الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمًّى فاكْتُبُوهُ﴾، ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ كِتابَةَ الدَّيْنِ واجِبَةٌ؛ لِأنَّ الأمْرَ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلى الوُجُوبِ ولَكِنَّهُ أشارَ إلى أنَّهُ أمْرُ إرْشادٍ لا إيجابٍ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ولَمْ تَجِدُوا كاتِبًا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ الآيَةَ؛ لِأنَّ الرَّهْنَ لا يَجِبُ إجْماعًا وهو بَدَلٌ مِنَ الكِتابَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِها في الآيَةِ فَلَوْ كانَتِ الكِتابَةُ واجِبَةً لَكانَ بَدَلُها واجِبًا وصَرَّحَ بِعَدَمِ الوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمانَتَهُ﴾ الآيَةَ، فالتَّحْقِيقُ أنَّ الأمْرَ في قَوْلِهِ: ﴿فاكْتُبُوهُ﴾ لِلنَّدْبِ والإرْشادِ؛ لِأنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ أنْ يَهَبَهُ ويَتْرُكَهُ إجْماعًا، فالنَّدْبُ إلى الكِتابَةِ فِيهِ إنَّما هو عَلى جِهَةِ الحَيْطَةِ لِلنّاسِ، قالَهُ القُرْطُبِيُّ.
وَقالَ بَعْضُهم: إنْ أشْهَدْتَ فَحَزْمٌ، وإنِ ائْتَمَنتَ فَفي حِلٍّ وسَعَةِ ابْنِ عَطِيَّةَ، وهَذا القَوْلُ هو الصَّحِيحُ قالَهُ القُرْطُبِيُّ أيْضًا.
وَقالَ الشَّعْبِيُّ: كانُوا يَرَوْنَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإنْ أمِنَ﴾ ناسِخٌ لِأمْرِهِ بِالكَتْبِ، وحَكى نَحْوَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وقالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، ورُوِيَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وذَهَبَ الرَّبِيعُ إلى أنَّ ذَلِكَ واجِبٌ بِهَذِهِ الألْفاظِ ثُمَّ خَفَّفَهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا﴾، وتَمَسَّكَ جَماعَةٌ بِظاهِرِ الأمْرِ في قَوْلِهِ: فاكْتُبُوهُ، فَقالُوا: إنَّ كَتْبَ الدَّيْنِ واجِبٌ فَرْضٌ بِهَذِهِ الآيَةِ بَيْعًا كانَ أوْ قَرْضًا؛ لِئَلّا يَقَعَ فِيهِ نِسْيانٌ أوْ جُحُودٌ وهو اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ في ”تَفْسِيرِهِ“ .
(p-١٨٥)وَقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَن أدانَ فَلْيَكْتُبْ ومَن باعَ فَلْيُشْهِدْ. اهـ مِنَ القُرْطُبِيِّ وسَيَأْتِي لَهُ زِيادَةُ بَيانٍ إنْ شاءَ اللَّهُ قَرِيبًا.
تَنْبِيهٌ:
أخَذَ بَعْضُ العُلَماءِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ﴾ الآيَةَ. أنَّ الرَّهْنَ لا يَكُونُ مَشْرُوعًا إلّا في السَّفَرِ كَما قالَهُ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، وداوُدُ والتَّحْقِيقُ جَوازُهُ في الحَضَرِ.
وَقَدْ ثَبَتَ في ”الصَّحِيحَيْنِ“ عَنْ عائِشَةَ أنَّهُ ﷺ «تُوُفِّيَ ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاثِينَ صاعًا مِن شَعِيرٍ» . وفي ”الصَّحِيحَيْنِ“ أنَّها دِرْعٌ مِن حَدِيدٍ.
وَرَوى البُخارِيُّ، وأحْمَدُ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ عَنْ أنَسٍ «أنَّهُ ﷺ رَهَنَ دِرْعًا عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالمَدِينَةِ، وأخَذَ مِنهُ شَعِيرًا لِأهْلِهِ» . ولِأحْمَدَ والنَّسائِيِّ وابْنِ ماجَهْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِثْلُ حَدِيثِ عائِشَةَ فَدَلَّ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ﴾، لا مَفْهُومَ مُخالَفَةٍ لَهُ؛ لِأنَّهُ جَرى عَلى الأمْرِ الغالِبِ، إذِ الغالِبُ أنَّ الكاتِبَ لا يَتَعَذَّرُ في الحَضَرِ وإنَّما يَتَعَذَّرُ غالِبًا في السَّفَرِ، والجَرْيُ عَلى الغالِبِ مِن مَوانِعِ اعْتِبارِ مَفْهُومِ المُخالَفَةِ كَما ذَكَرْناهُ في هَذا الكِتابِ مِرارًا والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾، ظاهِرُ هَذا الأمْرِ الوُجُوبُ أيْضًا فَيَجِبُ عَلى مَن باعَ أنْ يُشْهِدَ وبِهَذا قالَ أبُو مُوسى الأشْعَرِيُّ، وابْنُ عُمَرَ، والضَّحّاكُ، وسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ، ومُجاهِدٌ، وداوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وابْنُهُ أبُو بَكْرٍ، وعَطاءٌ، وإبْراهِيمُ قالَهُ القُرْطُبِيُّ، وانْتَصَرَ لَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ غايَةَ الِانْتِصارِ، وصَرَّحَ بِأنَّ مَن لَمْ يُشْهِدْ مُخالِفٌ لِكِتابِ اللَّهِ، وجُمْهُورُ العُلَماءِ عَلى أنَّ الإشْهادَ عَلى المُبايَعَةِ وكِتابِ الدَّيْنِ أمْرٌ مَندُوبٌ إلَيْهِ لا واجِبٌ، ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ الآيَةَ.
وَقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ المالِكِيِّ: إنَّ هَذا قَوْلُ الكافَّةِ قالَ: وهو الصَّحِيحُ ولَمْ يُحْكَ عَنْ أحَدٍ مِمَّنْ قالَ بِالوُجُوبِ إلّا الضَّحّاكُ قالَ: وقَدْ باعَ النَّبِيُّ ﷺ وكَتَبَ قالَ: ونُسْخَةُ كِتابِهِ: ”بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذا ما اشْتَرى العَدّاءُ بْنُ خالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اشْتَرى مِنهُ عَبْدًا أوْ أمَةً لا داءَ، ولا غائِلَةَ، ولا خِبْثَةَ، بَيْعُ المُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ“ . وقَدْ باعَ ولَمْ يُشْهِدْ، واشْتَرى ورَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ ولَمْ يُشْهِدْ، ولَوْ كانَ الإشْهادُ أمْرًا واجِبًا لَوَجَبَ مَعَ الرَّهْنِ لِخَوْفِ المُنازَعَةِ. اهـ.
(p-١٨٦)قالَ القُرْطُبِيُّ بَعْدَ أنْ ساقَ كَلامَ ابْنِ العَرَبِيِّ هَذا ما نَصُّهُ: قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنا الوُجُوبَ عَنْ غَيْرِ الضَّحّاكِ وحَدِيثُ العَدّاءِ هَذا أخْرَجَهُ الدّارَقُطْنِيُّ، وأبُو داوُدَ وكانَ إسْلامُهُ بَعْدَ الفَتْحِ وحُنَيْنٍ، وهو القائِلُ: قاتَلْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمْ يُظْهِرْنا اللَّهُ ولَمْ يَنْصُرْنا. ثُمَّ أسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلامُهُ. ذَكَرَهُ أبُو عُمَرَ وذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذا.
وَقالَ في آخِرِهِ: قالَ الأصْمَعِيُّ: سَألْتُ سَعِيدَ بْنَ أبِي عَرُوبَةَ عَنِ الغائِلَةِ فَقالَ: الإباقُ، والسَّرِقَةُ، والزِّنا، وسَألْتُهُ عَنِ الخِبْثَةِ فَقالَ: بَيْعُ أهْلِ عَهْدِ المُسْلِمِينَ.
وَقالَ الإمامُ أبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ: والوُجُوبُ في ذَلِكَ قَلَقٌ أمّا في الوَثائِقِ فَصَعْبٌ شاقٌّ، وأمّا ما كَثُرَ فَرُبَّما يَقْصِدُ التّاجِرُ الاسْتِئْلافَ بِتَرْكِ الإشْهادِ، وقَدْ يَكُونُ عادَةً في بَعْضِ البِلادِ، وقَدْ يُسْتَحى مِنَ العالِمِ والرَّجُلِ الكَبِيرِ المُوَقَّرِ فَلا يُشْهِدُ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ في الِائْتِمانِ، ويَبْقى الأمْرُ بِالإشْهادِ نَدْبًا لِما فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ في الأغْلَبِ ما لَمْ يَقَعْ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنهُ كَما ذَكَرْنا، وحَكى المَهْدَوِيُّ، والنَّحّاسُ، ومَكِّيٌّ عَنْ قَوْمٍ أنَّهم قالُوا: ﴿وَأشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾، مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا﴾، وأسْنَدَهُ النَّحّاسُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأنَّهُ تَلا: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلى أجَلٍ مُسَمًّى فاكْتُبُوهُ﴾، إلى قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمانَتَهُ﴾، قالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةَ ما قَبْلَها.
قالَ النَّحّاسُ: وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ والحَكَمِ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.
قالَ الطَّبَرِيُّ: وهَذا لا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّ هَذا حُكْمٌ غَيْرُ الأوَّلِ وإنَّما هَذا حُكْمُ مَن لَمْ يَجِدْ كاتِبًا.
* * *
قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ ولَمْ تَجِدُوا كاتِبًا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا﴾، أيْ فَلَمْ يُطالِبْهُ بِرَهْنٍ، ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمانَتَهُ﴾، قالَ: ولَوْ جازَ أنَّ يَكُونَ هَذا ناسِخًا لِلْأوَّلِ، لَجازَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ الآيَةَ [النساء: ٤٣]، ناسِخًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ الآيَةَ [المائدة: ٦]، ولَجازَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢]، ناسِخًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ .
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا﴾، لَمْ يَتَبَيَّنْ بِآخِرِ (p-١٨٧)نُزُولِهِ عَنْ صَدْرِ الآيَةِ المُشْتَمِلَةِ عَلى الأمْرِ بِالإشْهادِ بَلْ ورَدا مَعًا، ولا يَجُوزُ أنْ يَرِدَ النّاسِخُ والمَنسُوخُ مَعًا جَمِيعًا في حالَةٍ واحِدَةٍ، قالَ: وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ لَمّا قِيلَ لَهُ إنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مَنسُوخَةٌ قالَ: لا واللَّهِ إنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مُحْكَمَةٌ لَيْسَ فِيها نَسْخٌ، قالَ: والإشْهادُ إنَّما جُعِلَ لِلطُّمَأْنِينَةِ، وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ لِتَوْثِيقِ الدَّيْنِ طُرُقًا مِنها الكِتابُ، ومِنها الرَّهْنُ، ومِنها الإشْهادُ، ولا خِلافَ بَيْنِ عُلَماءِ الأمْصارِ أنَّ الرَّهْنَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ النَّدْبِ لا بِطْرِيقَ الوُجُوبِ، فَيُعْلَمُ مِن ذَلِكَ مِثْلُهُ في الإشْهادِ، وما زالَ النّاسُ يَتَبايَعُونَ حَضَرًا وسَفَرًا، وبَرًّا وبَحْرًا، وسَهْلًا وجَبَلًا مِن غَيْرِ إشْهادٍ، مَعَ عِلْمِ النّاسِ بِذَلِكَ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ. ولَوْ وجَبَ الإشْهادُ ما تَرَكُوا النَّكِيرَ عَلى تارِكِهِ، قُلْتُ: هَذا كُلُّهُ اسْتِدْلالٌ حَسَنٌ وأحْسَنُ مِنهُ ما جاءَ في صَرِيحِ السُّنَّةِ في تَرْكِ الإشْهادِ، وهو ما أخْرَجَهُ الدّارَقُطْنِيُّ عَنْ طارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُحارِبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «أقْبَلْنا في رَكْبٍ مِنَ الرَّبْذَةِ وجَنُوبِ الرَّبْذَةِ حَتّى نَزَلْنا قَرِيبًا مِنَ المَدِينَةِ ومَعَنا ظَعِينَةٌ لَنا، فَبَيْنَما نَحْنُ قُعُودٌ إذْ أتانا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبانِ أبْيَضانِ فَسَلَّمَ فَرَدَدْنا عَلَيْهِ فَقالَ: ”مِن أيْنَ القَوْمُ ؟“ فَقُلْنا: مِنَ الرَّبْذَةِ وجَنُوبِ الرَّبْذَةِ، قالَ: ومَعَنا جَمَلٌ أحْمَرُ، فَقالَ: ”تَبِيعُونِي جَمَلَكم هَذا ؟“ فَقُلْنا: نَعَمْ، قالَ: ”بِكم ؟“ قُلْنا: بِكَذا وكَذا صاعًا مِن تَمْرٍ، قالَ: فَما اسْتَوْضَعَنا شَيْئًا، وقالَ: ”قَدْ أخَذْتُهُ“، ثُمَّ أخَذَ بِرَأْسِ الجَمَلِ حَتّى دَخَلَ المَدِينَةَ، فَتَوارى عَنّا فَتَلاوَمْنا بَيْنَنا وقُلْنا: أعْطَيْتُمْ جَمَلَكم مَن لا تَعْرِفُونَهُ، فَقالَتِ الظَّعِينَةُ: لا تَلاوَمُوا فَقَدْ رَأيْتُ وجْهَ رَجُلٍ ما كانَ لِيَخْفِرَكم ما رَأيْتُ وجْهَ رَجُلٍ أشْبَهَ بِالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ مِن وجْهِهِ، فَلَمّا كانَ العَشاءُ أتانا رَجُلٌ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكم أنا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَيْكم وإنَّهُ أمَرَكم أنَّ تَأْكُلُوا مِن هَذا حَتّى تَشْبَعُوا، وتَكْتالُوا، حَتّى تَسْتَوْفُوا قالَ: فَأكَلْنا حَتّى شَبِعْنا، واكْتَلْنا حَتّى اسْتَوْفَيْنا» . وذَكَرَ الحَدِيثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُمارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وهو مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابْتاعَ فَرَسًا مِن أعْرابِيٍّ الحَدِيثَ وفِيهِ: فَطَفِقَ الأعْرابِيُّ يَقُولُ:
هَلُمَّ شاهِدًا يَشْهَدُ أنِّي بِعْتُكَ، قالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثابِتٍ: أنا أشْهَدُ أنَّكَ بِعْتَهُ، فَأقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى خُزَيْمَةَ فَقالَ: ”بِمَ تَشْهَدُ ؟“ قالَ: بِتَصْدِيقِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهادَةِ رَجُلَيْنِ» . أخْرَجَهُ النَّسائِيُّ وغَيْرُهُ. اهـ مِنَ القُرْطُبِيِّ بِلَفْظِهِ.
قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: وفِيما نَقَلْنا الدَّلالَةُ الواضِحَةُ عَلى أنَّ الإشْهادَ والكِتابَةَ مَندُوبٌ إلَيْهِما لا فَرْضانِ واجِبانِ كَما قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ، ولَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أعْنِي: قَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: ﴿وَأشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾، اشْتِراطَ العَدالَةِ في الشُّهُودِ، (p-١٨٨)وَلَكِنَّهُ بَيَنَّهُ في مَواضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿وَأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ [ ٦٥ ] . وقَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ أنَّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلى المُقَيَّدِ كَما بَيَّناهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا تَدَایَنتُم بِدَیۡنٍ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡیَكۡتُب بَّیۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا یَأۡبَ كَاتِبٌ أَن یَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡیَكۡتُبۡ وَلۡیُمۡلِلِ ٱلَّذِی عَلَیۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡیَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا یَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَیۡـࣰٔاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِی عَلَیۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِیهًا أَوۡ ضَعِیفًا أَوۡ لَا یَسۡتَطِیعُ أَن یُمِلَّ هُوَ فَلۡیُمۡلِلۡ وَلِیُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ شَهِیدَیۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ یَكُونَا رَجُلَیۡنِ فَرَجُلࣱ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاۤءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا یَأۡبَ ٱلشُّهَدَاۤءُ إِذَا مَا دُعُوا۟ۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوۤا۟ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِیرًا أَوۡ كَبِیرًا إِلَىٰۤ أَجَلِهِۦۚ ذَ ٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ وَأَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَرۡتَابُوۤا۟ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةࣰ تُدِیرُونَهَا بَیۡنَكُمۡ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوۤا۟ إِذَا تَبَایَعۡتُمۡۚ وَلَا یُضَاۤرَّ كَاتِبࣱ وَلَا شَهِیدࣱۚ وَإِن تَفۡعَلُوا۟ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق