الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، وما أذن الله لمؤمن ولا أباح له أن يقتل مؤمنًا. يقول: ما كان ذلك له فيما جعل له ربه وأذن له فيه من الأشياء البتة، كما:-
١٠٠٨٨- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، يقول: ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه، من عهد الله الذي عهد إليه.
* * *
وأما قوله:"إلا خطأ"، فإنه يقول: إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، وليس له مما جعل له ربه فأباحه له. وهذا من الاستثناء الذي يُسميه أهل العربية"الاستثناء المنقطع"، كما قال جرير بن عطية:
مِنَ البِيضِ، لَمْ تَظْعَنْ بَعِيدًا، وَلَمْ تَطَأْ ... عَلَى الأرْضِ إِلا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ [[ديوانه: ٤٥٧، والنقائض: ٧٠٦، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٣٧، من قصيدته التي هجا فيها الفرزدق وآل الزبرقان بن بدر، وهو من أول القصيدة، وقبله: أَمِنْ عَهْدِ ذِي عَهْدٍ تَفِيضُ مَدَامِعِي ... كَأَنَّ قَذَى الْعَيْنَيْنِ مِنْ حَبِّ فُلْفُلِ؟
فَإنْ يَرَ سَلْمَى الجِنُّ يَسْتَأْنِسُوا بِهَا، ... وَإِنْ يَرَ سَلْمَى رَاهِبُ الطُّورِ يَنْزِلِ
ورواية الديوان وأبي عبيدة في النقائض: "إِلاَّ نِيرَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ"
و"النير" (بكسر النون) : علم الثوب. و"المرط": إزار خز له علم، ويكون من صوف أيضا. وأما "الريط" فهو جمع"ريطة": وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم تكن لفقين، وتكون ثوبًا دقيقًا لينًا. و"المرحل": الموشى، وهو ضرب من البرود، وشيه معين كتعيين جديات الرحل. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "مرجل" بالجيم، وهو خطأ.]]
يعني: ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البُرْد من الأرض. [[هذه مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ١٣٦-١٣٨.]]
ثم أخبر جل ثناؤه عباده بحكم من قُتل من المؤمنين خطأ، فقال:"ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير"، يقول: فعليه تحرير ="رقبة مؤمنة"، في ماله ="ودية مسلمة"، تؤديها عاقلته [["العاقلة"،: هم العصبة، وهم القرابة من قبل الأب، الذين يعطون دية قتل الخطأ. من"العقل"، وهي الدية.]] ="إلى أهله إلا أن يصدقوا"، يقول: إلا أن يصدق أهل القتيل خطأ على من لزمته دية قتيلهم، فيعفوا عنه ويتجاوزوا عن ذنبه، فيسقط عنه.
* * *
وموضع"أن" من قوله:"إلا أن يصدقوا"، نصب، لأن معناه: فعليه ذلك، إلا أن يصدّقوا.
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان قد قتل رجلا مسلمًا بعد إسلامه، وهو لا يعلم بإسلامه.
ذكر الآثار بذلك:
١٠٠٨٩- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، قال: عياش بن أبي ربيعة، قتل رجلا مؤمنًا كان يعذِّبه مع أبي جهل= وهو أخوه لأمه= فاتّبَع النبي ﷺ وهو يحسب أن ذلك الرجل كان كما هو. وكان عيّاش هاجر إلى النبي ﷺ مؤمنًا، فجاءه أبو جهل= وهو أخوه لأمه= فقال: إنّ أمك تناشدك رَحِمها وحقَّها أن ترجع إليها= وهي أسماء ابنة مخرِّبة، [[في المطبوعة: "بنت مخرمة"، والصواب من المخطوطة: "مخربة" بالراء المشددة المكسورة، وبالباء. وأسماء من بني نهشل بن دارم، تميمية.]] فأقبل معه، فربطه أبو جهل حتى قدم مكة. فلما رآه الكفار زادهم ذلك كفرًا وافتتانًا، وقالوا: إنّ أبا جهل ليقدِرُ من محمدٍ على ما يشاء ويأخذ أصحابه.
١٠٠٩٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه= إلا أنه قال في حديثه: فاتبع النبي ﷺ ذلك الرجل، وعيّاش حَسبه أنه كافر كما هو. [[في المطبوعة: "وعياش يحسبه"، وأثبت ما في المخطوطة.]] وكان عياش هاجر إلى المدينة مؤمنًا، فجاءه أبو جهل= وهو أخوه لأمه- فقال: إن أمك تنشُدك برحمها وحقها إلا رجعت إليها. وقال أيضًا: ويأخذ أصحابه فيربطهم. [[في المطبوعة: "فيأخذ" بالفاء، وأثبت ما في المخطوطة.]]
١٠٠٩١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه= قال ابن جريج، عن عكرمة قال: كان الحارث ابن يزيد بن أنيسة، [[في المطبوعة: "بن نبيشة"، وفي المخطوطة بهذا الرسم، بغير ألف في أوله، غير منقوطة. والصواب من الإصابة وأسد الغابة وغيرهما.]] = من بني عامر بن لؤي= يعذِّبُ عياشَ بن أبي ربيعة مع أبي جهل. ثم خرج الحارث بن يزيد مهاجرًا إلى النبي ﷺ، فلقيه عياش بالحرّة، فعلاه بالسيف حتى سكت، [["سكت" سكن، وانقطعت حركته. وهو مما يزاد من المجاز على نصوص المعاجم.]] وهو يحسب أنه كافر. ثم جاء إلى النبي ﷺ فأخبره، ونزلت:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، الآية فقرأها عليه، ثم قال له: قم فحِّررْ.
١٠٠٩٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي= وكان أخًا لأبي جهل بن هشام، لأمه [[في المطبوعة: "فكان أخا" أساء قراءة المخطوطة.]] = وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قُدُوم رسول الله ﷺ. فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام، ومعهما رجل من بني عامر بن لؤي. فأتوه بالمدينة، وكان عياش أحبَّ إخوته إلى أمه، فكلَّموه وقالوا:"إنّ أمك قد حلفت أن لا يُظِلَّها بيت حتى تراك، وهي مضطجعة في الشمس، فأتها لتنظر إليك ثم ارجع"! وأعطوه موثقًا من الله لا يَهِيجونه حتى يرجع إلى المدينة، [[في المطبوعة: "لا يحجزونه"، وهو خطأ وتغيير لما في المخطوطة."هاجه يهيجه": أزعجه ونفره، يريد: لا يؤذونه بما يزعجه أو ينفره.]] فأعطاه بعض أصحابه بعيرًا له نجيبًا وقال: إن خفت منهم شيئًا، فاقعد على النجيب. فلما أخرجوه من المدينة، أخذوه فأوثقوه، وجَلَده العامريّ، فحلف ليقتلنَّ العامري. فلم يزل محبوسًا بمكة حتى خرج يوم الفتح، فاستقبله العامريّ وقد أسلم، ولا يعلم عيّاش بإسلامه، فضربه فقتله. فأنزل الله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن="ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة وديةٌ مسلمة إلى أهله إلا أن يصدّقوا"، فيتركوا الدّية.
* * *
وقال آخرون: نزلت هذه الآية في أبي الدرداء.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٠٩٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، الآية، قال: نزل هذا في رجل قتله أبو الدرداء، نزل هذا كله فيه. [[حذفت المطبوعة قوله: "نزل هذا كله فيه"، ولا أدري لم فعل ذلك!!]] كانوا في سرية، فعدَل أبو الدرداء إلى شِعْبٍ يريد حاجة له، فوجد رجلا من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف فقال: لا إله إلا الله! قال: فضربه، ثم جاء بغنمه إلى القوم. ثم وجد في نفسه شيئًا، فأتى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال له رسول الله ﷺ: ألا شققتَ عن قلبه! فقال: ما عَسَيْتُ أجِدُ! [[قوله: "ما عسيت أجد"، من"عسى"، كأنه قال: ماذا أجد بقتلي إياه وهو مشرك.]] هل هو يا رسول الله إلا دمٌ أو ماء؟ قال: فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه؟ قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ قال: فكيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ = حتى تمنَّيتُ أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال: ونزل القرآن:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ" حتى بلغ"إلا أن يصدّقوا"، قال: إلا أن يَضَعوها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عرَّف عبادَه بهذه الآية مَا على مَن قتل مؤمنًا خطأ من كفَّارة ودية. وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله، وفي أبي الدرداء وصاحبه. وأيّ ذلك كان، فالذي عَنَى الله تعالى بالآية: تعريفَ عباده ما ذكرنا، وقد عرف ذلك من عَقَل عنه من عباده تنزيلَه، [[في المخطوطة: "من عقل عنه عباده وتنزيله"، وهو غير مستقيم، والذي في المطبوعة جيد صحيح.]] وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلت فيه.
* * *
وأما"الرقبة المؤمنة"، فإن أهل العلم مختلفون في صفتها.
فقال بعضهم: لا تكون الرقبة مؤمنة حتى تكون قد اختارت الإيمان بعد بلوغها، وصلَّت وصامت، ولا يستحقّ الطفل هذه الصفة.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٠٩٤- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي حيان قال: سألت الشعبي عن قوله:"فتحرير رقبة مؤمنة"، قال: قد صلَّت وعرفت الإيمان.
١٠٠٩٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"فتحرير رقبه مؤمنة"، يعني بالمؤمنة، مَن عقل الإيمان وصام وصلّى.
١٠٠٩٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: ما كان في القرآن من"رقبة مؤمنة"، فلا يجزئ إلا من صام وصلَّى. وما كان في القرآن من"رقبة" ليست"مؤمنة"، فالصبيّ يجزئ.
١٠٠٩٧- حدثت عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: كل شيء في كتاب الله:"فتحرير رقبة مؤمنة"، فمن صام وصلى وعَقل. وإذا قال:"فتحرير رقبة"، فما شاء.
١٠٠٩٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كل شيء في القرآن:"فتحرير رقبه مؤمنة"، فالذي قد صلى. وما لم يكن"مؤمنة"، فتحرير من لم يصلّ.
١٠٠٩٩- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فتحرير رقبة مؤمنة"،"والرقبة المؤمنة" عند قتادة من قد صلَّى. وكان يكره أن يعتق في هذا الطفل الذي لم يصلِّ ولم يبلغ ذلك.
١٠١٠٠- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"فتحرير رقبه مؤمنة"، قال: إذا عقل دينه.
١٠١٠١- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال في:"فتحرير رقبة مؤمنة"، لا يجزئ فيها صبيٌّ.
١٠١٠٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"فتحرير رقبة مؤمنة"، يعني بالمؤمنة: من قد عقل الإيمان وصام وصلى. فإن لم يجد رقبة، فصيام شهرين متتابعين، وعليه دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا بها عليه.
* * *
وقال آخرون: إذا كان مولودًا بين أبوين مسلمين فهو مؤمن، وإن كان طفلا.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٠٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كلّ رقبة ولدت في الإسلام، فهي تجزئ.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في ذلك، قال من قال: لا يجزئ في قتل الخطأ من الرقاب إلا من قد آمن وهو يعقل الإيمان من بالغي الرجال والنساء، [[في المطبوعة، حذف قوله: "بالغي" وجعلها"من الرجال والنساء"، وكانت في المخطوطة: "تابعي"، وهو خطأ صواب قراءته ما أثبت.]] إذا كان ممن كان أبواه على مِلّة من الملل سوى الإسلام، وولد بينهما وهما كذلك، [[في المطبوعة والمخطوطة: "ولد يتيما وهو كذلك"، والمخطوطة غير منقوطة، وهو كلام لا خير فيه ولا معنى له، وصواب قراءته ما أثبت.]] ثم لم يسلما ولا واحدٌ منهما حتى أعتِق في كفارة الخطأ. وأما من ولد بين أبوين مسلمين، فقد أجمع الجميع من أهل العلم أنه وإن لم يبلغ حدّ الاختيار والتمييز، ولم يدرك الحُلُم، فمحكوم له بحكم أهل الإيمان في الموارثة، والصلاة عليه إن مات، وما يجب عليه إن جَنَى، ويجب له إن جُنِيَ عليه، وفي المناكحة. فإذْ كان ذلك من جميعهم إجماعًا، فواجب أن يكون له من الحكم= فيما يجزئ فيه من كفارة الخطأ إن أعتق فيها= من حكم أهل الإيمان، مثلُ الذي له من حكم الإيمان في سائر المعاني التي ذكرناها وغيرها. ومن أبَى ذلك، عُكِس عليه الأمر فيه، ثم سئل الفرق بين ذلك من أصلٍ أو قياس. فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في غيره مثله.
وأما"الدية المسلمة" إلى أهل القتيل، فهي المدفوعة إليهم، على ما وجب لهم، موفَّرة غير منتقصةٍ حقوقُ أهلها منها. [[انظر تفسير"مسلمة" فيما سلف ٢: ١٨٤، ٢١٣-٢١٥.]]
* * *
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: هي الموفرة.
١٠١٠٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله:"وديه مسلمة إلى أهله"، قال: موفَّرة.
* * *
وأما قوله:"إلا أن يصَّدقوا"، فإنه يعني به: إلا أن يتَصدقوا بالدية على القاتل، أو على عاقِلته، فأدغمت"التاء" من قوله:"يتصدقوا" في"الصاد" فصارتا"صادًا".
* * *
وقد ذكر أن ذلك في قراءه أبي، ﴿إِلا أَنْ يَتَصَدَّقُوا﴾ .
١٠١٠٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا بكر بن الشرود حرف أُبيّ: ﴿إِلا أَنْ يَتَصَدَّقُوا﴾ . [[الأثر: ١٠١٠٥ -"إسحاق" هو"إسحاق بن إبراهيم بن الضيف" أو "إسحاق بن الضيف"= و"بكر بن الشرود"، مضيا برقم: ٨٥٦٢.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن"، فإن كان هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ =،"من قوم عدو لكم"، يعني: من عِدَاد قوم أعداء لكم في الدين مشركين قد نابَذُوكم الحربَ على خلافكم على الإسلام [[في المطبوعة: "لم يأمنوكم الحرب" وفي المخطوطة: "قد يأمنوكم الحرب" وصواب المعنى يقتضي أن تكون"قد نابذوكم الحرب" كما أثبتها.]] ="وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة"، يقول: فإذا قتل المسلم خطأ رجلا من عِداد المشركين، والمقتول مؤمن، والقاتل يحسب أنه على كفره، فعليه تحرير رقبة مؤمنة.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: وإن كان المقتول من قوم هم عدو لكم وهو مؤمن= أي: بين أظهرهم لم يهاجر= فقتله مؤمن، فلا دية عليه، وعليه تحرير رقبة مؤمنة.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٠٦- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة والمغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن"، قال: هو الرجل يُسْلم في دار الحرب فيقتل. قال: ليس فيه دية، وفيه الكفَّارة.
١٠١٠٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة في قوله:"وإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن"، قال: يعني المقتول يكون مؤمنًا وقومه كفار. قال: فليس له دية، ولكن تحرير رقبة مؤمنة.
١٠١٠٨- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن"، قال: يكون الرجل مؤمنًا وقومه كفار، فلا دية له، ولكن تحرير رقبة مؤمنة.
١٠١٠٩- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن" في دار الكفر، يقول:"فتحرير رقبة مؤمنة"، وليس له دية.
١٠١١٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة"، ولا دية لأهله، من أجْل أنهم كفار، وليس بينهم وبين الله عهدٌ ولا ذِمَّة.
١٠١١١- حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا عطاء بن السائب، عن ابن عباس أنه قال في قول الله:"وإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن" إلى آخر الآية، قال: كان الرجل يسلم ثم يأتي قومه فيقيم فيهم وهم مشركون، فيمرّ بهم الجيش لرسول الله ﷺ، فيقتل فيمن يقتل، فيعتق قاتله رقبة، ولا دية له.
١٠١١٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم:"فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة"، قال: هذا إذا كان الرجل المسلم من قوم عدوّ لكم= أي: ليس لهم عهد - يقتل خطأ، فإن على من قتله تحريرُ رقبة مؤمنة.
١٠١١٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن"، فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن، فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفّر بتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين، ولا دية عليه.
١٠١١٤- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن"، القتيل مسلم وقومه كفّار، فتحرير رقبه مؤمنة، ولا يؤدِّي إليهم الدية فيتقوّون بها عليكم.
* * *
وقال آخرون: بل عنى به الرجلُ من أهل الحرب يقدَم دار الإسلام فيسلم، ثم يرجع إلى دار الحرب، فإذا مرَّ بهم الجيش من أهل الإسلام هَرَب قومه، وأقام ذلك المسلم منهم فيها، فقتله المسلمون وهم يحسبونه كافرًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١١٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة"، فهو المؤمن يكون في العدوّ من المشركين، يسمعون بالسريَّة من أصحاب محمد ﷺ، فيفرّون ويثبتُ المؤمن، فيقتل، ففيه تحرير رقبة مؤمنةٍ.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، وإن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ="من قوم بينكم" أيها المؤمنون="وبينهم ميثاق"، أي: عهدٌ وذمة، وليسوا أهلَ حرب لكم="فدية مسلّمة إلى أهله"، يقول: فعلى قاتله دية مسلمة إلى أهله، يتحملها عاقلته="وتحرير رقبه مؤمنة"، كفارة لقتله.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق، أهو مؤمن أو كافر؟ [[انظر تفسير"الميثاق" فيما سلف ص: ١٩، تعليق١، والمراجع هناك.]]
فقال بعضهم: هو كافر، إلا أنه لزمت قاتلَه ديته، لأن له ولقومه عهدًا، فواجب أداءُ دِيته إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين، وأنها مال من أموالهم، ولا يحلّ للمؤمنين شيء من أموالهم بغير طِيب أنفسهم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١١٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، يقول: إذا كان كافرًا في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلمةً إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين.
١٠١١٧- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال، سمعت الزهري يقول: دية الذميّ دية المسلم. قال: وكان يتأول:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله".
١٠١١٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عيسى بن أبي المغيرة، عن الشعبي في قوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله"، قال: من أهل العهد، وليس بمؤمن.
١٠١١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، وليس بمؤمن.
١٠١٢٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة"، بقَتْله، أي: بالذي أصاب من أهل ذمته وعَهدِه ="فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"، الآية.
١٠١٢١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله"، يقول: فأدوا إليهم الدية بالميثاق. قال: وأهل الذمة يدخلون في هذا="وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين".
* * *
وقال آخرون: بل هو مؤمن، فعلى قاتله دية يؤدِّيها إلى قومه من المشركين، لأنهم أهل ذمة.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٢٢- حدثني ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة"، قال: هذا الرجل المسلم وقومه مشركون لهم عقدٌ، فتكون ديته لقومه، وميراثه للمسلمين، ويَعْقِل عنه قومه، ولهم دِيَته.
١٠١٢٣- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن جابر بن زيد في قوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، قال: وهو مؤمن.
١٠١٢٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن في قوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، قال: كلهم مؤمن. [[في المطبوعة: "قال: هو كافر"، مكان"كلهم مؤمن"، والذي في المطبوعة مناقض للترجمة، والذي أثبته من المخطوطة مخالف أيضا للترجمة لقوله: "كلهم مؤمن" أي: أنه هو وقومه مؤمنون. إلا أن يكون أراد بقوله: "كلهم" كل قتيل مر ذكره في الآيات السالفة، وهذا هو الأرجح عندي، ولم يعن بقوله: "كلهم" قوم القتيل.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، قولُ من قال: عنى بذلك المقتولَ من أهل العهد. لأن الله أبهم ذلك فقال:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم"، ولم يقل:"وهو مؤمن"، كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب= وعنى المقتولَ منهم وهو مؤمن. [[في المطبوعة والمخطوطة: "أو عن المؤمن منهم وهو مؤمن"، ولا معنى له، والصواب ما أثبت.]] فكان في تركه وصفه بالإيمان الذي وصفَ به القتيلين الماضي ذكرهما قبل، الدليل الواضح على صحة ما قلنا في ذلك.
* * *
فإن ظن ظان أنّ في قوله تبارك وتعالى:"فدية مسلمة إلى أهله"، دليلا على أنه من أهل الإيمان، لأن الدية عنده لا تكون إلا لمؤمن= فقد ظن خطأ. وذلك أن دية الذميّ وأهل الإسلام سواء، لإجماع جميعهم على أن ديات عبيدهم الكفار وعبيدِ المؤمنين من أهل الإيمان سواء. فكذلك حكم ديات أحرارهم سواءٌ، مع أن دياتهم لو كانت على ما قال من خالفنا في ذلك، فجعلها على النِّصف من ديات أهل الإيمان أو على الثلث، لم يكن في ذلك دليلٌ على أن المعنيّ بقوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، من أهل الإيمان، لأن دية المؤمنة لا خلافَ بين الجميع= إلا من لا يُعدُّ خلافًا= أنها على النصف من دية المؤمن، وذلك غير مخرجها من أن تكون دية. فكذلك حكم ديات أهل الذمة، لو كانت مقصِّرة عن ديات أهل الإيمان، لم يخرجها ذلك من أن تكون ديات. فكيف والأمر في ذلك بخلافه، ودياتهم وديات المؤمنين سواء؟
* * *
وأما"الميثاق" فإنه العهد والذمة. وقد بينا في غير هذا الموضع أن ذلك كذلك، والأصل الذي منه أخذ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"الميثاق" فيما سلف: ص: ١٩، والتعليق: ١، وص: ٤١، والتعليق: ١. والمراجع هناك.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٢٥- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، يقول: عهد.
١٠١٢٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، قال: هو المعاهدة.
١٠١٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، عهد.
١٠١٢٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة مثله.
* * *
فإن قال قائل: وما صفة الخطأ، الذي إذا قتل المؤمن المؤمنَ أو المعاهِدَ لزمته ديتُه والكفارة؟ قيل: هو ما قال النَّخَعيّ في ذلك، وذلك ما:-
١٠١٢٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم قال:"الخطأ"، أن يريد الشيء فيصيبَ غيره.
١٠١٣٠- حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال:"الخطأ"، أن يرمي الشيء فيصيب إنسانًا وهو لا يريده، فهو خطأ، وهو على العاقِلة. [[مضى كثيرًا تفسير"العاقلة"، وهم العصبة الذين يؤدون الدية عن القاتل منهم، من"العقل"، وهو الدية.]]
* * *
فإن قال: فما الدية الواجبة في ذلك؟
قيل: أما في قتل المؤمن، فمائة من الإبل، إن كان من أهل الإبل، على عاقلة قاتله. لا خلاف بين الجميع في ذلك، وإن كان في مبلغ أسنانها اختلافٌ بين أهل العلم. فمنهم من يقول: هي أرباع: خمس وعشرون منها حِقّة، وخمس وعشرون جَذعَةَ، وخمس وعشرون بَنات مَخَاض، وخمس وعشرون بنات لَبُون. [[البعير إذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة، فهو حينئذ"حق" (بكسر الحاء) ، والأنثى"حقة". فإذا استوفى السنة الرابعة ودخل في الخامسة، فهو حينئذ"جذع" (بفتحتين) والأنثى"جذعة". ثم قبل ذلك يكون البعير فصيلا. فإذا استكمل الفصيل الحول ودخل في الثانية فهو حينئذ"ابن مخاض"، والأنثى"ابنة مخاض" فإذا استكمل السنة الثانية وطعن في الثالثة، فهو حينئذ"ابن لبون"، والأنثى"ابنة لبون"]]
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٣١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علي رضي الله عنه في الخطأ شبه العمد: ثلاثٌ وثلاثون حِقّة، وثلاث وثلاثون جَذَعة، وأربع وثلاثون ثَنِيَّة إلى بازِل عامها. [[البعير إذا استكمل السنة الخامسة وطعن في السادسة، فهو حينئذ"ثني"، والأنثى"ثنية". فإذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطر نابه، فهو حينئذ"بازل" والأنثى"بازل" بغير هاء. قال ابن الأعرابي: "ليس قبل الثني اسم يسمى، ولا بعد البازل اسم"يسمى" يعني أنه ليس للبعير إذا دخل في السابعة وطعن في الثامنة اسم يسمى به. وكأن ذلك لأن البازل ربما بزل في السنة الثامنة. وأما "البازل" فهو أقصى أسنان البعير. ثم يقولون بعد"بازل عام" و"بازل عامين"، وكذلك ما زاد.]] وفي الخطأ: خمس وعشرون حِقّة، وخمس وعشرون جَذَعة، وخمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشر بناتِ لبون.
١٠١٣٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن فراسٍ والشيباني، عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب بمثله.
١٠١٣٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه بنحوه.
١٠١٣٤- حدثني واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه أنه قال في قتل الخطأ: الدية مائة أرباعًا، ثم ذكر مثله.
* * *
وقال آخرون: هي أخماس: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بني لبون، وعشرون بنات مخاض.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٣٥- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن أبي عبيدة، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود قال: في الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بني لبون، وعشرون بنات مخاض. [[أنكر اللغويون أن يقال"بنو لبون" جمع"ابن لبون"، وقالوا هي: "بنات لبون" للذكر والأنثى، وهذه الآثار الصحاح دالة على أنه صحيح في اللغة العربية.]]
١٠١٣٦- حدثني واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن عامر، عن عبد الله بن مسعود في قتل الخطأ: مائة من الإبل أخماسًا: خُمْس جَذَاع، وخُمْس حِقَاق، [["الحقاق"، و"الجذاع" جمع"حقة" و"جذعة" وقد سلف شرحها في التعليقات قريبًا.]] وخُمْس بنات لبون، وخمس بنات مَخَاض، وخمس بنو مخاض.
١٠١٣٧- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: الدية أخماس: دية الخطأ: خمس بنات مخاض، وخُمْس بنات لبون، وخُمْس حقِاق، وخُمْس جِذاع، وخُمْس بنو مخاض. [[وقوله: "بنو مخاض" مما أنكره اللغويون، لا يقال عندهم في الجمع إلا"بنات مخاض"، و"بنات لبون" ومثله"بنات آوى"، وهذا الأثر وما بعده دال على صحة قولهم: "بنو مخاض".]]
* * *
واعتل قائلو هذه المقالة بحديث=
١٠١٣٨- حدثنا به أبو هشام الرفاعي، [[في المطبوعة: "أبو هشام الرباعي"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وقد مضت ترجمته مرارًا في الأجزاء السالفة.]] قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة وأبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن زيد بن جبير، عن الخشف بن مالك، عن عبد الله بن مسعود: أن النبي ﷺ قضى في الدية في الخطأ أخماسًا= قال: أبو هشام، قال ابن أبي زائدة: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابنة مخاض، وعشرون بني مخاض. [[الأثر: ١٠١٣٨ -"الخشف بن مالك الطائي"، روى عن أبيه، وعمر، وابن مسعود. روى عنه"زيد بن جبير الجشمي". قال النسائي: "ثقة"، وقال الدارقطني في السنن: "مجهول". وقال الأزدي: "ليس بذاك". مترجم في التهذيب.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٨: ٧٥-٧٦) من طريقين: طريق سعدان بن نصر، عن أبي معاوية محمد بن خازم عن الحجاج، عن زيد بن جبير، عن خشف بن مالك، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ جعل الدية في الخطأ أخماسا. ولم يزد على هذا.
ثم رواه من طريق أبي داود، عن مسدد، عن عبد الواحد، عن الحجاج، عن زيد بن جبير، عن خشف بن مالك، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابنة مخاض، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابن مخاض ذكر= قال أبو داود: هو قول عبد الله - يعني: إنما روي من قول عبد الله موقوفا غير مرفوع.
ثم نقل البيهقي تعليل هذا الحديث عن أبي الحسن الدارقطني فقال: "لا نعلم رواه إلا خشف بن مالك، وهو رجل مجهول، لم يرو عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الجشمي. ولا نعلم أحدًا رواه عن زيد بن جبير إلا حجاج بن أرطاة. والحجاج رجل مشهور بالتدليس، وبأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه. قال: ورواه جماعة من الثقات عن حجاج فاختلفوا عليه فيه" ثم ساق الروايات عن الحجاج، وأنه جعل في بعضها بني اللبون مكان الحقاق. ثم ذكر أنهم لم يرووا فيه تفسير الأخماس، ثم قال: "فيشبه أن يكون الحجاج ربما كان يفسر الأخماس برأيه بعد فراغه من الحديث، فيتوهم السامع أن ذلك في الحديث، وليس كذلك".
قال البيهقي: "وكيف ما كان، فالحجاج بن أرطاة غير محتج به، وخشف بن مالك مجهول، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن مسعود. والصحيح عن عبد الله أنه جعل أحد أخماسها بني المخاض في الأسانيد التي تقدم ذكرها، لا كما توهم شيخنا أبو الحسن الدارقطني رحمنا الله وإياه. وقد اعتذر من رغب عن قول عبد الله رضي الله عنه في هذا بشيئين: أحدهما ضعف رواية خشف بن مالك عن ابن مسعود بما ذكرنا، وانقطاع رواية من رواه عنه موقوفًا" ثم ساق وجوهها وبين انقطاعها.]]
١٠١٣٩- حدثنا أبو هشام قال، حدثنا يحيى، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله: أنه قضى بذلك.
* * *
وقال آخرون: هي أرباع، غير أنها ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنو لبون ذكور.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٤٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثني محمد بن بكر قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عثمان وزيد بن ثابت قالا في الخطأ شبه العمد: أربعون جذعة خَلِفة، [["الخلفة" (بفتح الخاء وكسر اللام وفتح الفاء) : الناقة الحامل، وجمع"خلفة""مخاض"، كما قالوا: "امرأة" و"نسوة". أما من لفظها فيقال: "خلفات وخلائف"، وفي الحديث: "ثلاث آيات يقرؤها أحدكم، خير له من ثلاث خلفات سمان عظام"، وفي حديث هدم الكعبة: "لما هدموها ظهر فيها مثل خلائف الإبل" أي: صخور عظام في أساسها كالنوق الحوامل.]] وثلاثون حقة، وثلاثون بنات مخاض= وفي الخطأ ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنو لبون ذكور.
١٠١٤١- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت: في دية الخطأ: ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنو لبون ذكور.
١٠١٤٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه= قال وحدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت، مثله. [[الأثر: ١٠١٤٢-"أبو عثمة"، هو"محمد بن خالد بن عثمة"، وهو معروف بابن عثمة. وقد سلف مثل ذلك في رقم: ٥٣١٤، ومضت ترجمته في رقم: ٩٠، ٩١، ٥٤٨٣، ورقم: ٩٥٨٧. وكان في المطبوعة هنا"ابن عثمة" وأثبت ما في المخطوطة، لما مضى في رقم: ٥٣١٤، وانظر التعليق عليه هناك.
و"عبد ربه" هو: عبد ربه بن أبي يزيد. قال علي بن المديني: "عبد ربه الذي روى عنه قتادة، مجهول، لم يرو عنه غير قتادة". وقال البخاري في التاريخ: "نسبه همام". وقال علي: "عرفه ابن عيينة، قال: كان يبيع الثياب". مترجم في التهذيب.
"أبو عياض" هو المدني، مختلف في اسمه وفي روايته. انظر ترجمته في التهذيب. وهو يروي عن عبد الله بن مسعود، ويروي عنه قتادة. ودل هذا الأثر على أنه يروي أيضًا عن عثمان بن عفان.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن الجميع مجمعون أن في الخطأ المحض على أهل الإبل: مائة من الإبل.
ثم اختلفوا في مبالغ أسنانها، وأجمعوا على أنه لا يقصَّر بها في الذي وجبت له الأسنان عن أقل ما ذكرنا من أسنانها التي حدَّها الذين ذكرنا اختلافهم فيها، وأنه لا يجاوز بها في الذي وَجبت له عن أعلاها. [[في المطبوعة والمخطوطة: "وأنه لا يجاوز بها الذي وجب عن أعلاها"، وهو لا يستقيم، وجعلتها على سياقة التي قبلها فزدت"في" و"له".]] وإذْ كان ذلك من جميعهم إجماعًا، فالواجب أن يكون مجزيًا من لزمته دية قتل خطأ، أيَّ هذه الأسنان التي اختلف المختلفون فيها، [[في المطبوعة: "دية قتل خطأ" وفي المخطوطة: "ديته قتيل خطأ" ورجحت المخطوطة بعد تصحيح"ديته" إلى"دية".]] أدَّاها إلى من وجبت له. [[السياق: "أي هذه الأسنان أداها إلى من وجبت له".]] لأن الله تعالى لم يحدَّ ذلك بحدّ لا يجاوز به ولا يقصَّر عنه ولا رسولُه، إلا ما ذكرت من إجماعهم فيما أجمعوا عليه، فإنه ليس للإمام مجاوزة ذلك في الحكم بتقصير ولا زيادة، وله التخيير فيما بين ذلك بما رأى الصلاح فيه للفريقين.
* * *
وإن كانت عاقلة القاتل من أهل الذهب، فإن لورثة القتيل عليهم عندنا ألف دينار. وعليه علماء الأمصار.
* * *
وقال بعضهم: ذلك تقويم من عمر رحمة الله عليه، للإبل على أهل الذهب في عصره. والواجب أن يقَّوم في كل زمان قيمتها، إذا عدم الإبلَ عاقلةُ القاتل، واعتلوا بما:-
١٠١٤٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن مكحول قال: كانت الدية ترتفع وتنخفض، فتوفّي رسول الله ﷺ وهي ثمانمئة دينار، فخشي عمر من بعد، فجعلها اثني عشر ألف درهم، وألفَ دينار. [[انظر السنن الكبرى للبيهقي ٨: ٧٦-٨٠.]]
* * *
وأما الذين أوجبوها في كل زمان على أهل الذهب ذهبًا ألف دينار، فقالوا: ذلك فريضة فرضها الله على لسان رسوله، كما فرض الإبل على أهل الإبل. قالوا: وفي إجماع علماء الأمصار في كل عصر وزمان، إلا من شذ عنهم، على أنها لا تزاد على ألف دينار ولا تنقص عنها= أوضحُ الدليل على أنها الواجبة على أهل الذهب، وجوبَ الإبل على أهل الإبل، لأنها لو كانت قيمة لمائة من الإبل، لاختلف ذلك بالزيادة والنقصان لتغير أسعار الإبل.
وهذا القول هو الحق في ذلك، لما ذكرنا من إجماع الحجة عليه.
* * *
وأما من الوَرِق على أهل الوَرِق عندنا، فاثنا عشر ألف درهم، [[الورق (بفتح فكسر) و"الورق" (بفتح أو كسر ثم سكون) و"الرقة" (بكسر ففتح) : هي الدراهم المضروبة.]] وقد بينا العِلل في ذلك في كتابنا ﴿كتابِ لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام﴾ .
* * *
وقال آخرون: إنما على أهل الورق من الورِق عشرة آلاف درهم.
وأما دية المعاهد الذي بيننا وبين قومه ميثاقٌ، فإن أهل العلم اختلفوا في مبلغها.
فقال بعضهم: ديته ودية الحر المسلم سواءٌ.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٤٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا بشر بن السري، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري: أن أبا بكر وعثمان رضوان الله عليهما، كانا يجعلان دية اليهوديّ والنصرانيّ، إذا كانا معاهدين، كدية المسلم.
١٠١٤٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا بشر بن السري، عن الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن عيينة: أن ابن مسعود كان يجعل ديةَ أهل الكتاب، إذا كانوا أهل ذمّة، كدية المسلمين.
١٠١٤٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد قال: سألني عبد الحميد عن دية أهل الكتاب، فأخبرته أنّ إبراهيم قال: إن ديتهم وديتنا سواء.
١٠١٤٧- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم وداود، عن الشعبي أنهما قالا دية اليهوديّ والنصرانيّ والمجوسيّ مثل دية الحرّ المسلم.
١٠١٤٨- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كان يقال: دية اليهودي والنصراني والمجوسيّ كدية المسلم، إذا كانت له ذمة.
١٠١٤٩- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء أنهما قالا دية المعاهِد دية المسلم.
١٠١٥٠- حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا المسعودي، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال: دية المسلم والمعاهد سواء.
١٠١٥١- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال: سمعت الزهري يقول: دية الذميّ دية المسلم.
١٠١٥٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث، عن عامر قال: دية الذمي مثل دية المسلم.
١٠١٥٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم مثله.
١٠١٥٤- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم مثله. [[الأثر: ١٠١٥٤ - كان هذا الإسناد في المطبوعة والمخطوطة متصلا بالذي بعده هكذا: "عن إبراهيم قال حدثنا عبد الحميد بن بيان"، وهو خطأ، "إبراهيم" هو النخعي، الذي سلف في الآثار السالفة. و"عبد الحميد بن بيان" هو السكري القناد، شيخ أبي جعفر. فرجح عندي أن الناسخ جعل مكان"مثله"، "قال" فرددتها إلى ما يجب.]]
١٠١٥٥- حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر: وبلغه أن الحسن كان يقول:"دية المجوسي ثمانمئة، ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف"، فقال: ديتهم واحدة.
١٠١٥٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الشعبي قال: دية المعاهد والمسلم في كفّارتهما سواء.
١٠١٥٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: دية المعاهد والمسلم سواء.
* * *
وقال آخرون: بل ديته على النصف من دية المسلم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٥٨- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عمرو بن شعيب في دية اليهودي والنصرانيّ، قال: جعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمئة. فقلت لعمرو بن شعيب: إن الحسن يقول:"أربعة آلاف"! قال: كان ذلك قبل الغِلْمة [[كان في المطبوعة: "لعله كان ذلك قبل" حذف"الغلمة"، وزاد في أول الكلام"لعله"، وهو صنيع سيئ. فأثبت ما في المخطوطة كما هو، ولم أعرف ما أراد، فتركته لمن يعلمه.]] وقال: إنما جعل دية المجوسي بمنزلة العبد.
١٠١٥٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الله الأشجعي، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن عمر بن عبد العزيز قال: دية المعاهد على النصف من دية المسلم.
* * *
وقال آخرون: بل ديته على الثلث من دية المسلم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٦٠- حدثني واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن أبي عثمان= قال: وكان قاضيًا لأهل مَرْو= قال: جعل عمر رضي الله عنه دية اليهودي والنصراني أربعة آلافٍ، أربعة آلافٍ.
١٠١٦١- حدثنا عمار بن خالد الواسطي قال، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش، عن ثابت، عن سعيد بن المسيب قال، قال عمر: دية النصراني أربعةُ آلاف، والمجوسي ثمانمئة.
١٠١٦٢- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة عن ثابت قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر: دية أهل الكتاب أربعة آلاف، ودية المجوسي ثمانمئة.
١٠١٦٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ثابت، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، فذكر مثله.
١٠١٦٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح: أن رجلا من قومه رمى يهوديًّا أو نصرانيًّا بسهمٍ فقتله، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأغرمه ديته، أربعةَ آلاف.
١٠١٦٥- وبه عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال، قال عمر: دية اليهوديّ والنصرانيّ أربعة آلاف، أربعة آلاف.
١٠١٦٦- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا بعض أصحابنا، عن سعيد بن المسيب، عن عمر مثله.
١٠١٦٧- قال حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عمر مثله.
١٠١٦٨- قال حدثنا هشيم قال، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار أنه قال: دية اليهوديّ والنصرانيّ أربعة آلاف، والمجوسي ثمانمئة.
١٠١٦٩- حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا عبد الملك، عن عطاء مثله.
١٠١٧٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك في قوله:"فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"، الصيام لمن لا يجد رقبة، وأما الدية فواجبةٌ لا يبطلها شيء.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٩٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"، فمن لم يجد رقبةً مؤمنة يحرّرها كفارة لخطئه في قتله من قتل من مؤمن أو معاهد، لعُسْرته بثمنها="فصيام شهرين متتابعين"، يقول: فعليه صيام شهرين متتابعين.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم فيه بنحو ما قلنا.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٧١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"، قال: من لم يجد عِتْقًا = أو عتاقة، شك أبو عاصم [["العتاقة" (بفتح العين) مصدر: "عتق العبد يعتق عتقًا وعتاقًا وعتاقة". وانظر"العتاقة"، في التعليق على الأثر السالف رقم: ٩٢٦٥.]] = في قتل مؤمن خطأ، قال: وأنزلت في عيّاش بن أبي ربيعة، قتل مؤمنًا خطأ.
* * *
وقال آخرون: صوم الشهرين عن الدية والرقبة. قالوا: وتأويل الآية: فمن لم يجد رقبة مؤمنة، ولا دِية يسلمها إلى أهلها، فعليه صوم شهرين متتابعين.
* ذكر من قال ذلك:
١٠١٧٢- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك، عن زكريا، عن الشعبي، عن مسروق: أنه سئل عن الآية التي في"سورة النساء":"فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين": صيام الشهرين عن الرقبة وحدَها، أو عن الدية والرقبة؟ فقال: من لم يجد، فهو عن الدية والرقبة.
١٠١٧٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن زكريا، عن عامر، عن مسروق بنحوه.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أن الصوم عن الرقبة دون الدية، لأن دية الخطأ على عاقلة القاتل، والكفارة على القاتل، بإجماع الحجّة على ذلك نقلا عن نبيها ﷺ، [[في المطبوعة: "عن نبينا"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فلا يقضي صومُ صائم عما لزم غيرَه في ماله.
* * *
و"المتابعة" صوم الشهرين، وأن لا يقطعه بإفطار بعض أيامه لغير علة حائلة بينه وبين صومه. [[في المطبوعة: "ولا يقطعه" وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
ثم قال جل ثناؤه:"توبةً من الله وكان الله عليمًا حكيما"، يعني: تجاوزًا من الله لكم إلى التيسير عليكم، بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من فرض تحرير الرقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها، بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين="وكان الله عليمًا حكيمًا"، يقول: ولم يزل الله="عليمًا"، بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه وغير ذلك="حكيمًا"، بما يقضي فيهم ويريد. [[انظر تفسير"التوبة"، و"كان"، و"عليم" و"حكيم" في موادها من فهارس اللغة في الأجزاء السالفة.]]
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن یَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـࣰٔاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـࣰٔا فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲ وَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یَصَّدَّقُوا۟ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوࣲّ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُم مِّیثَـٰقࣱ فَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ تَوۡبَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق