الباحث القرآني
(p-٩٠)قَوْلُهُ تَعالى:
﴿وَإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا ولا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ أنْ تَعْتَدُوا وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَقْوى ولا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [المائدة: ٢] ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَمُ ولَحْمُ الخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ والمُنْخَنِقَةُ والمَوْقُوذَةُ والمُتَرَدِّيَةُ والنَطِيحَةُ وما أكَلَ السَبُعُ إلا ما ذَكَّيْتُمْ﴾
جاءَتْ إباحَةُ الصَيْدِ عَقِبَ التَشَدُّدِ في حَرَمِ البَشَرِ حَسَنَةً في فَصاحَةِ القَوْلِ؛ وقَوْلُهُ تَعالى: "فاصْطادُوا"؛ صِيغَةُ أمْرٍ؛ ومَعْناهُ الإباحَةُ؛ بِإجْماعٍ مِنَ الناسِ.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في صِيغَةِ "اِفْعَلْ"؛ إذا ورَدَتْ ولَمْ يَقْتَرِنْ بِها بَيانٌ واضِحٌ في أحَدِ المُحْتَمَلاتِ؛ فَقالَ الفُقَهاءُ: هي عَلى الوُجُوبِ؛ حَتّى يَدُلَّ الدَلِيلُ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ وقالَ المُتَكَلِّمُونَ: هي عَلى الوَقْفِ حَتّى تُطْلَقَ القَرِينَةُ؛ ولَنْ يُعَرّى أمْرٌ مِن قَرِينَةٍ؛ وقالَ قَوْمٌ: هي عَلى الإباحَةِ؛ حَتّى يَدُلَّ الدَلِيلُ؛ وقالَ قَوْمٌ: هي عَلى النَدْبِ؛ حَتّى يَدُلَّ الدَلِيلُ؛ وقَوْلُ الفُقَهاءِ أحْوَطُها؛ وقَوْلُ المُتَكَلِّمِينَ أقْيَسُها؛ وغَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ.
ولَفْظَةُ "اِفْعَلْ"؛ قَدْ تَجِيءُ لِلْوُجُوبِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿أقِيمُوا الصَلاةَ﴾ [الأنعام: ٧٢] ؛ وقَدْ تَجِيءُ لِلنَّدْبِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿وافْعَلُوا الخَيْرَ﴾ [الحج: ٧٧] ؛ وقَدْ تَجِيءُ لِلْإباحَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿فاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢] ؛ و﴿وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ﴾ [الجمعة: ١٠] و﴿فانْتَشِرُوا في الأرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] ؛ ويَحْتَمِلُ الِابْتِغاءُ مِن فَضْلِ اللهِ أنْ يَكُونَ نَدْبًا؛ وقَدْ تَجِيءُ لِلْوَعِيدِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] ؛ وقَدْ تَجِيءُ لِلتَّعْجِيزِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿كُونُوا حِجارَةً﴾ [الإسراء: ٥٠].
(p-٩١)وَقَرَأ أبُو واقِدٍ؛ والجَرّاحُ؛ ونُبَيْحٌ؛ والحَسَنُ بْنُ عِمْرانَ: "فِاصْطادُوا"؛ بِكَسْرِ الفاءِ؛ وهي قِراءَةٌ مُشْكِلَةٌ؛ ومِن تَوْجِيهِها أنْ يَكُونَ راعى كَسْرَ ألِفِ الوَصْلِ إذا بَدَأْتَ؛ فَقُلْتَ: "اِصْطادُوا"؛ فَكَسَرَ الفاءَ مُراعاةً؛ وتَذَكُّرًا لِكَسْرِ ألِفِ الوَصْلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ"؛﴾ [المائدة: ٢] مَعْناهُ: "وَلا يُكْسِبَنَّكُمْ"؛ و"جَرَمَ الرَجُلُ"؛ مَعْناهُ: "كَسَبَ"؛ ويَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ؛ كَما يَتَعَدّى "كَسَبَ"؛ وفي الحَدِيثِ: "وَتُكْسِبُ المَعْدُومَ"؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: و"أجْرَمَ"؛ بِالألِفِ؛ عَرَّفَهُ: اَلْكَسْبُ في الخَطايا والذُنُوبِ؛ وقالَ الكِسائِيُّ: "جَرَمَ"؛ و"أجْرَمَ"؛ لُغَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ؛ أيْ: "كَسَبَ"؛ وقالَ قَوْمٌ: "يَجْرِمَنَّكُمْ"؛ مَعْناهُ: يَحِقُّ لَكُمْ؛ كَما أنَّ ﴿ "لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ"؛﴾ [النحل: ٦٢] مَعْناهُ: "حُقَّ لَهم أنَّ لَهُمُ النارَ"؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "يَجْرِمَنَّكُمْ"؛ مَعْناهُ: "يَحْمِلَنَّكُمْ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذِهِ كُلُّها أقْوالٌ تَتَقارَبُ بِالمَعْنى؛ فالتَفْسِيرُ الَّذِي يَخُصُّ اللَفْظَةَ هو مَعْنى الكَسْبِ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ جَرِيمَةُ ناهِضٍ في رَأْسِ نِيقٍ ∗∗∗ تَرى لِعِظامِ ما جَمَعَتْ صَلِيبا
مَعْناهُ: "كاسِبُ قُوتٍ ناهِضٍ"؛ ويُقالُ: "فُلانٌ جَرِيمَةُ قَوْمِهِ"؛ إذا كانَ الكاسِبَ لَهُمْ؛ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ ؛ وغَيْرُهُ: "يُجْرِمَنَّكُمْ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ والمَعْنى أيْضًا: "لا يُكْسِبَنَّكُمْ"؛ وأمّا قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولَقَدْ طَعنتُ أبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ∗∗∗ ∗∗∗ جَرَمَتْ فَزارَةُ بَعْدَها أنْ يَغْضَبُوا
(p-٩٢)فَمَعْناهُ: "كَسَبَتْ فَزارَةُ بَعْدَها الغَضَبَ"؛ وقَدْ فُسِّرَ بِغَيْرِ هَذا؛ مِمّا هو قَرِيبٌ مِنهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "شَنَآنُ قَوْمٍ"؛﴾ [المائدة: ٢] قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ: "شَنَآنُ"؛ مُتَحَرِّكَةَ النُونِ؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: "شَنْآنُ" ساكِنَةَ النُونِ؛ واخْتُلِفَ عن عاصِمٍ ونافِعٍ ؛ يُقالُ: "شَنَأْتُ الرَجُلَ شَنْئًا"؛ بِفَتْحِ الشِينِ؛ و"شَنَآنًا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ و"شَنْآنًا"؛ بِسُكُونِ النُونِ؛ والفَتْحُ أكْثَرُ؛ كُلُّ ذَلِكَ إذا أبْغَضْتَهُ؛ قالَ سِيبَوَيْهِ: كُلُّ ما كانَ مِنَ المَصادِرِ عَلى "فَعَلانٌ"؛ بِفَتْحِ العَيْنِ؛ لَمْ يَتَعَدَّ فِعْلُهُ إلّا أنْ يَشِذَّ شَيْءٌ كالشَنَآنِ؛ وإنَّما عُدِّيَ "شَنَأْتُ"؛ مِن حَيْثُ كانَ بِمَعْنى "أبْغَضْتُ"؛ كَما عُدِّيَ "اَلرَّفَثُ"؛ بِـ "إلى"؛ مِن حَيْثُ كانَ بِمَعْنى "اَلْإفْضاءُ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَأمّا مَن قَرَأ: "شَنَآنُ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ فالأظْهَرُ فِيهِ أنَّهُ مَصْدَرٌ؛ كَأنَّهُ قالَ: "لا يُكْسِبَنَّكم بُغْضُ قَوْمٍ - مِن أجْلِ أنْ صَدُّوكم - عُدْوانًا عَلَيْهِمْ؛ وظُلْمًا لَهُمْ"؛ والمَصادِرُ عَلى هَذا الوَزْنِ كَثِيرَةٌ: كَـ "اَلنَّزَوانُ"؛ و"اَلْغَلَيانُ"؛ و"اَلطَّوَفانُ"؛ و"اَلْجَرَيانُ"؛ وغَيْرِهِ؛ ويَحْتَمِلُ "اَلشَّنَآنُ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ أنْ يَكُونَ وصْفًا؛ فَيَجِيءَ المَعْنى: "وَلا يُكْسِبَنَّكم بُغْضُ قَوْمٍ؛ أو بَغْضاءُ قَوْمٍ؛ عُدْوانًا".
ومِمّا جاءَ عَلى هَذا الوَزْنِ صِفَةً قَوْلُهُمْ: "حِمارٌ قَطَوانُ"؛ إذا لَمْ يَكُنْ سَهْلَ السَيْرِ؛ وقَوْلُهُمْ: "عَدْوٌ وصَمانُ"؛ أيْ: ثَقِيلٌ؛ كَعَدْوِ الشَيْخِ؛ ونَحْوِهِ؛ إلى غَيْرِ هَذا؛ مِمّا لَيْسَ في الكَثْرَةِ كالمَصادِرِ؛ ومِنهُ ما أنْشَدَهُ أبُو زَيْدٍ:
؎ وقَبْلَكَ ما هابَ الرِجالُ ظُلامَتِي ∗∗∗ ∗∗∗ وفَقَّأْتُ عَيْنَ الأشْوَسِ الأبَيانِ
بِفَتْحِ الباءِ؛ وأمّا مَن قَرَأ: "شَنْآنُ"؛ بِسُكُونِ النُونِ؛ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا؛ وقَدْ جاءَ المَصْدَرُ عَلى هَذا الوَزْنِ في قَوْلِهِمْ: "لَوَيْتُهُ دَيْنَهُ لَوْيانًا"؛ وقَوْلِ الأحْوَصِ:(p-٩٣)
؎ .................. ∗∗∗ ∗∗∗ وإنْ لامَ فِيهِ ذُو الشَنانِ وفَنَّدا
إنَّما هو تَخْفِيفٌ مِن "شَنْآنٌ"؛ اَلَّذِي هو مَصْدَرٌ بِسُكُونِ النُونِ؛ لِأنَّهُ حَذَفَ الهَمْزَةَ؛ وألْقى حَرَكَتَها عَلى الساكِنِ؛ هَذا هو التَخْفِيفُ القِياسِيُّ؛ قالَ أبُو عَلِيٍّ: مَن زَعَمَ أنَّ "فَعَلانٌ"؛ إذا أُسْكِنَتْ عَيْنُهُ لَمْ يَكُنْ مَصْدَرًا؛ فَقَدْ أخْطَأ؛ وتَحْتَمِلُ القِراءَةُ بِسُكُونِ النُونِ أنْ يَكُونَ وصْفًا؛ فَقَدْ حُكِيَ: "رَجُلٌ شَنْآنُ؛ وامْرَأةٌ شَنْآنَةٌ"؛ وقِياسُ هَذا أنَّهُ مِن فِعْلٍ غَيْرِ مُتَعَدٍّ؛ وقَدْ يُشْتَقُّ مِن لَفْظٍ واحِدٍ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ؛ وفِعْلٌ واقِفٌ؛ فَيَكُونُ المَعْنى: "وَلا يُكْسِبَنَّكم بَغِيضُ قَوْمٍ؛ أو بَغْضاءُ قَوْمٍ؛ عُدْوانًا"؛ وإذا قُدِّرَتِ اللَفْظَةُ مَصْدَرًا فَهو مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ؛ ومِمّا جاءَ وصْفًا عَلى "فَعْلانُ"؛ ما حَكاهُ سِيبَوَيْهِ مِن قَوْلِهِمْ: "خَمْصانُ"؛ ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: "نَدْمانُ"؛ قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومِنهُ "رَحْمانُ".
وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ عامَ الفَتْحِ؛ حِينَ أرادَ المُؤْمِنُونَ أنْ يَسْتَطِيلُوا عَلى قُرَيْشٍ؛ وألْفافِها مِنَ القَبائِلِ؛ المُتَظاهِرِينَ عَلى صَدِّ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وأصْحابِهِ؛ عامَ الحُدَيْبِيَةِ؛ وذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الهِجْرَةِ؛ فَحَصَلَتْ بِذَلِكَ بِغْضَةٌ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ؛ وحَسِيكَةٌ لِلْكُفّارِ؛ فَقِيلَ لِلْمُؤْمِنِينَ - عامَ الفَتْحِ؛ وهو سَنَةَ ثَمانٍ -: "لا يَحْمِلَنَّكم ذَلِكَ البُغْضُ؛ أو أُولَئِكَ البُغَضاءُ؛ مِن أجْلِ أنْ صَدُّوكُمْ؛ عَلى أنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ؛ إذْ لِلَّهِ فِيهِمْ إرادَةُ خَيْرٍ؛ وفي عِلْمِهِ أنَّ مِنهم مَن يُؤْمِنُ"؛ كالَّذِي كانَ.
وحَكى المَهْدَوِيُّ عن قَوْمٍ أنَّها نَزَلَتْ عامَ الحُدَيْبِيَةِ؛ لِأنَّهُ لَمّا صُدَّ المُسْلِمُونَ عَنِ البَيْتِ مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ مِن أهْلِ نَجْدٍ يُرِيدُونَ البَيْتَ؛ فَقالُوا: نَصُدُّ هَؤُلاءِ كَما صُدِدْنا؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ؛ وابْنُ كَثِيرٍ: "إنْ صَدُّوكُمْ"؛ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ؛ وقَرَأ الباقُونَ: "أنْ صَدُّوكُمْ"؛ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ إشارَةً إلى الصَدِّ الَّذِي وقَعَ؛ وهَذِهِ قِراءَةُ الجُمْهُورِ؛ وهي (p-٩٤)أمْكَنَ في المَعْنى؛ وكَسْرُ الهَمْزَةِ مَعْناهُ: "إنْ وقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ في المُسْتَقْبَلِ".
وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "إنْ يَصُدُّوكُمْ"؛ وهَذِهِ تُؤَيِّدُ قِراءَةَ أبِي عَمْرٍو ؛ وابْنِ كَثِيرٍ.
ثُمَّ أمَرَ اللهِ تَعالى الجَمِيعَ بِالتَعاوُنِ عَلى البِرِّ والتَقْوى؛ قالَ قَوْمٌ: هُما لَفْظانِ بِمَعْنًى؛ وكَرَّرَ بِاخْتِلافِ اللَفْظِ تَأْكِيدًا؛ ومُبالَغَةً؛ إذْ كُلُّ بِرٍّ تَقْوًى؛ وكُلُّ تَقْوًى بِرٌّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذا تَسامُحٌ ما؛ والعُرْفُ في دَلالَةِ هَذَيْنِ اللَفْظَيْنِ أنَّ البِرَّ يَتَناوَلُ الواجِبَ؛ والمَندُوبَ إلَيْهِ؛ والتَقْوى رِعايَةُ الواجِبِ؛ فَإنْ جُعِلَ أحَدُهُما بَدَلَ الآخَرِ فَبِتَجَوُّزٍ؛ ثُمَّ نَهى تَعالى عَنِ التَعاوُنِ عَلى الإثْمِ؛ وهو الحُكْمُ اللاحِقُ عَنِ الجَرائِمِ؛ وعَنِ العُدْوانِ؛ وهو ظُلْمُ الناسِ؛ ثُمَّ أمَرَ بِالتَقْوى؛ وتَوَعَّدَ تَوَعُّدًا مُجْمَلًا بِشِدَّةِ العِقابِ؛ ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ نَهْيًا عَنِ الطَلَبِ بِذُحُولِ الجاهِلِيَّةِ؛ إذْ أرادَ قَوْمٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ ذَلِكَ؛ قالَهُ مُجاهِدٌ ؛ وقَدْ قُتِلَ بِذَلِكَ حَلِيفٌ لِأبِي سُفْيانَ مِن هُذَيْلٍ.
***
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ تَعْدِيدٌ لِما يُتْلى عَلى الأُمَّةِ مِمّا اسْتُثْنِيَ مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ؛ والمَيْتَةُ: كُلُّ حَيَوانٍ لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ؛ خَرَجَتْ نَفْسُهُ مِن جَسَدِهِ عَلى غَيْرِ طَرِيقِ الذَكاةِ المَشْرُوعِ؛ سِوى الحُوتِ؛ والجَرادِ؛ عَلى أنَّ الجَرادَ قَدْ رَأى كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ أنَّهُ لا بُدَّ مِن فِعْلٍ فِيها يَجْرِي مُجْرى الذَكاةِ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "اَلْمَيْتَةُ بِسُكُونِ الياءِ؛ وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ: "اَلْمَيِّتَةُ"؛ بِالتَشْدِيدِ في الياءِ؛ قالَ الزَجّاجُ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ؛ وقالَ قَوْمٌ مِن أهْلِ اللِسانِ: "اَلْمَيْتُ"؛ بِسُكُونِ الياءِ: ما قَدْ ماتَ؛ و"اَلْمَيِّتُ"؛ يُقالُ لِما قَدْ ماتَ؛ ولِما لَمْ يَمُتْ وهو حَيٌّ بَعْدُ؛ ولا يُقالُ لَهُ: "مَيْتٌ"؛ بِالتَخْفِيفِ؛ ورَدَّ الزَجّاجُ هَذا القَوْلَ؛ واسْتَشْهَدَ عَلى رَدِّهِ بِقَوْلِ الشاعِرِ:
؎ لَيْسَ مَن ماتَ فاسْتَراحَ بِمَيْتٍ ∗∗∗ إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحْياءِ
(p-٩٥)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والبَيْتُ يُحْتَمَلُ أنْ يُتَأوَّلَ شاهِدًا عَلَيْهِ؛ لا لَهُ؛ وقَدْ تَأوَّلَ قَوْمٌ "اِسْتَراحَ"؛ في هَذا البَيْتِ بِمَعْنى "اِكْتَسَبَ رائِحَةً"؛ إذْ قائِلُهُ جاهِلِيٌّ؛ لا يَرى في المَوْتِ راحَةً.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "والدَمُ"؛﴾ مَعْناهُ: "اَلْمَسْفُوحُ"؛ لِأنَّهُ بِهَذا تُقُيِّدَ الدَمُ في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ؛ فَيُرَدُّ المُطْلَقُ إلى المُقَيَّدِ؛ وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى تَحْلِيلِ الدَمِ المُخالِطِ لِلَحْمٍ؛ وعَلى تَحْلِيلِ الطِحالِ؛ ونَحْوِهِ؛ وكانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَسْتَبِيحُ الدَمَ؛ ومِنهُ قَوْلُهُمْ: "لَمْ يُحْرَمْ مَن فُصِدَ لَهُ"؛ و"اَلْعِلْهِزُ": دَمٌ؛ ووَبَرٌ يَأْكُلُونَهُ في الأزَماتِ.
و﴿ "وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ"؛﴾ مُقْتَضٍ لِشَحْمِهِ؛ بِإجْماعٍ؛ واخْتُلِفَ في اسْتِعْمالِ شَعْرِهِ؛ وجِلْدِهِ بَعْدَ الدِباغِ؛ فَأُجِيزَ؛ ومُنِعَ؛ وكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الخِنْزِيرِ حَرامٌ بِإجْماعٍ؛ جِلْدًا كانَ أو عَظْمًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ﴾ ؛ يَعْنِي ما ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ تَعالى؛ وقُصِدَ بِهِ صَنَمٌ؛ أو بَشَرٌ مِنَ الناسِ؛ كَما كانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُ؛ وكَذَلِكَ النَصارى؛ وعادَةُ الذابِحِ أنْ يُسَمِّيَ مَقْصُودَهُ ويَصِيحَ بِهِ؛ فَذَلِكَ إهْلالُهُ؛ ومِنهُ اسْتِهْلالُ المَوْلُودِ إذا صاحَ عِنْدَ الوِلادَةِ؛ ومِنهُ إهْلالُ الهِلالِ؛ أيْ: اَلصِّياحُ بِأمْرِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ؛ ومِنَ الإهْلالِ قَوْلُ ابْنِ أحْمَرَ:
؎ يُهِلُّ بِالفَرْقَدِ رُكْبانُها ∗∗∗ ∗∗∗ كَما يُهِلُّ الراكِبُ المُعْتَمِرْ
(p-٩٦)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "والمُنْخَنِقَةُ"؛﴾ مَعْناهُ: اَلَّتِي تَمُوتُ خَنْقًا؛ وهو حَبْسُ النَفَسِ؛ سَواءٌ فَعَلَ بِها ذَلِكَ آدَمِيٌّ؛ أوِ اتَّفَقَ لَها ذَلِكَ في حَجَرٍ؛ أو شَجَرَةٍ؛ أو بِحَبَلٍ؛ أو نَحْوِهِ؛ وهَذا بِإجْماعٍ؛ وقَدْ ذَكَرَ قَتادَةُ أنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كانُوا يَخْنُقُونَ الشاةَ وغَيْرَها؛ فَإذا ماتَتْ أكَلُوها؛ وذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما.
و﴿ "والمَوْقُوذَةُ":﴾ اَلَّتِي تُرْمى أو تُضْرَبُ بِعَصًا؛ أو بِحَجَرٍ؛ أو نَحْوِهِ؛ وكَأنَّها الَّتِي تُحْذَفُ بِهِ؛ وقالَ الفَرَزْدَقُ:
؎ شَغّارَةٌ تَقِذُ الفَصِيلَ بِرِجْلِها ∗∗∗ ∗∗∗ فَطّارَةٌ لِقَوادِمِ الأبْكارِ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "اَلْمَوْقُوذَةُ": اَلَّتِي تُضْرَبُ بِالخَشَبِ حَتّى يُوقِذَها فَتَمُوتَ؛ وقالَ قَتادَةُ: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ويَأْكُلُونَها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومِنَ اللَفْظَةِ قَوْلُ مُعاوِيَةَ: "وَأمّا ابْنُ عُمَرَ فَرَجُلٌ قَدْ وقَذَهُ الوَرَعُ؛ وكَفى أمْرَهُ ونَزْوَتَهُ"؛ وقالَ الضَحّاكُ: "كانُوا يَضْرِبُونَ الأنْعامَ بِالخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ - حَتّى يَقْتُلُوها - فَيَأْكُلُونَها"؛ وقالَ أبُو عَبْدِ اللهِ الصُنابِحِيُّ: "لَيْسَ المَوْقُوذَةُ إلّا في مالِكَ ؛ ولَيْسَ في الصَيْدِ وقِيذٌ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وعِنْدَ مالِكٍ وغَيْرِهِ مِنَ الفُقَهاءِ في الصَيْدِ ما حُكْمُهُ حُكْمُ الوَقِيذِ؛ وهو نَصٌّ في قَوْلِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في المِعْراضِ: « "وَإذا أصابَ بِعَرْضِهِ فَلا تَأْكُلْ فَإنَّهُ وقِيذٌ".» (p-٩٧)وَ ﴿ "والمُتَرَدِّيَةُ":﴾ هي الَّتِي تَتَرَدّى مِنَ العُلُوِّ؛ إلى السُفْلِ؛ فَتَمُوتُ؛ كانَ ذَلِكَ مِن جَبَلٍ؛ أو في بِئْرٍ؛ ونَحْوِهِما؛ هي "مُتَفَعِّلَةٌ"؛ مِن "اَلرَّدى"؛ وهو الهَلاكُ؛ وكانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَأْكُلُ المُتَرَدِّيَ؛ ولَمْ تَكُنِ العَرَبُ تَعْتَقِدُ مِيتَةَ إلّا ما ماتَ بِالوَجَعِ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ دُونَ سَبَبٍ يُعْرَفُ؛ فَأمّا هَذِهِ الأسْبابُ فَكانَتْ عِنْدَها كالذَكاةِ؛ فَحَصَرَ الشَرْعُ الذَكاةَ في صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ؛ وبَقِيَتْ هَذِهِ كُلُّها مَيْتَةً.
و﴿ "والنَطِيحَةُ":﴾ "فَعِيلَةٌ"؛ بِمَعْنى "مُفْعُولَةٌ"؛ وهي الشاةُ تَنْطَحُها أُخْرى؛ أو غَيْرُ ذَلِكَ؛ فَتَمُوتُ؛ وتَأوَّلَ قَوْمٌ "اَلنَّطِيحَةُ"؛ بِمَعْنى "اَلنّاطِحَةُ"؛ لِأنَّ الشاتَيْنِ قَدْ تَتَناطَحانِ فَتَمُوتانِ؛ وقالَ قَوْمٌ: لَوْ ذَكَرَ الشاةَ لَقِيلَ: "والشاةُ النَطِيحُ"؛ كَما يُقالُ: "كَفٌّ خَضِيبٌ"؛ و"لِحْيَةٌ دَهِينٌ"؛ فَلَمّا لَمْ تُذْكَرْ أُلْحِقَتِ الهاءُ لِئَلّا يُشَكَلَ الأمْرُ: أمُذَكَّرًا يُرِيدُ أمْ مُؤَنَّثًا؟ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ والسُدِّيُّ ؛ وقَتادَةُ ؛ والضَحّاكُ: اَلنَّطِيحَةُ: اَلشّاةُ تُناطِحُ الشاةَ؛ فَتَمُوتانِ؛ أوِ الشاةُ تَنْطَحُها البَقَرُ والغَنَمُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وكُلُّ ما ماتَ ضَغْطًا فَهو نَطِيحٌ؛ وقَرَأ أبُو مَيْسَرَةَ: "والمَنطُوحَةُ".
وقَوْلُهُ: ﴿وَما أكَلَ السَبُعُ﴾ ؛ يُرِيدُ كُلَّ ما افْتَرَسَهُ ذُو نابٍ؛ وأظْفارٍ مِنَ الحَيَوانِ؛ كالأسَدِ؛ والنَمِرِ؛ والثَعْلَبِ؛ والذِئْبِ؛ والضَبْعِ؛ ونَحْوِهِ؛ هَذِهِ كُلُّها سِباعٌ؛ ومِنَ العَرَبِ مَن يُوقِفُ اسْمَ السَبُعِ عَلى الأسَدِ؛ وكانَ العَرَبُ إذا أخَذَ السَبُعُ شاةً فَقَتَلَها؛ ثُمَّ خَلَصَتْ مِنهُ أكَلُوها؛ وكَذَلِكَ إنْ أكَلَ بَعْضَها؛ قالَهُ قَتادَةُ وغَيْرُهُ؛ وقَرَأ الحَسَنُ؛ والفَيّاضُ؛ وطَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمانَ؛ وأبُو حَيْوَةَ: "وَما أكَلَ السَبْعُ"؛ بِسُكُونِ الباءِ؛ وهي لُغَةُ أهْلِ نَجْدٍ؛ وقَرَأ بِذَلِكَ عاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ عنهُ؛ وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "وَأكِيلَةُ السَبُعِ"؛ وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ: "وَأكِيلُ السَبُعِ".
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلا ما ذَكَّيْتُمْ﴾ ؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: والحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ؛ وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ ؛ وقَتادَةُ ؛ وإبْراهِيمُ النَخَعِيُّ ؛ وطاوُسٌ ؛ (p-٩٨)وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ ؛ والضَحّاكُ ؛ وابْنُ زَيْدٍ ؛ وجُمْهُورُ العُلَماءِ: اَلِاسْتِثْناءُ هو مِن هَذِهِ المَذْكُوراتِ؛ فَما أُدْرِكَ مِنها يَطْرِفُ بِعَيْنٍ؛ أو يَمْصَعُ بِرِجْلٍ؛ أو يُحَرِّكُ ذَنَبًا؛ وبِالجُمْلَةِ ما يَتَحَقَّقُ أنَّهُ لَمْ تَفِضْ نَفْسُهُ؛ بَلْ لَهُ حَياةٌ؛ فَإنَّهُ يُذَكّى عَلى سُنَّةِ الذَكاةِ؛ ويُؤْكَلُ؛ وما فاضَتْ نَفْسُهُ فَهو في حُكْمِ المَيْتَةِ بِالوَجَعِ؛ ونَحْوِهِ؛ عَلى ما كانَتِ الجاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ؛ وقالَ مالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ - مَرَّةً بِهَذا القَوْلِ؛ وقالَ أيْضًا - وهو المَشْهُورُ عنهُ؛ وعن أصْحابِهِ مِن أهْلِ المَدِينَةِ -: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ "إلا ما ذَكَّيْتُمْ"؛﴾ مَعْناهُ: مِن هَذِهِ المَذْكُوراتِ؛ في وقْتٍ تَصِحُّ فِيهِ ذَكاتُها؛ وهو ما لَمْ تَنْفُذْ مُقاتِلُها؛ ويَتَحَقَّقْ أنَّها لا تَعِيشُ؛ ومَتى صارَتْ في هَذا الحَدِّ فَهي في حُكْمِ المَيْتَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: إنَّ الِاسْتِثْناءَ في قَوْلِ الجُمْهُورِ مُتَّصِلٌ؛ وفي قَوْلِ مالِكٍ مُنْقَطِعٌ؛ لِأنَّ المَعْنى عِنْدَهُ: "لَكِنْ ما ذَكَّيْتُمْ مِمّا تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ فَكُلُوهُ"؛ حَتّى قالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ المَعْنى: "إلّا ما ذَكَّيْتُمْ مِن غَيْرِ هَذِهِ فَكُلُوهُ"؛ وفي هَذا عِنْدِي نَظَرٌ؛ بَلْ الِاسْتِثْناءُ عَلى قَوْلِ مالِكٍ مُتَّصِلٌ؛ لَكِنَّهُ يُخالِفُ في الحالِ الَّتِي تَصِحُّ فِيها ذَكاةُ هَذِهِ المَذْكُوراتِ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: إنَّ الِاسْتِثْناءَ عِنْدَ مالِكٍ مِنَ التَحْرِيمِ؛ لا مِنَ المُحَرَّماتِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذِهِ العِبارَةِ تَجَوُّزٌ كَثِيرٌ؛ وحِينَئِذٍ يَلْتَئِمُ المَعْنى.
والذَكاةُ في كَلامِ العَرَبِ: اَلذَّبْحُ؛ قالَهُ ثَعْلَبٌ؛ قالَ ابْنُ سِيدَةَ: والعَرَبُ تَقُولُ: « "ذَكاةُ الجَنِينِ ذَكاةُ أُمِّهِ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا إنَّما هو حَدِيثُ.
و"ذَكّى الحَيَوانَ": ذَبَحَهُ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ يُذَكِّيها الأسَلْ
(p-٩٩)وَمِمّا احْتَجَّ بِهِ المالِكِيُّونَ لِقَوْلِ مالِكٍ: "إنَّ ما تُيُقِّنَ أنَّهُ يَمُوتُ مِن هَذِهِ الحَوادِثِ فَهو في حُكْمِ المَيْتَةِ"؛ أنَّهُ لَوْ لَمْ تُحَرَّمْ هَذِهِ الَّتِي قَدْ تُيُقِّنَ مَوْتُها إلّا بِأنْ تَمُوتَ؛ لَكانَ ذِكْرُ المَيْتَةِ أوَّلًا يُغْنِي عنها؛ فَمِن حُجَّةِ المُخالِفِ أنْ قالَ: إنَّما ذُكِرَتْ بِسَبَبِ أنَّ العَرَبَ كانَتْ تَعْتَقِدُ أنَّ هَذِهِ الحَوادِثَ كالذَكاةِ؛ فَلَوْ لَمْ يُذْكُرْ لَها غَيْرُ المَيْتَةِ لَظَنَّتْ أنَّها مِيتَةُ الوَجَعِ؛ حَسْبَما كانَتْ هي عَلَيْهِ.
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّیَةُ وَٱلنَّطِیحَةُ وَمَاۤ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّیۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَ ٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡیَوۡمَ یَىِٕسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن دِینِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِی مَخۡمَصَةٍ غَیۡرَ مُتَجَانِفࣲ لِّإِثۡمࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق