الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ يعني: امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها، طلبت منه أن يواقعها، يقال: راود فلان جاريته عن نفسها، وروادته هي عن نفسه، إذا حاول كل واحد من صاحبه الوطء والجماع، ومعنى المراودة في اللغة: المطالبة بأمر للعمل به، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 99.]]: المعنى أنها راودته عما يريد النساء من الرجال. وقوله تعالى: ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ أي أغلقتها، وأصل [["تهذيب اللغة" (غلق) 3/ 2686.]] هذا من قولهم في كل شيء نَشَبَ في شيء فلزمه: قد غلق، يقال: غلق في الباطل، وغلق في غضبه، ومنه: غلق الذهن، ثم يعدّى ما بالألف فيقال: أغلق الباب، إذا جعله بحيث يعسر فتحه، واغلاق القاتل إسلامه إلى ولي المقتول، وذلك أنه صبر بحيث لا يفك منه بعد ذلك، وقد نشب في حيث لا منجا له [[انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2686، و"لسان العرب" 6/ 3283.]]، قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 71 أ، الطبري 12/ 179، البغوي 4/ 227.]]: وإنما قال (غَلَّقت) على التكثير؛ لأنها غلقت سبعة أبواب ثم دعته إلى نفسها. وقوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ هيت: اسم للفعل نحو: رويد، وصه، ومه، وبابه، ومعناه: هلم في قول جميع أهل اللغة [["تهذيب اللغة" 4/ 3816 (هيت)، و"لسان العرب" 8/ 4732 (هيت)، و"مجاز القرآن" 1/ 305.]]، قال الفراء: ولا مصدر له ولا تصرف، قال الأخفش: هيت لك، مفتوحة الهاء والتاء معناها: هلم، ويجوز كسر التاء ورفعه، وكسر بعضهم الهاء وفتح التاء، كل ذلك بمعنى واحد، قال أبو الفضل المنذري: أفادني ابن اليزيدي [[ابن اليزيدي هو: أبو جعفر أحمد بن محمد اليزيدي، كان متقنًا للعلوم، رواية للشعر والأخبار، شاعرًا، توفي قبل سنة 260 هـ. انظر: "تاريخ العلماء النحويين" ص 225.]] عن أبي زيد قال: هيت لك بالعبرانية هيتا لج [[في (أ)، (ب): (هنالخ) والصحيح ما أثبته كما في "تهذيب اللغة" 4/ 3816.]] أي: تعاله، أعربه [[في (ج): (إعرابه).]] القرآن. وقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 40.]]: إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكة فتكلموا بها [[ما سبق من "تهذيب اللغة" 4/ 3816 - 3817. بتصرف.]]. قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 202، الرازي 18/ 91.]]: وهذا وفاق بين لغة قريش وأهل حوران، كما اتفقت العرب والروم في القسطاس، [ولغة العرب والفرس في السجيل، ولغة العرب والترك في الغساق] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]]، ولغة العرب والحبشة في ناشئة الليل، في حروف كثيرة، قال: ولا تثنية في هيت ولا جمع ولا تأنيث، يقال للرجلين: هيت لكما، وللجماعة هيت لكم، وللنسوة هيت لكن، ويقال: قد هيت الرجل، إذا قال لصاحبه: هيت وهلم. وأنشد لطرفه [[والبيت روي بـ (أيها) بدل: هيت، انظر: "ديوانه" 63، و"التكملة" ص 255، و"الخزانة" 4/ 102، و"الخصائص" 2/ 335، و"شرح شواهد الإيضاح" ص 581، و"شرح المفصل" 5/ 60، وبلا نسبة في "المحتسب" 1/ 162، و"اللسان" (غلف) 6/ 3282.]]: هيت الفِتْيَان في مَجْلِسِنَا ... جَرَّدُوا منها وِرَادًا وشُقُرْ وقال أيضاً [[البيت من الخفيف وقد نسبه الواحدي إلى طرفة وليس في ديوانه، وقد نسب إلى طرفة بمثل رواية الواحدي في القرطبي 9/ 164، و"النكت والعيون" 3/ 23، ونسب إلى طرفة، ولكن برواية (هَيتُ) بفتح الهاء وضم التاء في الطبري 12/ 181 (العلمية)، و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 3/ 100، و"المحتسب" 1/ 337، و"مجمع البيان" 5/ 340.]]: ليس قَوْمِي بالأبْعَدِين إذا ما ... قَالَ دَاعٍ من العَشِيرَةِ هَيْتا قال: وللعرب فيها لغات أجودها فتح الهاء والتاء، وهي قراءة العامة [["السبعة" 347، و"النشر" 3/ 125، و"إتحاف" ص 263 وهي قراءة عاصم وأبي عمرو وحمزة والكسائي.]]. قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 100.]]: لأنها بمنزلة الأصوات، ليس فيها فعل يتصرف، ففتحت التاء لسكونها وسكون الياء، واختير الفتح لأن قبل التاء ياءً، كما قالوا: كيف وأين، ومن كسر التاء [[قرأ بها ابن محيصن.]]، فلأن أصل التقاء الساكنين حركة الكسر، ومن ضمها [[وهي قراءة ابن كثير.]]، فلأنها في موضع معنى الغايات كأنما قالت: دعائي لك، فلما حذفت الإضافة وتضمنت هيت معناها، بنيت على الضم، كما بنيت حيث، ومنذ، ومن كسر الهاء [[رواها هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر مع الهمز (هِئتُ) على معنى تهيأتُ لك. انظر: "السبعة" 347، و"إتحاف" ص 263.]] وضم التاء فهو على لغة قوم يؤثرون كسر الهاء على فتحها. قال أبو علي الفارسي [["الحجة" 4/ 417، بتصرف. "مجاز القرآن" 1/ 305.]]: قال أبو عبيدة: هيت لك، هلم لك، وأنشد لرجل [[في "مجاز القرآن" 1/ 279، و"المفصل" 4/ 32، و"اللسان" (هيت) 8/ 4772، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص 357، و"جمهرة اللغة" 251، 440.]]: أبْلِغْ أمير المؤمنين أخَا العِرَاقِ إذا انْتَهَيْتا أنَّ العِرَاقَ وأهْلَه عنق إليك فهَيْتَ هَيْتَا أي: هلم إليها، قال أبو علي: قولهم: هيت فلان بفلان إذا دعاه، ينبغي أن يكون مأخوذًا من قولهم: هيت لك، كما أن قولهم: أفف، مأخوذ من أف، وجعلوها بمنزلة الأصوات لموافقتها لها في البناء، فاشتقوا منها كما يشتقون الأصوات نحو: دع دع، وسبح، إذا قال: سبحان الله، ولبَّا إذا قال: لبيك، قال: ومثل هذه الكلمة في أن الأخير قد جازت فيه الحركات لالتقاء الساكنين قولهم: كان في الأمر ذَيْتُ وذْيتَ وذيْتِ، قال: و (لك) في قوله ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ للتبيين بمنزلة (لك) في قولهم: هلم لك، والكاف في قولهم رويدك [[في (ب): (ويدك) من في غير راء.]]، ومعاك، وأما [[في (ج): (وأماها روى). بالهاء.]] ما روى هشام [[هشام بن عمار بن نصير، ابن ميسرة السلمي، أبو الوليد، قاض من القراء المشهورين، من أهل دمشق. قال الذهبي: خطيبها ومقرئها ومحدثها وعالمها، توفي سنة 245 هـ انظر: "غاية النهاية" 2/ 354، و"ميزان الاعتدال" 5/ 427، و"الأعلام" 8/ 87.]] عن ابن عامر (هئتُ لك) بكسر الهاء والهمزة وضم التاء، فإنها فعلتُ من الهيئة، والضاء ضمير الفاعل. قال أبو زيد: هئتُ للأمر هَيئة وتهيأت [[في (أ)، (ب): (وهيأت).]]، ونظير هذا: فئتُ وتفياتُ، بمعنى رجعت، ويجوز على هذا المعنى تخفيف الهمزة كما يخفف من جئت وشئت. وأنكر [[في (أ)، (ج): (وانكسر).]] أبو عمر [[في (ج): (وأبو عمروا أو الكسائي).]] والكسائي هذه القراءة [["مجاز القرآن" 1/ 305، والطبري 12/ 181، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 410، والثعلبي 7/ 71 أ.]] وقالا: هئْتُ بمعنى تهيئت باطل، لم يحك عن العرب. فأما قول المفسرين في هذا، فروي أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس [[في مسائل نافع بن الأزرق: تهيأت لك، و"الإتقان" 1/ 167، وهذا التفسير في صحيفة علي بن أبي طلحة 291، وهو في الطبري 12/ 179، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم 7/ 2121، وابن المنذر كما في "الدر" 4/ 21.]]: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ قال: معناه، هلم لك، هو قول الحسن [[الطبري 12/ 179، القرطبي 9/ 164.]] وابن زيد [[الطبري 12/ 180.]] وعامة أهل التفسير، وروى وكيع عن النضر ابن عربي عن عكرمة في قوله ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ قال: هلم، وزاد وكيع: وهو بالحورانية [[الطبري 12/ 179.]]. وقال محمد بن إسحاق [[في الطبري 12/ 180 عن ابن إسحاق قال: تعال. وابن أبي حاتم 7/ 2122 وفيه تعالى فأنا لك.]]: معناه فأنا لك، فقال يوسف عند ذلك: معاذ الله. قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 101.]]: المعنى: أعوذ بالله أن أفعل هذا، ومعاذ مصدر تقول: عذت عياذًا ومعاذًا ومعاذه، ومعناه: أعتصم بالله من هذا، وتقديره في الكلام: أعوذ معاذًا بالله، فحذف الفعل ونصب المصدر بالفعل المحذوف المراد، وأضيف [المصدر إلى اسم الله تعالى، كما يضاف] [[ما بين المعقوفين مكرر في (ب).]] المصدر إلى المفعول، ومثله من الكلام: مررت بعمرو مرور زيد، على أن زيدًا ممرور به، والمعنى: كمروري [[في (ب): (لمروري).]] يزيد، ومثله: ولسْتُ مُسَلِّمًا ما دُمْتُ حيًّا ... على زَيْدٍ كتَسْلِيم [[في (أ)، (ب): (لتسليم).]] الأمِيرِ [[لم أجده.]] أي: كتسليمي على الأمير، وقد مر. وقولى تعالى: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ يعني زوجها، في قول مجاهد [[الطبري 12/ 183، القرطبي 9/ 165، ابن عطية 7/ 475.]] وابن إسحاق [[الطبري 12/ 183، القرطبي 9/ 165، ابن عطية 7/ 475.]] والكلبي [["تنوير المقباس" ص 148.]] والسدي [[الطبري 12/ 683، القرطبي 9/ 165، ابن عطية 7/ 475.]] وأكثر المفسرين [[الثعلبي 7/ 72 أ، البغوي 4/ 228، "زاد المسير" 4/ 203.]]، ومعناه: إن الذي اشتراني هو سيدي أنعم علي بإكرامي، فلا أخونه في حرمه، إن فعلت ذلك كنت ظالمًا، ولا يفلح الظالمون. قال أبو إسحاق [[في "معاني القرآن" خلاف ذلك 3/ 101 لأنه قال: (أي إن العزيز ربي).]]: ويجوز أن يكون المعنى: إن الله ربي أحسن مثواي، أي تولاني في طول مقامي، فلا أرتكب ما قد نهى عنه وحرمه، ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ قال ابن عباس: لا يسعد العاصون، وقيل: الزناة، وهو قول الكلبي [["تنوير المقباس" ص 148، الثعلبي 7/ 72 أ، "زاد المسير" 4/ 203.]]، ومضى الكلام في معنى مثواي آنفًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب