الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ التَّقَبلُ، والقَبُولُ، معناهما سواء، وهو: أن ترضى بالشيء، وتأخذه؛ ولهذا قال: ﴿بِقَبُولٍ﴾ ، ولم يقل: (بتَقَبُّلٍ)؛ لأن معناهما واحدٌ. قال الفراء [[لم أهتد إلى مصدر قوله.]]: والعرب قد تترك المصدر للفعل المذكور، وتأتي بمصدر آخر في معنى الأول، وإن اختلف بالزيادة والنقصان؛ كقولك: (تكلَّمْتُ كلاما). وهذا النوع يقال له المصدر على غير المصدر. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: 28]. والقَبُول: مصدر قولهم: (قَبِلَ فلانٌ الشيءَ): إذا رضِيَهُ. قال أبو عمرو بن العَلاء [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 241، وفي مادة (قبل) في "الصحاح" 5/ 1795، "تفسير الثعلبي" 3/ 40 ب، "اللسان" 11/ 540، ونصه كما في "الصحاح": (وحكى اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء: (القَبُول) بالفتح مصدر، ولم أسمع غيره.]]: وليس في المصادر (فَعُولٌ) بفتح الفاء، إلَّا هذا، قال: ولم أسمع فيه الضَّمَّ. وقال سيبويه [[في "الكتاب" 4/ 42 نقله عنه بالمعنى، وقد ذكرها سيبويه في باب ما جاء من المصادر على فعول، ونصه: (.. توضَّأت وَضُوءًا حسنًا، وأولِعْتُ به وَلُوعًا، وسمعنا من العرب من يقول: وَقَدَت النارُ وَقُودًا عاليًا، وقَبِلَه قَبولًا، والوُقُود أكثر، والوَقود: الحطب). وفي نسخة أخرى لـ"كتاب سيبويه" أشار إليها محققُ الكتاب في الهامش: (وتطهَّر طَهورًا حسنًا، وَأُولِعت وَلوعا).]]: خمسة [[في (د): (خمس).]] مصادر، جاءت على (فَعُول): (قَبُولٌ)، و (وَضُوءٌ) [[في (ج): (ووضو)، وفي (د): (ووصول).]]، و (طَهُورٌ)، و (وَلُوعٌ)، و (وَقُود)، إلاَّ أنَّ الأكثر في (وَقُود) [[في (ب): قود.]] إذا كان مصدراً [[في (د): مصدر.]] الضَّم. وأجاز الفرَّاء [[لم أهتد إلى مصدر قوله، وقد يكون في كتابه (المصادر) وهو مفقود.]]، والزجَّاج [[في "معاني القرآن وإعرابه" 1/ 401، قال: (ويجوز قُبولًا: إذا رضيته.).]] (قُبُولا) بالضَّمِّ. ثَعْلَب، عن ابن الأعرابي [[أورد قولَه الأزهري في "تهذيب اللغة" 9/ 169. وابن الأعرابي، هو: أبو عبد الله، محمد بن زياد. كوفيٌّ، تقدمت ترجمته.]]: يقال: قَبِلْتُهُ (قَبُولاً)، و (قُبُولاً) [[(وقبولًا): ساقطة من (ج).]]، و (على وجهِهِ قَبُولٌ)، لا غير [[هكذا جاءت (قَبول) بالفتح في مصدرها في "التهذيب" وكذا ضبطها في "لسان العرب" 6/ 3516 بالفتح، وفي "القاموس المحيط" (1045) (قبل) أجاز فيها الأمرين، قال: (والقَبُول، وقد يُضم: الحُسْنُ والشَّارَةُ)، وانظر: "التاج" == 15/ 595 (قبل). وأما (وَضوء) بالفتح، فقيل: الماء الذي يُتوضأ به، وقيل: هو المصدر، من: (توضأت للصلاة)، وقيل: إنَّ المصدر هو: (الوُضوء) بالضم. انظر: "معاني القرآن" للأخفش: 1/ 51، "اللسان" 8/ 4854 (وضأ). أما (طَهور) بالفتح، فقيل: هو الماء الطاهر، المُطَهِّر، وهو أعم من الطاهر، حيث إنَّ كل طَهور طاهر، وليس كل طاهر طَهور، وقيل إنَّ (طُهور) بالضم مصدر، بمعنى: التَّطَهُّر. انظر: "النهاية في غريب الحديث" 3/ 147، "اللسان" 5/ 2712 (طهر). أما (وَلُوع) بالفتح، فهي: العلاقة، وهو اسم أقيم مقام المصدر الحقيقي، يقال: (وَلعَ به وَلَعًا، و (وَلُوعا)، و (أولِعَ به إيلاعًا)، و (أوْلَعَه به): إذا أغراه، و (مُولَعٌ به): مُغْرًى به. انظر: "اللسان" 8/ 410. أما الـ (وَقود) بالفتح، فقيل: الحطب، والـ (وُقود) بالضم: المصدر. انظر: "معاني القرآن" للأخفش: 1/ 51، "اللسان" 8/ 4888.]]، قال الشاعر: قد يُجهدُ [[في (ج)، (د): (يحمد).]] المرء إنْ لم يُنل [[في (د): (يبل).]] ... بالبشر والوجه عليه القَبُول [[لم أهتد إلى قائله.]]. قال المفسِّرون [[انظر: "تفسير الطبري" 3/ 241، يرويه عن ابن جريج، وقال به، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 638، يرويه عن شرحبيل بن سعد، "تفسير الثعلبي" 3/ 40 ب، "النكت والعيون" 1/ 388، "تفسير البغوي" 2/ 31، "الدر المنثور" 2/ 35.]]: معنى قوله: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ أي: رَضِيَها مكان المُحَرَّرِ الذي نذَرتْه (حَنَّةُ)، ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى. وقال ابن عباس في رواية الضحَّاك: معناه: سَلَك بها طريقَ السُّعداء. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾. قال الزجَّاج [[في "معاني القرآن وإعرابه" له 1/ 403، نقله عنه بالنص.]]: جاء لفظُ [[(لفظ): ساقط من (د).]] ﴿نَبَاتًا﴾ على غير لفظِ (أَنْبَتَ)، على معنى: نبتت نباتاً حَسنَاً. وقال ابن الأنباري [[لم أقف على مصدره، وقد ورد في "زاد المسير" 1/ 377.]]: لمَّا كان (أَنْبَتَ) يدل على [نَبَتَت] [[ما بين المعقوفين مطموس في: (أ)، ومثبت من بقية النسخ.]] حمل [[في (ب): (عمل).]] الفعل على المعنى؛ كأنه قال: (وأنبتها، فَنبَتَتْ هي نباتاً حَسَناً)؛ كقول امريء القيس: [ورُضْتُ] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في: (أ)، وفي (ب): (ونبتت)، والمثبت من: (ج)، (د)؛ نظرًا لموافقتها "الديوان" وللسياق.]] فَذَلَّت [[في (د): (فدلت).]] صعبةً أيَّ إذْلالِ [[في (د): (إدلال). عجز بيت، وصدره: فَصِرْنا إلى الحسْنى ورَقَّ كلامُنا وهو في "ديوانه" 32، كما ورد في "المقتضب" 1/ 74، "معاني القرآن" للزجاج: 2/ 36 ولم ينسبه، "إعراب القرآن" للنحاس: 1/ 326، "تهذيب اللغة" 3/ 2875، "وليس في كلام العرب" لابن خالويه: 227، "المحتسب" 2/ 260، "والمخصص": 14/ 187، "زاد المسير" 1/ 378، "اللسان" 3/ 1775 (روض)، "شرح شواهد المغني" 1/ 341، "خزانة الأدب" 9/ 187. ورد في بعض المصادر: (.. فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ) بالضَمِّ. ومعنى (فَصِرنا): فَرَجعنا وانتقلنا، على أن (صار) هنا تامة. و (الحسْنى): قد تكون اسم مصدر، بمعنى: الإحسان، أو تكون صيغة مؤنث (أحسن)؛ أي: الحالة الحسنة. و (رَقَّ): لطُف. و (رُضْتُ)؛ أي: سَهلت وانقادت، فهي (ذلُول)، ويقال لتعدية الفعل: (ذلَّلْتها وأذْلَلْتها). و (صعبة)؛ أي: غير ذلول. والشاهد فيه: أنَّ (رُضت) تتضمن معنى: (أذللت)؛ ولذا جاء المصدر بعدها: (إذلالًا)؛ أي: أذلَلْت .. إذلالًا، وأقام (الإذلال) مقام (الرياضة). انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1319 (راض)، "اللسان" 3/ 1775 (روض)، "الخزانة" 9/ 187.]] أراد: أيَّ رياضة. فلمَّا دلَّ (رُضْتُ) على (أذْلَلْت) [[في (د): (دللت).]]، حمله [[في (ب): (جاء).]] على المعنى، وخلَّى [[في (أ)، (ب)، (د): (وخلا)، وفي (ج): (وحلى)، وما أثبَتُه يوافق القاعدة الإملائية؛ حيث إنه فعل يزيد على ثلاثة أحرف، ولم يكن قبل الألف ياءٌ، كما إنه يوافق ما جاء في نسخة (ج) وإن خلت الكلمة فيها من النقط. ومعنى (خلَّى الأمرَ): تركه. انظر: "اللسان" 2/ 1254 (خلا).]] اللفظَ. قال ابن عباس في رواية عطاء [[لم أهتد إلى مصدر هذه الرواية.]]، في قوله: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾؛ يريد: في صلاحٍ ومعرفةٍ بالله، وطاعةٍ له، وخدمةٍ للمسجد. وقال في رواية الضحَّاك [[الرواية في "تفسير الثعلبي" 3/ 41 أ، "تفسير البغوي" 1/ 31، وهذه الرواية من طريق جويبر بن سعيد، وسبق أنه ضعيف جدًا.]]: يعنى: سوَّى خَلْقَها من غير زيادة، ولا نقصان، فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام واحد. وقوله تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [[حديث المؤلف التالي عن هذا المقطع، بالنظر إلى قراءة من قرأ: (وَكَفَلَهَا) بتخفيف الفاء وفتحها، و ﴿زَكَرِيَّا﴾ بالمد والرفع. هي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر. وقد أثبتُّ رسم الآية كما جاء في جميع النسخ، وهي مطابقة لقراءة حفص عن عاصم. أما بقية قراءات "السبعة" فهي: قراءة عاصم في رواية أبي== بكر: (وكَفَّلَها) بتشديد الفاء، و ﴿زَكَرِيَّا﴾ ممدودة منصوبة، وكان يمدها في جميع القرآن. أما قراءة عاصم برواية حفص، وقراءة حمزة والكسائي، فهي: ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ بتشديد الفاء، و ﴿زَكَرِيَّا﴾ مقصورة في جميع القرآن. انظر: "السبعة" 204، "الحجة" للفارسي: 3/ 33، "حجة القراءات" لابن زنجلة: 161. "إعراب القرآن" المنسوب للزجاج: 3/ 869.]] أي: ضَمَّها [[في (ب): (ضمنها).]] إلى نَفْسِهِ وقام بأمرها. قال الزجَّاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 403.]]: ومعناه في هذا: ضَمِنَ القيامَ بأمرها، يقال [[من قوله: (يقال ..) إلى (.. وينفق عليه): نقله عن "تهذيب اللغة" للأزهري: 4/ 3166 (كفل)، وانظر: "اللسان" 7/ 3905 (كفل).]]: (كَفَلَ [[في "التهذيب" (كفل به).]]، يَكْفُلُ، كَفالة، وكَفْلاً) [[(وكفلا): غير موجودة في "التهذيب".]]، فهو كافِل؛ وهو: الذي قد كَفَلَ إنساناً يَعُولُه [[في (ب): (يقول من).]] ويُنفِقُ عليه. و ﴿زَكَرِيَّا﴾، رُفعَ بفعله [[على أن (زكرياءُ) هنا ممدودة مرفوعة، وهي فاعل لـ (كَفَلَ) المتعدي لمفعول واحد، بناء على قراءة من قرأ بالتخفيف فيها.]]، لأن الكفالة نُسِبت إليه. وفيه قراءتان: القَصر، والمَدُّ، وهما لغتان فيه، كقولهم: (الهَيْجاء)، و (الهَيْجا)، والألِفُ فيه أَلِفُ تأنيثٍ؛ ولهذا لا ينصرف في معرفة ولا نَكِرة؛ لأن (زكريا) [[في (ب)، (د) (زكريا).]]؛ بالمَدِّ، مثل: (حمراءَ)، و (سوداءَ) [[في (ج)، (د): (حمرا، وسودا).]]؛ وبالقصر، مثل: (حُبْلى) [[في (ب): (حتى). و (الحُبْلى): المرأة الحامل، وجمعها: (حَبَالى) و (حُبْلَيات). انظر: "القاموس" 1269 (حبل).]]، و (سَكْرى) [[يقال: (هي سَكِرَة، وسَكْرَى، وسَكْرانة) للمؤنث. انظر: "القاموس" 524 (سكر).]]، و (ذِفْرى) [[في (ب): (دفري). و (الذِفْرى)، هو: العظم الشاخص خلف الأذن. وهما ذِفريَان. والجمع: ذِفرَيات، وذَفارى. انظر: "خلق الإنسان" لابن أبي ثابت: 54، "القاموس" 396 (ذفر)، "المعجم الوسيط" 1/ 312 (ذفر).]] وهذا النوعُ لا ينصرفُ في مَعْرفة ولا نَكِرَة؛ لأن الاسم [[في (ج): (اللام).]] بُني على أَلِفِ التأنيث، وحقُّ التأنيثِ أن يكون داخلاً على لفظ المُذَكَّر؛ نحو: (قائم)، و (قائمةٌ)؛ فلما بُنِي الاسمُ على علامة التأنيث، ولَزِمَت [[في (ب): (لزمت).]] الاسمَ حتى صارت كبعض حروفه، صار كأن التأنيثَ قد تكرر فيه، فقامت العِلَّةُ مَقامَ العِّلَّتين [[يعني: قامت ألفُ التأنيث، مقامَ العلميةِ والعجمةِ في المنع من الصرف. انظر في علَّة منعها من الصرف "الحجة" للفارسي: 3/ 34، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 157، "البيان" للأنباري: 1/ 201.]]، فلم ينصرف [[في (د): (تنصرف).]] في النَّكرة والمعرفة. وقرأ حمزةُ والكسائيُ: (وكَفَّلَها) مشَدَّدا، ومصدره: التَّكْفِيلُ، والتَّكْفِلةُ [[لم أقف في معاجم اللغة التي رجعت إليها، على أنَّ (التكفلة) مصدر لـ (كَفَّل). وهي على خلاف القياس في مصدر (فَعَّلَ) الرباعي المضاعف العين؛ الصحيح اللام. وتأتي (تفْعِلَة) مصدرًا للرُّباعي المعتل اللام، المُضاعَف العين؛ مثل: (رضَّى تَرْضيَةً)، و (ورَّى تورِيَةً). وأشار الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد إلى مجيء (تفْعِلَة) مصدرًا لـ (فَعَّلَ) الصحيح اللام، وذلك في النادر، ومَثَّلَ لها بـ (قَدَّمَ== تَقْدِمَةً جَرَّبَ تَجْرِبَةً). انظر: "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل" مطبوع بهامش "شرح ابن عقيل": 3/ 128، "النحو الوافي" 3/ 198. وانظر (كفل) في "الصحاح" 5/ 1811، "اللسان" 7/ 3905 - 3906، "التاج" 15/ 658.]] و ﴿زَكَرِيَّا﴾ [[في (ج)، (د): (وزكريا).]] على هذه القراءة منصوب؛ لأنه المفعول الثاني للتَّكفيل، ومعناه: ضَمَّنها الله زكريا [[(أ)، (ب): (وزكريا)، والمثبت من: (ج)، (د)، وهو الصواب؛ لأنه لا وجه لحرف العطف هنا.]]، وضَمَّها إليه؛ وذلك أنَّ (حَنَّةَ) لمَّا ولدت مريمَ، أتت بها سَدنَةَ بيت المقدس، وقالت لهم: دونكم هذه النذيرة [[النذيرة هنا: الابن الذي يجعله أبواه قَيِّما أو خادمًا للكنيسة أو للمُتَعَبَّد؛ من ذكر أو أنثى. انظر: "اللسان" 7/ 4390 (نذر).]]. فتنافس فيها الأَحْبارُ [[الأحبار: جمعُ (حَبْر) أو (حِبْر)، وهو: واحد أحبار اليهود، وهو: العالم أو الرجل الصالح، وُيجمع كذلك على (حُبُور). انظر: "الصحاح" 2/ 620، "اللسان" 2/ 748 (حبر).]]، حتى اقترعوا عليها، فخرجت القُرعة لزكرياءَ [[في (ج): زكريا.]] عليه السلام. ونذكر ما فيه عند قوله: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ﴾ [آل عمران: 44]. فمعنى قوله: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [[في (ب)، (ج)، (د): (وكفلها زكريا).]]: أنَّ الله تعالى [[في (أ)، (ب) (إن شاء الله تعالى)، والمثبت من: (ج)، (د)؛ نظرًا لمناسبته لسياق الكلام، ولا وجه لما في (أ)، (ب).]] ضمَّها [[في (ب): (ضمنها).]] إلى زكريا [[في (د): (زكرياء).]] بالقُرْعَة التي قَرعها [[في (ب): اقترعها. ومعنى (قرعها): أصابته القرعةُ دونهم. يقال: (كانت له == القرعة): إذا قَرَع أصحابه، و (قارعه فَقَرَعَه، يَقرَعه): إذا أصابته القرعة دونه. "اللسان" 6/ 3596 (قرع)، وانظر: "المعجم الوسيط" 735 (قرع). وانظر القصة في "تفسير الطبري" 3/ 239 - 240، "وسنن البيهقي": 10/ 286، "الدر المنثور" 2/ 35.]]. وقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾. قال المفسرون [[من قوله: (قال ..) إلى (.. أي: ربة غرفة): نقله مع الاختصار والتصرف من "تفسير الثعلبي" 3/ 42 أ، وانظر: "تفسير البغوي" 2/ 31.]]: لمَّا ضمَّ زكريا مريمَ إلى نفسه، بنى لها مِحْرابا في المسجد، وبابه في وسطها، لا يُرقى إليها إلا بسُلَّم، ولا يَصعَد إليها غيره. و (المِحْرابُ) في اللغة: أشرف المجالس. وكانت محاريب بني إسرائيل مساجدَهم [[قوله: (وكانت محاريب بني إسرائيل مساجدهم): ليسست عند الثعلبي، وإنما هي في "تهذيب اللغة" 1/ 772.]]. و (المِحْراب): الغُرْفَة أيضاً، قال عمر [[في (د): (عمرو).]] بن أبي ربيعة [[هو: أبو الخطاب، عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المُغِيري المخزومي تقدمت ترجمته.]]: رَبَّةُ مِحْرابٍ إذا جِئْتها ... لم أَدْنُ حتى أرْتَقي سُلَّما [[البيت ليس لعمر بن أبي ربيعة، ولم أقف عليه في "ديوانه" وإنما نسبته المصادر لوضَّاح اليمن، والمؤلف تبع الثعلبي في نسبته لعمر. وقد ورد منسوبًا لوضَّاح، في "مجاز القرآن" 2/ 144، 180، "جمهرة اللغة" 276 (حرب)، "الصحاح" 1/ 109 (حرب)، "والأغاني" (نسخة مصورة من طبعة دار الكتب مصر): 6/ 237، "تفسير القرطبي" 4/ 71، "اللسان" 2/ 817 (حرب). كما ورد غير منسوب، في "معاني القرآن" للزجاج: 1/ 403، 4/ 325،== "الاشتقاق" لابن دريد: 75، "الزاهر" 1/ 541، "التهذيب" 1/ 772، "مقاييس اللغة" 2/ 49. وهذه الرواية للبيت وردت في: الجمهرة، "الزاهر" "تفسير الثعلبي" وورد في بقية المصادر: (... لم ألقها أو أرتقى سلما).]]. أي: رَبَّة غُرفةٍ. وقال الأصمعي [[نقل المؤلف قوله باختصار عن "الزاهر" 1/ 541. كما ورد هذا القول عن الأصمعي في: الاشتقاق: 75، قال: (وقال أبو حاتم وعبد الرحمن، عن الأصمعي) وذكره.]]: (المِحْراب): الغُرْفة؛ ألا تراه يقول: ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [سورة ص: 21]. وقال الزجاج [[في "معاني القرآن" له 4/ 325.]]: (المحراب): أرفع بيت في الدار، وأرفع مكان في المسجد، قال: و (المحراب) ههنا كالغرفة، وأنشد بيت عمر [[قوله: (وأنشد بيت عمر) ساقط من (د).]]. وقال أبو عبيدة [[في قوله: (وقال أبو عبيدة ..) إلى (.. أراد بالمحاريب القصور) نقله بنصه عن "الزاهر" 1/ 540. أما قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 91 عن المحاريب، فنصه: (سيد المجالس، ومقدمها وأشرفها، وكذلك هو من المساجد)، وفي 2/ 144، 180 ورد عنه هذا المعنى بألفاظ مختلفة قليلًا، أما بقية الكلام فهو من قول ابن الأنباري.]]: (المحراب) عند العرب سيِّدُ المجالس، ومُقَدَّمُها، وأشرفها، وإنما قيل للقبلة: محرابٌ؛ لأنها أشرف موضع في المسجد. ويقال للقصر محرابٌ؛ لأنه سيِّد المنازل [[في "الزاهر" (أشرف المنازل).]]. قال امرؤ [[في (أ): (امرئ)، والمثبت من بقة النسخ.]] القيس: كغزلان وَحْشٍ في محاريبِ أَقْوال [[عجز بيت، وصدره: == وماذا عليه أنْ ذكرتُ أوانسًا وقد ورد البيت في "ديوانه": 34، "مجاز القرآن" 2/ 180، حيث ورد في هامش إحدى نسخ المجاز، كما أشار إلى ذلك المحقق، وفي "الزاهر": 1/ 540، "اللسان" 2/ 817 (حرب). وورد غير منسوب في "تهذيب اللغة" 1/ 772، "والمخصص": 3/ 135، "البحر المحيط" 3/ 249. وورد في كل المصادر السابقة: (كغزلان رَمْلٍ ..)، وورد في الديوان، وبعض المصادر: (.. محاريب أقيال)، وفي "الزاهر" (وماذا عليه أن أروضَ نجائبًا ..). و (الأقوال) و (الأقيال): ملوك اليمن، وقيل: هم مَنْ دون الملك الأعظم. ومفردها: (قَيْل). انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2859 (قال). وقوله: (كغزلان وَحشٍ)، الوَحشُ: حيوان البَرِّ؛ مثل: حمارُ وَحشٍ، وحمارٌ وحشِيٌّ. انظر: "القاموس" 609 (وحش).]] أراد بـ (المحاريب): القصور [[انظر معاني الـ (محراب) السابقة، في: مادة (حرب)، في "التهذيب" 1/ 772، "الصحاح" 1/ 108، "اللسان" 2/ 817.]]. قال ابن عباس في رواية عطاء [[لم أقف على مصدر هذه الرواية.]]: صارت عنده لها غرفة تصعد إليها تصلي فيها الليل والنهار. وقوله تعالى: ﴿وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا﴾. قال [[من قوله: (قال ..) إلى (.. غرفتها، وجد عندها رزقًا): ساقط من: (ج)، (د).]] ابن عباس [[قوله، في "تفسير الطبري" 3/ 244، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 229، "المحرر الوجيز" 3/ 94، "زاد المسير" لابن الجوزي 1/ 380. قال ابن الجوزي: (وهذا قول الجماعة).]]، والربيع [[قوله، في "تفسير الطبري" 3/ 245، "تفسير الثعلبي" 3/ 42 ب. وهو قول مجاهد، وعكرمة، وابن جبير، وأبي الشعثاء، والنخعي، والضحاك، وقتادة، وعطيَّة العوفي، والسُّدِّي. انظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 386.]]: كان زكريَّا كلما دخل عليها غرفتها وجد عندها رزقاً؛ أي: فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، تأتيها به الملائكة من الجَنَّةِ. قال محمد بن إسحاق [[قوله، في "تفسير الثعلبي" 3/ 42 أ.]]: كان هذا كله، بعد أن بلغت مريمُ مبلغ النساء. وقال الحَسَنُ [[لم أقف على مصدر قوله. وقد ورد في "تفسير البغوي" 2/ 32، وفيه: (قال أبو الحسن)، وهو خطأ، والصواب: الحسن. كما ورد في "زاد المسير" 1/ 380.]]: كان هذا في صغرها، ولم ترضع ثدياً قط، بل [[(بل): ساقطة من (د).]] كان يأتيها رزقها من الجَنَّة، وتكلَّمت وهي صغيرة، حين أجابت زكريا بقولها: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [[انظر حول الذين تكلموا في المهد صغارًا: "مصنف ابن أبي شيبة": 6/ 342 (31864)، "المستدرك" للحاكم 2/ 595، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 652، "القرطبي" 4/ 91، "البحر المحيط" 2/ 442 - 443، "روح المعاني" 3/ 140.]]. قال أبو إسحاق [[في "معاني القرآن" له 1/ 403، نقله عنه بنصه.]]: ونصب ﴿كُلَّمَا﴾ بقوله: ﴿وَجَدَ﴾ [[لأن (كلَّ) عندما تضاف إلى (ما) المصدرية الظرفية، تصبح ظرفًا متضمنًا معنى الشرط، ويكون لها فعل وجواب، وتتعلق بجوابها، وتنتصب به، وجوابها هنا (وَجَدَ). أمَّا (ما) فهي حرف مصدري ظرفي، مبني على السكون، لا محل لها من الإعراب.]]؛ أي: يَجِدُ عندها الرزقَ في كل وقت يدخل عليها المحرابَ، فيكون (ما) مع (دَخَلَ)، بمنزلة: الدخول [[لأن (ما) وما بعدها تُؤَؤَّل بمصدر، وهو هنا: الدخول.]]، أي: في كل وقت دخول [[انظر في إعرابها "مشكل إعراب القرآن" 1/ 157، "التبيان" للعكبري ص 34، "الفريد" للهمداني 1/ 566.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾. قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر هذه الرواية عنه.]]: يريد: من أين لك هذا؟ وانما سألها؛ لأنه خاف أن يأتيها الرزقُ من غير جهته، فتبيَّن أنه من عند الله، لا من عند الناس [[ممن قال بأن (أنَّى) بمعنى (أين): أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 91، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص 99. بينما يرى الإمام الطبري في تفسيره: 1/ 397 - 398: أنَّ هناك اختلافًا بين (أنى) و (أين) و (كيف)، ويرى أنه نظرا لتقارب معنى (أنَّى) من هذه الحروف فقد تداخلت معانيها وحصل اللَّبْسُ، فتُؤُؤِّلت بـ (أين) و (كيف) و (متى) مع مخالفة معناها لهذه الحروف، ومخالفة هذه الحروف لها، ويرى أنَّ (أين) سؤال عن الأماكن، و (كيف) سؤال عن الأحوال، أمَّا (أنَّى) فهي سؤال عن المذاهب والوجوه، وقد بيَّن الطبري هذا الأمر بإسهاب مستدلًّا عليه بأمثلة من القرآن وشعر العرب. وبهذا قال النحاس كذلك، رادًا على أبي عبيدة في "معاني القرآن" 1/ 389. وانظر حول هذا الموضوع: "إعراب الحديث النبوي" للعكبري: 96، "البحر المحيط" 2/ 443، "الدر المصون" 2/ 423.]]. وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. قد فَسَّرنا هذا في موضعين: من [[في (د): (في).]] سورة البقرة، ومن هذه السورة [[عند آية: 27.]]. وهذا يحتمل أن يكون من كلام مريمَ، ويحتمل أنَّه على [[في (ب): (أن يكون على).]] الابتداء، والأَوْلى به الاستئناف [[وبه قال الطبري في "تفسيره" 3/ 247.]]؛ لأنه ليست [[في (ج): (ليس).]] من معنى الجواب عمَّا سئلت في شيء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب