الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَلَمّا وضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إنِّي وضَعَتْها أُنْثى واللهُ أعْلَمُ بِما وضَعَتْ ولَيْسَ الذَكَرُ كالأُنْثى وإنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وإنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَيْطانِ الرَجِيمِ﴾ ﴿فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وأنْبَتَها نَباتًا حَسَنًا وكَفَّلَها زَكَرِيّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا المِحْرابَ وجَدَ عِنْدَها رِزْقًا قالَ يا مَرْيَمُ أنّى لَكِ هَذا قالَتْ هو مِن عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهِ يَرْزُقُ مِن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾
هَذِهِ الآيَةُ خِطابٌ مِنَ اللهِ تَعالى لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَلامُ، والوَضْعُ: الوِلادَةُ، وأنَّثَ الضَمِيرَ في "وَضَعَتْها" حَمْلًا عَلى المَوْجُودَةِ ورَفْعًا لِلَفْظِ "ما" الَّتِي في قَوْلِها: ﴿ما في بَطْنِي﴾ [آل عمران: ٣٥] وقَوْلُها: ﴿رَبِّ إنِّي وضَعْتُها أُنْثى﴾ لَفْظُ خَبَرٍ في ضِمْنِهِ التَحَسُّرُ والتَلَهُّفُ، وبَيَّنَ اللهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿واللهُ أعْلَمُ بِما وضَعَتْ﴾.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ "وَضَعَتْ" بِفَتْحِ العَيْنِ وإسْكانِ التاءِ - وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: "وَضَعْتُ" - بِضَمِّ التاءِ وإسْكانِ العَيْنِ - وهَذا أيْضًا مَخْرَجُ قَوْلِها: "رَبِّ إنِّي وضَعْتُها أُنْثى" مِن مَعْنى الخَبَرِ إلى مَعْنى التَلَهُّفِ، وإنَّما تَلَهَّفَتْ لِأنَّهم كانُوا لا يُحَرِّرُونَ الإناثَ لِخِدْمَةِ الكَنائِسِ ولا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وكانَتْ قَدْ رَجَتْ أنْ يَكُونَ ما في بَطْنِها ذَكَرًا، فَلَمّا وضَعَتْ أُنْثى تَلَهَّفَتْ عَلى فَوْتِ الأمَلِ وأفْزَعَها أنْ نَذَرَتْ ما لا (p-٢٠٢)يَجُوزُ نَذْرُهُ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ "وَضَعْتِ" - بِكَسْرِ التاءِ - عَلى الخِطابِ مِنَ اللهِ لَها.
وقَوْلُها: "وَلَيْسَ الذَكَرُ كالأُنْثى" تُرِيدُ في امْتِناعِ نَذْرِهِ، إذِ الأُنْثى تَحِيضُ ولا تَصْلُحُ لِصُحْبَةِ الرُهْبانِ، قالَهُ قَتادَةُ والرَبِيعُ والسُدِّيُّ وعِكْرِمَةُ وغَيْرُهُمْ، وبَدَأتْ بِذِكْرِ الأهَمِّ في نَفْسِها، وإلّا فَسِياقُ قِصَّتِها يَقْتَضِي أنْ تَقُولَ: ولَيْسَتِ الأُنْثى كالذَكَرِ، فَتَضَعَ حَرْفَ النَفْيِ مَعَ الشَيْءِ الَّذِي عِنْدَها وانْتَفَتْ عنهُ صِفاتُ الكَمالِ لِلْغَرَضِ المُرادِ.
وفِي قَوْلِها ﴿وَإنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ﴾ سُنَّةُ تَسْمِيَةِ الأطْفالِ قُرْبَ الوِلادَةِ ونَحْوُهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "وُلِدَ لِيَ اللَيْلَةَ مَوْلُودٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أبِي إبْراهِيمَ".» وقَدْ رُوِيَ عنهُ عَلَيْهِ السَلامُ « "أنَّ ذَلِكَ في يَوْمِ السابِعِ يُعَقُّ عَنِ المَوْلُودِ ويُسَمّى"» قالَ مالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: "وَمَن ماتَ ولَدُهُ قَبْلَ السابِعِ فَلا عَقِيقَةَ عَلَيْهِ ولا تَسْمِيَةَ" قالَ ابْنُ حَبِيبٍ: "أحَبُّ إلَيَّ أنْ يُسَمّى، وأنْ يُسَمّى السَقْطُ لِما رُوِيَ مِن رَجاءِ شَفاعَتِهِ".
ومَرْيَمُ لا يَنْصَرِفُ لِعُجْمَتِهِ وتَعْرِيفِهِ وتَأْنِيثِهِ. وباقِي الآيَةِ إعادَةٌ، ووَرَدَ في الحَدِيثِ عَنِ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ مِن رِوايَةِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: « "كُلُّ مَوْلُودٍ مِن بَنِي آدَمَ لَهُ طَعْنَةٌ مِنَ الشَيْطانِ وبِها يَسْتَهِلُّ، إلّا ما كانَ مِن مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرانَ وابْنِها، فَإنَّ أُمَّها قالَتْ حِينَ وضَعَتْها: ﴿وَإنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَيْطانِ الرَجِيمِ﴾ فَضُرِبَ بَيْنَهُما حِجابٌ فَطَعَنَ الشَيْطانُ في الحِجابِ» وقَدِ اخْتَلَفَتْ ألْفاظُ الحَدِيثِ مِن طُرُقٍ، والمَعْنى واحِدٌ كَما ذَكَرْتُهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَقَبَّلَها﴾ إخْبارٌ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَلامُ بِأنَّ اللهَ رَضِيَ مَرْيَمَ لِخِدْمَةِ (p-٢٠٣)المَسْجِدِ كَما نَذَرَتْ أُمُّها وسَنّى لَها الأمَلَ في ذَلِكَ، والمَعْنى يَقْتَضِي أنَّ اللهَ أوحى إلى زَكَرِيّا ومَن كانَ هُنالِكَ بِأنَّهُ تَقَبَّلَها، ولِذَلِكَ جَعَلُوها كَما نَذَرَتْ.
وقَوْلُهُ "بِقَبُولٍ" مَصْدَرٌ جاءَ عَلى غَيْرِ المَصْدَرِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "نَباتًا" بَعْدَ أنْبَتَ. وقَوْلُهُ ﴿وَأنْبَتَها نَباتًا حَسَنًا﴾، عِبارَةٌ عن حُسْنِ النَشْأةِ وسُرْعَةِ الجَوْدَةِ فِيها في خِلْقَةٍ وخُلُقٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَفَّلَها زَكَرِيّا﴾ مَعْناهُ: ضَمَّها إلى إنْفاقِهِ وحِضْنِهِ، والكافِلُ هو المُرَبِّي الحاضِنُ، قالَ ابْنُ إسْحاقَ: إنَّ زَكَرِيّا كانَ زَوْجَ خالَتِها، لِأنَّهُ وعِمْرانَ كانا سِلْفَيْنِ عَلى أُخْتَيْنِ، ولَدَتِ امْرَأةُ زَكَرِيّا يَحْيى، ووَلَدَتِ امْرَأةُ عِمْرانَ مَرْيَمَ، وقالَ السُدِّيُّ وغَيْرُهُ: إنَّ زَكَرِيّاءَ كانَ زَوْجَ ابْنَةٍ أُخْرى لِعِمْرانَ، ويُعَضِّدُ هَذا القَوْلَ «قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ في يَحْيى وعِيسى: "ابْنا الخالَةِ"» قالَ مَكِّيٌّ: وهو زَكَرِيّا بْنُ آذَنَ. وذَكَرَ قَتادَةُ وغَيْرُ واحِدٍ مِن أهْلِ العِلْمِ أنَّهم كانُوا في ذَلِكَ الزَمانِ يَتَشاحُّونَ في المُحَرَّرِ عِنْدَ مَن يَكُونُ مِنَ القائِمِينَ بِأمْرِ المَسْجِدِ فَيَتَساهَمُونَ عَلَيْهِ، وأنَّهم فَعَلُوا في مَرْيَمَ ذَلِكَ، فَرُوِيَ أنَّهم ألْقَوْا أقْلامَهُمُ الَّتِي كانُوا يَكْتُبُونَ بِها التَوْراةَ في النَهْرِ، وقِيلَ: أقْلامًا بَرَوْها مِن عُودٍ كالسِهامِ والقِداحِ، وقِيلَ: عِصِيًّا لَهُمْ، وهَذِهِ كُلُّها تُقَلَّمُ، ورُوِيَ أنَّهم ألْقَوْا ذَلِكَ في نَهْرِ الأُرْدُنِّ، ورُوِيَ أنَّهم ألْقَوْهُ في عَيْنٍ. ورُوِيَ أنَّ قَلَمَ زَكَرِيّا صاعَدَ الجَرْيَةَ ومَضَتْ أقْلامُ الآخَرِينَ مَعَ الماءِ في جَرْيَتِهِ. ورُوِيَ أنَّ أقْلامَ القَوْمِ عامَتْ عَلى الماءِ مَعْرُوضَةً كَما تَفْعَلُ العِيدانُ وبَقِيَ قَلَمُ زَكَرِيّا مُرْتَزًّا واقِفًا كَأنَّما رُكِزَ في طِينٍ، فَكَفَّلَها زَكَرِيّا عَلَيْهِ السَلامُ بِهَذا الِاسْتِهامِ، وحَكى الطَبَرِيُّ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ أنَّها لَمّا تَرَعْرَعَتْ أصابَتْ بَنِي إسْرائِيلَ مَجاعَةٌ فَقالَ لَهم زَكَرِيّا: إنِّي قَدْ عَجَزْتُ عن إنْفاقِ مَرْيَمَ فاقْتَرِعُوا عَلى مَن يَكْفُلُها، فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ السَهْمُ عَلى رَجُلٍ يُقالُ لَهُ جُرَيْجٌ، فَجَعَلَ يُنْفِقُ عَلَيْها، وحِينَئِذٍ كانَ زَكَرِيّا يَدْخُلُ عَلَيْها المِحْرابَ عِنْدَ جُرَيْجٍ فَيَجِدُ عِنْدَها الرِزْقَ. وهَذا اسْتِهامٌ غَيْرُ الأوَّلِ، هَذا المُرادُ مِنهُ دَفْعُها، والأوَّلُ المُرادُ مِنهُ أخْذُها. ومُضَمَّنُ هَذِهِ الرِوايَةِ أنَّ زَكَرِيّا كَفَّلَها مِن (p-٢٠٤)لَدُنِ طُفُولَتِها دُونَ اسْتِهامٍ، لَكِنْ لِأنَّ أُمَّها هَلَكَتْ، وقَدْ كانَ أبُوها هَلَكَ وهي في بَطْنِ أُمِّها، فَضَمَّها زَكَرِيّا إلى نَفْسِهِ لِقَرابَتِها مِنِ امْرَأتِهِ، وهَكَذا قالَ ابْنُ إسْحاقَ. والَّذِي عَلَيْهِ الناسُ أنَّ زَكَرِيّا إنَّما كَفَّلَ بِالِاسْتِهامِ لِتَشاحِّهِمْ حِينَئِذٍ فِيمَن يَكْفُلُ المُحَرَّرَ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ: "وَكَفَلَها" - مَفْتُوحَةَ الفاءِ خَفِيفَةً "زَكَرِيّاءُ" مَرْفُوعًا مَمْدُودًا، وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: و"كَفَّلَها" - مُشَدَّدَةَ الفاءِ، "زَكَرِيّاءَ" مَمْدُودًا مَنصُوبًا في جَمِيعِ القُرْآنِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: و"كَفَّلَها" - مُشَدَّدَةَ الفاءِ مَفْتُوحَةً، "زَكَرِيّا" مَقْصُورًا في جَمِيعِ القُرْآنِ، وفي رِوايَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: و"أكْفَلَها زَكَرِيّاءَ" - بِفَتْحِ الفاءِ - عَلى التَعْدِيَةِ بِالهَمْزَةِ، وقَرَأ مُجاهِدٌ: "فَتَقَبَّلْها" - بِسُكُونِ اللامِ - عَلى الدُعاءِ "رَبَّها" بِنَصْبِ الباءِ عَلى النِداءِ و"أنْبِتْها" - بِكَسْرِ الباءِ - عَلى الدُعاءِ، و"كَفِّلْها" - بِكَسْرِ الفاءِ وشَدِّها - عَلى الدُعاءِ "زَكَرِيّاءَ" مَنصُوبًا مَمْدُودًا، ورُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، وأبِي عَبْدِ اللهِ المُزْنِيِّ، "وَكَفِلَها" - بِكَسْرِ الفاءِ خَفِيفَةً - وهي لُغَةٌ يُقالُ: كَفِلَ يَكْفُلُ- بِضَمِّ العَيْنِ في المُضارِعِ، وكَفِلَ-بِكَسْرِ العَيْنِ- يَكْفَلُ- بِفَتْحِها- في المُضارِعِ. "زَكَرِيّا": اسْمٌ أعْجَمِيٌّ يُمَدُّ ويُقْصَرُ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: لَمّا عُرِّبَ صادَفَ العَرَبِيَّةَ في بِنائِهِ فَهو كالهَيْجاءِ تُمَدُّ وتُقْصَرُ. قالَ الزَجّاجُ: فَأمّا تَرْكُ صَرْفِهِ فَلِأنَّ فِيهِ في المَدِّ ألِفَيْ تَأْنِيثٍ وفي القَصْرِ ألِفَ تَأْنِيثٍ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: ألِفُ زَكَرِيّا ألِفُ تَأْنِيثٍ ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ألِفَ إلْحاقٍ، لِأنَّهُ لَيْسَ في الأُصُولِ شَيْءٌ عَلى وزْنِهِ، ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُنْقَلِبَةً، ويُقالُ في لُغَةٍ: زَكَرِيٌّ مُنَوَّنٌ مُعَرَّبٌ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: هاتانِ ياءُ نَسَبٍ ولَوْ كانَتا اللَتَيْنِ في زَكَرِيّا لَوَجَبَ ألّا يَنْصَرِفَ الِاسْمُ لِلْعُجْمَةِ والتَعْرِيفِ، وإنَّما حُذِفَتْ تِلْكَ وجُلِبَتْ ياءُ النَسَبِ. وحَكى أبُو حاتِمٍ زَكَرِيُّ بِغَيْرِ صَرْفٍ وهو غَلَطٌ عِنْدَ النُحاةِ، ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ.
(p-٢٠٥)وَقَوْلُهُ تَعالى: "كُلَّما" ظَرْفٌ، والعامِلُ فِيهِ "وَجَدَ"، والمِحْرابُ: المَبْنى الحَسَنُ كالغُرَفِ والعَلالِيِّ ونَحْوِهِ، ومِحْرابُ القَصْرِ أشْرَفُ ما فِيهِ، ولِذَلِكَ قِيلَ لِأشْرَفِ ما في المُصَلّى - وهو مَوْقِفُ الإمامِ-: مِحْرابٌ، وقالَ الشاعِرُ:
؎ رَبَّةُ مِحْرابٍ إذا جِئْتُها ∗∗∗ لَمْ ألْقَها أو أرْتَقِي سُلَّما
ومِثْلُ قَوْلِ الآخَرِ:
؎ كَدُمى العاجِ في المَحارِيبِ أو كالـ ∗∗∗ ∗∗∗ بَيْضِ في الرَوْضِ زَهْرُهُ مُسْتَنِيرُ
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَدَ عِنْدَها رِزْقًا﴾ مَعْناهُ: طَعامًا تَتَغَذّى بِهِ ما لَمْ يَعْهَدْهُ ولا عَرَفَ كَيْفَ جُلِبَ إلَيْها، وكانَتْ- فِيما ذَكَرَ الرَبِيعُ- تَحْتَ سَبْعَةِ أبْوابٍ مُغْلَقَةٍ، وحَكى مَكِّيٌّ أنَّها كانَتْ في غُرْفَةٍ يُطْلَعُ إلَيْها بِسُلَّمٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وجَدَ عِنْدَها عِنَبًا في مِكْتَلٍ في غَيْرِ حِينِهِ، وقالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٌ، وقالَ الضَحّاكُ ومُجاهِدٌ أيْضًا وقَتادَةُ: كانَ يَجِدُ عِنْدَها فاكِهَةَ الشِتاءِ في الصَيْفِ، وفاكِهَةَ الصَيْفِ في الشِتاءِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ يَجِدُ عِنْدَها ثِمارَ الجَنَّةِ: فاكِهَةَ الصَيْفِ في الشِتاءِ وفاكِهَةَ الشِتاءِ في الصَيْفِ، وقالَ الحَسَنُ: كانَ يَجِدُ عِنْدَها رِزْقًا مِنَ السَماءِ لَيْسَ عِنْدَ الناسِ، ولَوْ أنَّهُ عَلِمَ أنَّ ذَلِكَ الرِزْقَ مِن عِنْدِهِ لَمْ يَسْألْها عنهُ؛ وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: هَذا الدُخُولُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها﴾ إنَّما هو دُخُولُ زَكَرِيّا عَلَيْها وهي في كَفالَةِ جُرَيْجٍ أخِيرًا، وذَلِكَ أنَّ جُرَيْجًا كانَ يَأْتِيها بِطَعامِها فَيُنَمِّيهِ اللهُ ويُكَثِّرُهُ، حَتّى إذا دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا عَجِبَ مِن كَثْرَتِهِ فَقالَ: ﴿يا مَرْيَمُ أنّى لَكِ هَذا﴾ والَّذِي عَلَيْهِ الناسُ أقْوى مِمّا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحاقَ.
وقَوْلُهُ "أنّى" مَعْناهُ: كَيْفَ؟ ومِن أيْنَ؟ وقَوْلُها: ﴿هُوَ مِن عِنْدِ اللهِ﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لَيْسَ مِن جَلْبِ بَشَرٍ، وهَكَذا تَلَقّى زَكَرِيّا المَعْنى، وإلّا فَلَيْسَ كانَ يَقْنَعُ بِهَذا الجَوابِ.
(p-٢٠٦)قالَ الزَجّاجُ: وهَذا مِنَ الآيَةِ الَّتِي قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْناها وابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١] ورُوِيَ أنَّها لَمْ تَلْقَمْ ثَدْيًا قَطُّ.
وقَوْلُها: ﴿إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ تَقْرِيرٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ الرِزْقِ مِن عِنْدِ اللهِ. وذَهَبَ الطَبَرِيُّ إلى أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن قَوْلِ مَرْيَمَ وأنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللهِ تَعالى لِمُحَمَّدٍ ﷺ، واللهُ تَعالى لا تَنْتَقِصُ خَزائِنُهُ، فَلَيْسَ يَحْسِبُ ما يَخْرُجُ مِنها، وقَدْ يُعَبَّرُ بِهَذِهِ العِبارَةِ عَنِ المُكْثِرِينَ مِنَ الناسِ أنَّهم يُنْفِقُونَ بِغَيْرِ حِسابٍ، وذَلِكَ مَجازٌ وتَشْبِيهٌ، والحَقِيقَةُ هي فِيما يَنْتَفِقُ مِن خَزائِنِ اللهِ تَعالى.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی وَضَعۡتُهَاۤ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَیۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّی سَمَّیۡتُهَا مَرۡیَمَ وَإِنِّیۤ أُعِیذُهَا بِكَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ ٱلرَّجِیمِ","فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنࣲ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنࣰا وَكَفَّلَهَا زَكَرِیَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ"],"ayah":"فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنࣲ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنࣰا وَكَفَّلَهَا زَكَرِیَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق