الباحث القرآني
(p-٢٨٠)وَ "المُتَرَدِّيَةُ": الواقِعَةُ مِن جَبَلٍ أوْ حائِطٍ، أوْ في بِئْرٍ، يُقالُ: تَرَدّى: إذا سَقَطَ.
وَ "النَّطِيحَةُ": الَّتِي تَنْطَحُها شاةٌ أُخْرى، أوْ بَقَرَةٌ، "فَعَيْلَةٌ" في مَعْنى "مَفْعُولَةٍ" ﴿وَما أكَلَ السَّبُعُ﴾ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو رَزِينٍ، وأبُو مِجْلَزٍ، وابْنُ أبِي لَيْلى: السَّبْعُ: بِسُكُونِ الباءِ. والمُرادُ: ما افْتَرَسَهُ فَأكَلَ بَعْضَهُ ﴿إلا ما ذَكَّيْتُمْ﴾ أيْ: إلّا ما لَحِقْتُمْ مِن هَذا كُلِّهِ، وبِهِ حَياةٌ، فَذَبَحْتُمُوهُ.
فَأمّا الِاسْتِثْناءُ فَفِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ يَرْجِعُ إلى المَذْكُورِ مِن عِنْدِ قَوْلِهِ: ﴿والمُنْخَنِقَةُ﴾
والثّانِي: أنَّهُ يَرْجِعُ إلى ما أكَلَ السَّبُعُ خاصَّةً، والعُلَماءُ عَلى الأوَّلِ.
* فَصْلٌ في الذَّكاةِ
قالَ الزَّجّاجُ: أصْلُ الذَّكاةِ في اللُّغَةِ: تَمامُ الشَّيْءِ، فَمِنهُ الذَّكاءُ في السِّنِّ، وهو تَمامُ السِّنِّ. قالَ الخَلِيلُ: الذَّكاءُ: أنْ تَأْتِيَ عَلى قُرُوحِهِ سَنَةٌ، وذَلِكَ تَمامُ اسْتِكْمالِ القُوَّةِ، ومِنهُ الذَّكاءُ في الفَهْمِ، وهو أنْ يَكُونَ فَهْمًا تامًّا، سَرِيعَ القَبُولِ. وذَكَيْتُ النّارَ، أيْ: أتْمَمْتُ إشْعالَها. وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ أنَّهم قالُوا: ما أدْرَكْتَ ذَكاتَهُ بِأنْ تُوجَدَ لَهُ عَيْنٌ تَطْرِفُ، أوْ ذَنَبٌ يَتَحَرَّكُ، فَأكْلُهُ حَلالٌ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: ومَذْهَبُ أصْحابِنا أنَّهُ إنْ كانَ يَعِيشُ مَعَ ما بِهِ، حَلَّ بِالذَّبْحِ، فَإنْ كانَ لا يَعِيشُ مَعَ ما بِهِ، نَظَرْتَ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ حَياتُهُ مُسْتَقِرَّةً، وإنَّما حَرَكَتُهُ حَرَكَةُ المَذْبُوحِ، مِثْلَ أنْ شُقَّ جَوْفُهُ، وأُبِيَنَتْ حَشَوْتُهُ، فانْفَصَلَتْ عَنْهُ، لَمْ يَحِلَّ أكْلُهُ، وإنْ كانَتْ حَياتُهُ مُسْتَقِرَّةً يَعِيشُ اليَوْمَ واليَوْمَيْنِ، مِثْلَ أنْ يُشَقَّ جَوْفُهُ، ولَمْ تُقْطَعِ الأمْعاءُ، حَلَّ أكْلُهُ. ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ: إذا كانَتْ فِيهِ حَياةٌ في الجُمْلَةِ أُبِيحُ بِالذَّكاةِ، والصَّحِيحُ ما ذَكَرْنا، لِأنَّهُ إذا لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَياةٌ (p-٢٨١)مُسْتَقِرَّةٌ، فَهو في حُكْمِ المَيِّتِ. ألا تَرى أنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ حَشْوَةَ آدَمِيٍّ، ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ، فالأوَّلُ هو القاتِلُ، لَأنَّ الحَياةَ لا تَبْقى مَعَ الفِعْلِ الأوَّلِ.
وَفِي ما يَجِبُ قَطْعُهُ في الذَّكاةِ رِوايَتانِ.
إحْداهُما: أنَّهُ الحُلْقُومُ والمَرِيءُ، والعِرْقانِ اللَّذانِ بَيْنَهُما الحُلْقُومُ والمَرِيءُ، فَإنْ نَقْصَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا، لَمْ يُؤْكَلْ، هَذا ظاهِرُ كَلامِ أحْمَدَ في رِوايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. (p-٢٨٢)والثّانِيَةُ: يُجْزِئُ قَطْعُ الحُلْقُومِ والمَرِيءِ، وهو ظاهِرُ كَلامِهِ في رِوايَةِ حَنْبَلَ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ قَطْعُ الحُلْقُومِ والمَرِيءِ وأحَدِ الوَدَجَيْنِ. وقالَ مالِكٌ: يُجْزِئُ قَطْعُ الأوْداجِ، وإنْ لَمْ يُقْطَعِ الحُلْقُومَ. وقالَ الزَّجّاجُ: الحُلْقُومُ بَعْدَ الفَمِ، وهو مَوْضِعُ النَّفَسِ، وفِيهِ شُعَبٌ تَتَشَعَّبُ مِنهُ في الرِّئَةِ. والمَرِيءُ: مَجْرى الطَّعامِ، والوَدَجانِ: عِرْقانِ يَقْطَعُهُما الذّابِحُ.
فَأمّا الآلَةُ الَّتِي تَجُوزُ بِها الذَّكاةُ، فَهي كُلُّ ما أنْهَرَ الدَّمَ، وفَرى الأوْداجَ سِوى (p-٢٨٣)السِّنِّ والظُّفْرِ، سَواءٌ كانا مَنزُوعَيْنِ، أوْ غَيْرَ مَنزُوعَيْنِ. وأجازَ أبُو حَنِيفَةَ الذَّكاةَ بِالمَنزُوعَيْنِ. فَأمّا البَعِيرُ إذا تَوَحَّشَ، أوْ تَرَدّى في بِئْرٍ، فَهو بِمَنزِلَةِ الصَّيْدِ ذَكاتُهُ عَقْرُهُ. وقالَ مالِكٌ: ذَكاتُهُ ذَكاةُ المَقْدُورِ عَلَيْهِ. فَإنْ رَمى صَيْدًا، فَأبانَ بَعْضَهُ، وفِيهِ حَياةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَذَكّاهُ، أوْ تَرَكَهُ حَتّى ماتَ جازَ أكْلُهُ، وفي أكْلِ ما بانَ مِنهُ رِوايَتانِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ﴾ في النُّصُبِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها أصْنامٌ تُنْصَبُ، فَتُعْبَدُ مِن دُونِ اللَّهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والفَرّاءُ، والزَّجّاجُ، فَعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ المَعْنى، وما ذُبِحَ عَلى اسْمِ النُّصُبِ، وقِيلَ: لِأجْلِها، فَتَكُونُ "عَلى" بِمَعْنى: "اللّامِ"، وهُما يَتَعاقَبانِ في الكَلامِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَسَلامٌ لَكَ﴾ [الواقِعَةِ: ٩١] أيْ: عَلَيْكَ، وقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ أسَأْتُمْ فَلَها﴾ [الإسْراءِ: ٧] .
(p-٢٨٤)والثّانِي: أنَّها حِجارَةٌ كانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْها، ويُشَرِّحُونَ اللَّحْمَ عَلَيْها ويُعَظِّمُونَها، وهو قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ. وقَرَأ الحَسَنُ، وخارِجَةُ، عَنْ أبِي عَمْرٍو: عَلى النَّصْبِ، بِفَتْحِ النُّونِ، وسُكُونِ الصّادِ، قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقالُ: نُصُبٌ ونُصْبٌ ونَصْبٌ، وجَمْعُهُ أنْصابٌ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ﴾ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: وأنْ تَطْلُبُوا عِلْمَ ما قُسِمَ لَكم، أوْ لَمْ يُقْسَمْ بِالأزْلامِ، وهو اسْتَفْعَلْتُ مِنَ القَسْمِ [قَسْمِ الرِّزْقِ والحاجاتِ] . قالابْنُ قُتَيْبَةَ: الأزْلامُ: القِداحُ، واحِدُها: زَلَمٌ وزُلَمٌ. والِاسْتِقْسامُ بِها: أنْ يُضْرَبَ [بِها] فَيُعْمَلَ بِما يَخْرُجُ فِيها مِن أمْرٍ أوْ نَهْيٍ، فَكانُوا إذا أرادُوا أنْ يَقْتَسِمُوا شَيْئًا بَيْنَهم، فَأحَبُّوا أنْ يَعْرِفُوا قِسْمَ كُلِّ امْرِئٍ تَعَرَّفُوا ذَلِكَ مِنها، فَأُخِذَ الِاسْتِقْسامُ مِنَ القِسْمِ وهو النَّصِيبُ. قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الأزْلامُ: حَصًى بِيضٌ، كانُوا إذا أرادُوا غُدُوًّا، أوْ رَواحًا، كَتَبُوا في قَدَحَيْنِ، في أحَدِهِما: أمَرَنِي رَبِّي، وفي الآخَرِ: نَهانِي رَبِّي، ثُمَّ يَضْرِبُونَ بِهِما، فَأيُّهُما خَرَجَ، عَمِلُوا بِهِ. وقالَ مُجاهِدٌ: الأزْلامُ: سِهامُ العَرَبِ، وكِعابُ فارِسٍ الَّتِي يَتَقامَرُونَ بِها. وقالَ السُّدِّيُّ: كانَتِ الأزْلامُ تَكُونُ عِنْدَ الكَهَنَةِ. وقالَ مُقاتِلٌ: في بَيْتِ الأصْنامِ. وقالَ قَوْمٌ: كانَتْ عِنْدَ سَدَنَةِ الكَعْبَةِ. قالَ الزَّجّاجُ: ولا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وبَيْنَ قَوْلِ المُنَجِّمِينَ: لا تَخْرُجْ مِن أجْلِ نَجْمِ كَذا، أوِ اخْرُجْ مِن أجْلِ نَجْمِ كَذا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكم فِسْقٌ﴾ في المُشارِ إلَيْهِ بِذَلِكم قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ جَمِيعُ ما ذَكَرَ في الآيَةِ، رَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
(p-٢٨٥)والثّانِي: أنَّهُ الِاسْتِقْسامُ بِالأزْلامِ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والفِسْقُ: الخُرُوجُ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ إلى مَعْصِيَتِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾ في هَذا اليَوْمِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ اليَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ في حَجَّةِ الوَداعِ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: نَزَلَتْ ذَلِكَ اليَوْمَ.
والثّانِي: أنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ.
والثّالِثُ: أنَّهُ لَمْ يُرِدْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ، وإنَّما المَعْنى: الآنَ يَئِسُوا كَما تَقُولُ: أنا اليَوْمَ قَدْ كَبِرْتُ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: العَرَبُ تُوقِعُ اليَوْمَ عَلى الزَّمانِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلى السّاعاتِ واللَّيالِي، فَيَقُولُونَ: قَدْ كُنْتُ في غَفْلَةٍ، فاليَوْمَ اسْتَيْقَظْتُ، يُرِيدُونَ: فالآنَ، ويَقُولُونَ: كانَ فُلانٌ يَزُورُنا، وهو اليَوْمَ يَجْفُونا، ولا يَقْصِدُونَ بِاليَوْمِ قَصْدَ يَوْمٍ واحِدٍ. قالَ الشّاعِرُ:(p-٢٨٦)
؎ فَيَوْمٌ عَلَيْنا ويَوْمٌ لَنا ويَوْمٌ نُساءُ ويَوْمٌ نَسَرُّ
أرادَ: فَزَمانٌ لَنا، وزَمانٌ عَلَيْنا، ولَمْ يَقْصِدْ لِيَوْمٍ واحِدٍ لا يَنْضَمُّ إلَيْهِ غَيْرُهُ.
وَفِي مَعْنى يَأْسِهِمْ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهم يَئِسُوا أنْ يَرْجِعَ المُؤْمِنُونَ إلى دِينِ المُشْرِكِينَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُّدِّيُّ.
والثّانِي: يَئِسُوا مِن بُطْلانِ الإسْلامِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وإنَّما يَئِسُوا مِن إبْطالِ دِينِهِمْ لَمّا نَقَلَ اللَّهُ خَوْفَ المُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ، وأمْنَهم إلى المُسْلِمِينَ، فَعَلِمُوا أنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلى إبْطالِ دِينِهِمْ، ولا عَلى اسْتِئْصالِهِمْ، وإنَّما قاتَلُوهم بَعْدَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنهم أنَّ كُفْرَهم يَبْقى.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ﴾ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لا تَخْشَوْهم أنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكم، وقالَ ابْنُ السّائِبِ: لا تَخْشَوْهم أنْ يَظْهَرُوا عَلى دِينِكم، واخْشَوْنِي في مُخالَفَةِ أمْرِي.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ رَوى البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ في "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ طارِقِ بْنِ شِهابٍ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إلى عُمَرَ فَقالَ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنَّكم تَقْرَؤُونَ آيَةً مِن كِتابِكم لَوْ عَلَيْنا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاتَّخَذْنا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قالَ: وأيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قالَ: قَوْلُهُ: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكم وأتْمَمْتُ عَلَيْكم نِعْمَتِي﴾ فَقالَ عُمَرُ: إنِّي لِأعْلَمَ اليَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ، والسّاعَةَ (p-٢٨٧)الَّتِي نَزَلَتْ فِيها، والمَكانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ وهو قائِمٌ بِعَرَفَةَ في يَوْمِ جُمُعَةٍ، وفي لَفْظٍ "نَزَلَتْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ"» قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عاشَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ أحَدًا وثَمانِينَ يَوْمًا.
فَأمّا قَوْلُهُ "اليَوْمَ" فَفِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ.
والثّانِي: أنَّهُ لَيْسَ بِيَوْمٍ مُعَيَّنٍ، رَواهُ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَدْ ذَكَرْنا هَذا آنِفًا. وفي مَعْنى إكْمالِ الدِّينِ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ إكْمالُ فَرائِضِهِ وحُدُودِهِ، ولَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ تَحْلِيلٌ ولا تَحْرِيمٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُّدِّيُّ، فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم شَرائِعَ دِينِكم.
والثّانِي: أنَّهُ بِنَفْيِ المُشْرِكِينَ عَنِ البَيْتِ، فَلَمْ يَحُجَّ مَعَهم مُشْرِكٌ عامَئِذٍ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ. وقالَ الشَّعْبِيُّ: كَمالُ الدِّينِ هاهُنا: عِزُّهُ وظُهُورُهُ، وذُلُّ الشِّرْكِ ودُرُوسُهُ، لا تَكامُلُ الفَرائِضِ والسُّنَنِ، لِأنَّها لَمْ تَزَلْ تَنْزِلُ إلى أنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم نَصْرَ دِينِكم.
(p-٢٨٨)والثّالِثُ: أنَّهُ رَفْعُ النَّسْخِ عَنْهُ. وأمّا الفَرائِضُ فَلَمْ تَزَلْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ حَتّى قُبِضَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أيْضًا.
والرّابِعُ: أنَّهُ زَوالُ الخَوْفِ مِنَ العَدُوِّ، والظُّهُورُ عَلَيْهِمْ، قالَهُ الزَّجّاجُ.
والخامِسُ: أنَّهُ أمَّنَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ مِن أنْ تُنْسَخَ بِأُخْرى بَعْدَها، كَما نَسَخَ بِها ما تَقَدَّمَها. وفي إتْمامِ النِّعْمَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: مَنعُ المُشْرِكِينَ مِنَ الحَجِّ مَعَهم، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: الهِدايَةُ إلى الإيمانِ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والثّالِثُ: الإظْهارُ عَلى العَدُوِّ، قالَهُ السُّدِّيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ أيْ: دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلى أكْلِ ما حَرُمَ عَلَيْهِ. ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ أيْ: مَجاعَةٍ، و "الخَمْصُ": الجُوعُ، قالَ الشّاعِرُ يَذُمُّ رَجُلًا:
؎ يَرى الخَمْصَ تَعْذِيبًا وإنْ يَلْقَ شَبْعَةً ∗∗∗ يَبِتْ قَلْبُهُ مِن قِلَّةِ الهَمِّ مُبْهَمًا
وَهَذا الكَلامُ يَرْجِعُ إلى المُحَرَّماتِ المُتَقَدِّمَةِ مِنَ المَيْتَةِ والدَّمِ، وما ذُكِرَ مَعَهُما.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿غَيْرَ مُتَجانِفٍ لإثْمٍ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: غَيْرَ مائِلٍ إلى ذَلِكَ، و "الجَنَفُ": المَيْلُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ: غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإثْمٍ.
وَفِي مَعْنى "تَجانُفِ الإثْمِ" قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنْ يَتَناوَلَ مِنهُ بَعْدَ زَوالِ الضَّرُورَةِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في آخَرِينَ.
(p-٢٨٩)والثّانِي: أنْ يَتَعَرَّضَ لِمَعْصِيَةٍ في مَقْصِدِهِ، قالَهُ قَتادَةُ. وقالَ مُجاهِدٌ: مَن بَغى وخَرَجَ في مَعْصِيَةٍ، حَرُمَ عَلَيْهِ أكْلُهُ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: وهَذا أصَحُّ مِنَ القَوْلِ الأوَّلِ، لِأنَّ الآيَةَ تَقْتَضِي اجْتِماعَ تَجانُفِ الإثْمِ مَعَ الِاضْطِرارِ، وذَلِكَ إنَّما يَصِحُّ في سَفَرِ العاصِي، ولا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلى تَناوُلِ الزِّيادَةِ عَلى سَدِّ الرَّمَقِ، لِأنَّ الِاضْطِرارَ قَدْ زالَ. قالَ أبُو سُلَيْمانَ: ومَعْنى الآيَةِ: فَمَنِ اضْطُرَّ فَأكَلَهُ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإثْمٍ، فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ، أيْ: مُتَجاوِزٌ عَنْهُ، رَحِيمٌ إذْ أحَلَّ ذَلِكَ لِلْمُضْطَرِّ.
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّیَةُ وَٱلنَّطِیحَةُ وَمَاۤ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّیۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَ ٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡیَوۡمَ یَىِٕسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن دِینِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِی مَخۡمَصَةٍ غَیۡرَ مُتَجَانِفࣲ لِّإِثۡمࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق