الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَكَفَّلَها زَكَرِيّا﴾، في هَذا غَيْرُ وجْهٍ، يَجُوزُ: ”وَكَفَّلَها زَكَرِيّاءَ“، بِالمَدِّ، ”كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّاءُ“، و”كَفَلَها زَكَرِيّا“، بِالقَصْرِ، ”كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا“، بِالقَصْرِ، وفي ”زَكَرِيّا“، ثَلاثُ لُغاتٍ، هي المَشْهُورَةُ المَعْرُوفَةُ: ”زَكَرِيّاءُ“، بِالمَدِّ، و”زَكَرِيّا“، بِالقَصْرِ، غَيْرَ مُنَوَّنٍ في الجِهَتَيْنِ جَمِيعًا، و”زَكَرِيٌّ“، بِحَذْفِ الألِفِ مُعْرَبٌ مُنَوَّنٌ، فَأمّا تَرْكُ صَرْفِهِ فَلِأنَّ في آخِرِهِ ألِفَ التَّأْنِيثِ في المَدِّ، وألِفَ التَّأْنِيثِ في القَصْرِ، وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إنَّهُ لَمْ يُصْرَفْ لِأنَّهُ أعْجَمِيٌّ، وما كانَتْ فِيهِ ألِفُ التَّأْنِيثِ فَهو سَواءٌ في العَرَبِيَّةِ والعَجَمِيَّةِ، لِأنَّ ما كانَ أعْجَمِيًّا فَهو يَتَصَرَّفُ في النَّكِرَةِ، ولا يَجُوزُ أنْ تُصْرَفَ الأسْماءُ الَّتِي فِيها ألِفُ التَّأْنِيثِ في مَعْرِفَةٍ ولا نَكِرَةٍ، لِأنَّ فِيها عَلامَةَ التَّأْنِيثِ، وأنَّها مَصُوغَةٌ مَعَ الِاسْمِ صِيغَةً واحِدَةً، فَقَدْ فارَقَتْ هاءَ التَّأْنِيثِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُصْرَفْ في النَّكِرَةِ، ويَجُوزُ ”كَفَّلَها زَكَرِيّاءَ“، بِنَصْبِ ”زَكَرِيّاءَ“، ويَجُوزُ في هَذا المَوْضِعِ ”زَكَرِيّا“، بِالقَصْرِ، فَمَن قَرَأ: كَفَلَها زَكَرِيّاءُ ”، رَفَعَهُ بِفِعْلِهِ، (p-٤٠٣)فالمَعْنى فِيما ذَكَرَ أبُو عُبَيْدَةَ: ضَمِنَها، ومَعْناهُ في هَذا ضَمِنَ القِيامَ بِأمْرِها، ومَن قَرَأ:“ كَفَّلَها زَكَرِيّاءَ ”، بِالنَّصْبِ، فالمَعْنى:“ وكَفَّلَها اللَّهُ زَكَرِيّاءَ ”، وأمّا اللُّغَةُ الثّالِثَةُ فَلا تَجُوزُ في القُرْآنِ، لِأنَّها مُخالِفَةٌ المُصْحَفَ، وهي كَثِيرَةٌ في كَلامِ العَرَبِ. وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا المِحْرابَ﴾، اَلْقَصْرُ والمَدُّ في“ زَكَرِيّا ”، والقِراءَةُ بِهِما كَثِيرَةٌ، كَما وصَفْنا، و“ اَلْمِحْرابُ ”: أشْرَفُ المَجالِسِ، والمُقَدَّمُ فِيها، وقَدْ قِيلَ: إنَّ مَساجِدَهم كانَتْ تُسَمّى“ اَلْمَحارِيبَ ”، و“ اَلْمِحْرابُ "، في اللُّغَةِ: اَلْمَوْضِعُ العالِي الشَّرِيفُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎رَبَّةُ مِحْرابٍ إذا جِئْتُها ∗∗∗ لَمْ ألْقَها أوْ أرْتَقِي سُلَّما وَمِنهُ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ [ص: ٢١]، ونُصِبَ ”كُلَّما“، بِقَوْلِهِ: ”وَجَدَ“، أيْ: يَجِدُ عِنْدَها الرِّزْقَ في كُلِّ وقْتٍ يَدْخُلُ عَلَيْها المِحْرابَ، فَيَكُونُ ”ما“، مَعَ ”دَخَلَ“، بِمَنزِلَةِ الدُّخُولِ، أيْ: كُلَّ وقْتِ دُخُولٍ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ - ﴿قالَ يا مَرْيَمُ أنّى لَكِ هَذا﴾، أيْ: مِن أيْنَ لَكِ هَذا؟ ﴿قالَتْ هو مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾، (p-٤٠٤)وَإنَّما سَألَ زَكَرِيّا عَنِ الرِّزْقِ، لِأنَّهُ خافَ أنْ يَأْتِيَها مِن غَيْرِ جِهَتِهِ، فَتَبَيَّنَ عِنْدَهُ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وذَلِكَ مِن آياتِ مَرْيَمَ، قالَ اللَّهُ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿وَجَعَلْناها وابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١]، فَمِن آياتِها أنَّها أوَّلُ امْرَأةٍ قُبِلَتْ في نَذْرٍ في المُتَعَبَّدِ، ومِنها أنَّ اللَّهَ أنْشَأ فِيها عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن كَلِمَةٍ ألْقاها إلَيْها، ومِنها أنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - غَذّاها بِرِزْقٍ مِن عِنْدِهِ لَمْ يُجْرِهِ عَلى يَدِ عَبْدٍ مِن عَبِيدِهِ، وقَدْ قِيلَ في التَّفْسِيرِ: إنَّها لَمْ تُلْقَمْ ثَدْيًا قَطُّ، ومَعْنى ﴿إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾، أيْ: بِغَيْرِ تَقْتِيرٍ، و”حِسابٍ“، إنْ شِئْتَ فَتَحْتَ الألِفَ، وألْزَمْتَها جِهَةَ الفَتْحِ، وإنْ شِئْتَ أمْلَتْها إلى الكَسْرِ، لِانْكِسارِ الحاءِ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في لُغَةِ العَرَبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب