الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمّىً فاكْتُبُوهُ ولْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالعَدْلِ ولا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنهُ شَيْئًا فَإنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أوْ ضَعِيفًا أوْ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ ولِيُّهُ بِالعَدْلِ واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجالِكُمْ فَإنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ مِمَن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أنْ تَضِلَّ إحْداهُما فَتُذَكِّرَ إحْداهُما الأُخْرى ولا يَأْبَ الشُّهَداءُ إذا ما دُعُوا ولا تَسْأَمُوا أنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أوْ كَبِيرًا إلى أجَلِهِ ذَلِكُمْ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وأَدْنى ألاَّ تَرْتابُوا إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ألاَّ تَكْتُبُوها وأَشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ ولا يُضَآرَّ كاتِبٌ ولا شَهِيدٌ وإنْ تَفْعَلُوا فَإنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ واللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
وهذه آيةُ المدايَنةِ أطولُ آيِ القرآنِ، تسمّى بآيةِ المدايَنةِ مِن المفاعَلةِ بين الناسِ، وكلُّ مالٍ يكونُ في الذِّمَّةِ، سواءٌ كان نَقْدًا أو حيوانًا أو ثمارًا أو حبوبًا أو عقارًا أو متاعًا، يسمّى: دَيْنًا، كبَيْعِ العَيْنِ بالدَّيْنِ، وبيعِ الدَّيْنِ بالعَيْنِ، وهو السَّلَمُ.
ولا يدخُلُ في هذا البيوعُ المحرَّمةُ، كبيعِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، والرِّبا، والغَرَرِ، والآيةُ إنّما نزَلَتْ في سَلَمِ أهلِ المدينةِ، كما قاله ابنُ عبّاسٍ وغيرُهُ، وهي تشريعٌ لكلِّ دَيْنٍ، للاشتراكِ في العِلَّةِ في الديونِ، وهي الغُرْمُ المتعلِّقُ بالذِّمَّةِ إلى أجَلٍ، وللاشتراكِ في الحِكْمةِ مِن نزولِ الآيةِ، فالآيةُ نزَلَتْ لتعليمِ أهلِ الأموالِ حِفْظَ حقوقِهم فيما بينَهُمْ بالكِتابةِ والشهادةِ، وقد قال مالكٌ في الآيةِ: «تجمَعُ الدَّيْنَ كلَّه»[[«المدوَّنة» (٣/٦٠).]].
مشروعيَّةُ إقراضِ المحتاجِ:
والإقراضُ جاء النصُّ بفَضْلِهِ، فهو مِن تفريجِ الكُرْبةِ، وتيسيرٌ على المُعْسِرِ، وعُدَّ المُقرِضُ كالمُنفِقِ نصفَ ما أقرَضَ، روى ابنُ مسعودٍ أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (ما مِن مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إلاَّ كانَ كَصَدَقَتِها مَـرَّةً)، أخرَجَهُ ابـنُ ماجَهْ[[أخرجه ابن ماجه (٢٤٣٠) (٢/٨١٢).]]، وقد اختُلِفَ في وقفِ الحديثِ على ابنِ مسعودٍ ورَفْعِهِ، ورَجَّحَ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ وقْفَهُ.
وفي «الصحيحَيْنِ»، عن أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه، قال: قالَ ﷺ: (كانَ رَجُلٌ يُدايِنُ النّاسَ، فَكانَ يَقُولُ لِفَتاهُ: إذا أتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ يَتَجاوَزُ عَنّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجاوَزَ عَنْهُ) [[أخرجه البخاري (٣٤٨٠) (٤/١٧٦)، ومسلم (١٥٦٢) (٣/١١٩٦).]].
وقد يفضُلُ القرضُ على الصدقةِ إذا كان المحتاجُ متعفِّفًا، لا يَقْبَلُ الصدقةَ، ولا تنفرِجُ كربتُهُ إلا بإقراضِهِ.
والقرضُ رَغَّبَ اللهُ فيه الغنيَّ، وحذَّر اللهُ منه الآخِذَ له بلا حاجةٍ، لأنّه يبقى في الذِّمَّةِ، وهو حقٌّ لازمٌ لا بُدَّ فيه مِن الوفاءِ، ويُغفَرُ للشهيدِ كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْنَ، مع عِظَمِ الشهادةِ والشهيدِ عندَ اللهِ.
والدَّيْنُ يَجُرُّ صاحِبَهُ إلى التهاوُنِ به، حتّى يكثُرَ دَيْنُهُ فيَعجِزَ عن قضائِه، وإذا كَثُرَ الدَّيْنُ وطُلِبَ القضاءُ، وعَدَ وأخلَفَ، وقد كان النبيُّ ﷺ يستعيذُ منه دُبُرَ الصلاةِ، فيقولُ: (اللَّهُمَّ، إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن عَذابِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجّالِ، وأَعُوذُ بِكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا، وفِتْنَةِ المَماتِ، اللهُمَّ، إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ والمَغْرَمِ)، فقالَ له قائلٌ: ما أكثرَ ما تستعيذُ مِن المغرَمِ؟ فقال: (إنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، ووَعَدَ فَأَخْلَفَ)، متَّفقٌ عليه[[أخرجه البخاري (٨٣٢) (١/١٦٦)، ومسلم (٥٨٩) (١/٤١٢).]].
والقرضُ مباحٌ للمحتاجِ الذي يَغلِبُ على ظنِّه الوفاءُ.
مِن أحكامِ السَّلَمِ:
وفي قوله تعالى: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمّىً فاكْتُبُوهُ﴾ دليلٌ على جوازِ السَّلَمِ، وهو: بَيْعُ الدَّيْنِ بالعَيْنِ، أي: يُسلِفُ الرجلُ آخَرَ مالًا ـ كأَلْفِ دينارٍ ـ على أن يَقْضِيَهُ عَشَرةَ أوْسُقٍ مِن البُرِّ أو الشَّعِيرِ، أو أنْ يَقْضِيَهُ عَشْرًا مِن الإبلِ بعدَ عامٍ.
قال ابنُ عباسٍ: «أشْهَدُ أنّ السَّلَفَ المضمونَ إلى أجلٍ مُسَمًّى قد أحَلَّهُ اللهُ في كتابِه وأَذِنَ فيهِ، ثمَّ قَرَأَ: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمّىً فاكْتُبُوهُ﴾»[[«تفسير الطبري» (٥/٧١)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٥٥٤).]].
والسَّلَمُ عندَ السلفِ بَيْعُ معلومٍ في الذِّمَّةِ معروفٍ بالصِّفَةِ، بعينٍ حاضرةٍ أو ما في حُكْمِها، إلى أجلٍ معلومٍ.
فلا يجوزُ بيعُ المجهولِ، ولا سِلْعةٍ معيَّنةٍ، كمَن يَبِيعُ ثَمَرَ نخلٍ معيَّنٍ، حتّى لا يدخُلَ فيه الغررُ والجهالةُ، فلا يُثمِرَ فتَضِيعَ الحقوقُ.
ولا خلافَ في جَوازِ السَّلَمِ، للآيةِ، ولكنْ يجبُ في السَّلَمِ العِلْمُ بالكَيْلِ والوزنِ والأَجَلِ، لقولِهِ ﷺ: (مَن أسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، ووَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ) [[أخرجه البخاري (٢٢٤٠) (٣/٨٥)، ومسلم (١٦٠٤) (٣/١٢٢٦).]].
وجوازُ السَّلَمِ ليس مِن بيعِ ما لا يَملِكُهُ الإنسانُ، كمَن يَبِيعُ عَيْنًا معلومةً غيرَ مملوكةٍ له ولا مضمونةٍ عليه، فهذا الذي نَهى النبيُّ ﷺ حَكِيمَ بنَ حِزامٍ عنه: (لا تَبِعْ ما لَيْسَ عِنْدَكَ) [[أخرجه أحمد (١٥٣١١) (٣/٤٠٢)، وأبو داود (٣٥٠٣) (٣/٢٨٣)، والترمذي (١٢٣٢) (٣/٥٢٦)، والنسائي (٤٦١٣) (٧/٢٨٩)، وابن ماجه (٢١٨٧) (٢/٧٣٧).]]، وأمّا السَّلَمُ، فعلى وصفٍ ومقدارٍ معلومٍ إلى أجَلٍ، لا على عَيْنٍ مَعلومةٍ.
ويجبُ عندَ السَّلَمِ تسليمُ الثمنِ العاجلِ وإحضارُهُ، فلا يجوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ الكالئِ بالكالئِ.
وفي الآيةِ: ﴿إلى أجَلٍ مُسَمّىً﴾ وجوبُ معرفةِ الأَجَلِ وتحديدِه، وتحريمُ السلَمِ إلى أجلٍ مجهولٍ، وعدَمُ صحَّتِهِ بلا خلافٍ، وقال الشافعيُّ بجوازِ السَّلَمِ الحالِّ، لانتفاءِ علَّةِ الجهالةِ في الأَجَلِ.
والعلماءُ يختلِفونَ في تقديرِ أدنى الأجلِ وأعلاهُ، حتّى قال بعضُ الفقهاءِ: أدْناهُ يومٌ.
ولا دليلَ على ذلك كلِّه، إلا أنّ السَّلَمَ لا يتحقَّقُ إلا بعَيْنٍ آجِلَةٍ، وثمنٍ عاجلٍ، فإنّه إن كان بثمنٍ عاجلٍ، وسِلْعةٍ عاجلةٍ، فإنْ كانتِ السِّلْعةُ معيَّنةً مملوكةً، فهذا بيعٌ، لا سَلَمٌ، وإنْ كانتِ السلعةُ معيَّنةً غيرَ مملوكةٍ، فهذا بيعُ ما لا يَملِكُ، وهو محرَّمٌ، وإنْ كانتِ السلعةُ غيرَ معيَّنةٍ ولو كانت مملوكةً، فهذا بَيْعُ جَهالةٍ وغَرَرٍ، وإن كانت غيرَ معيَّنةٍ ولا مملوكةٍ، فهذا اجتمَعَ فيه الغررُ وبيعُ ما لا يَملِكُهُ الإنسانُ.
ويغتفرُ بعضُ الفقهاءِ ـ كمالكٍ ـ الغرَرَ اليَسِيرَ في الأجلِ، كالأجلِ إلى الحصادِ، وهو قولُ ابنِ عُمَرَ، ومنَعَ منهُ جمهورُ العلماءِ، كأبي حنيفةَ والشافعيِّ، وظاهرُ المذهبِ عندَ الحنابلةِ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ.
حكمُ كتابةِ عقودِ الدُّيُون والبيوع:
وقولُه تعالى: ﴿فاكْتُبُوهُ﴾ أمَرَ بالكتابةِ لضَبْطِها، حفظًا للحقوقِ، ودفعًا للنِّزاعِ والطمعِ، وذلك أنّ اللَّهَ قالَ بعدُ في التجارةِ: ﴿إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ألاَّ تَكْتُبُوها﴾، فرفَعَ الحرَجَ في التجارةِ، لِيُثْبِتَهُ في المدايَنةِ.
واختلَفَ العلماءُ في حكمِ كتابةِ الديونِ على قولَيْنِ:
أحدهما: الوجوبُ، فقد أخَذَ بظاهرِ الأمرِ، فأوجَبَها بعضُ السلفِ، ورجَّحهُ الطَّبَريُّ، وهذا مرويٌّ عنِ ابنِ عباسٍ، فقد روى ابنُ المنذِرِ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، في قولِهِ عزّ وجل: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمّىً فاكْتُبُوهُ﴾: «فأمَرَ بالشهادةِ بَينَهُم عند المكاتَبةِ، لكيلا يدخُلَ في ذلك جحودٌ ولا نِسْيانٌ، فمَن لم يُشهِدْ على ذلك مِنكُم، فقد عَصى»[[«تفسير ابن المنذر» (١/٦٧).]].
القولُ الثاني: ذهَبَ إليه أكثرُ العلماءِ، وهو أنّ الأمرَ على الاستحبابِ، وبه قالَ الشَّعْبيُّ والحسنُ ومالكٌ وغيرُهُ، وذلك أنّ المالَ حقٌّ لصاحبِهِ، وله حقُّ إسقاطِهِ كلِّه وإبراءِ المَدِينِ منه، وهذا هو الأظهَرُ، فالأمرُ للدَّلالةِ والإرشادِ لحفظِ الحقِّ، ومَن أسقَطَ البيِّنةَ على حقِّه، فإنّما ترَكَ توثيقَ حقِّهِ وأسقَطَهُ بنفسِهِ، والكتابةُ لا تجبُ في عقودِ النكاحِ، وهيَ أعظَمُ مِن المالِ، وإنّما يُكتفى بالشهودِ، لعِظَمِ الأبضاعِ في الشرعِ والطَّبْعِ.
وإيجابُ الكتابةِ في الدَّيْنِ مشقَّةٌ مع حاجةِ الناسِ إلى المالِ وتبادُلِهِمْ لهُ في الأسواقِ والبيوتِ والأسفارِ، فيتعاطَوْنَ الدراهمَ والدنانيرَ فُرادى في وقتِ الأُمِّيَّةِ، وربَّما تدايَنُوا بالقليلِ كالدِّرْهَمِ والمُدِّ والمُدَّيْنِ، ومثلُ هذا في إيجابِ كتابتِهِ كُلْفةٌ وعُسْرٌ، ولكنْ لا خلافَ في استحبابِ الكتابةِ، وكلَّما عَظُمَ المالُ وكَثُرَ الشركاءُ وتأخَّرَ الأجلُ، تأكَّدتِ الكتابةُ، لِغَلَبةِ الظنِّ بورودِ النزاعِ وموتِ المتدايِنِينَ.
وقد تجبُ الكتابةُ عندَ غَلَبةِ الظنِّ بالخصومةِ والنزاعِ وضياعِ الحقوقِ، لأنّ اللَّهَ تعالى يَقولُ: ﴿ذَلِكُمْ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وأَدْنى ألاَّ تَرْتابُوا﴾، وفي هذا بيانُ الحِكْمةِ مِن الكتابةِ والإشهادِ، حفظًا للحقوقِ، ودفعًا للشكِّ والريبِ والنِّسْيانِ.
وجعَلَ بعضُ العلماءِ الأَمْرَ بالكتابةِ منسوخًا بقولِهِ: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].
وقال آخَرونَ: بعدمِ النسخِ، وعلى هذا جمهورُ السلفِ، كابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وأبي موسى، وابنِ سِيرِينَ، ومجاهِدٍ، والشَّعْبيِّ، ورجَّحَهُ الطبريُّ.
حكمُ الرَّهْنِ:
وحُكْمُ الإشهادِ حكمُ الكتابةِ، والإشهادُ أوثَقُ.
والأمرُ بالرهنِ عندَ عدَمِ وجودِ كاتبٍ لا يدُلُّ على الوجوبِ، لأنّه إرشادٌ وتعليمٌ كيفَ يَضبِطُ أهلُ الأموالِ أموالَهُمْ عندَ التدايُنِ بها، وقد بايَعَ النبيُّ ﷺ ولم يُشهِدْ حينَما بايَعَ الأعرابيَّ، فاشترى بعيرَهُ منه، والصحابةُ الذين مَعَهُ لا يَشْعُرونَ أنّه ابتاعَهُ، فجحَدَهُ الأعرابيُّ، فشَهِدَ خُزَيْمةُ بنُ ثابتٍ مع النبيِّ ﷺ: أنّهُ صادقٌ، والنبيُّ لا يقولُ إلا حقًّا[[أخرجه أحمد (٢١٨٨٣) (٥/٢١٥)، وأبو داود (٣٦٠٧) (٣/٣٠٨)، والنسائي (٤٦٤٧) (٧/٣٠١).]].
وفي قولِهِ تعالى: ﴿ولْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالعَدْلِ ولا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنهُ شَيْئًا فَإنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أوْ ضَعِيفًا أوْ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ ولِيُّهُ بِالعَدْلِ﴾ وجوبُ الكتابةِ على الكاتبِ إذا طُلِبَ منه ذلك، والكتابةُ عِلْمٌ يَجِبُ بذلُهُ لمَن طَلَبَهُ.
وقد أمَرَ اللهُ الكاتِبَ والمُملِيَ ألاَّ يضَعا إلا الحقَّ بلا بَخْسٍ، وإذا كانَ المُمْلِي عليه سفيهًا أو جاهِلًا صغيرًا، أمْلى عنه ولِيُّهُ بالعَدْلِ.
الحجرُ على السفيه:
وفي الآيةِ: الحَجْرُ على السفيهِ، وتولِّي ولِيِّهِ المالَ، والتصرُّفُ عنه، والصغيرُ السفيهُ الذي لا يُحسِنُ التصرُّفَ يستمِرُّ الحَجْرُ عليه حتّى يَرْشُدَ ولو بلَغَ ما دامَ سَفَهُهُ متَّصِلًا، ويصحُّ ابتداءُ الحَجْرِ عليه ولو بعدَ بُلُوغِهِ، وهذا قولُ ابنِ عُمرَ وابنِ عبّاسٍ، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ.
وذهَبَ أبو حنيفةَ: إلى أنّ الحَجْرَ لا يكونُ لمَن كان مالُهُ بينَ يدَيْهِ بعدَ البلوغِ والرُّشْدِ وإنْ بَذَّرَ وأسرَفَ، ما دامَ عاقلًا ليس بمجنونٍ، وإنّما الحجرُ عليه صغيرًا، ولا يسلَّمُ مالُهُ حتّى يرشُدَ ولو بعدَ بلوغِهِ، وحَدَّهُ أبو حنيفةَ بخمسٍ وعشرينَ سنةً.
وخالفَ أبا حنيفةَ صاحباهُ محمَّدٌ وأبو يوسفَ، فقالا بقولِ الجمهورِ.
وقولُهُ تعالى: ﴿واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجالِكُمْ فَإنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ مِمَن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أنْ تَضِلَّ إحْداهُما فَتُذَكِّرَ إحْداهُما الأُخْرى﴾، والإشهادُ على الندبِ على ما تقدَّمَ، وحكمُه حكمُ الكتابةِ سواءٌ.
حكمُ الإشهادِ في العقودِ والمعامَلاتِ:
وإرشادُ اللهِ للإشهادِ مِن رجالِنا بقولِه: ﴿مِن رِجالِكُمْ﴾، يُخرِجُ الكافرَ والصبيَّ والمرأةَ، وتتضمَّنُ الإضافةُ في الآيةِ الإشارةَ إلى استحبابِ إشهادِ مَن يَعرِفُ حالَكُمْ وتَعرِفونَ حالَهُ، تحذيرًا مِن إشهادِ المجهولِ والغريبِ الذي يَرْحَلُ ولا يَقَرُّ، ولا يَعرِفُ حالَ المتبايِعِينَ والمتدايِنِينَ وحالَ سُوقِهِم، فينتفي حصولُ المقصودِ مِن الإشهادِ، فمَن كان مَجهولًا: قد يَخفى كُفْرُهُ وكذبُهُ ونفاقُهُ وخِداعُه، والغريبُ: قد يُسافِرُ ويُحتاجُ إليه فيُطلَبُ ولا يُوجَدُ، وهذا للإرشادِ والتعليمِ، ومِن بابِ أوْلى إشهادُ الكافرِ، فالكافرُ ليس مِن رجالِ المسلِمِينَ، وقد اتَّفَقَ العلماءُ على عدمِ جوازِ شهادةِ الكافرِ في الديونِ والمعامَلاتِ، حكاهُ ابنُ المُنذِرِ وابنُ رُشْدٍ وغيرُهُما.
وفي شهادةِ الكافرِ في الوصيَّةِ في السفرِ كلامٌ يأتي في سورةِ المائدةِ بإذنِ اللهِ.
وأمّا شهادةُ أهلِ الذِّمَّةِ بعضِهم على بعضٍ، ففيها خلافٌ مشهورٌ، فأجازَها عليٌّ وشُرَيْحٌ، وبقولِهِ قال أهلُ الكوفةِ وأبو عُبَيْدٍ وإسحاقُ.
شهادةُ الصبيِّ في العقود:
وفي ظاهرِ الآيةِ عدمُ جوازِ شهادةِ الصبيِّ، لكونِه مِن غيرِ الرجالِ، لأنّ الصبيَّ ينسى ويخوَّفُ، وإن كانت فِطْرَتُهُ صحيحةً ولا يَعرِفُ الكذبَ، إلا أنّه أكثَرُ نِسْيانًا وتلقينًا، وفي قبولِ شَهادَتِهم خلافٌ عند السلفِ والخَلَفِ على أقوالٍ ثلاثةٍ، وهي ثلاثُ رواياتٍ عن أحمدَ:
الأولُ: لا تجوزُ شهادةُ الصبيِّ، وبه قال الجمهورُ، قالَ ابنُ عباسٍ: «ليسوا ممَّنْ يُرضَوْنَ، لأنّ اللَّهَ يَقولُ: ﴿مِمَن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ﴾»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٥٦١).]]، وبه قال أبو حنيفةَ والكوفيونَ والشافعيُّ، وهو المشهورُ عن أحمدَ.
ولا يُعلَمُ عن أحدٍ مِن السَّلَفِ بسنَدٍ صحيحٍ قبولُ شهادةِ الصبيِّ في كلِّ شيءٍ، وإنّما الخلافُ عندَهم في بعضِ الحقوقِ والأحوالِ، كشهادةِ بعضِهِم على بعضٍ، وشهادتِهم في الجراحِ، ومَن رُوِيَ عنه إطلاقُ الجوازِ ـ كابنِ الزُّبَيْرِ والشَّعْبيِّ ـ فهيَ مقيَّدةٌ مِن وجوهٍ أُخرى عنهم.
الثاني: تجوزُ شهادةُ الصِّبْيانِ بعضِهِم على بعضٍ، وبهِ يقولُ أهلُ المدينةِ، ومالكٌ، والنَّخَعيُّ، وعُرْوةُ، وقضى بهِ عليٌّ، وقال به ابنُ الزُّبَيْرِ، واشترَطَ عدَمَ تَفَرُّقِهم، قالَ: «إذا جِيءَ بهم عندَ المُصِيبةِ، جازَتْ شَهادَتُهُم»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٥٤٩٥) (٨/٣٤٩).]].
وعلَّةُ اشتراطِ عدمِ الافتراقِ: حتّى لا يَنْسى أو يُلقَّنَ.
وخصوماتُ الصِّبْيانِ فيما بَينَهُم لا يَشهَدُها الكِبارُ غالبًا، وإذا لم تُؤخَذْ شهادتُهُم بَعْضِهِم على بَعْضٍ، ضاعَتِ الحقوقُ، وأُهْدِرَتِ الدِّماءُ.
الثالثُ: تجوزُ شَهادتُهُمْ في الجراحِ، وبهِ قال عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ.
وإنّما كان الخلافُ في قبولِ شهادةِ الصبيِّ، لظاهرِ الآيةِ، ولحِفْظِ الحقوقِ، فالمَوْضِعُ الذي يُخشى فواتُ الحَقِّ فيه، صَحَّتْ شَهادَتُهُمْ ممّا يُعايِنُونَهُ عادةً كالجراحِ والقَتْلِ، فلا يَشْهَدُها كلُّ أحدٍ، لأنّها تقعُ عارِضةً، بخلافِ التعاقُدِ على مالٍ أو بَيْعٍ، فهذا يُستشهَدُ عليه، ويُقصَدُ الشاهدُ بعينِه، فشُدِّدَ في ذلك، حتّى لا يُقصَدَ الصبيُّ بالشهادةِ، فتَضِيعَ الحقوقُ.
شهادةُ المرأةِ في العقودِ:
وظاهرُ الآيةِ: عدَمُ قبولِ شهادةِ المرأةِ، لأنّ اللَّهَ تعالى قالَ: ﴿مِن رِجالِكُمْ﴾، وقيَّدَ شهادتَهُنَّ مع الرجلِ الشاهدِ الواحدِ عندَ فَقْدِ الآخَرِ، ولا يظهَرُ جوازُ شهادةِ الأربعِ مِن النِّساءِ عن الرجلَيْنِ.
وعدمُ جوازِ شهادةِ المرأةِ: إنّما هو في الأموالِ والحدودِ والدماءِ، لأنّ الشريعةَ جاءتْ بأحكامٍ مُحكَمةٍ يُتِمُّ بعضُها بعضًا، ولا يتنافى حكمٌ مع حكمٍ، فالمرأةُ حرَّمَ اللهُ عليها خَلْوَتَها بالرجالِ واختِلاطَها بمَجالِسِهم، فهي لا تشهَدُ تَبَعًا خصوماتِهِمْ ومبايَعاتِهِمْ، كحالِ الرجالِ بعضِهم مع بعضٍ، فلا يُناسِبُ مساواتُها في الشهادةِ، فتُطلَبُ منها كما تُطلَبُ مِن الرجلِ، فالشرعُ ينفِّرُها عن مجالِسِ الرجالِ، ثمَّ يَدْعُوها لتشهَدَ بيوعَهم وخُصُوماتِهم؟! لذا جعَلَ الله تعالى إدخالَها في الشهاداتِ للحاجةِ عندَ فَقْدِ الرجلِ، ولأنّها تغيبُ عن معرِفةِ الحالِ، جُعِلَتْ شهادةُ امرأتَيْنِ كشهادةِ الرجلِ، لقِصَرِ الفَهْمِ والإدراكِ لتلك الأحوالِ، ولذا جاء في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي سعيدٍ وغيرِه، قال ﷺ: (ألَيْسَ شَهادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهادَةِ الرَّجُلِ؟! فَذَلِك مِن نُقْصانِ عَقْلِها) [[أخرجه البخاري (٣٠٤) (١/٦٨)، ومسلم (٧٩) (١/٨٦).]].
ولمّا كانتِ الحدودُ تُدرَأُ بالشُّبُهاتِ، والمرأةُ يَعترِضُها النِّسْيانُ في الشهودِ لقولِهِ: ﴿أنْ تَضِلَّ إحْداهُما فَتُذَكِّرَ إحْداهُما الأُخْرى﴾، والنِّسْيانُ شُبْهةٌ، لمْ تَجُزْ شهادةُ المرأةِ في الحدودِ، بل لا تُجزِئُ شهادةُ امرأتَيْنِ مع رجلٍ في غير الأموال، ولأنّ اللهَ يقولُ في حدِّ الزِّنى: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ [النور: ٤]، وهذا عددُ الرجالِ بالاتِّفاقِ.
وعلى هذا جرى العملُ، فقد روى ابنُ أبي شَيْبةَ، عن الزُّهْريِّ، قال: «مَضَتِ السُّنَّةُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ، والخليفتَيْنِ مِن بعدِهِ: ألاَّ تَجُوزَ شَهادَةُ النِّساءِ في الحُدُودِ»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٨٧١٤) (٥/٥٣٣).]].
ويَجْرِي مَجْرى الأموالِ في جوازِ شهادةِ المرأةِ بها على ما تقدَّمَ: المواريثُ، والوصايا، والودائعُ، وشِبهُها.
وتصحُّ شهادةُ المرأةِ الواحدةِ في الرَّضاعِ.
وكذلك القابِلةُ ـ طبيبةُ الولادةِ ـ لو شَهِدَتْ على شيءٍ رَأَتْهُ مِن جِنْسِ المولودِ وحياتِهِ وعدَدِه.
ويجوزُ إشهادُ النساءِ وحْدَهُنَّ على ما لا تقومُ فيه بيِّنةٌ إلا بِهِنَّ، كما يقَعُ بينَهُنَّ مِن جِراحٍ أو سَرِقةٍ في مَجالِسِهِنَّ في الأَعْراسِ والوَلائِمِ ونحوِها، حتّى لا تَضِيعَ الحقوقُ.
وحكى الاتفاقَ غيرُ واحدٍ أنّ شهادةَ النِّساءِ على النساءِ في الولادةِ وعيوبِهنَّ جائزةٌ.
اشتراطُ العدالةِ في الشاهِدِ:
ويُشترَطُ في الشاهدِ العَدالةُ، لقولِهِ تعالى: ﴿وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، والعَدْلُ: من لم يُعرَفْ فِسْقُهُ بكبيرةٍ، أو إصرارٍ على صغيرةٍ، وإن تعذَّرَ شاهدٌ لم يظهَرْ فسقُهُ بصغيرةٍ، فيجوزُ الإشهادُ بأهلِ الصغائرِ، حتّى لا تضيعَ الحقوقُ، ولِنُدْرةِ السلامةِ منها، خاصَّةً في الأزمِنَة المتأخِّرةِ، وإنْ كَثُرَ أهلُ السلامةِ منها في بلدٍ، رُدَّتْ شهادتُهُ، لأنّ قبولَ شهادةِ الفاسقِ ورَدَّها لحفظِ الحقوقِ أنْ تَضِيعَ، والمصلَحةُ الغالبةُ في قبولِها ورَدِّها يُؤخَذُ بها.
والأصلُ في المسلِمِ المشهورِ: العدالةُ ما لم يُجرَحْ، وأمّا المسلِمُ المستورُ، فاختُلِفَ فيه:
فقال مالكٌ والشافعيُّ: إنّ الأصلَ عدَمُ قبولِ الشهادةِ، حتّى تثبُتَ العدالةُ، وظاهِرُهُ: أنّ مَن عُجِزَ عن معرِفةِ عدالتِهِ تُرَدُّ شهادتُه.
وقال أبو حنيفةَ والليثُ: إنّ الأصلَ قَبولُ شهادتِهِ، حتّى يثبُتَ الفِسْقُ.
والأظهَرُ: أنّ الأمرَ يَرجِعُ إلى الزمانِ والمكانِ وغَلَبةِ الفِسْقِ فيهما، فإنْ كان المستورُ في بلدٍ يعُمُّ فيهِ الفِسْقُ، اشتُرِطَ ثبوتُ العدالةِ، ولم يُقبَلِ السترُ، وإنْ كان في بلدٍ تعُمُّ فيه العدالةُ والديانةُ، فالأصلُ العدالةُ حتّى يثبُتَ الفِسْقُ.
ويفرَّقُ بين الإشهادِ على الشيءِ اليسيرِ مِن الحقِّ والشيءِ الكثيرِ، في التساهُلِ بالاستيثاقِ مِن حالِ الشاهِدِ.
ومَن عُرِفَ بخُصُومةٍ أو قرابةٍ مع أحدِ أصحابِ الحقِّ، فلا تصحُّ شهادتُهُ، لقولِهِ ﷺ: (لا تَجُوزُ شَهادَةُ خَصْمٍ ولا ظَنِينٍ) [[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٥٣٦٥) (٨/٣٢٠)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٠/٢٠١).]]، ولكنْ لو شَهِدَ القريبُ على قريبِهِ وليس خَصْمًا له، جازَ، وإذا شهدَ الخَصْمُ لحظِّ خَصْمِهِ، جازَ، لأنّه أبعَدُ عنِ التُّهَمةِ مِن غيرِه.
الشاهدُ واليمينُ:
وبهذه الآيةِ أخَذَ بعضُ الفقهاءِ بعدمِ اعتِبارِ الشاهدِ واليمينِ، وذلك أنّ اللهَ حصَرَ حِفْظَ الحقوقِ بشاهدَيْنِ من الرجالِ، أو رجلٍ وامرأتَيْنِ، وبه قال أبو حنيفةَ وأهلُ الكُوفةِ، ولأنّ النبيَّ ﷺ قال في الأشعَثِ وخَصْمِهِ: (شاهِداكَ أوْ يَمِينُهُ)، قال الأشعثُ: إنّهُ إذًا يَحْلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن حَلَفَ عَلى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بها مالًا، هُوَ فِيها فاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ)، فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثمَّ اقترَأَ هذه الآيةَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ولا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ ﴾ [آل عمران: ٧٧]، رواهُ الشيخانِ[[أخرجه البخاري (٢٥١٥) (٣/١٤٣)، ومسلم (١٣٨) (١/١٢٣).]].
وجمهورُ العلماءِ على ثبوتِ الحقِّ بالشاهدِ مع اليمينِ، وهو قولُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ وأهلِ المدينةِ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وذلك لأنّ النبيَّ ﷺ قَضى بالشاهدِ مع اليَمِينِ، أخرَجَهُ مسلِمٌ، عَنِ ابنِ عبّاسٍ[[أخرجه مسلم (١٧١٢) (٣/١٣٣٧).]].
والآيةُ لم تحصُرْ حِفْظَ الحقوقِ الجائزةِ بشهادةِ الرجلَيْنِ أو الرجلِ والمرأتَيْنِ، وإنّما دَلَّتْ وأرشَدَتْ إلى الكمالِ في ذلك، ولذا ذكَرَتِ الكتابةَ والإشهادَ، وبعد ذلك الرهنَ، وليسَتْ بواجبةٍ على الأرجَحِ.
اليمينُ والشاهدتان:
واختُلِفَ في القضاءِ باليمينِ مع المرأتَيْنِ، على قولَينِ للفقهاءِ:
قالَ مالكٌ بجوازِها، لظاهِرِ الآيةِ، لأنّ المرأتَيْنِ بدلٌ عن الرجلِ، فإنْ وُجِدا، قُضِيَ بهما مع اليمينِ.
وخالَفَهُ الشافعيُّ، لأنّ اللهَ لم يُجِزِ الشاهدتَيْنِ إلا مع رجلٍ، وذلك أنّه لا يجوزُ إشهادُ أربعِ نِسْوةٍ، وذلك ظاهرٌ في قولِه: ﴿فَإنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ﴾.
مِن أحكامِ الاختلاطِ:
وفي قولٍ شاذٍّ استُدِلَّ بقولِهِ: ﴿فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ﴾ على جوازِ اختلاطِ الرجالِ بالنِّساءِ في المَجالِسِ، وهذا جَهْلٌ لا يقولُهُ إلا صاحِبُ مَرَضٍ في القلبِ، فالآيةُ دالَّةٌ على خلافِ ذلك، فاللَّهُ تعالى قالَ: ﴿أنْ تَضِلَّ إحْداهُما فَتُذَكِّرَ إحْداهُما الأُخْرى﴾، فجعَلَ المرأتَيْنِ تَتَذاكَرانِ عندَ النِّسْيانِ، ولم يَجعَلِ المرأةَ تذكِّرُ الرجلَ، ولا يذكِّرُ الرجلُ المرأتَيْنِ، لأنّ المذاكَرةَ يَلزَمُ منها مجالَسةٌ تَطُولُ، فجعَلَ اللهُ الشهادةَ جائِزةً لأنّها عابِرةٌ، وجعَلَ المذاكَرةَ للمرأتَيْنِ، لا للرجلِ والمرأتَيْنِ، لأنّها مجالَسةٌ دائِمةٌ.
وظاهرُ الآيةِ: قبولُ شهادةِ العبيدِ، لعمومِها ولم يُستثْنَوْا منها، وهو قولُ أحمدَ وبعضِ السلفِ.
والجمهورُ: على عدمِ صِحَّةِ شهادةِ العبيدِ، وهو عملُ أهلِ مَكَّةَ والمدِينةِ، كما رواهُ ابنُ المُنذِرِ عن مجاهِدٍ، قالَ: «كانَ أهْلُ مَكَّةَ وأهلُ المَدِينةِ لا يُجِيزُونَ شهادةَ العبدِ»[[«تفسير ابن المنذر» (١/٧٥).]].
والأصلُ في تحمُّلِ الشهادةِ: الاستحبابُ، وفي أدائِها الوجوبُ، ومَن طُلِبَتْ شهادتُهُ وتَعَذَّرَ غيرُهُ، تَعَيَّنَ عليه، لقولِهِ تَعالى: ﴿ولا يَأْبَ الشُّهَداءُ إذا ما دُعُوا﴾، وجزَمَ بالوجوبِ ابنُ عباسٍ وغيرُهُ مِن الصحابةِ.
وقولُهُ: ﴿ولا تَسْأَمُوا أنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أوْ كَبِيرًا إلى أجَلِهِ ذَلِكُمْ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وأَدْنى ألاَّ تَرْتابُوا﴾ قرينةٌ على عدمِ وجوبِ الكتابةِ والشهادةِ، وإنّما استحبابُها، لأنّه أشرَكَ صغيرَ الحقوقِ وكبيرَها في الأمرِ، والصغيرُ يتعذَّرُ على الناسِ امتثالُهُ على وجهِ التَّمامِ، والشريعةُ لا تُوجِبُ ما يَشُقُّ أو يتعذَّرُ كدَيْنِ صاعِ البُرِّ والمُدِّ، والدِّرْهمِ والدرهمَيْنِ، أو أخْذِ السِّكِّينِ والإناءِ والدَّلْوِ والحَبْلِ وديعةً وأمانةً.
ويَرى عطاءٌ الإشهادَ على البَيْعِ ولو قليلًا حتّى ثُلُثِ الدِّرْهَمِ.
وقولُهُ: ﴿أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾، أيْ: أعدَلُ عندَ اللهِ، واستعمالُ «أفعَلِ» التفضيلِ قرينةٌ على أنّ الكتابةَ والشهادةَ لكمالِ القِسْطِ والعَدْلِ، وأنّ تَرْكَها ليس جَوْرًا وظُلْمًا.
وشهادةُ الشاهدِ على خطِّهِ ـ أنّه هو ـ ليست بشَهادةٍ إذا لم يذكُرْ ما شَهِدَ عليه، لأنّ اللَّهَ يقولُ: ﴿وأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ﴾، فالكتابةُ تقوِّمُ الشهادةَ وتذكِّرُ بها، لا تُثبِتُها بنفسِها، وبهذا قال أكثَرُ العلماءِ.
وجوَّز مالكٌ الشهادةَ اعتمادًا على الخَطِّ، وصَحَّ القولُ به عن طاوُسٍ مِن التابِعينَ.
الترخيصُ بتركِ كتابةِ بعضِ العقودِ:
وقولُهُ تعالى: ﴿إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ألاَّ تَكْتُبُوها وأَشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾، رخَّصَ اللهُ في عدمِ كتابةِ التجارةِ الموصوفةِ بوصفَيْنِ:
الأولُ: ﴿حاضِرَةً﴾، أي: يَتِمُّ فيها التقابُضُ مِن المتبايِعَيْنِ، وفي معنى الحاضِرةِ: التجارةُ في سُوقِ البَلَدِ الواحدِ الذي يحضُرُ فيهِ المتبايِعانِ ويتجاوَرانِ في السُّوقِ كلَّ صباحٍ للبَيْعِ والشِّراءِ، وليست غائبةً عن أعْيُنِهما في بلدٍ بعيدٍ يُرتَحَلُ إليه، فالتِّجارةُ الغائبةُ مَظِنَّةُ التأخُّرِ والغيابِ والخطورةِ والنِّسْيانِ، فتضيعُ الحقوقُ.
وأهلُ السوقِ الحاضرِ يختلِفُونَ عن أهلِ السوقِ الغائبِ، فأهلُ التجارةِ المتجاوِرُونَ يأنَسُ بعضُهُم لبعضٍ، ويَعرِفُ بعضُهم بَعْضًا، ونفعُ بعضِهم لبعضٍ كثيرٌ، وحاجتُهُمْ دائمةٌ بينَهُم، فجحودُ الحقِّ ونُكْرانُهُ ضعيفٌ، والكتابةُ شاقَّةٌ على القليلِ والكثيرِ بينهم.
الثاني: ﴿تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ﴾، الدائرةُ التي يتعامَلُ بها أهلُ السوقِ في يومِهِم وليلتِهِم، فيكثُرُ أخذُهُم فيما بينَهم وإعطاؤُهم، فيكثُرُ بينَهُمُ المالُ في الذِّمَّةِ، ويتعذَّرُ كتابةُ كلِّ ذلك لصعوبتِه وكَثْرَتِهِ.
فخَفَّفَ اللهُ في أمرِ الكتابةِ، وحثَّ على الإشهادِ في التجارةِ الحاضِرةِ الدائِرةِ، ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ألاَّ تَكْتُبُوها وأَشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾، لأنّ الكتابةَ شاقَّةٌ بمثلِ هذه التجارةِ، وأمَرَ بالإشهادِ لسهولتِهِ، حفظًا للحقوقِ، ودفعًا للخصوماتِ، فإنّ أكثَرَ الخصوماتِ هي بسببِ التساهُلِ في البيِّناتِ عند العقودِ.
وقولُه: ﴿ولا يُضَآرَّ كاتِبٌ ولا شَهِيدٌ وإنْ تَفْعَلُوا فَإنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ واللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ ﴾:
الضررُ محرَّمٌ مِن الشهودِ والكاتبِ والمُمْلِي، وهم أُمَناءُ على الحقوقِ، فَلا يجوزُ للكاتِبِ أن يزيدَ وينقُصَ فيما يُمْلى عليه، ولا للشاهدِ كذلك فيما يَسْمَعُ ويَرى.
وكان عمرُ وابنُ مسعودٍ يقرآنِ: ﴿ولا يُضارَرْ كاتِبٌ ولا شَهِيدٌ﴾[[«تفسير الطبري» (٥/١١٤).]] ـ يُضارَرْ: بالمَبنيِّ للمجهولِ ـ أيْ: لا يَضُرَّ أصحابُ الحقوقِ الكاتِبَ والشهيدَ عندَ طلبِهِمُ الكتابةَ والشهادةَ، ويُلِحُّوا عليهِم ويُلْزِمُوهُمْ، فيُعطِّلُوا مَصالِحَهُمْ وراءَهُمْ فتَضِيعَ، وبهذا قال ابنُ عبّاسٍ ومجاهِدٌ وغيرُهُما[[«تفسير الطبري» (٥/١١٥ ـ ١١٦).]].
والفسوقُ في الآيةِ: الإثمُ المترتِّبُ على الخروجِ عن أمرِ اللهِ وامتثالِ طاعتِهِ.
وقد أمَرَ اللهُ بعدَ ذلك بتقواهُ فيما عَلَّمَهُم إيّاه ممّا يَحفَظُ الحقَّ، ويقومُ به القِسْطُ بين الناسِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا تَدَایَنتُم بِدَیۡنٍ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡیَكۡتُب بَّیۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا یَأۡبَ كَاتِبٌ أَن یَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡیَكۡتُبۡ وَلۡیُمۡلِلِ ٱلَّذِی عَلَیۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡیَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا یَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَیۡـࣰٔاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِی عَلَیۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِیهًا أَوۡ ضَعِیفًا أَوۡ لَا یَسۡتَطِیعُ أَن یُمِلَّ هُوَ فَلۡیُمۡلِلۡ وَلِیُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ شَهِیدَیۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ یَكُونَا رَجُلَیۡنِ فَرَجُلࣱ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاۤءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا یَأۡبَ ٱلشُّهَدَاۤءُ إِذَا مَا دُعُوا۟ۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوۤا۟ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِیرًا أَوۡ كَبِیرًا إِلَىٰۤ أَجَلِهِۦۚ ذَ ٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ وَأَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَرۡتَابُوۤا۟ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةࣰ تُدِیرُونَهَا بَیۡنَكُمۡ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوۤا۟ إِذَا تَبَایَعۡتُمۡۚ وَلَا یُضَاۤرَّ كَاتِبࣱ وَلَا شَهِیدࣱۚ وَإِن تَفۡعَلُوا۟ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق