الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾ [آل عمران ٣٥] يعني: اذكر إذ قالت، وهذا التركيب موجود في القرآن كثيرًا، وإنما حذف العامل لدلالة السياق عليه، وتلك قاعدة مشهورة عند النحويين أشار إليها ابن مالك في الألفية فقال:
؎وَحَـــــذْفُ مَــا يُعْلَـــــمُ جَائِـــــزٌكَمَــــــــــا ∗∗∗ تَقُـــــولُ: زَيْـــــدٌ، بَعْـــــدَ مَـــــنْعِنْدَكُمَـــــا؟
فهنا العامل المحذوف معلوم بالسياق، اذكر إذ قالت، يعني: اذكر هذه الحال التي صدر فيها هذا القول من امرأة عمران ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾. مَن امرأة عمران؟
هي أم مريم؛ يعني جدة عيسى بن مريم. ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾ [آل عمران ٣٥].
﴿رَبِّ﴾ منادى حذفت منه ياء النداء، وأصله: يا ربي، ولكن تحذف ياء النداء في مثل هذا التركيب اختصارًا لكثرة استعماله، وحذف منه ضمير المتكلم الياء، وأصله: ربي إني، حُذفت تخفيفًا.
وقولها: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ ﴿نَذَرْتُ﴾ بمعنى: التزمت أن يكون ما في بطني محررًا من خدمتي وتقيده بها ليكون خادمًا للمسجد؛ المسجد الأقصى، وكان من عادتهم أن يفعلوا ذلك؛ أي أن الإنسان منهم ينذر ولده ليكون قائمًا بخدمة المسجد الأقصى تعظيمًا له، فتقول: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾. وقولها: ﴿مَا فِي بَطْنِي﴾ اسم موصول يفيد العموم، فيشمل ما لو وضعت واحدًا أو اثنين، وذكرًا أو أنثى.
فإذا قال قائل: كيف تقول إنه يشمل ما لو وضعت اثنين وهي تقول: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ ومحررًا واحد، ولم تقل: محررين؟
فالجواب: أن الأسماء الموصولة المشتركة -أي: التي تصلح للمفرد وغيره- يجوز فيها مراعاة لفظها بالإفراد، ومراعاة معناها بالإفراد إن كان مرادًا بها المفرد، والتثنية إن كان مرادًا بها المثنى، والجمع إن كان المراد بها الجمع مذكرًا كان أو مؤنثًا، وعليه فلا يمنع أن يكون قولها: ﴿مُحَرَّرًا﴾ أن يكون شاملًا لما تضعه ولو كانوا أكثر من واحد؛ لأنه أفرد باعتبار أيش؟ باعتبار اللفظ، وكذلك (مَن) الشرطية يجوز فيها مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، ألم تروا إلى قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾ [التغابن ٩] باعتبار أيش؟
الإفراد هنا باعتبار اللفظ ﴿يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ ذكره باعتبار اللفظ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ باعتبار المعنى.
﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ [الطلاق ١١] باعتبار اللفظ.
تقول: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي﴾ عام يشمل كل ما في بطنها من ذكور أو إناث، واحد أو متعدد، ﴿مُحَرَّرًا﴾ من أيش؟ من قيد خدمتي إلى خدمة المسجد الأقصى.
﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾ يعني: تقبل مني هذا التقرب إليك بنذر هذا الحمل الذي نذرته ليقوم بخدمة بيتك.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ هذه الجملة استئنافية للتعليل؛ يعني أني سألتك أن تتقبل مني؛ لأنك السميع العليم، السميع تشمل هنا سمع الإدراك وسمع الإجابة، يعني أنك تسمع دعائي وتستجيبه، وقد مر علينا أن السميع من أسماء الله يتضمن سمع الإدراك وسمع الإجابة، وأن (سمع) تأتي بمعنى (استجاب) كما في قول المصلي: سمع الله لمن حمده، أي: استجاب، فهنا ﴿سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ أيهما أنسب الإدراك أو الاستجابة؟
* الطلبة: الاستجابة.. يشمل الأمرين.
* الشيخ: يشمل الأمرين، لكن فائدة الداعي بماذا؟ بالاستجابة.
وقولها: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ يعني: السامع لدعائي المستجيب له العليم بما يكون صالحًا، وبكل شيء، لكن ذِكر العلم هنا؛ لأن الإنسان قد يسأل الشيء وليس من صالحه حصوله فيسند الأمر إلى علم الله عز وجل.
ومن المعلوم أن الداعي إذا دعا فإنه يحصل له واحد من أمور ثلاثة؛ إما أن يستجيب الله له الدعاء، وإما أن يدخر له ذلك يوم القيمة، فيعطيه مثل ما دعا به، وإما أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم، هذا بالإضافة إلى أن الدعاء نفسه عبادة يُثاب عليه الإنسان. ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ ولم يقل: فلما وضعته، مراعاة لأيش؟
* الطلبة: مراعاة للمعنى.
* الشيخ: مراعاة للمعنى؛ لأنها وضعت أنثى، فلما وضعتها، وكان قد نذرته محررًا بناءً على أنه ذكر، لما وضعتها اعتذرت لربها ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ [آل عمران ٣٦]، وهذا اعتذار منها إلى الله أنها وضعتها أنثى، والأنثى ليس من العادة أن تخدم المسجد فكأنها تعتذر من الله عز وجل من هذا النذر.
قال: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ وفي قراءة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ﴾ قراءة سبعية، ونفسرها على الوجهين؛ أما قولها: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ فقد علمتم أن الغرض من هذه الجملة أيش؟
* الطلبة: الاعتذار.
* الشيخ: الاعتذار لا إخبار الله بما وضعت؛ لأنه عالم عز وجل، هو الذي خلقها وهو الذي وضعت بإذنه وأمره، فالأمر لا يخفى عليه، لكن ذكرتها اعتذارًا، وعلى هذا فنقول على قراءة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ﴾ تكون الجملة من باب الاحتراس حتى لا يُظن بها أنها تعتقد أن الله لم يعلم، فقالت: رب إني وضعتها أنثى، والله أعلم بما وَضَعْتُ، فلست أخبر الله بأمر يخفى عنه، بل إني أؤمن بأنه عالم بما وضعت، هذا على قراءة ضم التاء، أما على قراءة السكون: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ فالكلام من الله، وفيه دفاع عن هذه المرأة بأن الله تعالى يعلم أنها لم تقل: ﴿إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ إخبارًا منها لله؛ لأنه سبحانه وتعالى زكَّاها بقوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾. هذا من وجه، من وجه آخر: ليبين عز وجل أن قولها: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ لا يعني أن الله لا يعلم بما وضعت، بل هو عالم وإن قالت: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾.
و(أعلم) اسم تفضيل يدل على أن المفضل زائد على المفضل عليه في هذا الوصف، كما لو قلت: فلان أكرم من فلان معناه: أن هذا المفضل -وهو فلان- زائد في الكرم على المفضل عليه، فـ(أعلم) هنا يعني أعلم من كل أحد بما وضعت، ففيه إثبات العلم لله عز وجل مع الزيادة، وبهذا التقرير نعلم ضَعف قول من قال: إن اسم التفضيل هنا بمعنى اسم الفاعل، وأن معنى قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ أي: والله عالم بما وضعت، فإن هذا القول لا شك قصور، قصور في تفسير كلام الله؛ لأن إثبات العلم بلا تفضيل أنقص من إثبات العلم مع التفضيل، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: لأنك إذا قلت: فلان عالم لا يمنع أن سيكون غيره مساويًا له في العلم، لكن إذا قلت: فلان أعلم من فلان صار فاضلًا غيره بالعلم، وغيره مفضولًا، ولا أعلم -سبحان الله- كيف يفر بعض العلماء من إثبات المفاضلة بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه مع أن المفاضلة لا تدل على أي نقص، بل اللفظ الذي يقتضي المشاركة هو الذي قد يحتمل النقص والمماثلة، لكن اللفظ الدال على المفاضلة ليس فيه نقص بوجه من الوجوه، فالله أعلم من كل أحد، سواء كان هذا العلم مقيدًا أو مطلقًا.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ فيه بحث؛ وهو أن (ما) اسم موصول، واسم الموصول يحتاج إلى عائد، فأين العائد؟ ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ أو: ﴿بِمَا وَضَعْتُ﴾ . السؤال مرة ثانية: إلى أين ذهبت في فكرك؟
* الطالب: (...) وضَعَتْ و(وَضَعْتُ) قراءة (...).
* الشيخ: إيه، يعني العائد محذوف، ضمير مفعول به محذوف، التقدير: ما وضَعْتُه أو بما وضَعَتْه على القراءتين.
قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ ليس الذكر كالأنثى، هل هذا من كلامها أو من كلام الله؟
أما على قراءة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ فالظاهر أنه من كلام الله، أن كونه من كلام الله أرجح؛ لأن قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ من كلام الله.
وأما على قراءة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ﴾ فإن كونه من كلامها أرجح لئلا تتشتت الجمل، ولنقرأ الآية: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ تكون الآن متسقة متناسقة، لكن إذا جعلنا ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ من كلام الله صار قوله: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ متسقًا مع قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾، ومن ثم اختلف العلماء هل هذه الجملة من كلام الله أو من كلام امرأة عمران؟
ونحن نقول: الاحتمال موجود، يعني احتمال الوجهين موجود بكل حال، لكن على قراءة: ﴿بِمَا وَضَعْتُ﴾ يترجح أنه من كلام من؟ امرأة عمران، وعلى قراءة: ﴿بِمَا وَضَعَتْ﴾ يترجح أنه من كلام الله عز وجل.
على كل حال في هذه الجملة بيان أن الذكر لا يماثل الأنثى، وكأن الإنسان يحدث نفسه ويقول: إن مقتضى الحال أن تكون العبارة: وليس الأنثى كالذكر؛ لأن العادة أن الأدنى هو الذي يُشبَّه بالأعلى، فهنا: ليس الأنثى كالذكر، أقرب إلى بادئ الرأي من: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾.
ولهذا ادعى بعض العلماء أن في التشبيه قلبًا، أن في التشبيه قلبًا، والتشبيه المقلوب أسلوب من أساليب اللغة العربية، ولا سيما عند الشعراء في العصور الوسطى حتى إن بعضهم يبالغ في التشبيه المقلوب حتى يقول:
؎وَبَــــــــــدَا الصَّبَــــــــــاحُكَــــــــــأَنَّ غُرَّتَـــــــــــــــهُ ∗∗∗ وَجْــــــــــهُ الْخَلِيفَــــــــــةِحِيــــــــــنَ يُمْتَـــــــــــــــدَحُ
الصباح الذي يملأ الأفق ويضيء الدنيا كأن غرته (بياضه) وجه الخليفة إذا امتدح، وأيش بياض الخليفة؟ يعني بياض وجهه. هذا من المبالغة الكريهة في الواقع، المهم أن بعضهم قال: إنه على تشبيه المقلوب، وبعضهم قال: إنه تشبيه على أصله ووضعه، فليس الذكر كالأنثى، وشرف الذكر على الأنثى يُعلم من أدلة أخرى، ومن قرائن أخرى، ولكن ليس الذكر في خدمته لبيت المقدس كالأنثى، أرفع (ولَّا) أدنى؟ أرفع.
* طالب: ما يفتح لنا أخبار (أبو مريم)؟
* الشيخ: أبو أيش؟
* الطالب: (...) أبو مريم.
* الشيخ: بينهما أزمنة متطاولة، وقد أورد هذا على الرسول ﷺ، قيل: مريم ابنت عمران، وهارون، لا، في قوله: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم ٢٨]. فقال: إنما كانوا يسمون بأنبيائهم. امرأة مريم بنت عمران لا يمكن أن تكون أختًا لموسى بن عمران؛ لأن الرسول يقول: هارون ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ «أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ»[[أخرجه مسلم (٢١٣٥ / ٩) بلفظ: «إِنّهم كانوا يسمّون بأنبيائِهم والصالحينَ قَبلَهُم» من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.]] يعني وبينهم أزمنة كثيرة، وموسى بن عمران.
* الطالب: إي نعم، هي أخت هارون، بنت هارون، أخت هارون.
* الشيخ: أخت هارون غير أخت موسى.
* طالب: شيخ، أم مريم عليها السلام لما نذرت هل هناك سبب (...) الأنثى هكذا؟
* الشيخ: أبدًا، رغبة منهم في خدمة المسجد.
* الطالب: شيخ، قلنا: إنه العالمين (...) شيخ، وذكرنا كذلك أنه أشكل في قول الله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ من الدرس هذا؟
* الشيخ: إيه، نحن استشكلنا هذا؟
* الطالب: فضيلة الشيخ، لأنه هنا (...) الخلق (...).
* الشيخ: أحيانًا العام يخصصه قرينة الحال أو قرينة المقال؛ يعني قد تكون قرينة حالية أو لفظية، إن كانت لفظية فهي قرينة مقال، وإن كانت حالية فهي قرينة الحال، الله ذكر أنه فضل بني إسرائيل على العالمين، ومعلوم أن أمة محمد أفضل منهم، قال الله تعالى في بني إسرائيل: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الدخان ٣٢]، فالمراد على عالمي زمانهم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران ٣٦ - ٣٩].
* الشيخ: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ يعني ليس الذكر مساويًا للأنثى، وإذا انتفت مساواة الذكر للأنثى انتفت مساواة الأنثى للذكر؛ لأن التساوي يكون بين شيئين، فإذا انتفت المساواة في أحدهما لزم أن تكون منتفية في الآخر، فلا سواء بين الذكر والأنثى، بل لكل واحد منهما ميزاته وخصائصه؛ الأنثى تفوق الرجل في شيء، والرجل يفوق الأنثى في شيء، لكن الغالب أن الصالح لخدمة المساجد هو الرجل؛ لأنه أقوى وأذكى وأعقل وأدوم في العمل، الأنثى إذا حاضت مثلًا ما تستطيع أن تخدم المسجد؛ لأنها سوف تخرج منه ما تجلس، هذا إن كانت شريعتهم كشريعتنا، وأيضًا الأنثى لا تتحمل من الأعمال ما هو مشق، بل هي أضعف من الرجل، وإن كانت قد يكون عندها من الجلَد والصبر أكثر من مما عند الرجل في معاناة الأشخاص لا في معاناة المصائب، فإن المرأة في معاناة المصائب أدنى بكثير من الرجل كما هو معروف، قال: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ تقولها من؟ تقولها أمها: إني سميتها مريم، وهذا الاسم إما أن يكون مشهورًا عندهم أو أنها اختارته لأمر يريده الله عز وجل.
على كل حال لا أستطيع أن أعلل لماذا اختارت هذا الاسم؛ لأن هذه قضية عين، والله أعلم ما هو السبب أنها اختارت هذا الاسم. قالت: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ﴾ أعيذها أي: أستجير بك لها؛ لأن الاستعاذة معناها الاستجارة، الاستعاذة: الاستجارة من أمر مكروه، ولهذا نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونستعيذ بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، قالوا: -أي أهل اللغة- العياذ من المكروه، واللياذ في رجاء المحبوب، اللياذ في رجاء المحبوب، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:
؎يَــا مَـــــــــنْ أَلُــــــــوذُ بِــــــــهِفِيمَــــــــا أُؤَمِّلُـــــــــــــــــــهُ ∗∗∗ وَمَـــــــــنْ أَعُـــــــــوذُ بِـــــــــهِمِمَّـــــــــا أُحَـــــــــــــــاذِرُهُ؎لَا يَجْبُـــــرُ النَّـــاسُ عَظْمًـــــا أَنْــتَكَاسِــــــرُهُ ∗∗∗ وَلَا يُهِيضُـــــونَ عَظْمًــــــا أَنْــــتَجَابِـــــــــرُهُ
هو يخاطب ملكًا من الملوك، وهذا الوصف لا يليق إلا بالله عز وجل، لكن الشعراء يتبعهم الغاوون. إذن أعيذها بك من الشيطان الرجيم يعني: أستجير بك لها من الشيطان الرجيم، والشيطان هو أبو الجن كما قال الله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الكهف ٥٠].
وهنا نقول: شيطان من (شَطَن) أو من (شاط)؟
قولان؛ فمنهم من قال: إنه من (شَطَن) أي: بعد، ومنهم من قال: من (شاط) أي: غضب؛ لأن طبيعة الشيطان الغضب والسرعة وعدم التأني، وهو أيضًا قد بعد من رحمة الله، ولكن الظاهر أنه من (شَطَنَ)، وأن النون أصلية؛ ولذلك لا يمنع من الصرف. وقوله: ﴿الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ الرجيم: بمعنى المرجوم، وأصل الرجم القذف بالحجارة، ومنه: رجم الزاني، وعلى هذا فيكون في الكلام استعارة؛ أي: أننا استعرنا الرجم بالحجارة الدال على إبعاد المرجوم للمبعد المطرود، فالرجيم هنا (فَعِيل) بمعنى (مَفْعول) أي: مطرود مبعد عن رحمة الله عز وجل. ومن العلماء من قال: إن الرجم يأتي بمعنى الطرد حقيقة لا استعارة. وعلى كل حال، فإذا اتضح المعنى فسواء كان الرجم استعارة أو كان أصليًّا حقيقة.
﴿مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ وإنما استعاذت بالله لها من الشيطان الرجيم؛ لأن الشيطان الرجيم مبعد عن رحمة الله، والمبعد عن الرحمة يريد أن يبعد كل إنسان عن الرحمة لا سيما بنو آدم؛ لأن بني آدم أعداء للشيطان، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر ٦]، فهو عدو، والعدو لا يريد من عدوه إلا ما فيه هلاكه، ولهذا استعاذت بربها عز وجل لهذه الأنثى من الشيطان الرجيم لئلا يغويها ويضلها، قال الله تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (٦٠)﴾ [النساء ٦٠].
يقول: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ لم يكن لها ذرية إلا واحد، مَنْ؟
* الطلبة: عيسى بن مريم.
* الشيخ: عيسى بن مريم، وهل لعيسى ذرية؟ الله أعلم، قد يكون له ذرية، وقد لا يكون، لكن مهما كان هي قالت: ﴿وَذُرِّيَّتَهَا﴾ بناءً على أي شيء؟ بناء على الأصل والغالب، الأصل والغالب أن الأنثى تتزوج ويكون لها ذرية، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد لهذه المرأة شيئًا آخر.
قال الله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾. (تقبَّل) قال أهل اللغة: بمعنى قَبِل، ولهذا قال: قَبول، ولم يقل: تَقَبُّل، فتقبلها بقبول، ولم يقل: بتقبل، والمصدر الموافق لتقبلها: (تقبُّل)، أما (قبول) فهو في هذا الموضع اسم مصدر وليس بمصدر كقوله: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح ١٧] ولم يقل: إنباتًا، لكن هل (تقبَّل) و(قبِل) بمعنى واحد، أو أن في (تقبَّل) شدة عناية ومبالغة؟
قولان، وما أكثر القولين؛ قول: أن (تقبل) بمعنى قبل، كتعجب بمعنى عجب، وتبرأ بمعنى برئ، تقول: تبرأ من فلان بمعنى برئ منه، وقول ثان: أن (تقبل) أبلغ من (قبل)، وعلَّلوا ذلك بعلة الغالبية؛ وهي أن الغالب أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، كيف زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؟ يعني إذا جعلت البيت طابقين صار أكثر من الطابق الواحد؟ نعم، هو صحيح، الطابق الواحد يسع مئة نفر مثلًا، الطابقين؟
* الطلبة: مئتين.
* الشيخ: مئتين، لكن هم لا يريدون هذا، يريدون أن زيادة بنية الكلمة تدل على زيادة معناها، وهذا -كما مر علينا كثيرًا- ليس مطردًا بل هذا هو الغالب، وقد يكون الأمر بالعكس، كنَمل ونملة، وشَجَر وشجرة، وبَقَر وبقرة، أيهم أكثر؟ الزائد أو الناقص؟
* الطلبة: الناقص.
* الشيخ: الناقص أكثر. ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا﴾ الرب: بمعنى الخالق المالك المدبر، هذا رب بالنسبة لله عز وجل، إذا أضيفت الربوبية إلى الله عز وجل فهذا معناها؛ أنه الخالق فلا خالق غيره، المالك فلا مالك غيره، المدبر فلا مدبر غيره، وهذا النفي باعتبار الإطلاق، فلا خالق على سبيل الإطلاق إلا الله، وإذا أضيف الخلق إلى غيره فإنما هو باعتبار التغيير والتصيير لا باعتبار الأصل، فخلق الباب من الخشبة ليس أصليًّا، بل هو تغيير وتصيير، صيَّر الخشبة بابًا فخلقه، لكن أصل هذه الخشبة من الذي خلقه؟ الله عز وجل، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يخلق خشبة واحدة ولا غصن شجرة، المالِك على الإطلاق، وإضافة الملك لغير الله إضافة جزئية وإلا فقد قال الله تعالى: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون ٦]، فأضاف الملك إلى الإنسان، وقال تعالى: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [النور ٦١] فأضافه أيضًا إلى الإنسان، لكن هذا الملك مقيد غاية التقييد. المدبِّر كذلك، التدبير على الإطلاق هو لله عز وجل، أما الإنسان فإنه وإن أضيف إلى التدبير فهو تدبير خاص محصور، على كل حال الرب المضاف إلى الله أيش معناه؟ الخالق المالك المدبر. ربوبية الله نوعان: عامة وخاصة، ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وما فيهن، هذه عامة، خاصة: ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢٢] وهنا ﴿رَبُّهَا﴾ من العامة ولَّا الخاصة؟
* الطلبة: الخاصة.
* الشيخ: الخاصة، من الخاصة، واعلم أن كل خاص من الربوبية والمعية والسمع والبصر وما أشبه ذلك ممن قال العلماء إنه ينقسم إلى عام وخاص أن الخاص يتضمن العام والعكس، فكل من كان الله ربه على وجه الخصوص فهو ربه على وجه العموم، وكل من كان الله معه على وجه الخصوص فهو معه على وجه العموم، وكل من سمعه الله على وجه الخصوص فقد سمعه على وجه العموم، وهلم جرًّا، وهنا أضاف الربوبية إلى مريم؛ لأنه عز وجل تقبلها هذا القبول الحسن ﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ والقبولُ من الله الحسَنُ أنه سبحانه وتعالى يسرها لليسرى، وسهل أمرها، وجعلها من خيرة نساء العالمين حتى ألحقها بالرجال في صلاحهم فقال: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم ١٢]. وتأمل أنه قال: ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ ولم يقل: من القانتات؛ لأنه كما جاء في الحديث: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤١١) ومسلم (٢٤٣١ / ٧٠) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]]. ولم يكمل من النساء إلا عدد قليل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
إذن نقول: إن هذا القبول هو ما حصل لها من الرفعة عند الله عز وجل وتيسير الأمور والذكرى الحسنة وغير ذلك مما أفاض الله عليها من نعمه.
﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ هذا ﴿أَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ قد يعود إلى المعنى، وقد يعود إلى الحس، قد يعود إلى المعنى فيكون ﴿أَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ يعني في كمال الآداب والعفة والحشمة وغير ذلك، وقد يكون ﴿أَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ باعتبار الجسم يعني بمعنى أنه نمَّاها تنمية جيدة لم يتعثر فيها جسمها حتى إن بعضهم -ولعلها من الإسرائيليات- قال: إنها تنمو في العام ما ينموه غيرها في عامين. فالله أعلم، إنما يكفي من ذلك أن الله أنبتها نباتًا حسنًا، لو لم يكن من ذلك إلا أنه سلَّمها من الأمراض المؤذية المتعبة لكان هذا كافيًا، المهم أن الله سبحانه وتعالى تقبلها بقبول حسن، وأنبتها نباتًا حسنًا معنويًّا وحسيًّا.
﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ هذا أيضًا من التيسير، أن الله يسر لها من يكفلها من الرسل، ولا شك أن الإنسان إذا كان عند كافل مستقيم صالح كان هذا من أسباب صلاحه واستقامته، وإذا كان عند فاسق كان بالعكس، ولهذا قال العلماء: لا يجوز أن يُترك المحضون -الطفل المحضون- بيد شخص لا يصونه ولا يصلحه.
قوله: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ هذه القراءة المعروفة اللي في المصحف، وتكون (كفَّل) ناصبة لمفعولين، أحدهما: (الهاء)، والثاني: (زكريا)، وهذا الفعل من أخوات (كان) ولَّا من أخوات (كسا)؟
* الطلبة: كسا.
* الشيخ: ما الذي أعلمكم بأنه من أخوات (كسا)؟
* الطلبة: نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر.
* الشيخ: ولكن اسمحوا لي، هذا ليس أصلهما المبتدأ والخبر، فإذا وجدت فعلًا ناصبًا مفعولين لا يصح أن يكون مبتدأ وخبرًا فاعلم أنه من باب (كسا)، وهنا لو قلت: هي زكريا، يستقيم المعنى ولَّا لا؟
* الطلبة: لا يستقيم.
* الشيخ: لا يستقيم. وفي قراءة: ﴿كَفَّلَهَا زَكَرِيَّاء﴾ والفرق بينهما: أن القراءة الأولى بألف مقصورة والثانية بألف ممدودة.
فيها قراءة ثالثة: ﴿وكَفَلَها زَكَرِيَّا﴾ ﴿كَفَلَهَا﴾ على أن زكريا فاعل.
في قراءة رابعة: ﴿وكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ﴾ على أنه فاعل أيضًا، لكن الفرق بين هذه والتي قبلها أيش؟ القصر والمد، فصار زكريا الآن تمد وتقصر، وكفل تخفف وتشدد، والإعراب على حسب الوضع.
﴿كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ وهنا سؤال هل زكريا منصرف أو غير منصرف؟
* الطلبة: غير منصرف.
* الشيخ: إيه ممنوع من الصرف، لماذا؟
* الطلبة: للعلمية والعجمة.
* الشيخ: للعلمية والعجمة، ما رأيكم لو وُجدت العجمة بدون علمية؟ ينصرف؟
* طالب: نعم، ينصرف.
* الشيخ: عجمة بدون علمية ينصرف؟
* الطالب: نعم ينصرف، كيف؟
* الشيخ: تكون كلمة أعجمية لكن ما هي علم؟
* الطالب: ينصرف.
* الشيخ: لأنه لا بد من علتين: العلمية والعجمة، ولهذا قال عليّ لشريح: قَالُونٌ، فَنوَّن، ومعنى قالون: (جيِّد) في اللغة الرومية.
إذن نقول: زكريا علم أعجمي فهو ممنوع من الصرف. ما معنى ﴿كفَلَها﴾ أي: صار كافلًا لها. ﴿وَكفَّلَهَا﴾ أي: جعل كفيلها زكريا.
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾ أو ﴿زَكَرِيَّاءُ﴾ ؟
* الطلبة: قراءتان.
* الشيخ: قراءتان. ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّاءُ الْمِحْرَابَ﴾ ، ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾ [آل عمران ٣٧]. كلما دخل المحراب عليها، والمحراب (مِفْعَال) من الحرب، وهو مكان العبادة، وليس المحراب هو طاق القبلة كما هو عند الناس، ورأيت في بعض المساجد مكتوب على طاق القبلة على القوس: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾ فيجعلون الإمام مريم وهم لا يشعرون، ويخطئون أيضًا في اللفظ؛ لأن المحراب قلت: مكان العبادة، سواء كان طاقًا، وسواء كان مقوسًا، أو مربعًا أو حجرة؛ حتى الحجرة التي يتعبد فيها الإنسان محراب، ولهذا قال الله تعالى في قصة داود: ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص ٢١] يعني (...) المحراب: مكان يتعبد فيه، قالوا: فهو (مِفْعال) من الحرب، وسمي بذلك؛ لأن المتعبد فيه يحارب مَنْ؟
* الطلبة: الشيطان.
* الشيخ: الشيطان؛ ولذلك سمي مِحرابًا.
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾ وهي امرأة منقطعة للعبادة دائمًا في محرابها ويجد عندها رزقًا، والرزق هنا ما يقوم به البدن؛ يعني رزقًا تأكله ليقوم بدنها وتحفظ حياتها، هذا الرزق ما هو؟
قال بعض المفسرين وهو من الإسرائيليات: «يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء »[[أخرجه الطبري في التفسير (٥ / ٣٥٦) من حديث ابن عباس موقوفًا بلفظ: وَجَدَ عندَهَا ثِمارَ الجنّةِ، فاكِهَةَ الصَّيْفِ في الشّتَاءِ وفاكِهَةَ الشّتَاءِ في الصَّيْف.]]. وسبحان الله، ما هذا الداعي هذا؟! إذا وجد عندها فاكهة الصيف في الصيف أو فاكهة الشتاء في الشتاء وهي امرأة متعبدة منقطعة للعبادة فهو آية، لأيش نروح نجيب البرتقال وقت القيظ، والعنب وقت الشتاء؟! ما هو لازم، فلذلك نقول: كلمة رزق ما يقوم به البدن، وليكن فاكهة أو طعامًا أو تمرًا، أو أي شيء آخر. المهم أنه يجد عندها رزقًا تتقوت به، وهذا من الآيات، كيف امرأة متعبدة منقطعة للعبادة يوجد عندها الرزق؟!
﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ أي من أين لك هذا؟! وخاطبها بقوله: ﴿يَا مَرْيَمُ﴾ إشارة إلى أنها في حال لا تقتضي أن يكون عندها ذلك؛ لأنها امرأة لا تكتسب، امرأة منقطعة للعبادة، والمنقطع للعبادة ولو كان ذكرًا قد لا يتيسر له الرزق، ولهذا ناداها باسمها قال: ﴿يَا مَرْيَمُ﴾ يعني انتبهي أيتها الأنثى، كيف يجيكِ هذا الرزق؟! ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾، فكان جوابها جوابًا عجيبًا: ﴿قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾. وكلمة ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ لا يلزم أن يكون الله تعالى ينزلها من السماء إليها، بل قد يكون ذلك بتسخير الله لها من يأتي لها بذلك الرزق، ولا يلزم أن يكون ينزل من السماء أو يأتي به جبريل، قال الله تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل ٩٦] فيمكن أن هذا الرزق يأتيها على حسب الطبيعة، لكن أيضًا تسخير الله لها من يأتيه بها لا شك أنه من معونة الله وكرامة الله لها.
* طالب: شيخ، زكريا هل هو من محارِم مريم عليها السلام؟
* الشيخ: ما هو بالظاهر، الظاهر أنه ما هو من محارمها، لكنه زوج أختها.
* الطالب: زوج الأخت (...) في شريعتهم؟
* الشيخ: لا، ما أعرف عن شريعتهم، ما هو يحيى بن زكريا وعيسى رآهما النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج وقال: «هُمَا ابْنَا الْخَالَةِ»[[أخرجه البخاري (٣٨٨٧) من حديث مالك بن صعصعة.]].
* طالب: شيخ، قلنا يا شيخ: إن امرأة عمران لما وضعتها قالت: ربي إني وضعتها أنثى، فيكون هذا فيه من الإلزام أن المرأة يعني ما هي مثل الرجل في القيام على المسجد، طيب المرأة يا شيخ، يعني هل يجوز لها أن (...)؟
* الشيخ: أولا أن الحديث الذي أشرت إليه اختلف فيه الرواة، فبعضهم قال: إنه رجل، وبعضهم قال: إنها امرأة، ومعلوم أن خدمة المرأة للمسجد متهيئة أكثر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرجال مشتغلون بتحصيل الرزق، ولو أن أحدًا من الرجال خدم المسجد لكان أقوى منها خدمة، لكن كما قلت لكم في أثناء الدرس اليوم: المرأة قد تكون أصبر من الرجل من وجه آخر؛ لأن عندها من الجلد أكثر مما عند الرجل، الرجل قوي وده كل شيء يتم بسرعة، والمرأة ربما تعطي مهلة أكثر.
* الطالب: يا شيخ، بالنسبة للمحراب يعني إذا كان داخل المسجد؟
* الشيخ: وأيش المحراب داخل المسجد؟! اللي عندنا داخل المسجد؟
* الطالب: لا يا شيخ، يعني: اللي يقدر صاحب (...) أن يطلع (...) المحاريب، هل يقصد هذا؟
* الشيخ: إي نعم، يقصد هذا.
* الطالب: كانت أولًا بالبيوت أو بالمساجد؟
* الشيخ: لا لا، كانت في المساجد وليست أيضًا من عهد قديم، في عهد الرسول ﷺ ما فيه محاريب، فيه منبر، وما فيه محاريب.
* الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، بعضهم الآن يا شيخ يبدع المحاريب، يقولون: إنها بدعة؟
* الشيخ: ما هو صحيح؛ لأن بعض الناس لا يفهمون معنى البِدعة من السنة؛ لأنهم لا يفرقون بين الوسيلة وبين ما قُصد بعينه، فالمسلمون الذين أقروها من مئات السنين علماء أجلاء أبعد عن البدعة من هؤلاء، عرفوا أنهم لم يتخذوها ليتعبدوا لله باتخاذها، لكن ليدلوا المسلمين على اتجاه القبلة، لو أن عاميًّا دخل ولا في المسجد محراب وين يتجه؟ وأنا رأيت بعيني أول ما جاءت الفرش في الرياض؛ الفرَّاش الذي فرشها كان فيها في الأول صورة محاريب، أما تذكرون؟
* الطلبة: موجودة إلى الآن. إلى الآن موجودة.
* الشيخ: فيها صورة محاريب، فرشها الفراش وجاء وجه المحراب خلف القبلة بالعكس، فدخل الرجل وشاف المحراب ما راح قبلة المسجد، كبر وخلّى يصلي وراءها، إذن فيها فائدة، فهي مقصودة لغيرها لا لذاتها، المسلمون لا يقولون: فعلناها اتباعًا لرسول الله ﷺ، أو فعلناها تقربًا إلى الله، يقولون: فعلناها ليستدل بها الجاهل على القبلة.
* * *
* طالب: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران ٣٨ - ٤١].
* الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ إن الله يرزق، الرزق بمعنى العطاء، والعطاء ينقسم إلى قسمين: عطاء كوني، وعطاء شرعي؛ فالعطاء الكوني ما يرزق الله به سائر الحيوان؛ الإنسان والحيوان؛ الحلال والحرام، هذا عطاء أيش؟
* الطلبة: كوني.
* الشيخ: كوني، لا يختص بالمؤمنين ولا بالطيب من الرزق، والثاني: العطاء الشرعي، وهو ما يعطاه المؤمن من الرزق الحلال، وهو الرزق الخاص الذي ليس فيه تبعة، ويشمل أيضًا العطاء الشرعي ما ثبت إعطاؤه بمقتضى الشرع كإعطاء الفقراء من الزكاة مثلًا، وإعطاء الغانمين من الغنيمة، فهذا إيتاء شرعي، دليله قوله تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر ٧]. إيتاء هنا هذا الإيتاء شرعي وإلا كوني؟
* الطلبة: شرعي.
* الشيخ: شرعي. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة ٥٩، ٦٠] إلى آخره، هذا أيضًا إيتاء شرعي.
إذن الرزق إما كوني وإما شرعي، فما كان للانتفاع في الدنيا أو ما كان به قوام الجسد فهو كوني، وما كان به قوام الروح والقلب أو كان بإذن من الشرع فهو شرعي. العلم والإيمان شرعي ولَّا كوني؟
* الطلبة: شرعي.
* الشيخ: هذا شرعي؛ لأن به قوام الروح والقلب.
وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ هذه لا شك أنها عائدة إلى مشيئة الله، الرزق لا يكون إلا بمشيئة الله، ولكن أتحسبون أن المشيئة مطلقة مجردة؟ لا، بل هي مربوطة بالحكمة، يعطي من يشاء لحكمة ويمنع من يشاء لحكمة، والدليل على أن كلما أثبت الله به المشيئة فهو مقرون بالحكمة قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]. فلا يشاء إلا ما اقتضت الحكمة مشيئته.
وقوله: ﴿إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ قلنا: إنه لا بد أن يكون مقرونًا بالحكمة.
﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي: بغير مكافئة، يُطعِم ولا يُطعَم، يَرزق ولا يُرزق، ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ [الذاريات ٥٧، ٥٨] بخلاف غيره فإنه قد يُعطي ليُعطى، أليس كذلك؟ أما الله عز وجل فإنه يُعطي لا ليعطى، بل يرزق بغير حساب أي: بلا مكافأة، لا يطلب من أحد مكافأة، وأما الحساب على ما أعطاه الله من الرزق مما اكتسبه، وأين أنفقه، وما أشبه ذلك، فإن هذا سوف يكون، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر ٨] فصار الحساب المراد به هنا أيش؟ المكافأة؛ يعني لا يحاسب خلقًا ليكافِئوه، ولكن يحاسبهم لينظر أو ليعلم عز وجل ماذا أنفقوا فيما أعطاهم.
في هذه الآيات فوائد وأظننا نبدأ من قوله: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾ ولَّا لا؟
* من فوائد هذه الآيات:
أولًا: تعظيم هذه القصة؛ لأن الله أمر رسوله أن يبينها للناس، إذ إن التقدير: اذكر إذ قالت امرأة عمران.
من فوائدها أيضًا: جواز النذر في الأمر المجهول لقولها: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾. فهل يعني ينبني على ذلك أن يقول القائل: لله عليَّ نذر أن أتصدق بما في بطن هذه الشاة، أو هذه البعير وينفذ النذر.
* ومن فوائد الآية: جواز تصدق المرأة بدون إذن زوجها، وجهه؟ أنها نذرت التحرر أو تحرير هذا الولد بدون إذن الزوج، فإن قال قائل: ما دليلكم على أنه بدون إذن زوجها، أفلا يمكن أن تكون استأذنت؟
الجواب: بلى، لكنه لم يُذكر، فإن قال قائل: عدم الذكر ليس ذِكرًا للعدم. فرق بين أن أسكت عن الشيء وبين أن أنفي الشيء؛ نفي الشيء ذكر لعدمه، لكن السكوت عنه ليس ذكرًا للعدم. قلنا: نقول هذا ليس في كل مكان، بل نقول: هذا فيما إذا كان هناك نصوص عامة، ثم ادعى أحد إخراجها أو تقييدها أو ما أشبه ذلك، هذا هو الذي نقول له: عدم الذكر ليس ذكرًا للعدم، وأما إذا جاءت قصة مرسَلة ولم يذكر فيها قيود فالأصل أيش؟
* الطلبة: عدم القيد.
* الشيخ: الأصل عدم القيد، وقد جاءت الشريعة الإسلامية مؤيدة لهذا؛ أي: أن المرأة تتصرف في مالها حرة؛ دليله: «أن الرسول ﷺ لَمَّا خَطَبَ النِّسَاءَ يَوْمَ الْعِيدِ وَقَالَ:«يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ» فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ مِنَ الْخَوَاتِمِ وَالْخُرُوصِ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ »[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠٤)، ومسلم (٨٠) واللفظ للبخاري من حديث أبي سعيد الخدري. ]]. فهل قال النبي ﷺ: استأذن أزواجكن؟ وهل قلن: سنستأذن؟ لا.
خذ أيضًا من القرآن: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء ٤] طبن مَنْ؟
* الطلبة: النساء.
* الشيخ: النساء، كلوه هنيئًا مريئًا؛ إذن المرأة حرة تتصرف، وليس لزوجها أن يمنعها من أي تصرف شاءت، اللهم إلا في مسألة واحدة قد يُقال إنه يمنعها من التصرف مثل أن يشتري لها حُليًّا وثياب زينة تتجمل بهن له، فهنا ربما نقول: إن له أن يمنعها من التصرف في هذا الثياب وهذا الحلي من بيع أو هبة؛ لأن ذلك يضر بمقصوده، أليس كذلك؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: فهي الآن إذا باعت هذا الحلي وهذا الثياب الجميل، وخرجت على زوجها ليس شيء من الحلي، وعليها ثياب رديئة خلقة وسخة فهو بين أمرين: إما أن يعاشرها متكرِّهًا لها، وإما أن لا يرضى بهذه الحال، ثم تقول: يلَّا أعطني فيشتري لها، وإذا اشترى لها جاءتها امرأة ثانية تشكو إليها الحال قالت: خذي، تخرج عليه في اليوم الثاني ما عليها شيء، يتسلسل الأمر، ففي هذه الحال قد نقول: إن للزوج أن يمنعها من التصرف فيما أعطاها؛ لأن ذلك مضر به إما ماليًّا وإما متعة.
من فوائد الآية الكريمة: أن الولد يخدم والده من أم أو أب، توافقون على هذا؟
* الطلبة: نعم، إي نعم.
* الشيخ: كيف؟
* الطلبة: لأنها قالت: نذرته.
* الشيخ: لأنها قالت: نذرته محررًا؛ يعني محررًا من الخدمة بحيث لا أستخدمه ولا أستغل حياته.
من فوائد الآية الكريمة: طرد الإعجاب بالنفس، وذلك بأن الإنسان إذا عمل عملًا لا يُدل به على الله يقول: أنا عملت أنا عملت، بل يعمل ويشعر أنه مفتقر إلى الله عز وجل في قبول ذلك العمل، ولهذا قالت: ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾ وقال إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة ١٢٧]. والإنسان إذا علم أنه مفتقر إلى ربه عز وجل في العمل وفي قبول العمل زال عنه الإعجاب، وإذا زال عنه الإعجاب صار حريًّا بأن الله تعالى يقبل منه ويثيبه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله وهما: السميع والعليم، وقد سبق لنا الكلام على السميع وما يدل عليه من الصفة، وأنه يكون بمعنى استجابة الدعاء، وبمعنى إدراك المسموع، وأما العليم فسبقت أيضًا، العليم هو إدراك الشيء على ما هو عليه، فمن لم يدرك فليس بعالم، ومن أدركه على خلاف ما هو عليه فليس بعالم، والأول: جاهل بسيط، والثاني: جاهل مركب، وأيهما أحسن حالًا؟
* الطلبة: البسيط.
* الشيخ: البسيط، البسيط أحسن حالًا من المركب؛ لأن المركب يجهل، ويجهل أنه يجهل، فيبقى كأنه عالم وهو جاهل، لكن البسيط يقول: أنا ما أعلم جاهل، ونضرب لهذا مثلًا: سأل رجل آخر فقال: أخبرني متى كانت غزوة بدر؟ فقال: على الخبير سقطت ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر ١٤] غزوة بدر كانت في السنة السادسة من الهجرة في شهر ذي القعدة، وأيش تقولون لهذا؟
* الطلبة: هذا جهل مركب.
* الشيخ: هذا جهل مركب، هو يقول: على الخبير سقطت ولا ينبئك مثل خبير؟ وهذا أيضًا من جهله.
* طالب: فليراجع!
* الشيخ: على كل حال هذا جاهل مركب. والثاني سألناه فقال: لا أدري، هذا جاهل بسيط، الثاني: إذا قلنا له إنها في الثانية في رمضان قبل؛ لأنه ليس عنده ما يعارض به، لكن هذاك الأول يعارض يقول: أبدًا، أنا متأكد وأنا خبير بالموضوع.
ويُذكر أن رجلًا يقال له: (توما) ويلقب نفسه بالحكيم، قال فيه الشاعر على لسان حماره، له حمار يركبه:
؎قَـــــــــالَ حِمَـــــــارُ الْحَكِيـــــــــمِتومَــــــــــــــــــــــــــــا ∗∗∗ لَـــــوْ أَنْصَـــــفَ الدَّهْـــــرُ كُنْـــــتُأَرْكَـــــــــــــبْ؎لِأَنَّنِـــــــــــــــــيجَاهِــــــــــــــــــــــــــــــلٌ بَسِيـــــــــــــــطٌ ∗∗∗ وَصَاحِبِـــــــــــــــيجَاهِــــــــــــــــــــــــــــــلٌ مُرَكَّـــــــــــــبْ
الحمار يقول: لو أنصف الدهر، على كل حال الحمار ما هو طيّب الكلام منه هذا، يقول: لو أنصف الدهر كنت أنا اللي أركب؛ لأنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب، ومن جهل (توما) ما أشار إليه الشاعر بقوله:
؎وَمَـــــــنْ رَامَ الْعُلُـــــــومَ بِغَيْـــــــرِشَيْـــــــــــــــخٍ ∗∗∗ يَضِـــــــلُّ عَـــــــنِ الصِّـــــــرَاطِالْمُسْتَقِيــــــــــــمِ؎وَتَلْتَبِـــــسُ الْعُلُـــــومُ عَلَيْــــــــــهِحَتَّــــــــــــــــى ∗∗∗ يَكُـــــونَ أَضَـــــلَّ مِـــــنْ تومَـــــاالْحَكِيـــــــــــمِ؎تَصَـــــدَّقَ بِالْبَنَـــــاتِ عَلَـــــىرِجَــــــــــــالٍ ∗∗∗ يُرِيـــــــدُ بِــــــــــــذَاكَ جَنَّــــــــــاتِالنَّعِيــــــــــــــــــــمِ
هذا علم ولَّا جهل؟
* الطلبة: جهل.
* الشيخ: جهل، البنات ما يتصدق بهن، البنات يزوجن بشروط معلومة ومهر ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء ٢٤] وأيش بعدها؟ ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ لا بد من المهر.
على كل حال العلم ذكرنا أنه إدراك الشيء على ما هو عليه، علم الله عز وجل واسع شامل، واسع شامل كامل، لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان، قال الله تعالى على لسان موسى: ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه ٥٢]، ﴿لَا يَضِلُّ﴾ يعني: لا يجهل، ﴿وَلَا يَنْسَى﴾ ما علم، بل هو عز وجل عالم بما يكون لو كان كيف يكون، وعالم بما كان لا ينساه، وشامل لكل شيء، واقرأ -إن شئت- قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ [الأنعام ٥٩] أي ورقة تسقط، ولهذا جاءت (مِن) المؤكدة ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، هذا العموم العظيم والسعة والشمول يدل على كمال الله عز وجل.
ما ثمرة إيماننا بعلم الله وسمعه؟ ثمرة إيماننا بذلك عظيمة إذا آمنا به حق الإيمان، أما الأول فإننا إذا آمنَّا بأنه هو السميع بالمعنيين: الاستجابة والإدراك حذرنا أن نُسمعه ما لا يرضاه؛ لأنه يسمع، فنحذر أن نسمعه ما لا يرضاه، وإذا علمنا أنه سميع بمعنى (مُستجيب) ألححنا عليه في الدعاء، ومن كرمه جل وعلا أنه يحب الملحين في الدعاء، بل يأمر ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر ٦٠] وينزل آخر الليل يقول: «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرْنِي فَأَغْفِرَ لهُ؟»[[متفق عليه؛ البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨ / ١٦٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، اللهم وفقنا. فالحاصل أن هذا من ثمرات الإيمان بالسميع.
﴿الْعَلِيم﴾ إذا آمنت به حق الإيمان خفت من أن يسمع لك قولًا، أو يرى لك فعلًا، أو يعلم منك ما ليس بقول ولا فعل كحديث النفس، تخشى من هذا كله؛ لأن الله يعلمه ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق ١٦، ١٧].
يقول الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾.
من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأم تتكلف الحمل كما يُشعر به كلمة: ﴿وَضَعَتْهَا﴾ أنها حاملة لها، وهو كذلك لا شك أنها تتكلف بالحمل، وإذا قدرنا أن هذا الطفل الذي في بطنها سيبقى تسعة شهور وهي حاملة له في بطنها في أرق ما يكون من البدن قائمة وقاعدة ومستيقظة ونائمة، فماذا نتصور من التعب؟ ولهذا قال الله تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف ١٥] ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان ١٤]. ثم مع ذلك هل هو مجمد هذا الطفل في البطن؟ لا، غير مجمد، يتحرك وهي تحس به، ولولا لطف الله بعباده ما استطاعت أن تحمل هذا، ولكن الله عز وجل يعينها.
فيتفرع على هذه الفائدة فائدة أخرى، وهي عظم حق الأم على ولدها؛ لأن من أحسن إليك وأتعبته كان أحق الناس ببرك، ولهذا جعلها النبي عليه الصلاة والسلام أحق الناس بحسن الصحبة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: اعتذار الإنسان لربه أو عند ربه إذا وقع الأمر خلاف ما أراد لقوله: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ فإن هذا شبه اعتذار لقولها: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾، والأنثى لا تخدم المساجد عندهم؛ فلهذا اعتذرت.
ومن فوائدها: التوسل إلى الله تعالى بربوبيته، من أين يؤخذ؟ ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه من تمام البلاغة الاحتراز -أو بالسين إن شئت- الاحتراس عن كل موهم لأمر خطأ، الإنسان ينبغي أن يحترس عن كل موهم لأمر خطأ سواء كان في المقال أو في الفعال، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾.
* الشيخ: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾، على القراءتين، على قراءة الضم واضح ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ﴾ . قلنا: إن الإنسان يعتذر سواء وقع منه ما يكون في المقال أو في الفِعال، في المقال كما رأيتم، في الفِعال مثل: «قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا خَرَجَ بِصَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَقْلِبُهَا حِينَ جَاءَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، وَتَحَدَّثَتْ مَعَهُ فَقَامَتْ، خَرَجَتْ بِاللَّيْلِ فَخَرَجَ بِهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِذَا بِرَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَمُرَّانِ فَأَسْرَعَا، فَقَالَ لَهُمَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ. يعني ما عندنا إشكال في الموضوع حتى تعتذر، فقال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خِفْتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا» أَوْ قَالَ: «شَيْئًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٣٥)، ومسلم (٢١٧٥ / ٢٤) من حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها.]].
هذا صحيح، لا شك أن أبعد الناس عن سوء الظن هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا سيما من أصحابه لا يمكن أن يظنوا به سوء الظن، ومع ذلك خاف عليهم، خاف أن الشيطان يلقي في قلوبهما شرًّا أو شيئًا، وهذا ينبغي للإنسان أيضًا أن يدرأ الغِيبة عن نفسه ما استطاع، لا يقول: أنا ما أبالي بالناس، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذا طيب، لكن افعل الأسباب التي تدرأ عنك الشر حتى لا يظن الناس بك سوءًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات التفضيل في أوصاف الله، ها؟
* الطلبة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾.
* الشيخ: ﴿أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ خلافًا لمن منع ذلك، وفسر أعلم بعالم؛ لأنه -في الواقع- فر من شيء ووقع في شر منه، إذا قال: عالم، فإنه لم يمنع الاشتراك، لا يمنع الاشتراك؛ لأنه عالم وغيره؟ عالم، فإذا قال: أعلم، مَنع الاشتراك، لأيش؟ لأن اسم التفضيل يقتضي أن يكون المفضل في القمة لا يساويه أحد، أليس كذلك؟
إذن أعلم أوْلى من عالم، بل نقول: إن الله قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل ٦٠] يعني: الوصف الأكمل ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ هل تقول: لله المثل العلِي؟ ما يستقيم ﴿الْأَعْلَى﴾. هم يقولون: إذا قلت: أعلم، فإن المقارنة بين الشيئين: العالي والنازل تجعل العالي نازلًا كقول الشاعر:
؎أَلَـــــمْ تَـــــرَ أَنَّ السَّيْـــــفَيَنْقُـــــصُ قَـــــدْرُهُ ∗∗∗ إِذَا قِيلَ: إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَالْعَصَا
فنقول: هناك فرق بين اسم التفضيل بين شيئين يشتركان في الوصف أو في أصل الوصف، وبين اسم التفضيل في شيئين لا يشتركان، فالعصا ما فيه مضاء، وَلِهَذَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ مَا قُتِلَ بِهِ مِنَ الصَّيْدِ فَهُوَ وَقِيذٌ حَرَامٌ[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٥٤)، ومسلم (١٩٢٩ / ٣، ٤) بلفظ «إذا أصابَ بِحدّه فَكُلْ، وإذا أصابَ بعرْضِهِ فقَتَلَ، فلا تأكلْ؛ فإنّه وَقِيذٌ» من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.]]؛ لأنه لا يُنهر الدم ولا فيه مضاء، والسيف فيه مضاء، أنت لو جئت إلى إنسان زمن وإنسان شاب جلد سريع العدو، وقلت: فلان أسرع في عدوه من فلان، من الزمن، ينقص ولَّا ما ينقص؟
* الطلبة: ينقص.
* الشيخ: ينقص؛ لأن الزَّمِن ما عنده عدو، الزَّمِن معناه المشلول اللي ما يقدر يتحرك، يعني يسمونه الناس (محرول) أو (مقصمل) كلمة بمعنى هذا. على كل حال الصواب بلا شك أنه يجوز التفضيل في أوصاف الله ﴿أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾.
* الطالب: شيخ، بعض الناس يخلو بالمرأة وإذا قلنا له: هذا ما يجوز (...).
* الشيخ: سمعتم سؤاله؟ يقول: فيه ناس، يخلو بالمرأة وإذا قلنا له: هذا ما يجوز، قال: قلبي نظيف، الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٣٣)، ومسلم (١٣٤١ / ٤٢٤) واللفظ للبخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]]. وقال: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا»[[أخرجه الترمذي (٢١٦٥).]]. والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهذا شيء مشاهَد محسوس حتى لو كان من الناس الملتزمين الطيبين إذا خلا بالمرأة فلا بد أن يُوقع الشيطان في قلبه شيئًا ولو كان نظيفًا، قل له إذا هو قال: قلبي نظيف. نقول: توسَّخ بهذه الخلوة.
* طالب: شيخ، يفهم من الآية أنه يجوز نذر المجهول، إذا نذر الإنسان نذر مجهولٍ، ثم تبين أنه لم يوجد شيء، ولم يأخذ شيئًا، فهل يلزمه بدله؟
* الشيخ: لا، ما يلزمه، لا يلزمه.
* الطالب: تؤخذ من الآية هذه ولَّا؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأن هذا حصل واقع.
* طالب: شيخ، حفظكم الله، تكلمنا عن الفوائد، تكلمنا من قبل، شيخ، ما يكون هذا خاص بشريعتهم؟
* الشيخ: سمعتم السؤال؟
* الطلبة: لا، ما سمعنا.
* الشيخ: يقول: الفوائد التي استفدناها من قصة مريم يمكن أن نبطلها بربع كلمة فنقول: هذا خاص، ما هو صحيح. الله عز وجل يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١] عبرة في كل شيء؛ فيما يفعلونه من الشرائع والمعاملات، وفيما يحصل عليهم من عقوبات الله عز وجل، في كل شيء، وإلا وأيش الفائدة من القصة.
* الطالب: من هذا يا شيخ يعني الريبة ما يفعله بعض إخواننا الدعاة.
* الشيخ: أيش، أعد السؤال.
* الطالب: أقول: بعض الدعاة يدخلون إلى أماكن الفجور وأماكن شرب الخمر بنية الدعوة إلى الله، فهل من هذا يا شيخ أنه يجب عليهم أن يدفعوا الريبة؟
* الشيخ: عن أيش؟
* الطالب: أن يدفعوا الريبة عن أنفسهم.
* الشيخ: إيه، لا، هم دخلوا يدعونهم وينهونهم عن المنكر؛ لأنه وأيش معنى ينهون عن المنكر بدون الدخول عليهم؟! لكن لو دخلوا مثلًا أماكن اللهو، ولا رُئي منهم مشاهدة الإنكار، ما رُئي منهم الإنكار يمكن يتهمون، أما ناس دخلوا إلى قوم يشربون الخمر وقال: يا عبادَ الله، اتقوا الله، هذا حرام لا يجوز، ما فيه شيء.
* طالب: ممكن يا شيخ (...).
* الشيخ: نعم، أحسنت إذا خِيف من هذه المفسدة لا يدخل، يكتبون رسائل ولَّا يدخلون في حال ليسوا موجودين ويقولون لصاحب المكان: احذر هذا الشيء.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، كيف تتصدق الزوجة بطفل، وهو ليس ملكًا لها ملك لزوجها؟
* الشيخ: وأيش قلنا يا جماعة؟
* طالب: استأثر.
* الشيخ: ما هو من حقها أن يخدمها؟
* الطالب: زوجها كذلك من حقه أن يخدمها.
* الشيخ: نعم، لا بأس من حقه أن يخدمها، لكن هي حررته من خدمتها هي، يعني فيما يتعلق بخدمتها حررته، أما ما لا تملكه ما تقدر عليه.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾ [آل عمران ٣٨ - ٤١].
* الشيخ: قال: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ إلى آخره، في هذا دليل على استعمال الاحتراس في الكلام، أي: أن الإنسان إذا أتى بكلام يوهم وجب عليه أن يذكر احتراسًا يرفع فيه هذا الوهم من قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ على كلتا القراءتين، وكما يكون الاحتراس بالقول يكون الاحتراس بالفعل أيضًا، مثل أن يظهر الإنسان فعلًا مباحًا حلالًا فيخشى أن يتوهم الناس أنه فعل محرم فيأتي بما يدل على أنه فعل مباح، كما صنع النبي ﷺ حين مر به رجلان وهو يقلب صفية إلا بيتها فقال: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ».
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات كمال علم الله، وأنه فوق كل علم لقوله: ﴿أَعْلَمُ﴾ فإن اسم التفضيل يدل على اتصاف المفضل في أكمل الصفة التي فُضل بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يستوي الذكور والإناث ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾، لا في الطبيعة ولا في الأخلاق ولا في المعاملة، بل ولا في الأحكام في بعض الأحيان، الذَّكر ليس كالأنثى، وإذا كان الذكر ليس كالأنثى فالأنثى أيضًا ليست كالذكر.
* ومن فوائد الآية الكريمة:
ومن فوائد الآية الكريمة: تسمية المولود حين يولد؛ لقولها: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ [آل عمران 36]، وهذا هو السُّنَّة أن يسمَّى الإنسان حين يولد إلا إذا لم يتهيأ الاسم فإنه يسمى في اليوم السابع، وبهذا تجتمع الأدلة؛ فإن النبي ﷺ لما ولد إبراهيم قال: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ وَلَدٌ وَسَمَّيْتُهُ إِبْرَاهِيمَ»[[أخرجه مسلم (٢٣١٥ / ٦٢) من حديث أنس بن مالك بلفظ: «وُلِدَ لي الليلةَ غلامٌ، فسمّيتُه باسم أبي إبراهِيم».]]، وفي حديث العقيقة قال: «تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى»[[أخرجه أبو داود (٢٨٣٨) والترمذي (١٥٢٢) من حديث سمرة بن جندب.]]، فيكون الجمع بين هذا وهذا أن من كان مهيئًا للاسم من قبل الولادة فالأفضل أن يسميه حال الولادة، ومن لم يهيئ فالأفضل أن يؤجله إلى اليوم السابع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التسمية تعود للأم.
* طالب: لا.
* الشيخ: لأيش؟
* طالب: لأن هنا ليس (...).
* الشيخ: هي ما قالت: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾؟
* طالب: ليس له أب.
* الشيخ: كيف ما له أب، هذا له أب، فيه احتمال، لكن أقرب شيء أن يقال: إن في هذا دليلًا على جواز تصرف الفضول، أي أن الإنسان يتصرف في حق غيره فينفذ إذا وافق عليه الغير، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: أنتم عرفتم تصرف الفضول، مثلًا رجل باع ساعة رجل بدون إذنه فأجازه صاحب الساعة ووافق على البيع، نقول: هذا البيع صحيح؛ لأنه أجازه، فهنا يحتمل أن الاتفاق كان جاريًا بين الأم والأب في التسمية، أو أن الأم رأت أن الأب لا يعارض فسمّت، وإلا فالأصل أن التسمية تكون للأب؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «وُلِدَ لِي وَلَدٌ وَسَمَّيْتُهُ إِبْرَاهِيمَ»[[سبق تخريجه.]]، ولكن الأفضل أن لا يتنازع الأبوان في تسمية الولد، وأن يكون الاتفاق بينهما، أحيانًا تصر الأم أن يسمى ولدها بفلان أو ابنتها بفلانة، وأحيانًا يصر الأب على عكس ذلك، والذي ينبغي أن لا يكون هذا موضع نزاع بينهما، وأن يتفقا على الاسم، فإذا اختلفا يُرجع إلى أفضل الأسماء، لو قالت الأم: أنا أريد أن يسمى ابني على اسم جده واسم جده ناصر، وقال الأب: أنا أحب أن يسمى بعبد الله، فالحق للأب وأيضًا جانبه أرجح؛ لأن «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»[[أخرجه مسلم (٢١٣٢ / ٢) والترمذي (٢٨٣٣) من حديث ابن عمر واللفظ له.]] ولكن عند النزاع وعدم المرجِّح من حيث التسمية لا شك أن الحق للأب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مشروعية إعاذة الإنسان أبناءه بالله عز وجل من الشيطان الرجيم ومن شر الخلق؛ لقولها: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: جواز الدعاء للمعدوم، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَذُرِّيَّتَهَا﴾؛ لأن ذريتها لم تأت بعد، فهي امرأة صغيرة طفلة، لكن يجوز أن يقال: أصلحك الله وذريتك، غفر الله لك ولذريتك، وما أشبه ذلك.
هل يقال: إن في هذه الآية كرامة لامرأة عمران؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: نعم، كيف؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: لا غير هذا، من قوله: ﴿وَذُرِّيَّتَهَا﴾؛ فإنها توقعت أن يكون لها ذرية، فصار لها ذرية، توقعت أن يكون لها ذرية فصار لها ذرية وهو عيسى عليه الصلاة والسلام، وإلا فقد يقال: كيف تقول: ﴿وَذُرِّيَّتَهَا﴾؟ هل هي على علم بأن هذه الطفلة ستبقى وسيكون لها أولاد؟ ليست على علم بلا شك، لكن كونها تقول هكذا جازمة بذلك فيأتي الأمر فيقع على حسب ما توقعت هذا نوع من الكرامات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيطان عدو لبني آدم، حيث يطلب الإنسان من الله عز وجل أن يعيذه منه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى على كل شيء، ومن ذلك الإجارة من الشيطان، وإلا لكان الاستعاذة به من الشيطان عبثًا.
ثم قال الله عز وجل: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ إلى آخره، من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله عز وجل سميع قريب مجيب؛ لأنها دعت فسمعها الله، ولأنها دعت فأجابها الله، وفي القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة ١٨٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على الملاحدة الذين ينكرون وجود الرب، وجهه؟
* طالب: (...) الرد على الملاحدة.
* الشيخ: وأيش لون الرد على الملاحدة وأين الملاحدة؟
* الطالب: قولها إنك..
* الشيخ: لكن من ذكر الرد على الملاحدة؟
* الطالب: أنت الذي ذكرت.
* الشيخ: أنا؟
* الطالب: وجه الرد على الملاحدة لأنهم ينكرون وجود الله، فقالت: إنك سميع الدعاء، فلا يسمع الدعاء إلا موجود.
* الشيخ: أنا قلت هكذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أنا قلت فيه الرد على الملاحدة لقوله: إن ربي سميع الدعاء؟
* الطالب: قلت لنا: فيه رد على الملاحدة الذين ينكرون وجود الله ما قلت (...).
* الشيخ: طيب، من أين يؤخذ هذا؟
* الطالب: قولها إنك أنت سميع الدعاء.
* الشيخ: ما.. هذا سبق فين؟
* الطالب: ما قلت (...).
* الشيخ: لكن من أين؟ ها الآن أقول.
* الطالب: نأخذ (...) قولها: إنك أنت سميع الدعاء.
* الشيخ: ما ذكرت فيما قالت: ﴿سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، فيه: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
* الطالب: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
* الشيخ: سبق هذا في درس مضى وأخذنا فوائده.
* الطالب: إي نعم نأخذ من قولها: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
* الشيخ: لا إله إلا الله.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: من قوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾؛ لأنها لما دعت قال: ﴿فَتَقَبَّلَهَا﴾، والفاء هذه عاطفة تدل على السببية وعلى الترتيب والفورية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل منَّ على هذه الطفلة بشيئين: بالقبول الحسن، والنبات الحسن، فصار في ذلك تنمية لأخلاقها ولجسمها وبدنها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن تطور الإنسان في حياته بأمر الله؛ لقوله: ﴿أَنْبَتَهَا﴾، وما الغذاء والعناية بالطفل إلا سبب، والله تعالى هو المسبب وهو المكوِّن للإنسان والمنبت له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل قد ييسر للإنسان من يكفله من أهل الخير فيكون ذلك من أسباب إعاذته من الشيطان الرجيم؛ لقوله: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إثبات الحضانة للطفل، الدليل؟ قوله: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾، هل يؤخذ من ذلك أن الكفالة تكون للأب دون الأم؟ الجواب: ليس بظاهر؛ لأنه قد يراد بالكفالة هنا كفالة التأديب والتربية وإيجاد النفقة دون القيام عليه بالحَضن، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأم طفل: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكَحِي»[[أخرجه أبو داود (٢٢٧٦) من حديث عبد الله بن عمرو. ]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الطفلة صارت من العابدات القانتات؛ لقوله: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل قد ييسر للإنسان من الرزق ما لا يكون في حسبانه؛ لقوله: ﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن لكل ضَعف لطفًا، فهذه المرأة الضعيفة التي منّ الله عليها بالاشتغال بالعبادة يسر الله لها من يأتيها بالرزق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأشياء تضاف إلى الله وإن كان لها سبب؛ لقوله: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، وإضافة الأشياء إلى أسبابها ليست إلا مجرد إضافة مسبَّب إلى سببه لا إلى موجِده، وإلا فإن الموجِد هو الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأنبياء لا يعلمون الغيب؛ لقوله: ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾.
ومن فوائدها: إثبات أن الله عز وجل يرزق في غير مكافأة ولا انتظار لمكافأة؛ لقولها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
{"ayahs_start":35,"ayahs":["إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَ ٰنَ رَبِّ إِنِّی نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِی بَطۡنِی مُحَرَّرࣰا فَتَقَبَّلۡ مِنِّیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ","فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی وَضَعۡتُهَاۤ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّی سَمَّیۡتُهَا مَرۡیَمَ وَإِنِّیۤ أُعِیذُهَا بِكَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ ٱلرَّجِیمِ","فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنࣲ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنࣰا وَكَفَّلَهَا زَكَرِیَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ"],"ayah":"فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنࣲ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنࣰا وَكَفَّلَهَا زَكَرِیَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق