الباحث القرآني
﴿وراوَدَتْهُ الَّتِي هو في بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وغَلَّقَتِ الأبْوابَ وقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبِّي أحْسَنَ مَثْوايَ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾ ﴿ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْلا أنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشاءَ إنَّهُ مِن عِبادِنا المُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤]
المُراوَدَةُ: المُطالَبَةُ بِرِفْقٍ، مِن رادَ يَرُودُ إذا ذَهَبَ وجاءَ، وهي مُفاعَلَةٌ مِن واحِدٍ نَحْوَ: داوَيْتُ المَرِيضَ، وكُنِّيَ بِهِ عَنْ طَلَبِ النِّكاحِ والمُخادَعَةِ لِأجْلِهِ، كانَ المَعْنى وخادَعَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، ولِذَلِكَ عَدّاهُ بِـ (عْنَ)، وقالَ: ﴿الَّتِي هو في بَيْتِها﴾ ولَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِها ولا بِامْرَأةِ العَزِيزِ سِتْرًا عَلى الحُرُمِ، والعَرَبُ تُضِيفُ البُيُوتَ إلى النِّساءِ فَتَقُولُ: رَبَّةُ البَيْتِ، وصاحِبَةُ البَيْتِ، قالَ الشّاعِرُ:
؎يا رَبَّةَ البَيْتِ قُومِي غَيْرَ صاغِرَةٍ
﴿وغَلَّقَتِ الأبْوابَ﴾ هو تَضْعِيفُ تَكْثِيرٍ بِالنِّسْبَةِ إلى وُقُوعِ الفِعْلِ بِكُلِّ بابٍ بابٍ. قِيلَ: وكانَتْ سَبْعَةُ أبْوابٍ، ﴿هَيْتَ﴾ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنى أسْرِعْ، و(لَكَ) لِلتَّبْيِينِ؛ أيْ: لَكَ أقُولُ، أمَرَتْهُ بِأنْ يُسْرِعَ إلَيْها، وزَعَمَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ أنَّها لُغَةٌ حَوَرانِيَّةٌ وقَعَتْ إلى أهْلِ الحِجازِ فَتَكَلَّمُوا بِها ومَعْناها: تَعالَ، وقالَهُ عِكْرِمَةُ، وقالَ أبُو زَيْدٍ: هي عِبْرانِيَّةٌ. هيتلخ أيْ: تَعالَهُ فَأعْرَبَهُ القُرْآنُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ: بِالسِّرْيانِيَّةِ. وقالَ السُّدِّيُّ: بِالقِبْطِيَّةِ هَلُمَّ لَكَ، وقالَ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ: عَرَبِيَّةٌ تَدْعُوهُ بِها إلى نَفْسِها، وهي كَلِمَةُ حَثٍّ وإقْبالٍ، انْتَهى. ولا يَبْعُدُ اتِّفاقُ اللُّغاتِ في لَفْظٍ، فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ في كَلامِ العَرَبِ مَعَ لُغاتِ غَيْرِهِمْ، وقالَ الجَوْهَرِيُّ: (p-٢٩٤)هَوْتَ وهَيْتَ بِهِ صاحَ بِهِ فَدَعاهُ، ولا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنِ اسْمِ الفِعْلِ، كَما اشْتَقُّوا مِنَ الجُمَلِ نَحْوَ سَبَّحَ وحَمَدَكَ، ولَمّا كانَ اسْمَ فِعْلٍ لَمْ يَبْرُزْ فِيهِ الضَّمِيرُ، بَلْ يَدُلُّ عَلى رُتْبَةِ الضَّمِيرِ بِما يَتَّصِلُ بِاللّامِ مِنَ الخِطابِ نَحْوَ: هَيْتَ لَكَ، وهَيْتَ لَكِ، وهَيْتَ لَكُما، وهَيْتَ لَكم، وهَيْتَ لَكُنَّ، وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ ذَكْوانَ والأعْرَجُ وشَيْبَةُ وأبُو جَعْفَرٍ: ﴿هَيْتَ﴾ بِكَسْرِ الهاءِ بَعْدَها ياءٌ ساكِنَةٌ وفَتْحِ التّاءِ، والحُلْوانِيُّ عَنْ هِشامٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ هَمَزَ وعَلِيٌّ وأبُو وائِلٍ وأبُو رَجاءٍ ويَحْيَـى وعِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ وطَلْحَةُ والمُقْرِي وابْنُ عَبّاسٍ وأبُو عامِرٍ في رِوايَةٍ عَنْهُما، وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ وهِشامٌ في رِوايَةٍ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهم ضَمُّوا التّاءَ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وابْنُ أبِي إسْحاقَ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهُما سَهَّلا الهَمْزَةَ، وذَكَرَ النَّحّاسُ: أنَّهُ قُرِئَ بِكَسْرِ الهاءِ بَعْدَها ياءٌ ساكِنَةٌ وكَسْرِ التّاءِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأهْلُ مَكَّةَ: بِفَتْحِ الهاءِ وسُكُونِ الياءِ وضَمِّ التّاءِ، وباقِي السَّبْعَةِ أبُو عَمْرٍو والكُوفِيُّونَ وابْنُ مَسْعُودٍ والحَسَنُ، والبَصْرِيُّونَ كَذَلِكَ إلّا أنَّهم فَتَحُوا التّاءَ، وابْنُ عَبّاسٍ وأبُو الأسْوَدِ وابْنُ أبِي إسْحاقَ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وعِيسى البَصْرَةِ كَذَلِكَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: هَيِيَتْ مِثْلُ حَيِيَتْ، فَهَذِهِ تِسْعُ قِراءاتٍ هي فِيها اسْمُ فِعْلٍ إلّا قِراءَةَ ابْنِ عَبّاسٍ الأخِيرَةَ فَإنَّها فِعْلٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ مُسَهَّلُ الهَمْزَةِ مِن هَيَّأْتُ الشَّيْءَ، وإلّا مَن ضَمَّ التّاءَ وكَسَرَ الهاءَ سَواءٌ هَمَزَ أمْ لَمْ يَهْمِزْ، فَإنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْمَ فِعْلٍ كَحالِها عِنْدَ فَتْحِ التّاءِ أوْ كَسْرِها، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فِعْلًا واقِعًا ضَمِيرَ المُتَكَلِّمِ مِن هاءِ الرَّجُلِ يُهَيِّءُ إذا أحْسَنَ هَيْئَتَهُ عَلى مِثالِ: جاءَ يَجِيءُ، أوْ بِمَعْنى تَهَيَّأْتُ. يُقالُ: هَيْتَ وتَهَيَّأْتُ بِمَعْنًى واحِدٍ، فَإذا كانَ فِعْلًا تَعَلَّقَتِ اللّامُ بِهِ، وفي هَذِهِ الكَلِمَةِ لُغاتٌ أُخَرُ، وانْتَصَبَ ﴿مَعاذَ اللَّهِ﴾ عَلى المَصْدَرِ؛ أيْ: عِياذًا بِاللَّهِ مِن فِعْلِ السُّوءِ، والضَّمِيرُ في (إنَّهُ) الأصَحُّ أنَّهُ يَعُودُ عَلى اللَّهِ تَعالى؛ أيْ: إنَّ اللَّهَ رَبِّي أحْسَنَ مَثْوايَ إذْ نَجّانِي مِنَ الجُبِّ، وأقامَنِي في أحْسَنِ مَقامٍ، وإمّا أنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وعَنى بِرَبِّهِ سَيِّدَهُ العَزِيزَ فَلا يَصْلُحُ لِي أنْ أخُونَهُ، وقَدْ أكْرَمَ مَثْوايَ وائْتَمَنَنِي قالَهُ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ وابْنُ إسْحاقَ ويَبْعُدُ جِدًّا؛ إذْ لا يُطْلِقُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ عَلى مَخْلُوقٍ أنَّهُ رَبُّهُ، ولا بِمَعْنى السَّيِّدِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في الحَقِيقَةِ مَمْلُوكًا لَهُ ﴿إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾ أيِ: المُجازُونَ الإحْسانَ بِالسُّوءِ. وقِيلَ: الزُّناةُ. وقِيلَ: الخائِنُونَ. وقَرَأ أبُو الطُّفَيْلِ والجَحْدَرِيُّ (مَثْوَيَّ) كَما قَرَأ (يا بُشْرَيَّ)، وما أحْسَنَ هَذا التَّنَصُّلَ مِنَ الوُقُوعِ في السُّوءِ. اسْتَعاذَ أوَّلًا بِاللَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ العِصْمَةُ ومَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلى أنَّ إحْسانَ اللَّهِ أوْ إحْسانَ العَزِيزِ الَّذِي سَبَقَ مِنهُ لا يُناسِبُ أنْ يُجازى بِالإساءَةِ، ثُمَّ نَفى الفَلاحَ عَنِ الظّالِمِينَ وهو الظَّفَرُ والفَوْزُ بِالبُغْيَةِ فَلا يُناسِبُ أنْ أكُونَ ظالِمًا أضَعُ الشَّيْءَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، وأتَعَدّى ما حَدَّهُ اللَّهُ تَعالى لِي.
{"ayah":"وَرَ ٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِی هُوَ فِی بَیۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَ ٰبَ وَقَالَتۡ هَیۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّیۤ أَحۡسَنَ مَثۡوَایَۖ إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق