الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ والمُنْخَنِقَةُ والمَوْقُوذَةُ والمُتَرَدِّيَةُ والنَّطِيحَةُ وما أكَلَ السَّبُعُ إلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وما ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ وأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ألْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِ اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لإثْمٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: ٣].
في هذه الآيةِ: تفصيلُ ما حرَّم اللهُ مِن بهيمةِ الأنعامِ الذي ذكَرَهُ في أولِ السورةِ: ﴿إلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١]، فذكَرَ اللهُ تفصيلَ المحرَّماتِ هنا، وذكَرَ جملةً مِن أوصافٍ حتى لا تَلتبِسَ بغيرِها، وفيما بينَ بعضِ هذه الأوصافِ عمومٌ وخصوصٌ، وبينَ بعضِها اختلافٌ وتبايُنٌ:
فيدخُلُ في وصفِ المَيْتَةِ: المُنْخَنِقَةُ والمَوْقُوذَةُ والمُتَرَدِّيَةُ والنَّطِيحَةُ وما أكَلَ السَّبُعُ، وتتبايَنُ: فالمترديةُ غيرُ المُنخنِقةِ والنَّطيحةِ والمَوْقوذةِ، والمَيْتَةُ أعمُّ هذه الأوصافِ، وكذلك: فإنّ ما أكَلَ السَّبُعُ قد يكونُ بخَنْقِهِ أو بجَرْحِه، وما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ به أعَمُّ ممّا ذُبِحَ على النُّصُبِ، فقد يُهَلُّ به لغيرِ اللهِ ويكونُ على غيرِ نُصُبٍ، فالذَّبْحُ على النُّصُبِ أخَصُّ، فالآيةُ عَمَّمَتْ وخَصَّصَتْ، للتوضيحِ والبيانِ وإزالةِ الإشكالِ، حتى لا يُظَنَّ أنّ العمومَ يُخرِجُ بعضَ الخاصِّ، أو أنّ الخاصَّ لا يُقاسُ عليه نظيرُهُ، ثمَّ إنّ اللهَ ذكَرَ أوصافًا معروفةً لدى العربِ فخَصَّها بالذِّكْرِ وإنْ دخَلَتْ في عمومِ المَيْتَةِ، دفعًا لتوهُّمِ عدمِ دخولِها، وإقامةً للحُجَّةِ، وقطعًا للأعذارِ.
المحرَّمُ مِن الأنعامِ:
وجِماعُ ما ذكَرَهُ اللهُ مِن أوصافٍ للمحرَّماتِ في هذه الآياتِ مِن المطعومِ عَشَرةُ أوصافٍ، وتقدَّمَ الكلامُ في سورةِ البقرةِ على أربعةٍ منها: المَيْتَةُ، والدمُ، ولحمُ الخِنْزيرِ، وما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ به، عندَ قولِهِ تعالى: ﴿إنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ ولَحْمَ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، وجِماعُ المحرَّماتِ في هذه الآيةِ:
الأولُ: المَيْتَةُ: وهي ما مات حَتْفَ أنفِهِ بلا ذَبْحِ ذابحٍ ولا جَرْحِ صائد، فماتتْ وحُبِسَ دمُها فيها، فإنّ الدمَ لم يُهرَقْ منها وبَقِيَ في لحمِها فاسدًا، يحرُمُ أكلُهُ ولو طُبِخَ، ففسادُ الدمِ لِذاتِهِ لا ترتفعُ بالطبخِ، كفسادِ لحمِ الخِنزيرِ ودمِهِ لا ترتفعُ بالطبخِ.
وتحريمُ المَيْتةِ والدمِ كان أولَ الإسلامِ، وفيه تحريمُ الفروعِ وبيانُها عندَ بيانِ الأصولِ لمَن لا يعملُ بها، ففي حديثِ أبي سُفْيانَ: أنّه قالَ لهِرَقْلَ مَلِكِ الرومِ: «نَهانا عن المَيْتَةِ والدمِ»[[«المستخرج» لأبي عوانة (٦٧٣٣).]].
ولكنْ لم يكنِ النبيُّ ﷺ يُكْثِرُ مِن تقريرِ ما حرَّمَ اللهُ مِن الفروعِ للمُشرِكينَ، إلاَّ في مسائلَ قليلةٍ خاصَّةٍ ممّا له اتِّصالٌ واشتراكٌ بالأصولِ.
ما يَحِلُّ من المَيْتةِ:
السمك، وما في حُكْمِهِ مِن حيوانِ البحر:
واستثنى اللهُ مِن المَيْتةِ صِنفَيْنِ، وهما: السَّمَكُ وما في حُكْمِهِ مِن حيوانِ البحرِ، والثاني: الجرادُ، ولا تخصَّصُ ميتةُ السمكِ بالتحليلِ، بل كلُّ حيوانِ البحرِ كذلك ولو لم يكنْ سمكًا، لأنّ اللهَ سمّاهُ صيدًا، فقال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعامُهُ مَتاعًا لَكُمْ﴾ [المائدة: ٩٦]، فكلُّ ما يُصادُ مِن حيوانِ البحرِ، فهو حلالٌ، إلاَّ ما حُرِّمَ لغيرِ علةِ الموتِ لضررِه، وفي «المسنَدِ» و«السُّننِ» مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال ﷺ عن البحرِ: (هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ) [[أخرجه أحمد (٧٢٣٣) (٢ /٢٣٧)، وأبو داود (٨٣) (١ /٢١) والترمذي (٦٩) (١ /١٠٠)، والنسائي (٥٩) (١ /٥٠)، وابن ماجه (٣٨٦) (١ /١٣٦).]].
الجرادُ:
والجرادُ، لأنّه لا دمَ فيه يُحبَسُ بموتِه، ولا يُمكِنُ ذَكاتُه، وقد قال ابنُ عمرَ: «أُحِلَّتْ لَنا مَيْتَتانِ، ودَمانِ، فَأَمّا المَيْتَتانِ: فالحُوتُ والجَرادُ، وأَمّا الدَّمانِ: فالكَبِدُ والطِّحالُ»، أخرَجَهُ البيهقيُّ[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (١ /٢٥٤).]]، وجاء مرفوعًا، وفي رفعِه نظرٌ وإنْ أخَذَ حُكْمَه، رفَعَهُ أولادُ زيدِ بنِ أسلَمَ: عبدُ اللهِ وعبدُ الرحمنِ وأسامةُ، عن أبيهم، عن ابنِ عمرَ، ووقَفَهُ سليمانُ بنُ بلالٍ، عن زيدٍ، عن ابنِ عمرَ، وهو أصحُّ، قاله أبو زُرْعةَ[[«علل الحديث» لابن أبي حاتم (٤ /٤٠٩) (رقم ١٥٢٤).]]، وأنكَرَ المرفوعَ أحمدُ[[«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (رواية ابنه عبد الله) (٣ /٢٧١ رقم ٥٢٠٤).]].
وتقدَّمَ الكلامُ على ما اتَّصَلَ بالمَيْتةِ مِن جِلْدٍ وظُفُرٍ وأَظْلافٍ ونحوِ ذلك في سورةِ البقرةِ.
الثاني: الدمُ: وفي سورةِ الأنعامِ قال: ﴿أوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [١٤٥]، وبهذا فسَّرَهُ وقيَّدَهُ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ، كابنِ عبّاسٍ وعائشةَ وابنِ جُبيرٍ.
ويَحِلُّ مِن الدمِ: الكَبِدُ والطِّحالُ، لأثرِ ابنِ عمرَ، ورُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ وعائشةَ[[«تفسير ابن كثير» (٣ /١٥).]].
روى عِكْرِمةُ، عن ابنِ عبّاسٍ، أنّه سُئِلَ عن الطِّحالِ؟ فقال: كُلُوهُ، فقالوا: إنّه دمٌ؟! فقال: إنّما حُرِّمَ عليكم الدمُ المَسْفُوحُ[[أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٥ /١٤٠٦)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٠ /٧).]].
وذلك أنّ الطِّحالَ والكَبِدَ لا دمَ لها يُسفَحُ، وهي أقلُّ أعضاءِ الحيوانِ دمًا، وهي قطعةٌ واحدةٌ متماسِكةٌ تُشْبِهُ الحصى لا جوفَ فيها ولا عروقَ تُمسِكُ الدمَ كاللحمِ.
وقد كانتِ العربُ في الجاهليَّةِ إذا عَطِشَتْ أو جاعَتْ، تَفْصِدُ البهيمةَ مِن الإبلِ وغيرِها فتَشربُ الدمَ منها، وفي ذلك يقولُ الأَعْشى:
وإيّاكَ والمَيْتاتِ لا تَقْرَبَنَّها
ولا تَأْخُذَنْ عَظْمًا حَدِيدًا فَتَفْصِدا
الثالثُ: لحمُ الخِنزيرِ: والخِنزيرُ محرَّمٌ كلُّه، ما اتَّصَلَ بلَحْمِهِ وما انفصَلَ عنه، وذكَرَ اللحمَ، لأنّه الأغلبُ، وهو المقصودُ، وغيرُهُ بالتَّبَعِ، كالشحمِ والعَصَبِ، والعَظْمِ والجِلدِ والظُّفُرِ.
ويدُلُّ على عمومِ التحريمِ لجميعِ أجزاءِ الخِنْزِيرِ: أنّ الشريعةَ حرَّمَتِ اقتناءَه، ففي الحديثِ أنّ عيسى في آخِرِ الزمانِ يقتُلُ الخنْزِيرَ، ففي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال ﷺ: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، ويَضَعَ الجِزْيَةَ، ويَفِيضَ المالُ حَتّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ) [[أخرجه البخاري (٢٢٢٢) (٣ /٨٢)، ومسلم (١٥٥) (١ /١٣٥).]].
وقتلُهُ إياه دليلٌ على تحريمِ اقتنائِه، وما حَرُمَ اقتناؤُهُ لا يَحِلُّ منه شيءٌ، وإلاَّ لجاز اقتناؤُه لحِلِّ ما يَحِلُّ منه فقطْ.
وفي مسلمٍ، مِن حديثِ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّما صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِهِ) [[أخرجه مسلم (٢٢٦٠) (٤ /١٧٧٠).]]، وهذا فيه ذمٌّ وتقبيحٌ لِلامِسِ الخِنزيرِ باليدِ ولو لم يَطْعَمْهُ أو يَنتفِعْ به.
شحمُ المَيْتةِ:
ودخَلَ الشحمُ وغيرُهُ في حُكْمِ اللحمِ، لأنّه الأصلُ في الاستعمالِ في لغةِ العربِ، فإنِ اشتَرى الإنسانُ لحمًا أو باعَهُ، دخَلَ في حُكْمِهِ ما تخلَّلَهُ مِن شحمٍ وعَظْمٍ، ولكنْ لو اشتَرى شحمًا وعظمًا، لم يدخُلْ في حُكْمِهِ اللحمُ، لأنّ اللحمَ أصلٌ ويَتْبَعُهُ غيرُه في حُكْمِه.
وأمّا ما احتَجَّ به أهلُ الظاهرِ في قولِهِ تعالى في سورةِ الأنعامِ: ﴿إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَمًا مَسْفُوحًا أوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقًا﴾ [١٤٥]، فجعَلُوا وصفَ الرِّجْسِ عائدًا إلى المضافِ إليه، وهو (الخِنزيرُ)، لا إلى المضافِ، وهو (اللحمُ):
فاستدلالُهُمْ فيه نظرٌ، فإنّ الضميرَ يعودُ إلى المضافِ لا إلى المضافِ إليه، ولو عاد في اللُّغةِ إلى اللحمِ، فهذا لا يُخرِجُ غيرَهُ، وإنّما يَحتاجُ إلى مِثْلِ هذا التكلُّفِ اللُّغَويِّ مَن لم يَعرِفِ استعمالَ العربِ واصطلاحَهُمْ ووَضْعَهم للألفاظِ، ومَن عرَفَ استعمالَ العربِ الذي نزَلَ عليه القرآنُ، لم يحتَجْ إلى كثيرٍ من الاحتجاجِ عندَ اللُّغويِّينَ.
وتقدَّمَ في سورةِ البقرةِ كلامٌ حولَ جِلْدِ الخِنزيرِ وشَعْرِه.
الرابعُ: ما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ به: والمرادُ بالإهلالِ: ما رُفِعَ الصوتُ به لغيرِ اللهِ، فسُمِّيَ غيرُ اللهِ مِن وثنٍ أو صنمٍ أو طاغوتٍ، وإنّما ذُكِرَ الإهلالُ للأغلبِ، لأنّ العربَ كانتْ تَجهَرُ بذِكْرِ آلهتِها عندَ نَحْرِها، فمَن نوى بذبحِهِ آلهةً غيرَ اللهِ ولو لم يُهِلَّ به، فهو داخلٌ في هذا الحُكْمِ بلا خلافٍ، وتقدَّمَ في سورةِ البقرةِ عندَ قولِه: ﴿وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [١٧٣] الكلامُ على شيءٍ مِن أحكامِ آيةِ البابِ.
والنَّحْرُ والذبحُ مِن أعظمِ العباداتِ، فمَن صرَفَها لغيرِ اللهِ، فقد أشْرَكَ، واللحمُ محرَّمٌ لا يجوزُ لأحدٍ أن يأكُلَهُ ولو لم يذبَحْهُ أو يَرْضَ به هو.
وقد ذكَرَ اللهُ في هذه السورةِ ما ذُبِحَ لغيرِ اللهِ، للأصنامِ والطَّواغيتِ، وفي سورةِ الأنعامِ مزيدُ تفصيلٍ في حُكْمِ ما تُرِكَ فيه ذِكْرُ اسمِ اللهِ، فلا يُذبَحُ لغيرِ اللهِ، وإنّما تُرِكَتِ التسميةُ فيه نسيانًا أو عمدًا مِن غيرِ قصدِ غيرِ اللهِ، وذلك في قولِهِ تعالى: ﴿ولا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١]:
فمنـهم: مَن حمَلَ المرادَ فيها على معنى الإهلالِ لغيرِ اللهِ، كما في آيةِ البقرةِ: ﴿وما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [١٧٣]، وآيةِ المائدةِ هذه، وآيةِ الأنعامِ الأُخرى، وآيةِ النحلِ: ﴿أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣، والأنعام: ١٤٥، والنحل: ١١٥]، فجعَلَ المرادَ بعدمِ ذِكْرِ الاسمِ في سورةِ الأنعامِ، أيْ: ذكرَ عليها اسمَ غيرِه، لأنّ العربَ لا تذكُرُ اسمَ اللهِ، فتذكُرُ على ذبائحِها اسمَ غيرِه، فعلَّقَ التحريمَ بعدمِ ذِكْرِ اسمِ اللهِ، لمعرفةِ الحالِ التي كان عليها التحريمُ.
ومنهم: مَن جعَلَ التحريمَ لمجرَّدِ تَرْكِ ذِكْرِ اسمِ اللهِ ولو نسيانًا أو عمدًا ولو لم يكنْ قاصدًا غيرَ اللهِ.
والصحيحُ الأولُ.
الخـامسُ: المُنْخَنِقَةُ: وهي التي تموتُ بخَنْقِها وحبسِ نَفَسِها، بفعلِ فاعلٍ بها، أو بفِعْلِها بنفسِها، كاستدارتِها على حبلٍ يَخنُقُها، فهي محرَّمةٌ بلا خلافٍ.
السادسُ: المَوْقُوذَةُ: وهي التي تموتُ بشيءٍ ثقيلٍ غيرِ محدَّدٍ كالسَّيْفِ والرُّمْحِ والسهمِ، فتموتُ بالثِّقْلِ، كرَمْيِها بحَجَرٍ أو لوحِ خشبٍ أو عصًا أو سقوطِ السقفِ عليها، فتموتُ بلا ذبحٍ، وإنْ خرَجَ منها دمٌ يسيرٌ، فهي وقيذٌ، وبهذا جاء تفسيرُهُ في الحديثِ كما في «الصحيحينِ»، من حديثِ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ، قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ المِعْراضِ؟ فَقالَ: (إذا أصابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وإذا أصابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإنَّهُ وقِيذٌ، فَلا تَأْكُلْ) [[أخرجه البخاري (٥٤٧٦) (٧ /٨٦)، ومسلم (١٩٢٩).]].
وبهذا فسَّر الآيةَ ابنُ عبّاسٍ وقتادةُ وغيرُهما مِن السلفِ[[«تفسير الطبري» (٨ /٥٧).]].
وما مات مِن الصيدِ بعَرْضِ السهمِ أو بالحَجَرِ أو بالعَصا ولم يَخزِقْ ويَسفَحِ الدمَ، فلا يجوزُ بالإجماعِ.
موتُ الصيدِ بثقلٍ:
وقد اختلَفُوا في موتِ الصيدِ بثِقْلِ الجارحةِ، كالصَّقْرِ والبازِيِّ أو الكَلْبِ المعلَّمِ، ولم يَجرَحْهُ، وفي المسألةِ قولانِ:
الأولُ: الحِلُّ، لأنّ اللهَ أباحَ ما أمْسَكْنَ علينا ولم يفصِّلْ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤]، حُكِيَ هذا القولُ عن الشافعيِّ، ورجَّحَهُ النوويُّ والرافعيُّ، ورواهُ الحسنُ بنُ زيادٍ عن أبي حنيفةَ.
والثاني ـ وهو الذي عليه الجمهورُ، وهو الأظهَرُ مِن قولِ الشافعيِّ، ورجَّحَهُ المُزَنِيُّ ـ: أنّه وقيذٌ، لحديثِ عديٍّ السابقِ، فإنّ الآيةَ مجمَلةٌ، والحديثَ مفسِّرٌ لها، وفي السُّنَّةِ مزيدُ بيانٍ، والعادةُ في القرآنِ الإجمالُ.
والصحيحُ عن أبي حنيفةَ: التحريمُ، كما نقَلَهُ عنه أبو يوسُفَ ومحمدُ بنُ الحسنِ، وهما أصحُّ نقلًا وأخذًا مِن الحسنِ بنِ زيادٍ عن أبي حنيفةَ.
وفي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ رافعِ بنِ خَدِيجٍ، قال: إنّا نَرْجُو ـ أوْ نَخافُ ـ العَدُوَّ غَدًا، ولَيْسَتْ مَعَنا مُدًى، أفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟ قالَ: (ما أنْهَرَ الدَّمَ، وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ)[[أخرجه البخاري (٢٤٨٨) (٣ /١٣٨)، ومسلم (١٩٦٨) (٣ /١٥٥٨).]].
واللهُ لم يُحِلَّ ما أمْسَكَهُ الإنسانُ بنفسِهِ، فمات بثِقْلِه، فمِن بابِ أولى ألاَّ يجوزَ ما أمسَكَهُ الكلبُ والطيرُ لصاحِبِهِ ومات بثِقْلِه.
وأمّا الأمرُ في قولِه: ﴿فَكُلُوا مِمّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤]، فبيانٌ لحِلِّ صيدِ هذه الجوارحِ، لأنّها معلَّمةٌ، لا بيانٌ لصفةِ الذبحِ أو لسَفْحِ الدمِ منها، فهذا حُكْمٌ يبقى على أصلِه، سواءٌ كان الإنسانُ يُمسِكُ لنفسِهِ أو يُمسِكُ له غيرُه، أو يَرمي هو بسهمٍ أو عصًا، والكلبُ والطيرُ والعصا أدواتٌ يُصادُ بها، وحُكْمُ المذبوحِ والمخزوقِ خارجٌ عنها، فكيف يَحِلُّ خنقُ الكلبِ ولا يَحِلُّ خنقُ الآدميِّ؟! والآيةُ في الترخيصِ والامتنانِ بحِلِّ الآلةِ لا بحِلِّ الصيدِ في ذاتِه، لأنّ الصيدَ حلالٌ مستقِرٌّ قبلَ ذلك.
ولو أُخِذَ بعمومِ ما أمْسَكْنَ على كلِّ حالٍ، فإنّهُنَّ ربَّما يُمسِكْنَ بحيوانٍ محرَّمِ الأكلِ قبلَ ذلك، كذي النّابِ وذي المِخْلَبِ، فصَيْدُ الجوارحِ لا يُحِلُّه، والاحتجاجُ بعمومِ الآيةِ على ذلك ضعيفٌ.
والعِلَّةُ العقليَّةُ في تحريمِ المخنوقةِ والمَوْقُوذةِ يَشترِكُ فيها ما مات بثِقْلِ الكلبِ والطيرِ، أو ما مات بغيرِه، وهو حبسُ الدمِ، فيجبُ ألاَّ يختلفَ الحُكْمُ إلاَّ بدليلٍ بيِّنٍ يسلَّمُ به.
وما جرَحَهُ الكلبُ والطيرُ وأكَلَ منه، لا يَحِلُّ مع كونِهِ مجروحًا، على الصحيحِ، وهو قولُ أبي حنيفةَ وصاحبَيْه والشافعيِّ وأحمدَ، لأنّه صادَهُ لنفسِهِ لا لصاحِبِهِ، ففي «الصحيحَيْنِ»، قال ﷺ: (فَإنْ أكَلَ فَلا تَأْكُلْ، فَإنِّي أخافُ أنْ يَكُونَ إنَّما أمْسَكَ عَلى نَفْسِهِ) [[أخرجه البخاري (٥٤٨٣) (٧ /٨٧)، ومسلم (١٩٢٩) (٣ /١٥٢٩).]].
خلافًا لمالكٍ والشافعيِّ في القديمِ في جوازِ ما أكَلَ منه الكلبُ، وذلك لما في «سُننِ أبي داودَ»، مِن حديثِ أبي ثعلبةَ الخُشَنِيِّ، عن رسولِ اللهِ ﷺ، أنّه قال في صَيْدِ الكَلْبِ: (إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَكُلْ وإنْ أكَلَ مِنهُ، وكُلْ ما رَدَّتْ عَلَيْكَ يَداكَ) [[أخرجه أبو داود (٢٨٥٢) (٣ /١٠٩).]].
وما في «الصحيحَيْنِ» أصحُّ وأَقْوى.
السـابعُ: المُتَرَدِّيَةُ: وهي ما سقَطَ مِن جبلٍ أو سطحٍ، أو سقَطَ في بِئْرٍ مِن بهيمةِ الأنعامِ، فماتتْ، فهي متردِّيَةٌ وميْتةٌ محرَّمةٌ.
الثـامنُ: النَّطِيحَةُ: وهي ما ماتتْ بنَطْحِ جنسِها، كنَطْحِ الغَنَمِ للغنمِ أو البقرِ للبقرِ بالرُّؤُوسِ، ويدخُلُ فيها ما لا يُطلَقُ عليه نطحٌ في اللُّغةِ، كموتِ البهيمةِ بجلوسِ بهيمةٍ عليها أو ضَرْبِها برِجْلِها، وهو الرَّفْسُ والوَقْصُ، فهي محرَّمةٌ وإنْ جُرِحَتْ وخرَجَ منها دمٌ.
التاسعُ: ما أكَلَ السَّبُعُ: وهو ما يُوجَدُ في البَرِّيَّةِ وغيرِها ممّا افترَستْهُ السِّباعُ، كالذِّئابِ والفُهُودِ والنُّمورِ والأُسُودِ والضِّباعِ وشِبْهِها، وقد كانتِ العربُ تجدُ بقايا ما أكَلتْهُ السِّباعُ فتأكُلُه، وهي محرَّمةٌ، وذلك مِن وجوهٍ:
الأولُ: أنّه لا يُعلَمُ ذابحُها، فقد تكونُ ماتتْ حَتْفَ نفسِها بمرضٍ أو لدغةِ حيَّةٍ أو نطحٍ أو سُمٍّ، فوجَدَتْها السِّباعُ طَرِيَّةً فأكلَتْ منها، ووجَدَها إنسانٌ، فظَنَّها مِن صيدِ السِّباعِ، ثمَّ إنْ كانتْ يقينًا مِن صيدِ السِّباعِ، فهي حرامٌ، لأنّها غيرُ معلَّمةٍ، ولكنْ قد تجتمِعُ أسبابُ التحريمِ فيُغلَّظُ.
الثَّـاني: أنّ اللهَ حرَّمَ على المسلِمِ أكْلَ ما صادَتْهُ جارحَتُهُ المعلَّمةُ إنْ صادَتْ لنفسِها، فكيف ما صادَتْهُ سِباعٌ غيرُ معلَّمةٍ ولا يُدرى صفةُ موتِه؟!
الثالثُ: أنّه يحرُمُ لو أكَلَ الكلبُ المعلَّمُ مِن الصيدِ ولو أرسَلَهُ صاحِبُهُ على قولِ جمهورِ العلماءِ، فكيف بما لم يُرسِلْهُ وقد أُكِلَ كثيرٌ منه أو أكْثَرُه؟!
حُكْم تَدارُكِ الميتةِ بالتذكيةِ:
واللهُ استثنى مِن ذلك كلِّه: ﴿إلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ﴾، يعني: ما تداركْتُمُوهُ ممّا أوشَكَ على الموتِ مِن وقيذٍ ومخنوقٍ ومنطوحٍ ومترَدٍّ وما أكَلَ السَّبُعُ، فذلك على حالتيْنِ:
الحـالةُ الأُولى: إنْ أدرَكَهُ قبلَ موتِهِ، فذبَحَهُ وأراقَ دمَهُ وفيه حياةٌ وقوةٌ دافعةٌ لخروجِ الدمِ ودفعِه منه، فهو حلالٌ، وعلامةُ ذلك الرَّفْسُ واضطرابُ الأطرافِ عندَ الذبحِ، وتدفُّقُ الدمِ واندفاعُه.
الحالةُ الثانيةُ: إنْ وجَدَهُ قد بَرَدَ، وليس فيه حياةٌ ولا قوةٌ دافعةٌ لإخراجِ الدمِ عندَ ذبحِه، فهو مَيْتَةٌ، لأنّه مات حقيقةً قبلَ إمرارِ المُوسى عليه، وإنْ بَقِيَ فيه حركةٌ يسيرةٌ، فإنّ البهيمةَ قد يَبقى في جِلْدِها وقَدَمِها حركةٌ ولو كانتْ مقطوعةَ الرأسِ، وربَّما في بعضِ الدوابِّ بعدَ سَلْخِها، كما في الضَّبِّ وشِبْهِه.
وعلى هذا التقسيمِ يَجري قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ وجمهورِ السلفِ، واللهُ أعلَمُ.
العـاشرُ: ما ذُبِحَ على النُّصُبِ: والنُّصُبُ: ما كان مِن حجارةٍ عندَ الكعبةِ يَذبَحُ عليها كفّارُ قريشٍ، والنُّصُبُ غيرُ الأصنامِ، فإنّ الأصنامَ تُنقَشُ وتُرسَمُ، والنُّصُبُ حجارةٌ غيرُ مرسومةٍ، وقيل: عددُ النُّصُبِ ثلاثُ مِئةٍ وستونَ، قالهُ ابنُ جُرَيْجٍ[[«تفسير الطبري» (٨ /٧٠).]].
قال ابنُ عبّاسٍ: «كانوا يَذبَحونَ ويُهِلُّونَ عليها»، رواهُ عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عنه، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٨ /٧١).]].
الاستقسامُ بالأزلامِ:
ثمَّ قال تعالى: ﴿وأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ﴾، يعني ممّا حرَّمَ اللهُ على المؤمِنينَ فِعلَهُ، وفيما سبَقَ حرَّمَ المأكولَ، وهنا حرَّمَ الفِعْلَ، والأَزْلامُ: جمعُ زَلَمٍ، وهي القِداحُ أو الحجارةُ وشِبْهُها، والاستقسامُ: هو رميُ القِداحِ، ويدخُلُ فيه الكتابةُ على الرُّقُوقِ والجُلُودِ أو المكعَّباتِ، فيكتُبُ ثلاثَ كلماتٍ: في واحدةٍ: (افْعَلْ)، وفي الثانيةِ: (لا تَفْعَلْ)، والثالثةُ: تُترَكُ بيضاءَ، فإنْ عزَمَ أحدُهم على أمرٍ رماها ثمَّ تناوَلَ واحدةً منها لِينظُرَ ما يُؤمَرُ به، وكان عملُهُم نحوَ هذا في الجاهليَّةِ، قالهُ ابنُ عبّاسٍ ومجاهِدٌ والحسنُ وغيرُهم[[«تفسير الطبري» (٨ /٧٣ ـ ٧٧).]].
ويدخُلُ فيه كلُّ ما صرَفَ الإنسانَ أو صَدَّهُ مِن المحسوساتِ أو المعنويّاتِ التي لا أثرَ ولا بيِّنةَ لها ماديَّةً ولا شرعيَّةً، فالإنسانُ تَمنعُهُ الرياحُ والأمطارُ مِن السفرِ، فهذا سببٌ ماديٌّ، ويمنعُهُ كذلك إن لم يجدْ مرافِقًا معه في سفرِ ليلٍ، لأنّ هذا سببٌ شرعيٌّ منَعَتِ الشريعةُ أنْ يُسافِرَ الرجلُ بليلٍ وحدَهُ.
واستِقسامُ الجاهليِّينَ بالأَزْلامِ شِرْكٌ، وكذلك في حُكْمِهم مَن صنَعَ صنيعَهُمْ ممَّن اعتمَدَ على طريقةٍ وأساليبَ حديثةٍ، ويدخُلُ في هذا اليومَ عِلْمُ الأبراجِ الذي يتطيَّرونَ به فيجعلونَهُ صارفًا عن زواجٍ وتجارةٍ وإمارةٍ، أو جالبًا لها، وهو مِن أنواعِ صَرْفِ العبادةِ للكواكبِ.
إظهارُ محاسِنِ الإسلامِ:
وقولُه تعالى: ﴿ألْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾ ذكَرَ اللهُ ذلك بعدَما عَدَّ المحرَّماتِ وساقَها، فبيَّنَ أنّ الأمَّةَ محسودةٌ على نعمتِها، ولمّا كان السياقُ مشعِرًا بكثرةِ المحرَّماتِ على النفسِ، لأنّ هذه الآيةَ أكثرُ آيةٍ في القرآنِ عُدَّتْ فيها المحرَّماتُ مِن المطعوماتِ، وقد يقعُ في النفسِ حرَجٌ، ولذا جاء بعدَها: ﴿يَسْأَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٤]، وجاء السؤالُ بعدَ عَدِّ المحرَّماتِ استكثارًا لها، مع العِلْمِ بكثرةِ الحلالِ وكونِهِ أصلًا، ولكنَّ النفوسَ عندَ سياقِ المحرَّمِ وعَدِّه، تستكثِرُهُ، وتغفُلُ عن الحلالِ ووَفْرَتِه.
لذا نَبَّهَ اللهُ المؤمِنينَ على أمرٍ، وهو أنّ الكافرينَ يحسُدُونَهم على دينِهم، ليأسِهِمْ مِن أنْ يُجارُوهُ بإحكامِهِ بعقلٍ أو دينٍ مِثْلِه، فيقومونَ بالعِنادِ والمخالفةِ، وحقيقتُهُم حسدٌ وعنادٌ، فقال: ﴿ألْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾، فنبَّهَ اللهُ على الباطنِ مِن أمرِهم، وهو خطابٌ للمؤمِنينَ: ألاَّ تَستكثِروا الحرامَ، وتَغْفُلوا عن وفرةِ الحلالِ، وأنّ العدوَّ قد يتَّخِذُ ذلك سبيلًا لإشعارِ المؤمنِ بضِيقِ دِينِه وشِدَّتِه، وحقيقتُهُ بغيٌ وحسدٌ، فمَن يَئِسَ مِن مقاوَمةِ الحقِّ، حرَّش بينَ أهلِهِ وأثارَ عليهم، ففي «الصحيحِ»: (إنَّ الشَّيْطانَ قَدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)[[أخرجه مسلم (٢٨١٢) (٤ /٢١٦٦).]].
ولمّا عَلِمَ اللهُ ما في نفوسِ المُشرِكينَ مِن اليأسِ، أخبَرَ به المؤمِنينَ، وهو الإعجابُ بالإسلامِ والعجزُ عن مجاراتِه، وفي هذا أنّ بيانَ إعجابِ الكافرينَ بدِينِ الإسلامِ، وعجزِهِمْ عن الإتيانِ بمِثْلِه: مِن أساليبِ القرآنِ تقويةً للإيمانِ، لا اعتمادًا عليه، وإنّما زيادةُ يقينٍ، فإنّ النفوسَ تشتدُّ عندَ مدحِ عدوِّها لدِينِها وعقيدتِها، وقد يغلو بعضُ الكُتّابِ كما هو اليومَ بالمبالغةِ بإيرادِ أقوالِ الكافِرِينَ في الثَّناءِ على الإسلامِ والإعجابِ به أكثَرَ مِن إيرادِ نصوصِ الإسلامِ وبيانِ عظمتِها ووجوبِ التسليمِ لها واليقينِ بها.
وقولُهُ تعالى: ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِ﴾، يعني مِن إظهارِ دينِكم ومُخالَفَتِكُمْ لهم، فتَهزِمُوا أنفُسَكُمْ وتُعِزُّوا نفوسَ عدوِّكم، ومِن أعظَمِ وجوهِ العزةِ إظهارُ شعائرِ الدِّينِ للمؤمنِ.
وذِكْرُ الخشيةِ بعدَ ذِكْرِ المحرَّماتِ، ثمَّ ذِكْرُهُ لإعجابِ الكفارِ بالإسلامِ وجحدِهِ حسدًا: دليلٌ على أنّ ضَعْفَ نَفْسِ المؤمنِ وعدمَ ثقتِهِ بدينِهِ يُورِثُهُ خشيةً مِن عدوِّه، فإنّ أعظَمَ الهزائمِ هزائمُ النفسِ.
نعمةُ كمالِ الدِّينِ:
ثمَّ قال تعالى: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾، وذلك في يومِ عرفةَ يومَ الجُمُعةِ، وقد نزَلَتِ الآيةُ على النبيِّ ﷺ على راحلتِه وهو واقفٌ بعرفةَ، كما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عمرَ[[أخرجه البخاري (٤٥) (١ /١٨)، ومسلم (٣٠١٧) (٤ /٢٣١٢).]].
وكمالُ الدِّينِ أعظَمُ النِّعَمِ، وقد سمّى اللهُ دينَهُ نعمةً وأضافَها إليه، لعِظَمِها على غيرِها: ﴿وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾، وقد وصَفَ اللهُ الإسلامَ بالكمالِ، وأكَّدَهُ بالتَّمامِ، وعقَّبَهُ بالرِّضا، وكلُّ دِينٍ غيرِهِ ليس بكاملٍ ولا تامٍّ ولا مَرْضيٍّ، سواءٌ كان أصلُهُ مِن نقلٍ أو مِن عقلٍ.
ثمَّ قال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لإثْمٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، وفي ذلك التيسيرُ للمضطرِّ غيرِ القاصدِ للمحرَّمِ: بأنْ يأكُلَ المَيْتةَ إنْ خشِيَ الهلاكَ والموتَ ولم يجدْ بديلًا مِن نباتِ الأرضِ وحَلالِها ولو كانتْ نفسُهُ لا تميلُ إليه، ما دام حلالًا، فيحرُمُ عليه أكلُ الحرامِ.
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّیَةُ وَٱلنَّطِیحَةُ وَمَاۤ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّیۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَ ٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡیَوۡمَ یَىِٕسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن دِینِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِی مَخۡمَصَةٍ غَیۡرَ مُتَجَانِفࣲ لِّإِثۡمࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق