَ يَسْقُطُ؛ والرَطْبَ يُرادُ بِهِ الحَيُّ؛ واليابِسَ يُرادُ بِهِ المَيْتُ". وهَذا قَوْلٌ جارٍ عَلى طَرِيقَةِ الرُمُوزِ؛ ولا يَصِحُّ عن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُ -؛ ولا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَيْلِ ويَعْلَمُ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ فِيها إيضاحُ الآياتِ المَنصُوبَةِ لِلنَّظَرِ؛ وفِيها ضَرْبُ مَثَلٍ لِلْبَعْثِ مِنَ القُبُورِ؛ أنَّ هَذا أيْضًا إماتَةٌ وبَعْثٌ عَلى نَحْوٍ ما.
والتَوَفِّي هو اسْتِيفاءُ عَدَدٍ؛ قالَ الشاعِرُ:(p-٣٧٨)
؎ إنَّ بَنِي الأدْرَمِ لَيْسُوا مِن أحَدْ ∗∗∗ ولا تَوَفّاهم قُرَيْشٌ في العَدَدْ
وصارَتِ اللَفْظَةُ عُرْفًا في المَوْتِ؛ وهي في النَوْمِ عَلى بَعْضِ التَجَوُّزِ.
و"جَرَحْتُمْ" مَعْناهُ: كَسَبْتُمْ؛ ومِنهُ جَوارِحُ الصَيْدِ؛ أيْ: كَواسِبُهُ؛ ومِنهُ جَوارِحُ البَدَنِ؛ لِأنَّها كَواسِبُ النَفْسِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "جَرَحْتُمْ"؛ هُنا؛ مِن "اَلْجَرْحُ"؛ كَأنَّ الذَنْبَ جَرْحٌ في الدِينِ؛ والعَرَبُ تَقُولُ: "جَرْحُ اللِسانِ كَجَرْحِ اليَدِ"؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - أو سَلْمانَ - شَكَّ ابْنُ دِينارٍ - أنَّهُ قالَ: "إنَّ هَذِهِ الذُنُوبَ جِراحاتٌ؛ فَمِنها شَوًى؛ ومِنها مَقْتَلَةٌ؛ ألا وإنَّ الشِرْكَ بِاللهِ تَعالى مَقْتَلَةٌ".
و"يَبْعَثُكُمْ"؛ يُرِيدُ الإيقاظَ؛ فَفي "فِيهِ"؛ عائِدٌ عَلى النَهارِ؛ قالَهُ مُجاهِدٌ ؛ وقَتادَةُ ؛ والسُدِّيُّ ؛ وذَكَرَ النَوْمَ مَعَ اللَيْلِ؛ واليَقَظَةَ مَعَ النَهارِ؛ بِحَسَبِ الأغْلَبِ؛ وإنْ كانَ النَوْمُ يَقَعُ بِالنَهارِ؛ واليَقَظَةُ بِاللَيْلِ؛ فَنادِرٌ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ عَلى التَوَفِّي؛ أيْ: "يُوقِظُكم في التَوَفِّي"؛ أيْ: "فِي خِلالِهِ؛ وتَضاعِيفِهِ"؛ قالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ ؛ وقِيلَ: يَعُودُ عَلى اللَيْلِ؛ وهَذا قَلَقٌ في اللَفْظِ؛ وهو في المَعْنى نَحْوٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.
وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ ؛ وأبُو رَجاءٍ: "لِيَقْضِيَ أجَلًا مُسَمًّى"؛ والمُرادُ بِالأجَلِ آجالُ بَنِي آدَمَ؛ ﴿ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ ؛ يُرِيدُ: بِالبَعْثِ؛ والنُشُورِ؛ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ﴾ ؛ أيْ: يُعْلِمُكم إعْلامَ تَوْقِيفٍ؛ ومُحاسَبَةٍ.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ","وَهُوَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّیۡلِ وَیَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ یَبۡعَثُكُمۡ فِیهِ لِیُقۡضَىٰۤ أَجَلࣱ مُّسَمࣰّىۖ ثُمَّ إِلَیۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ ثُمَّ یُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق