الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ إلى آخره. ﴿حُرِّمَتْ﴾ هذا فعل مبني لما لم يُسمَّ فاعله، والفاعل مَن؟ الله عز وجل، فحُذف الفاعل للعلم به.
فإن قال قائل: قال هنا: ﴿حُرِّمَتْ﴾، وفي سورة البقرة والنحل: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ [البقرة ١٧٣]، [النحل: ١١٥]، ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ﴾ فنسب التحريم إلى الله صراحة فلماذا اختلف التعبير؟
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن بلاغة القرآن لا يمكن أن يدركها كل الناس؛ لأنها كلام من؟ كلام الله عز وجل، والله تعالى لا نحيط به علمًا، لا في ذاته ولا في صفاته، فبلاغة القرآن أعظم من أن تدركها عقولنا، وعلى هذا التقدير، أو على هذا الجواب يجب الإمساك عن مثل هذه الأمور، ونقول: إن الله عز وجل عبر هناك ﴿حَرَّمَ﴾ أضاف الفعل إلى نفسه، وهنا عبر بِحُرّم، وهذا أمر فوق عقولنا، وبذلك يُمسك كل مؤمن عن محاولة التكلف في الفرق.
أما الوجه الثاني: فيمكن أن يقال: هناك قال: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ﴾؛ لأنه بصيغة الحصر في أمور أربعة، فكأنه قال: ما حرم إلا هذا خلافًا لما حرمتم أنتم في الجاهلية ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة ١٠٣]، فقال: ما حرم إلا هذا إظهارًا لفضله عز وجل، وأنه لم يحرم على الناس إلا أربعة أصناف فقط.
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ ﴿الْمَيْتَةُ﴾ هنا (أل) لبيان الحقيقة يعني كل ميتة فهي حرام، والميتة هي ما مات حتف أنفه أو ذُكّي على وجه غير شرعي، هذه الميتة، ما مات حتف أنفه يعني بدون فِعل فاعل، أو بفعل فاعل، لكن على الوجه الشرعي، فمثلًا إذا مرضت البهيمة وماتت، نقول: هذه ماتت حتف أنفها، وإذا دق عنقها شخص فماتت، نقول: هذه ذكاة غير شرعية، يستثنى من الميتة ميتة البحر فإنها ليست بحرام؛ لقول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة ٩٦]، قال عبد الله بن عباس: «صَيْدُهُ مَا أُخِذَ حَيًّا، وَطَعَامُهُ مَا أُخِذَ مَيِّتًا»[[أخرجه الدارقطني في سننه (٤٧٢٨)، والسيوطي في الدر المنثور (٣ / ١٩٨) من حديث ابن عباس، بنحو هذا اللفظ.]]، وفي حديث عبد الله بن عمر: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤)، وأحمد في مسنده (٥٧٢٣) من حديث عبد الله بن عمر.]].
ويستثنى الجراد كما في حديث ابن عمر، والجراد ليس بحريًّا، الجراد لا يعيش إلا في البر، لكنه حلال ميتته حلال، لماذا؟
أولًا: لأن الأمر بتذكيته أو الإلزام بتذكيته إلزام بما لا يمكن، من يستطيع أن يمسك كل جرادة ويذبحها؟
وثانيًا: أنه ليس فيها دم يحتاج إلى استخراجه، فلذلك أُحلّت.
هل يلزم من تحريم الميتة أن تكون نجسة؟ نقول: لا يلزم، لكن هناك دليل على نجاستها، وهو قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥] أي ما ذُكر. إذن يُستثنى من الميتات أيش؟ الجراد، وميتة البحر.
﴿وَالدَّمُ﴾ الدم هنا مطلق، و(أل) فيه لبيان الحقيقة، ولكنه قُيّد في سورة الأنعام بالدم المسفوح احترازًا من الدم الذي يبقى في العروق بعد التذكية، فإنه ليس بحرام، الحرام هو الدم المسفوح الذي يخرج عند الذكاة أو يخرج عند فصل العِرق أو ما أشبه ذلك، وكانوا في الجاهلية يأكلون الميتات، ولا يبالون بها ويقولون: كيف تُحرّمون ما قتله الله ولا تحرمون ما قتلتموه؟ يعني بالذكاة، وكانوا أيضًا يأكلون الدم المسفوح، يفصد الإنسان عرق ناقته ويمصه فحرمه الله عز وجل، الدم يُقيّد هذا بأيش؟ بالدم المسفوح، وعلى هذا فالكبد لا تحرم، الطحال لا يحرم، الكلى لا تحرم، الدم الذي يكون في القلب لا يحرم، الدم الذي يبقى في العروق لا يحرم؛ لأن الدم قيده الله بالمسفوح.
الثاني: ﴿لَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ حرام، والخنزير معروف؛ حيوان خبيث من شأنه أن يأكل القاذورات والحشرات وما أشبهها، وهو أيضًا معروف بعدم الغيرة، والذي يتغذى به يكتسب من طبيعته، ولهذا نهى النبي ﷺ عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير؛ لأن ذوات الأنياب والمخالب من طبيعتها الاعتداء، وأن تفرس غيرها، فلذلك نُهيت عنها؛ لئلا يتأثر الإنسان بغذائه منها، كذلك أيضًا لحم الخنزير يقولون -كما هو مشهور-: إنه قليل الغَيرة.
الرابع: ﴿مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ الإهلال في الأصل رفع الصوت، والمراد به هنا ما ذكر اسم غير الله عليه مثل أن يقول: باسم المسيح، باسم عزير، باسم الرئيس الفلاني، باسم الولي الفلاني، باسم النبي، باسم جبريل، بأي اسم، إذا ذبح على اسم غير الله فإنه حرام.
﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ المنخنقة بنفسها والمخنوقة بفعل فاعل، المنخنقة بنفسها مثل أن تجر الحبل القلادة التي برقبتها، ثم تضيق عليها حتى تنخنق، أو تدخل رأسها -كما قال بعض السلف- بين غصنين من أغصان الشجرة، ثم تعجز عن إخراجها فتنخنق، والصحيح أنه يشمل المختنقة والمنخنقة، المختنقة بفعل فاعل؛ يعني لو أن إنسانًا أمسكها وضم رقبتها حتى ماتت؛ فالصحيح أنها تدخل في المنخنقة وإن كان هذه تسمى مختنقة، فهي شاملة لهذا وهذا، إذن المنخنقة هي الميتة بماذا؟ بالخنق، سواء بفعل نفسها أو بفعل فاعل.
﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ من (الوقذ)، وهو الضرب الشديد حتى تموت، يأتي إنسان مثلًا يضرب البهيمة ضربًا شديدًا فتموت إما بعصا، وإما بحجر، وإما بحبل، أو بغير ذلك، هذه أيضًا لا تحل؛ لأنها موقوذة.
﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ الساقطة من شيء عالٍ، سواء كان عاليًا من فوق أو عاليًا من أسفل؛ فالمتردية من الجبل متردية من فوق، والمتردية من فم البئر إلى أسفله متردية من أسفل، فالمتردية هذه حرام؛ لأنها تموت بغير ذكاة شرعية.
﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ (فَعِيلة) بمعنى (مَفْعولة) أي: المنطوحة، وهي التي تناطحت مع أختها حتى قتلتها؛ لأن هذا الموت ليس بفعل فاعل ممن تصح ذكاته.
﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ ما أكل السبع كالذئب، والكلب، والأسد، وما أشبه ذلك، فالمراد بالسبع هنا كل ما يعتدي على البهائم ويأكلها.
وقوله: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ إذا قال لك: كيف ما أكل السبع؟ ما أكله السبع كيف يستخرج من بطنه؟ يقال: المعنى ما قتله ليأكله، هذا معنى الآية، أو ما شرع في أكله.
﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ ننظر الآن كم عد الله عز وجل من المحرمات: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، تسعة، العاشر: وما ذبح على النصب، هذه التسعة هل الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ يعود على التسع كلها أو على بعضها؟
* طلبة: على بعضها.
* الشيخ: على بعضها قطعًا؛ لأن الميتة لا يمكن أن تذكى؛ لأنها قد ماتت انتهت، لحم الخنزير كذلك لا يمكن أن تحله الذكاة، ما أهل لغير الله به أيضًا لا يمكن أن تحله الذكاة، اللهم إلا أن يدركه الإنسان قبل موته من غير الذي ذكر اسم الله عليه، مثل أن يسمع إنسانًا يذبح شاة يقول: باسم المسيح، ثم ذكاها وانصرف، وأدركنا ذكاته قبل أن يموت، فهذا يدخل في الآية، لكن إذا كان قد قطع الأوداج فإنه يُعتبر في حكم الميت، فلا يمكن أن تأتي عليه الذكاة بعد، إذن يَبتدئ ما في الاستثناء من قوله: ﴿الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾، كم؟ خمس، النطيحة ربما تدركها قبل أن تموت، المتردية كذلك، ما أكل السبع كذلك، الموقوذة كذلك يمكن أن تدركها قبل أن تموت.
فإذا قال قائل: بماذا تكون تذكية هذه الأشياء التي أصابها سبب الموت؟
نقول: التذكية تكون بقطع الحلقوم والمرّيء، أو بقطع الودجين، أو بقطع ثلاثة من أربعة، أو بقطع الأربعة على خلاف بين العلماء، وأرجح الأقوال أن التذكية تحصل بقطع الودجين، هذا أرجح الأقوال، وأن من كمالها قطع الحلقوم والمريء أيضًا، فما هما الودجان؟ العروق الغليظة المحيطة بالحلقوم، تسمونها أيش؟ أيش اسمها عندك في مصر؟
* طالب: الودجين.
* الشيخ: هي (الودجين) بهذا اللفظ؟ إي نعم، وعندنا؟
* طالب: جلاميد.
* الشيخ: جلاميد، وعندكم؟
* طالب: الوردان.
* الشيخ: الوردان أقرب ما يكون للقرآن، ولعل اللغة واسعة أنها الوردان ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق ١٦].
على كل حال إذا أدركها وقطع أوداجها قبل أن تموت فهذه هي التذكية، لكن ما علامة الموت؟ هل لا بد أن تتحرك بيدها أو رجلها أو عينها أو أذنها أو ذنبها، أو لا تشترط الحركة؟
أكثر العلماء يقول: لا بد أن تتحرك؛ لأنك إذا ذبحتها ولم تتحرك معناها أنها ماتت، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: علامة الحياة أن يخرج منها الدم السائل المسفوح الحار الأحمر؛ لأن الحيوان إذا مات انقلب دمه إلى أسود، وانتقل من الحرارة إلى البرودة، وأيضًا تجلّط ما يصير كما يصير عند ذبحه، فيقول رحمه الله: إنه إذا خرج منها الدم الأحمر الحار الذي يسيل فإنها تحل سواء تحركت أم لم تتحرك؛ لأنها قد لا تتحرك لشدة ما نزل بها، يكون قد أغمي عليها مثلًا ما تتحرك لا بعينها ولا برجلها ولا بذنَبها، وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله هو الصحيح، أنه متى خرج منها الدم الأحمر الحار الجاري فهي مذكاة.
﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ يعني ما ذبح على الأصنام، وكانوا يذبحون على الأصنام تقربًا لها، وهذا شرك، وهذا غير قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾؛ لأن الأول ما ذُكر اسم غير الله عليه سواء كان أمام الصنم أو غائبًا عن الصنم، أما هذا ما ذُبح على الصنم، يكون الصنم بين يديه ويذبح لهذا الصنم.
ثم قال عز وجل: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ يعني وحُرّم عليكم أن تستقسموا بالأزلام، ووجه الصلة بين هذه المسألة وما قبلها ظاهر؛ لأن الاستقسام بالأزلام يريد به المستقسِم أن يصل إلى ما هو خير له، وكذلك هنا في المطعومات يريد أن يتناول ما هو خير له.
ما معنى الاستقسام بالأزلام؟ الاستقسام طلب القَسْم؛ يعني طلب ما يقسم الله لك، فهو يشبه في الدين الإسلامي الاستخارة، وكانوا في الجاهلية إذا أراد أحدهم الأمر ولم يتبيّن له وجه الصواب استقسم بالأزلام جمع (زَلَم)، وهي الأقداح، يستقسم بها فيكتب عليها: افعل، لا تفعل، والثالث ما فيه شيء، ثم يضعها في كيس أو نحوه، ويخلط بينها، ثم يخرج واحدًا منها، إن خرج افعل فعل، وإن خرج لا تفعل لم يفعل، وإن خرج الثالث أيش؟ أعاد، وهم إنما يجعلون الثالث الذي ليس فيه افعل ولا تفعل من أجل أن يطول الاستقسام؛ لأنه لو كان شيئين لخرج بأول مرة، لكن يجعلون الثالث من أجل أن يتأخر الاستقسام لعلهم يرجّحون شيئًا على الآخر.
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ ﴿ذَلِكُمْ﴾ المشار إليه كل ما سبق، أو الاستقسام بالأزلام؟ القاعدة: أنه إذا أمكن أن يعود اسم الإشارة أو الضمير إلى كل ما سبق فهو محمول عليه.
وقوله: ﴿فِسْقٌ﴾ الفسق معناه: الخروج عن الطاعة، ومنه قولهم: فسقت الثمرة، إذا خرجت من قشرها، كذلك الخارج عن الطاعة فاسق، خارج عما يجب أن يكون عليه.
ثم قال عز وجل: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ (أل) هنا للعهد، أتموا؟ الحضوري ﴿الْيَوْمَ﴾ يعني: الذي نزلت فيه هذه الآية: ﴿يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾، يعني: يئسوا من أن يُغيّروه أو يبدلّوه؛ لأن الدين الإسلامي -والحمد لله- انتشر وبان وظهر.
﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾؛ لأنه لا داعي إلى الخشية الآن ما دام دينكم قد ظهر، ويئس هؤلاء الكفار من أن يقضوا عليه، فلا تخشوهم واخشون، والخشية هي الخوف الناتج عن علم، دليل ذلك قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨].
قال أهل العلم: والفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون عن علم، والخوف لا يلزم أن يكون عن علم.
ثانيًا: أن الخشية تكون من عِظم المخشي، وإن كان الخاشي قويًّا، لكن المخشي يكون أقوى منه، والخوف لا يدل على عظم المخوف، وإنما يدل على ضعف الخائف، وهذا فرق واضح، الخوف يدل على ضعف الخائف أمام من يخاف منه وإن لم يكن قويًّا، فالطفل الذي له أربع سنين يخاف من الطفل الذي له ثمان سنوات مع أن الثاني ضعيف، لكن الذي يخشى من ملك أو صاحب سلطان قوي هذا يقال: إنه خاشٍ.
﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
﴿الْيَوْمَ﴾ العهد أيضًا هنا حضوري.
﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أي: جعلته كاملًا، وليس المعنى أنني أتممت شرائعه؛ لأنه نزل بعد هذه الآية شيء من الشرائع.
وقوله: ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أي: ما تدينون الله به من العبادة.
﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ التي هي إكمال الدين، وهي أكبر النعم، ومعنى إتمامها أنه ليس فيها نقص.
﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ رضيت لكم الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ دينًا تدينون الله به فلا تتخذوا دينًا سواه.
ثم قال بعد أن ذكر هذه النعم العظيمة علينا، قال عودًا على ما ابتدأ في الآية: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ ﴿اضْطُرَّ﴾ بمعنى أصابته الضرورة، وأصل اضْطُرّ أصلها (اضتر) فقلبت التاء طاء لعلة تصريفية معروفة في علم الصرف.
﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ المخمصة: المجاعة، واسمع إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا» أي: تذهب في الصباح خماصًا، أي: جائعة «وَتَرُوحُ بِطَانًا»[[أخرجه الترمذي (٢٣٤٤) وابن ماجه (٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطاب.]]. إذن مخمصة أي: مجاعة.
﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ أي: غير مائل لإثم، ولا مريد له، لكن للضرورة أكَل من هذه المحرمات ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فيغفر له، وهذا أعني قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ يفسّر قوله في الآيتين السابقتين: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ [البقرة ١٧٣]، فقوله: ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ أي: غير مريد لهذه المحرمات، بل ألجأته الضرورة لها.
﴿وَلَا عَادٍ﴾ أي: معتدٍ يريد الإثم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
والآية فيها فوائد كثيرة نذكرها -إن شاء الله تعالى- في الدرس آخر.
* طالب: أحسن الله إليك، كيف نفرق بين (أل) التي للعهد الحضوري (...)؟
* الشيخ: التي للعهد الحضوري هي التي تعني وقتك الآن، ومن ضوابطها أن كل (أل) بعد اسم الإشارة للحضور: وهذا الرجل، هذا المكان، هذا المسجد، فهي للعهد الحضوري.
* طالب: العهد الذهني؟
* الشيخ: الذهني معناها ما عُلم بالذهن مثل أن تقول: ذهبت مع خصمي إلى القاضي، معلوم أن المراد بالقاضي الذي يحكم بين الناس.
أما العهد الذكري فأن تكون (أل) تشير إلى شيء مذكور، مثل قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل ١٥، ١٦].
* طالب: أحسن الله إليك، قلنا: قوله: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾، وهنا لا يدخل في أنه هذا استثناء من قوله: ﴿بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾.
* الشيخ: بيان لقوله: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾.
* الطالب: نعم، ولا يدخل فيه الدم.
* الشيخ: نعم، الدم من بهيمة الأنعام، لكن لا يدخل فيه الخنزير، الخنزير ليس من بهيمة الأنعام، واضح؟ وعلى هذا فيكون بيانًا لما يمكن بيانه من قوله: ﴿بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾.
* طالب: أحسن الله إليك، نستفيد منها أن الميتة نجس لقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾، ثم قال الله: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾، فهل الدم نجس؟
* الشيخ: إي نعم، الدم اللي من غير الإنسان.
* الطالب: أقصد الإنسان.
* الشيخ: لا، دم الإنسان غير، هل الإنسان يؤكل حتى يدخل دمه في هذا؟ لا، أجب؟
* الطالب: لا يؤكل.
* الشيخ: لا يؤكل، ولو اضطر الإنسان إلى ذلك؟ لو اضطر يحل أو لا يحل؟ أجب يا أخي؟
* الطالب: لا يحل.
* الشيخ: ولو كان مضطرًّا؟
* الطالب: ولو كان مضطرًّا.
* الشيخ: توافقونه على هذا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا توافقون، يعني معناه إذا كان إنسان في سفر، واضطر إلى الأكل ومعه صاحب له يستطيع أن يذكيه ويأكل؟!
* طالب: لا.
* طالب آخر: قال: ميتًا.
* الشيخ: لا، ما جئنا إلى الميت الآن.
* طالب: إن كان حيًّا فنوافقه.
* الشيخ: توافقه؟!
* الطالب: لا يؤكل منه.
* الشيخ: صحيح، إذا كان حيًّا لا يجوز، هذا بالإجماع، أن تقتل إنسانًا لتحيي نفسك، هذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان ميتًا فالمشهور عندنا -يعني في مذهب الحنابلة- أنه لا يجوز أكله حتى وإن كان ميتًا؛ لقول النبي ﷺ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»[[أخرجه أبو داود (٣٢٠٧) وابن ماجه (١٦١٦) من حديث عائشة.]]، فإذا قال: يا جماعة، أنا أموت إذا لم آكل منه، قلنا: ولتمت، هذا أجلك، وذهب بعض العلماء، وهو مذهب الشافعي أنه يجوز للحي أن يأكل الميت عند الضرورة، وعلّلوا ذلك بأن حُرمة الحي أعظم من حرمة الميت.
* طالب: شيخ، إذا قطع السبع أحد الوريدين أوكلاهما يكون (...) ذكاة؟
* الشيخ: لا، ولهذا قال العلماء: إذا قطع السبع الأوداج أو الأوداج مع الحلقوم والمريء على رأي، أو قطع حشوته، حشوته يعني أمعاءه ومعدته، فهذا في حكم الميت لا ينفع فيه التذكية، لكن هذا فيه نظر؛ لأن الآية عامة: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ ثم عطف عليها قوله: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ فهل العطف هنا يدل على أن هذه ليست من شعائر الله؟
* الشيخ: لا، كما قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة ٢٣٨] لا يدل على أن الصلاة الوسطى ليست من الصلوات، لكن قد يُعطف الخاص على العام للعناية به.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [المائدة ٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق أن الله تعالى بيّن المبهم في قوله: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ وأنها كم؟ أيش؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾.
* طالب آخر: إي، كم، كم هي؟
* الطالب: تسع يا شيخ.
* الشيخ: اقرأ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ كم؟ عشرة. ما هي الميتة شرعًا؟
* طالب: هي التي ماتت حتف نفسها، أو بفعل فاعل بدون ذكاة شرعية.
* الشيخ: حتى ولو كان الفاعل هو الله؟
* الطالب: حتى ولو كان الفاعل هو الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: إذا ماتت بغير فعل فاعل، ولو كان الفاعل هو الله فهي ميتة.
* طالب: ما مات حتف أنفه على وجه غير شرعي.
* الشيخ: ما مات حتف أنفه أو ذكي؟
* الطالب: ذكاة غير شرعية.
* الشيخ: ذكاة غير شرعية، هل يستثنى من الميتة شيء؟
* طالب: يستثنى منه الجراد والسمك.
* الشيخ: السمك والجراد طيب، الدليل على استثناء السمك؟
* طالب: قول النبي ﷺ: «أُحِلَّ لَنَا..»[[سبق تخريجه.]].
* الشيخ: لا، من القرآن.
* الطالب: قول الله عز وجل في البحر: طعامه حِلّ لكم.
* الشيخ: لا يا أخي، القرآن ما يروى بالمعنى جزاك الله خيرًا.
* الطالب: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾.
* الشيخ: أحسنت. ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ﴾، ما وجه الدلالة من الآية؟
* طالب: قول ابن عباس أن أحل لكم يعني ما صدتم.
* الشيخ: أن صيد البحر.
* الطالب: حلال لكم.
* الشيخ: ما أخذ.
* الطالب: ما أخذ حيًّا.
* الشيخ: وطعامه؟
* الطالب: وطعامه ما أُخذ ميتًا.
* الشيخ: أحسنت، وكذلك أيضًا قصة السرية الذين وجدوا العنبر، وأقرهم النبي عليه الصلاة والسلام على أكلها[[أخرجه مسلم (١٩٣٥ / ١٧) من حديث جابر.]]. ما هو الدليل على أن الجراد ميتته حلال؟
* طالب: قول النبي ﷺ في حديث ابن عمر: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤) من حديث عبد الله بن عمر.]] والشاهد: قوله: والجراد.
* الشيخ: أحسنت، قوله: الجراد، هذا الحديث أعلّه بعض العلماء لضعفه مرفوعًا، وهذه العلّة معلولة؛ لأننا إذا قلنا: إنه غير مرفوع فهو موقوف في حكم المرفوع؛ لأن ابن عمر إذا قال: أُحِلّ، فيعني به الرسول عليه الصلاة والسلام. طيب الدم؟
* طالب: الدم مُطلق، وقيد في سورة الأنعام بأنه الدم المسفوح.
* الشيخ: أحسنت، المراد به الدم المسفوح، قيدته الآية التي؟
* طالب: في سورة الأنعام.
* الشيخ: نعم، إذن الدم الذي يبقى بعد الذكاة في العروق حلال أو حرام؟
* طالب: حلال يا شيخ.
* الشيخ: حلال؟
* طالب: الدم الذي يبقى في الكبد.
* الشيخ: لا، في العروق بعد الذكاة؟
* الطالب: لا، في العروق يا شيخ حرام.
* الشيخ: بعد الذكاة؟
* طالب: حلال يا شيخ.
* الشيخ: ثابت؟
* الطالب: ثابت يا شيخ.
* الشيخ: زين، توافقون على هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إي نعم، كل دم بعد أن تذكى البهيمة هو حلال؛ يعني ممكن أن تأخذ العرق وتمصه بعد أن تذكي البهيمة، يكون في القلب دم كثير، هل يجوز أن تأكله؟
* طالب: القلب؟
* الشيخ: لا، ما هو القلب، الدم اللي في القلب.
* الطالب: يجوز إي نعم.
* الشيخ: ما هو اللي موجود! يجوز تأكله؟
* طالب: ما يجوز، الكبد والطحال فقط.
* الشيخ: فقط، سليم ماذا يقول؟
* طالب: سليم يقول: عفا الله عنك، يقول: إذا كان الإنسان التحريم للتحريم هذا ما حرام، وإذا كان أن النفس تتركها (...).
* الشيخ: مش المسألة أنه يترك حتى لو ترك القلب كله ما علينا، لكن كلامنا هل يحل أكله أم لا؟ يحل. هل هو دم مسفوح؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ليس دمًا مسفوحًا، دم بعد أن ذُكّيت البهيمة يكون حلالًا ما فيه إشكال.
﴿لَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ واضح. ﴿مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ معناه؟
* طالب: الإهلال في الأصل هو رفع الصوت، والمراد به هنا ما ذُبح به لغير الله، ما قُصد به غير وجه الله.
* الشيخ: ما قصد به غير الله؟
* الطالب: ما ذبح لغير الله.
* الشيخ: خطأ.
* طالب: ما ذُكر عليه اسم غير الله.
* الشيخ: ما ذُكر عليه اسم غير الله، مثل أن يقول؟
* الطالب: باسم المسيح.
* الشيخ: باسم محمد، باسم الرئيس، باسم الملك، باسم الوزير؛ يكون حرامًا، حتى وإن كان لغير العبادة؟
* طالب: نعم، ولو لغير العبادة.
* الشيخ: ولو لغير العبادة، أحسنت، بارك الله فيك.
﴿الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ﴾ أليست من الميتة؟
* طالب: إي نعم يا شيخ من الميتة.
* الشيخ: ما الحكمة في أن الله نص عليها؟
* الطالب: للتوكيد عليها.
* الشيخ: إي.
* طالب: هي يا شيخ يمكن أن تُدرك، أما الميتة فلا يمكن أن تُدرك.
* الشيخ: للاستثناء.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لقوله: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، وهذه الأوصاف أوصاف لسبب الموت، ما الفرق بين المنخنقة والموقوذة؟
* طالب: المنخنقة هي التي خنقت نفسها أو ماتت بالخنق، والموقوذة التي ماتت بالضرب.
* الشيخ: إي نعم، يعني معنى المنخنقة التي غُمّت حتى انخنقت ولم تتنفّس، والموقوذة هي ما مات بالضرب أو نحوه. المتردية هل يدخل فيها الساقطة في بئر؟
* طالب: تدخل فيها.
* الشيخ: تدخل فيها، إذن التردي يكون من أعلى إلى أسفل، إي نعم.
* الطالب: من أعلى أو من أسفل، يعني من جبل أو من..
* الشيخ: يعني سواء تردى من فوق إلى الأرض، أو تردى من فوق الأرض إلى أسفل، كل مُتردٍّ. ما تقول في المدهوسة دهستها سيارة حرام ولَّا حلال؟
* طالب: إن ماتت قبل أن تدرك فهي حرام.
* الشيخ: نعم، ويش أشبه معنى مما ذكر الله؟
* طالب: الموقوذة.
* الشيخ: الموقوذة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: نعم، قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ مستثنى من أين؟
* طالب: مما سبق مما يمكن إدراكه.
* الشيخ: مما سبق مما يمكن إدراكه، وهي؟
* طالب: أقرأ الآية يا شيخ، الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة، قد يمكن، وقد لا يمكن، المنخنقة..
* الشيخ: المهم إلا ما ذكيتم.
* الطالب: أحسنت، إن تمكن من إدراكها خُنقت ثم..
* الشيخ: يعني كل ما يمكن إدراكه مما سبق؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أما الخنزير فهو محرّم لنوعه لا لقصور في سبب موته.
* طالب: قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ ما المراد بهذا اليوم؟
* طالب آخر: ﴿الْيَوْمَ﴾ اللام فيها للعهد الحضوري.
* الشيخ: لا، ما أريد أن تبين اللام، ما المراد باليوم ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ﴾؟
* طالب: هذا يوم عرفة.
* الشيخ: (أل) في قوله: ﴿الْيَوْمَ﴾؟
* طالب: للعهد الحضوري.
* الشيخ: قوله: ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
* طالب: أي: جاءتهم كاملًا.
* الشيخ: أي: جاءتهم كاملًا. وهل يرد على هذا أن الله تعالى أنزل بعد هذا آيات فيها أحكام؟
* طالب: يرد على هذا.
* الشيخ: كيف الجمع؟
* طالب: يقال في التي نزلت في..
* الشيخ: نزلت يوم عرفة، ونزل بعدها آيات فيها أحكام، يعني هل نقول: كل ما ورد من نزول آيات بعد هذا فهو غير صحيح؟ طيب إذا كان صحيحًا كيف نجمع بينه وبين قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ﴾؟
* طالب: لا إشكال فيه؛ لأن اليوم هنا قلنا: المراد كمال الدين، الله عز وجل يخبر أن هذا الدين تام وكامل، ولا يستلزم من ذلك إتمام هذا الدين في هذا اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية.
* الشيخ: إي نعم، صحيح، يعني بيان أن الدين كامل، ولا يعني أنه تام، ولهذا فرّق، قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾.
قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾؟
* طالب: ألجأته الضرورة.
* الشيخ: ألجأته الضرورة، بمعنى؟
* الطالب: ألجأته الضرورة إلى أكل هذه الميتة، التسع المذكورة.
* الشيخ: يعني أنه إن لم يأكل؟
* الطالب: لمات وهلك.
* الشيخ: تضرر. ذكرنا أنه لا يحل المحرم للضرورة إلا بشرطين؟
* طالب: الأول: أن يكون غير متجانف أي: لا يريد الأكل من هذا لقوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾.
* الشيخ: لا، يعني متى تصدق الضرورة إلى فعل محرم؟
* طالب: إذا لم يأكل من المحرم فإنه يهلك أو يخاف فقد..
* طالب آخر: بشرطين، الأول: أن يصدق الضرار لهذا الأمر فلا يجد غيره، الثاني: أن تزول ضرورته بهذا المحرم.
* الشيخ: أحسنت، هذا مهم، ألَّا يوجد ما يدفع به الضرورة إلا هذا؛ لأنه إن وجد لم يضطر.
والثاني: أن تزول ضرورته به، وإنما اشترطنا هذا لئلا يقول قائل: إذن يجوز التداوي بالمحرم، نقول: لا يجوز التداوي بالمحرم، أفهمتم يا جماعة؟ لماذا؟
أولًا: لأنه غير مُلجأ لذلك؛ إذ قد يزول مرضه بدواء آخر، وقد يزول مرضه بدون دواء، كم من إنسان وصل إلى أدنى حال، ثم يشفيه الله عز وجل بدون أي سبب، هذه واحدة. الثاني؟ يا جماعة!
* طالب: تزول ضرورته.
* الشيخ: أن ضرورته لا تزول بهذا الدواء؛ فإنه قد يتداوى الإنسان، ولا يُشفى بخلاف من أكل المحرم للجوع، فإن الإنسان إذا لم يجد مثلًا إلا الميتة فهو الآن لا يمكن تزول ضرورته إلا بأكله، وإذا أكل هل تزول أو لا؟ أيش؟
* طالب: تزول، نعم.
* الشيخ: تزول نعم، إذا أكل ملأ المعدة وانتهى. طيب المخمصة؟
* طالب: المجاعة.
* الشيخ: هل عندك شاهد على أنها المجاعة؟
* الطالب: قول النبي ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»[[أخرجه الترمذي (٢٣٤٤) وابن ماجه (٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطاب.]].
* الشيخ: أحسنت، قول النبي ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا -أي جائعة- وَتَرُوحُ بِطَانًا»[[سبق تخريجه. ]].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم ما ذُكر من أنواع البهائم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل فيما أحل لنا من الحلال، وما حرّم علينا من الحرام؛ لأنه ثبت طبًّا أن هذه الأشياء المحرّمة ضارة، ولأجل ضررها حرّمها الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم الدم إلا ما استثني.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم لحم الخنزير. وهل يلحق بذلك شحمه؟ نعم، بالإجماع أن شحم الخنزير حتى عند الظاهرية يقولون: إن شحم الخنزير حرام؛ لأن اللحم عند الإطلاق يشمل جميع أجزاء البهيمة، أما لو قيل: لحم وشحم فإنه يُفرَّق بينهما، فإذا قيل: لحم، لحم الإبل، لحم الضأن، لحم البقر، لحم الخنزير صار شاملًا أيش؟ شاملًا للجميع.
ننطلق من هذه الفائدة إلى فائدة أخرى وهي: أن لحم الإبل ينقض الوضوء سواء كان اللحم الأحمر، أو الأبيض، أو أي جزء من أجزاء البدن، وهذا هو القول الراجح: أن لحم الإبل ينقض سواء كان من اللحم الأحمر، أو من اللحم الأبيض، أو من الأمعاء، أو من الكرش، أو من غيرها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تعظيم الشرك، وأنه يؤثر حتى على المأكولات؛ لقوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِْ﴾.
* ومن فوائدها: تحريم ما أُهلّ لغير الله به سواء أُهِلّ باسم ملك، أو نبي، أو رئيس، أو وطن، أو غير ذلك؛ لعموم قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع.
* ومن فوائدها: أن ما أُدرك حيًّا من هذه الأشياء التي لم تمت فأُدرك فإنه يكون حلالًا؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾. وسبق لنا في التفسير متى يُدرك، هل هو لا بد من حركته بيده أو رجله أو ذنبه أو عينه؟ وبيّنا أن القول الراجح أنه إذا خرج منه الدم الأحمر السيّال فهو حي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تأثير النية في العمل؛ لقوله: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ أي: للأصنام فإنه يكون حرامًا حتى لو ذُكِر اسم الله عليه، وذلك لتأثير أيش؟ النية، وأن النية تؤثر حتى في حِلّ الأشياء وتحريمها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم الاستقسام بالأزلام، وهل يدخل في ذلك الاستقسام بغيرها؟ الجواب: نعم؛ لأنه مبني على وهم، وليس على حقيقة، لكن الله أبدل العباد بماذا؟ بالاستخارة، وأما الاستقسام بأي شيء فإنه لا يجوز، لو أنه أراد يستقسم يقول: إن ظهر عليّ رجل بالغ سافرت، وإن ظهر عليّ صبي صغير لم أسافر، وما أشبه ذلك من الاستقسامات فهذا حرام، ولا يجوز.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الاستقسام بالأزلام فسق، والغرض من ذلك التنفير منه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من استقسم بالأزلام سقطت ولايته وإمامته وعدالته؛ لأن الفاسق تسقط ولايته، ولا يؤم، ولا يكون عدلًا، فكل ما تُشترط فيه العدالة فإن من استقسم بالأزلام لا يتولّاه، لكن الإمامة على القول الراجح لا بأس أن يصلي خلف إمام فاسق، إنما عندما نريد أن نقدم من يصلي لا نقدم إنسانًا فاسقًا، لكن افرض أنه تقدم.
جمعك الحضور بين رجل حالق اللحية ورجل آخر غير حالق اللحية، وأنت أيضًا غير حالق اللحية، فتقدم الحالق هل من الحكمة أن تقول: تأخّر؟
الجواب: لا، لما في ذلك من الشر والفساد، إلا إذا علمت أنك إذا فعلت فإنه سوف يتوب ويقلع فنعم، وإلَّا لا تفعل، صلِّ وراءه، وفسقه على نفسه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المشركين أيسوا من تغيير الناس عن دينهم؛ لقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾، ونظير هذا قول النبي ﷺ: «إِنَّ الشّيْطَانَ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»[[أخرجه مسلم (٢٨١٢ / ٦٥) من حديث جابر بن عبد الله.]]. وذكرنا على هذا إشكالًا وأجبنا عنه، وهو أيش؟ أن الشرك وقع؟ فيقال: إن هذا خبر عما كان في نفوس هؤلاء الكفار، ولا يلزم أن يقع ما كان في نفوسهم، بل قد تتغير الحال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم خشية الكفار التي يترتب عليها المداهنة في دين الله؛ لقوله: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾.
* ومن فوائدها: بيان نعمة الله على هذه الأمة، وله الحمد والمنة بإكمال الدين؛ لقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: شرف ذلك اليوم الذي أُكمل فيه الدين؛ لأنه لولا ذلك لم يكن لقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فائدة، لكن فيه الإشارة إلى شرف ذلك اليوم، ولكن هل نُشرّف ذلك اليوم بما لم يُشرفه الله؟ لا، ولكن نقتصر على ما جاء من شرفه، ولهذا لما« قال أحد اليهود لعمر بن الخطاب: إن الله أنزل آية لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، وتلا الآية:» ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣]، «فقال عمر: إني أعلم متى نزلت على رسول الله ﷺ. وذكر أنها نزلت يوم الجمعة في يوم عرفة»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥)، ومسلم (٣٠١٧ / ٣) من حديث عمر بن الخطاب.]]. ولكن الشأن كل الشأن ألا نعظم ذلك اليوم بأكثر مما جاء، وإنما قلت ذلك درءًا لقول من قال: إنه ينبغي أن نشرِّف اليوم الذي ولد فيه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي ﷺ لما سُئل عن صوم يوم الاثنين قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَبُعِثْتُ فِيهِ». أَوْ: «أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ»[[أخرجه مسلم (١١٦٢ / ١٩٧) من حديث أبي قتادة الأنصاري.]].
قال: فكونه نص على أنه ولد فيه يدل على أن له شرفًا، فيقال: الشرف يُتلقّى من الشرع، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر شرف اليوم الذي ولد فيه بوقته من الشهر، بل ذكر شرفه بوقته من الأسبوع، وهناك فرق بين هذا وهذا، ثانيًا: أن الشرف الذي يُعطى لهذا اليوم الذي أُنزل فيه القرآن على الرسول ووُلد فيه هو الصوم فقط، هكذا جاءت السنة، وما سوى ذلك فلا، فلو أن أحدًا أراد أن يُكثر الصلاة في يوم الإثنين بناءً على أنه اليوم الذي وُلد فيه الرسول وبُعث فيه لقلنا: هذا خطأ.
* ومن فوائد هذه الآية: أن تمسكنا بالدين يجب أن نكون فخورين به؛ لقوله: ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فأضافه الله إلينا لنفخر به، ونعتز به، وندافع عنه، وهل الأمر كذلك بالنسبة لحال الناس اليوم؟
بالنسبة لحال الناس اليوم كثير من المسلمين مع الأسف بالعكس، كثير من المسلمين يستحي أن يقول إنه مسلم، وهذا ذل عظيم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل تفضّل على عباده بإتمام النعمة؛ لقوله: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾.
* ويتفرع على ذلك: أنه عز وجل يُثني على نفسه بما أنعم به من أجل أن يتحبّب لعباده بنعمه، ولهذا جاء في الحديث: «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ»[[أخرجه الترمذي (٣٧٨٩) من حديث ابن عباس. ]] وهذا هو الموافق للفطرة أن أي إنسان يُحسن إليك فإنك سوف تحبه، هذا وهو مخلوق مثلك، فكيف بالخالق عز وجل؟!
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما خالف ما جاءت به الشريعة فهو غير مَرْضِيّ عند الله ولا مقبول؛ لقوله: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ وهذا يشمل الدين كله، والفروع التي تكون بزعم الفاعل من الدين، فمثلًا هل رضي الله لعباده الكفر؟ لا، هل رضي لعباده أن يبتدعوا في دينه ما ليس منه؟ لا، فهذه كلمة ﴿رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ يعني بأصوله وفروعه وجملته وجزئه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله تعالى بعباده حيث أباح لهم المحرّم عند الضرورة، وهناك آية تعتبر قاعدة في جميع المحرّمات، وهي قوله تبارك وتعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام ١١٩]، هذه الآية التي تلوتها أخيرًا أعم؛ لأن الآية التي في سورة المائدة: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ إلى أيش؟ إلى ما ذكر ليأكل منها، وأما ما أشرت إليه ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام ١١٩]، فهو عام شامل، بقي أن يقال: لو اضطر الإنسان إلى شُرب الخمر للعطش، أيشربه؟
* الطلبة: لا يشربه.
* الشيخ: نقول: إن اندفعت ضرورته بذلك فنعم؛ لأن الآية ما فيها استثناء، لكن العلماء يقولون: إنه لا يمكن أن تندفع ضرورته بشرب الخمر؛ لأنه لا يزيده إلا حرقانًا وعطشًا، ولذلك لو اضطر إلى دفع لقمة غص بها، وعنده كأس من الخمر فهنا يجوز أن يشرب ما يدفع به اللقمة؛ لأنه هنا تندفع الضرورة به، أفهمتم؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: إعمال النية وتأثيرها في الأعمال؛ لقوله: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾.
* ومن فوائدها: أنه يجب التحرُّز في انتهاك المحرّم، وأن لا تغلبه نفسه وهواه حتى يتجانف؛ يعني يتمايل أو يميل إلى الإثم، بل عليه أن يتحرى.
وهل يؤخذ من الآية الكريمة أنه لا يجوز أن يأكل من الميتة وما ذُكر إلا بقدر ما يسد الرمق أو له أن يشبع؟
* طلبة: الأول.
* الشيخ: نعم، الأول، إلا إذا علم أنه لن يجد ما يأكله، وليس معه ما يحمل الميتة فيه، فحينئذٍ يُضطر إلى أن يشبع، ويحمل معه في معدته معها سقاؤها وحذاؤها، لكن إذا كان يعلم أنه سيصل إلى ما يأكله قبل أن تدركه الضرورة مرة أخرى، فهل يجوز أن يأكل أكثر من ضرورته؟ لا.
علم أنه لن يصل إلا بعد أن تعود الضرورة، وليس معه ما يحمل هذه الميتة يجوز أن يشبع؟ نعم؛ لأنه مضطر لذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أخذ الأحكام من أسماء الله عز وجل، وذلك لأن أسماء الله، ولا سيما المتعدية لا بد أن يكون لها أثر، وهو ما أشرنا إليه سابقًا؛ أن الاسم المتعدي لا يتم الإيمان به إلا بإثباته اسمًا من أسماء الله، وإثبات ما تضمنه من صفة، وإثبات الأثر، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ والعلماء -رحمهم الله- يأخذون الأحكام من مثل هذا التعبير مثل قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤]؛ يعني معناها إذا تاب قُطّاع الطريق قبل القدرة عليهم سقط عنهم الحد.
ويُذكر أن أحد الأعراب سمع قارئًا يقرأ قول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم)، فقال الأعرابي: أعد الآية، أخطأت، فأعادها، وقال: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم)، فقال: أخطأت، أعدها، فأعادها فأدركها في المرة الثالثة، وقال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة ٣٨]، قال: الآن أصبت، عز وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع، شوف الفهم، وهذا لا شك فيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين من أسماء الله: الغفور والرحيم، وإثبات ما تضمناه من صفة، وما تضمناه من أثر؛ لأن الغفور يتعدّى، وكذلك الرحيم.
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾.
* طالب: أشكل عليّ المعنى الذي ذكرناه في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، قلنا: إن المراد أن الدين تام وليس المراد..
* الشيخ: تام، نعم.
* الطالب: تام، فهذا يصدق من أول يوم نزل فيه الشرع، بمعنى هذا الشرع.
* الشيخ: لا، هذا ما يصدق؛ لأن أول يوم نزل الشرع لم تتكامل جملة الشرع، ولا يمكن أن يقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ﴾ وهو لم ينزل منه إلا جزء يسير.
* طالب: المعنى يكون كملت الشرائع الكبيرة؟
* الشيخ: كملت الشرائع الكبيرة، وكذلك أيضًا هذه الشرائع الكبيرة، ومنها ما يلحق بعد كلها كامل.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الاستقسام بالأزلام ما صلته بالتطيُّر؟
* الشيخ: هذا ليس من باب التطير، التطير يحصل بغير إرادة الإنسان، والاستقسام بالأزلام بفعل الإنسان، فالتطير مثلًا إذا رأى طيرًا اتجه عند طيرانه إلى جهة ما تطيّر، وعزم على الفعل أو ترَك، لكن الاستقسام يكون من فعله هو نفسه.
* الطالب: لكن شيخ، إذا قلنا: إذا خرج عليهم مثلًا رجل بالغ قال..
* الشيخ: إي نعم، يعني لو قال ذلك، قال: أنا بأستقسم بهذا بخلاف المتطير بمجرد ما يخرج عليه يترك أو يمضي، أما هذا فقد جعل هذا الشيء هو السبب، ففرق بين من يأتي بلا قصد وما يأتي بقصد.
* طالب: شيخ، ما يحصل كثيرًا اليوم من الاستقسام بقطعة النقود المعدنية كأن يقول مثلًا: إن خرج الوجه، مثلًا اختلف صديقان يعني هل يذهبان أم لا، فيقول: إن خرج الوجه ذهبنا، وإن لم يخرج الوجه بقينا؟
* الشيخ: نعم، هذا من الاستقسام بالأزلام.
* الطالب: عفا الله عنك، يا شيخ، من تبرك بعيد الميلاد، وقال: إننا نحن نفعل عيد الميلاد مثل ما تفعلون بصوم الاثنين؛ لأن كثيرًا من الناس الحين يحصل لهم لبس في عيد الميلاد؟
* الشيخ: ذكرنا أن التعظيم حكم شرعي يحتاج إلى ثبوت، وهل عُظِّم مولد الرسول عليه الصلاة والسلام بمثل ما يفعله الناس اليوم؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: طيب، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام ما ذكر اليوم الذي وُلد فيه من الشهر، ذكر من الأسبوع، وهؤلاء يعتبرونه بالشهر أو بالأسبوع؟ بالشهر، وأيضًا ذكرنا لكم أنه لم يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام وُلد في اليوم الثاني عشر، وأن بعض المحققين المعاصرين حقق أن ولادته كان في اليوم التاسع.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الأمر الذي ذكره الأخ قبل، إذا قُصد به القرعة كأن يتساوى العملان عند المختلفين، يتساوى الذهاب وعدمه، ولا يقصدون به معرفة؟
* الشيخ: ما يجوز هذا؛ لأن القرع إنما تكون في حق من الحقوق لا في الإرادات أو المضي أو الرجوع، هذا استقسام بالأزلام لا شك.
* طالب: النطيحة يا شيخ أشبه.. التي تصدم بالسيارة أشبه بالموقوذة أو النطيحة؟
* الشيخ: هذا يقول: أيهما أقرب ما حصل بدهس السيارة، هل الأقرب أن يكون من الموقوذة أو من النطيحة؟
* طالب: أو من المتردية؟
* الشيخ: ما تقولون؟
* طلبة: الموقوذة.
* الشيخ: لا، الموقوذة.
* طالب: النطيحة يا شيخ هو (...).
* طالب آخر: إذا كانت السيارة (...).
* الشيخ: النطيحة أن تتناطح البهيمتان، ولا أظن أن صاحب السيارة يريد أن ينطح الشاة!
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ما هو الفرق بين الضرورة والحاجة والأمور المترتبة عليهما؟
* الشيخ: الفرق بأن الحاجة من باب الكماليات، والضرورة من باب دفع الضرر؛ يعني مثلًا إنسان عليه ثوب يقيه البرد، ولو خلعه لضره البرد، لكنه يحصل به نوع من التأذي؛ لأنه ليس كاملًا، فلبس عليه ثوبًا آخر هو بالنسبة للثوب الأول؟ حاجة ولَّا ضرورة؟
* طلبة: ضرورة.
* الشيخ: الأول ضرورة؛ لأنا قلنا: إذا لم يلبس ثوبًا تضرر من البرد، فلبس ثوبًا، نقول: هذا بالنسبة له ضرورة، لكن لبس عليه آخر لدفع التأذي فقط لا لدفع الضرر، نقول: هذا حاجة، والفرق بينهما ظاهر؛ أنه لا يُبيح المحرمات إلا الضرورة، وأما المكروهات فتبيحها الحاجة.
* طالب: شيخ، أقول: بعض الأصوليين يفرقون، يقولون: ما كان حرامًا لذاته فلا يجوز ارتكابه للضرورة، وما كان حرامًا لغيره فيجوز للحاجة، فما رأيكم في هذا التفريق يا شيخ؟
* الشيخ: ما هو صحيح، أقول: ليس بصحيح؛ لأن ما حرم لغيره كالذي يحرم لذاته بالنسبة لوجوب تجنّبه.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، التي يأكلها السبع أو المتردية، ووجدناها بها جرح مميت، خروج ما في بطنها أو نحو ذلك؛ يعني مما لا تحيا بعده، ثم ذكيناها وخرج الدم الأحمر، فهل هذه ذكاة؟
* الشيخ: إي نعم، هذه مُحلّة تحلها إلا أنهم قالوا: ما أُبينت حشوته، فهذا لا يحل، يعني مثلًا قُطّعت أمعاؤه كله، ومعدته أخرجت بره، ما هو خرجت قُطّعت، أو ما بليت أوداجه، لكن ذكرنا أن ظاهر الآية الكريمة العموم.
{"ayah":"حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّیَةُ وَٱلنَّطِیحَةُ وَمَاۤ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّیۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَ ٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡیَوۡمَ یَىِٕسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن دِینِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِی مَخۡمَصَةٍ غَیۡرَ مُتَجَانِفࣲ لِّإِثۡمࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق