الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ إنِّي﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ " أنِّي " بِفَتْحِ الألِفِ، والتَّقْدِيرُ: أرْسَلْناهُ بِأنِّي، وكَأنَّ الوَجْهَ بِأنَّهُ لَهم نَذِيرٌ، ولَكِنَّهُ عَلى الرُّجُوعِ مِنَ الإخْبارِ عَنِ الغائِبِ إلى خِطابِ نُوحٍ قَوْمَهُ. وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ " إنِّي " بِكَسْرِ الألِفِ، فَحَمَلُوهُ عَلى القَوْلِ المُضْمَرِ، والتَّقْدِيرُ فَقالَ لَهم: إنِّي لَكم نَذِيرٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما نَراكَ إلا بَشَرًا مِثْلَنا﴾ أيْ: إنْسانًا مِثْلَنا، لا فَضْلَ لَكَ عَلَيْنا. فَأمّا الأراذِلُ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُمُ السَّفِلَةُ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هم جَمْعُ " أرْذَلَ "، يُقالُ: رَجُلٌ رَذْلٌ، وقَدْ رَذُلَ رَذالَةً ورُذُولَةً. ومَعْنى الأراذِلِ: الشِّرارُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بادِيَ الرَّأْيِ﴾ قَرَأ الأكْثَرُونَ " بادِيَ " بِغَيْرِ هَمْزٍ. وقَرَأ (p-٩٦)أبُو عَمْرٍو بِالهَمْزِ بَعْدَ الدّالِ. وكُلُّهم هَمَزَ " الرَّأْيَ " غَيْرَ أبِي عَمْرٍو. ولِلْعُلَماءِ في مَعْنى " بادِي " إذا لَمْ يُهْمَزُ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ المَعْنى: ما نَرى أتْباعَكَ إلّا سَفِلَتَنا وأرْذالَنا في بادِي الرَّأْيِ لِكُلِّ ناظِرٍ، يَعْنُونَ أنَّ ما وصَفْناهم بِهِ مِنَ النَّقْصِ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ فَيُخالِفَنا، هَذا مَذْهَبُ مُقاتِلٍ في آخَرِينَ. والثّانِي: أنَّ المَعْنى أنَّ هَؤُلاءِ القَوْمَ اتَّبَعُوكَ في ظاهِرِ ما يُرى مِنهم، وطَوِيَّتُهم عَلى خِلافِكَ. والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: اتَّبَعُوكَ في ظاهِرِ رَأْيِهِمْ، ولَمْ يَتَدَبَّرُوا ما قُلْتَ، ولَوْ رَجَعُوا إلى التَّفَكُّرِ لَمْ يَتَّبِعُوكَ، ذَكَرَ هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ الزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وهَذِهِ الثَّلاثَةُ الأقْوالِ عَلى قِراءَةِ مَن لَمْ يَهْمِزْ، لِأنَّهُ مِن بَدا، يَبْدُو: إذا ظَهَرَ. فَأمّا مَن هَمَزَ " بادِئَ " فَمَعْناهُ: ابْتِداءُ الرَّأْيِ، أيِ: اتَّبَعُوكَ أوَّلَ ما ابْتَدَؤُوا يَنْظُرُونَ، ولَوْ فَكَّرُوا لَمْ يَعْدِلُوا عَنْ مُوافَقَتِنا في تَكْذِيبِكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما نَرى لَكم عَلَيْنا مِن فَضْلٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: مِن فَضْلٍ في الخَلْقِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: في المُلْكِ والمالِ ونَحْوِ ذَلِكَ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: ما فُضِّلْتُمْ بِاتِّباعِكم نُوحًا، ومُخالَفَتِكم لَنا بِفَضِيلَةٍ نَتْبَعُكم طَلَبًا لَها، ذَكَرَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ نَظُنُّكم كاذِبِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: نَتَيَقَّنُكم، قالَهُ الكَلْبِيُّ. والثّانِي: نَحْسَبُكم، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أرَأيْتُمْ إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي﴾ أيْ: عَلى يَقِينٍ وبَصِيرَةٍ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وقَوْلُهُ: " إنْ كُنْتُ " شَرْطٌ لا يُوجِبُ شَكًّا يَلْحَقُهُ، لَكِنَّ (p-٩٧)الشَّكَّ يَلْحَقُ المُخاطَبِينَ مِن أهْلِ الزَّيْغِ، فَتَقْدِيرُهُ: إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي عِنْدَكم. ﴿وَآتانِي رَحْمَةً مِن عِنْدِهِ﴾ فِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّها النُّبُوَّةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: الهِدايَةُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: " فَعَمِيَتْ " بِتَخْفِيفِ المِيمِ وفَتْحِ العَيْنِ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: والمَعْنى عَمِيتُمْ عَنْها، يُقالُ عَمِيَ عَلَيَّ هَذا الأمْرُ: إذا لَمْ أفْهَمْهُ، وعَمِيتُ عَنْهُ بِمَعْنًى. قالَ الفَرّاءُ: وهَذا مِمّا حَوَّلَتِ العَرَبُ الفِعْلَ إلَيْهِ، وهو في الأصْلِ لِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِمْ: دَخَلَ الخاتَمُ في يَدِي، والخُفُّ في رِجْلِي، وإنَّما الإصْبَعُ تَدَخُلُ في الخاتَمِ، والرِّجْلُ في الخُفِّ، واسْتَجازُوا ذَلِكَ إذْ كانَ المَعْنى مَعْرُوفًا. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: " فَعُمِّيَتْ " بِضَمِّ العَيْنِ وتَشْدِيدِ المِيمِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ومَعْنى ذَلِكَ: فَعَمّاها اللَّهُ عَلَيْكم إذْ كُنْتُمْ مِمَّنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالشَّقاءِ. وكَذَلِكَ قَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، والأعْمَشُ: " فَعَمّاها عَلَيْكم " . وَفِي المُشارِ إلَيْها قَوْلانِ: أحَدُهُما: البَيِّنَةُ والثّانِي: الرَّحْمَةُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنُلْزِمُكُمُوها﴾ أيْ: أنُلْزِمُكم قَبُولَها ؟ وهَذا اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ الإنْكارُ، يَقُولُ: لا نَقْدِرُ أنْ نُلْزِمَكم مِن ذاتِ أنْفُسِنا. قالَ قَتادَةُ: واللَّهِ لَوِ اسْتَطاعَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ لَألْزَمَها قَوْمَهُ، ولَكِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ. وقِيلَ: كانَ مُرادُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ رَدَّ قَوْلِهِمْ: ﴿وَما نَرى لَكم عَلَيْنا مِن فَضْلٍ﴾ فَبَيَّنَ فَضْلَهُ وفَضْلَ مَن آمَنَ بِهِ بِأنَّهُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ، وقَدْ آتاهُ رَحْمَةً مِن عِنْدِهِ وسُلِبَ المُكَذِّبُونَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا أسْألُكم عَلَيْهِ﴾ أيْ: عَلى نُصْحِي ودُعائِي إيّاكم ﴿مالا﴾ فَتَتَّهِمُونِي. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: لَمّا كانَتِ الرَّحْمَةُ بِمَعْنى الهُدى والإيمانِ، جازَ تَذْكِيرُها. (p-٩٨)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أنا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَألُوهُ طَرْدَهم أنَفَةً مِنهم، فَقالَ: لا يَجُوزُ لِي طَرْدُهم، إذْ كانُوا يَلْقَوْنَ اللَّهَ فَيَجْزِيهِمْ بِإيمانِهِمْ، ويَأْخُذُ لَهم مِمَّنْ ظَلَمَهم وصَغَّرَ شُؤُونَهم. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنِّي أراكم قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: تَجْهَلُونَ أنَّ هَذا الأمْرَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: تَجْهَلُونَ لِأمْرِكم إيّايَ بِطَرْدِ المُؤْمِنِينَ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب