الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلاَّ خَطَأً ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ إلاَّ أنْ يَصَّدَّقُوا فَإنْ كانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وإنْ كانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: ٩٢].
في الآيةِ: تعظيمُ الدَّمِ الحَرامِ، وقد بَيَّنَ اللهُ خَطَرَهُ بأنّه لا يقَعُ مِن مؤمنٍ باللهِ حقَّ الإيمانِ: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلاَّ خَطَأً﴾، أيْ: لا يكونُ له، ولا يَنبغِي وقوعُهُ منه، وهذا كقولِهِ تعالى: ﴿ما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبادًا لِي مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٩]، وقولِهِ: ﴿وما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، وقولِهِ: ﴿ما كانَ لِلَّهِ أنْ يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ﴾ [مريم: ٣٥]، وقولِهِ: ﴿ما يَكُونُ لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذا﴾ [النور: ١٦]، يَعني: ما ينبغي، والمرادُ بذلكَ: تعظيمُ الأمرِ، وهو نهيٌ في صورةِ نفيٍ، فإنّه لا أعظَمَ مِن القتلِ إلاَّ الكُفْرُ، ولو سُبِقَ الكفرُ بذَنْبٍ، لسبَقَهُ القتلُ.
وقد اختُلِفَ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ، فقد روى ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ، أنّها نزلَتْ في عيّاشِ بنِ أبي ربيعةَ أخِي أبي جَهْلٍ لأُمِّه، وهي أسماءُ بنتُ مَخْرَمَةَ، وذلك أنّه قتَلَ رجُلًا كان يُعذِّبُهُ معَ أخيهِ على الإسلامِ، وهو الحارثُ بنُ يَزِيدَ الغامديُّ، فأضمَرَ له عَيّاشٌ السُّوءَ، فأسلَمَ ذلك الرجُلُ وهاجَرَ، وعيّاشٌ لا يَشعُرُ، فلمّا كان يومُ الفتحِ، رآهُ فظَنَّ أنّه على دِينِه، فحمَلَ عليه فقتَلَهُ، فأنزَلَ اللهُ هذه الآيةَ[[«تفسير الطبري» (٧/٣٠٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٣١).]].
عصمةُ دمِ المؤمِنِ:
وقولُهُ: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلاَّ خَطَأً﴾ فيه دليلٌ على أنّ الأصلَ في دمِ المؤمنِ: التحريمُ، ولا يَحِلُّ إلاَّ بشروطِه، وأنّ الأصلَ في دمِ الكافرِ: الحِلُّ، ولا يحرُمُ إلاَّ بشروطِه، ولو تَساوى الأصلانِ في التحريمِ، ما كان لِتَخصيصِ المؤمنِ بالذِّكْرِ هنا معنًى إلاَّ عندَ اختلافِ الأثَرِ، والأثرُ واحدٌ، وهو الدِّيَةُ وعِتْقُ الرقبةِ، وإنِ اختُلِفَ في مقدارِ الدِّيةِ في المُعاهَدِ، فالآيةُ في بيانِ الديةِ لا مِقْدارِها.
ويدُلُّ على هذا ما في «الصَّحيحَيْنِ»، عنِ ابنِ مسعودٍ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إلاَّ بِإحْدى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزّانِي، والنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، والتّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ)[[أخرجه البخاري (٦٨٧٨) (٩/٥)، ومسلم (١٦٧٦) (٣/١٣٠٢).]].
وفي قولِه تعالى: ﴿ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ﴾ تكرَّرَ ذِكْرُ الخَطَأِ، حيثُ قال في أولِ الآيةِ: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلاَّ خَطَأً﴾، ثمَّ قال: ﴿ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾، تأكيدًا على تعظيمِ القتلِ، وأنّه لا ينبغي أنْ يقَعَ مِن المؤمِنِ إلاَّ خطأً.
وفي أولِ الآيةِ ذكَرَ الفاعلَ والمفعولَ، ووصَفَهُما بالإيمانِ، فقالَ: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا﴾، وبعدَ ذلك ذكَرَ المفعولَ ولم يذكُرِ الفاعلَ، فقال: ﴿ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾، وفي هذا معنى أنّ القتلَ للمؤمِنِ لا يكونُ عادةً إلاَّ مِن كافرٍ لا يُعَظِّمُ اللهَ وحُرُماتِه، ثمَّ بيَّنَ حكمَهُ لو وقَعَ مِن المؤمنِ والكافرِ المُعاهَدِ، فذكَرَ المقتولَ ووصَفَهُ بالإيمانِ، وأضمَرَ وصْفَ الفاعلِ، وفي هذا دليلٌ على أنّ الكافرَ المُعاهَدَ لو قَتَلَ مؤمِنًا خطأً تُفرَضُ عليه الديةُ كالمؤمِنِ، فحُكْمُ الديةِ عامٌّ، ولا يُقتَلُ بالخطأِ الذي لا عداوةَ فيه ولا شُبْهةَ في القصدِ.
كفّارةُ قتلِ الخطأ:
ثمَّ ذكَرَ اللهُ كفّارةَ القَتْلِ الخطأِ على نوعَيْنِ:
الأولُ: حقٌّ للهِ، وهو إعتاقُ رَقَبةٍ مؤمِنةٍ، وإنّما قَدَّمَ الإعتاقَ على الدِّيَةِ، تغليبًا لجانبِ حقِّ اللهِ الذي لا يُسقِطُهُ إلا العجزُ، فالديةُ يُسقِطُها أهلُ القتيلِ، ولكنْ لا يُسقِطُونَ تحريرَ الرَّقَبةِ، ولأنّ حَقَّ اللهِ في القتلِ أظهَرُ وأَقْوى مِن حقِّ أهلِ القتيلِ، فصاحِبُ الحقِّ لا يَملِكُ إسقاطَ حقِّه، لموتِه، بخلافِ بقيَّةِ الجِراحاتِ وظُلْمِ الأموالِ، فالحقُّ للإنسانِ فيها.
ويَتْبَعُ تحريرَ الرقبةِ بَدَلُها عندَ عدَمِ وجودِها، وهو صيامُ شهرَيْنِ مُتتابعَيْنِ.
ولهذا أوْجَبَ تحريرَ الرقبةِ المؤمِنةِ في كلِّ مقتولٍ خطأً مِن المعصومِينَ، مؤمنًا كان أو كافرًا معاهدًا، حتى في قَتلِ مَن لا وارِثَ له، أو مَن لا وارِثَ له إلاَّ كافرٌ محارِبٌ، وأمّا الديةُ، فلم يُوجِبْها اللهُ إلاَّ لأهلِ المقتولِ المؤمِنِينَ أو المعاهَدِينَ.
الحكمةُ من الديةِ، والفرقُ بين الذكر والأنثى:
الثاني: حقٌّ لأهلِ المقتولِ، لا للمقتولِ نفسِهِ، وهي الدِّيَةُ.
والدِّيةُ جَبْرٌ عن منفعةِ الميِّتِ لأهلِه، حيثُ تسبَّبَ القاتِلُ في فَقْدِه، ولمّا اختَلَفَتْ منفعةُ الميِّتِ الذَّكَرِ عنِ الميتِ الأُنثى لأهلِهما، كانتْ ديةُ المرأةِ على النِّصْفِ مِن ديةِ الرجُلِ، مع أنّهما يَتساوَيانِ في النَّفْسِ وقيمتِها عندَ القِصاصِ، فيُقتَلُ الرجلُ بالأنثى، والعكسُ، بل لو تواطَأَ عَشَرةُ رجالٍ على قَتْلِ طفلةٍ في مَهْدِها، قُتِلُوا بها، فالديةُ ليستْ قِيمَةً للنَّفْسِ، وبهذا يُعلَمُ بُطلانُ ما يَذْكُرُهُ أصحابُ المدارسِ العقلانيَّةِ مِن ردِّ عدمِ تماثُلِ ديةِ الأُنثى والذَّكَرِ، فهذا لجهلٍ بالإسلامِ، فالديةُ عِوَضٌ لأهلِ القتيلِ، لأنّ للرجلِ منفعةً ماليةً مفقودةً بفَقْدِه، لأنّ اللهَ فَرَضَ على الرجلِ النفقةَ والسُّكْنى والكِسْوةَ لِمَن ولِيَهُ مِن النِّساءِ، سواءٌ كانتْ زوجةً أو أُمًّا، أو بنتًا أو أختًا، ولا يجبُ على واحدةٍ منهنَّ في الإسلامِ التكسُّبُ، بل لو كانتِ المرأةُ غنيَّةً، لم يَجِبْ عليها أنْ تُنْفِقَ على زوجِها الفقيرِ القادرِ على التكسُّبِ، بل لا يجبُ عليها أنْ تُنفِقَ على نفسِها كذلك، بل يجبُ على وليِّها، ما لم تَطِبْ نفسُها بذلك، ولو كانَتْ قادرةً على العملِ، لم يجبْ عليها التكسُّبُ عندَ فقرِ زوجِها، ويجبُ على الحاكمِ أن يُنفِقَ على المرأةِ التي لا عائِلَ لها ولو كانَتْ قادِرةً على العملِ إنْ كانَتْ لا تُرِيدُ العملَ راغبةً.
فاللهُ أسقَطَ عنها جانبًا في الأموالِ، وأسقَطَ مِن أحكامِها ما يُؤثِّرُ في هذا الانتظامِ، كالميراثِ، فلها نِصْفُ ميراثِ الذَّكَرِ، لأنّ تكاليفَ الذَّكَرِ الماليةَ أعظَمُ، وأسقَطَ نِصْفَ دِيَتِها، لأنّ أثَرَها الماليَّ على أهلِها أضعَفُ، وهذا التبايُنُ تبايُنٌ في منافعِ الأموالِ، لا تَساوِي النفوسِ، فلأولياءِ الجنسَيْنِ طلَبُ القِصاصِ مِن القاتلِ العَمْدِ، ويُقتَلُ، ولا فَرْقَ بينَهما.
وإنّما يُؤتى بعضُ الجَهَلَةِ بالنَّظَرِ إلى طرَفٍ مِن أحكامِ الإسلامِ التي لا تُفهَمُ إلاَّ بفَهْمِ أبوابِها، فالديةُ تَتَّصِلُ بأبوابِ الأموالِ ومنظومتِها، ولا تُفهَمُ إلا بفَهْمِها وفهمِ جِهاتِها المتَّصِلةِ بها، فهي ليسَتْ عِوَضًا عنِ النَّفْسِ، ولا تتَّصِلُ بحقِّ المقتولِ، بل بأهلِه، فاللهُ جعَلَ النفوسَ متساويةً في التعظيمِ، كما في قولِه: ﴿مِن أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا ومَن أحْياها فَكَأَنَّما أحْيا النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]، وفي قولِه: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنَ بِالعَيْنِ والأَنْفَ بِالأَنْفِ والأُذُنَ بِالأُذُنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ [المائدة: ٤٥]، فعندَ ذِكْرِ النفوسِ ساوى بينَها، وعندَ ذِكرِ آثارِها فرَّقَ بينَها، لاختلافِ آثارِها، والتَّساوي في القِصاصِ، يتساوى الذَّكَرُ والأُنثى حتى في قَطْعِ الظُّفُرِ بينَهما، فإنِ اعتَدى أحدُ الجنسَيْنِ على الآخَرِ بظُفُرٍ، فالقِصاصُ بمثلِهِ سواءً.
اشتراطُ الإيمانِ في الرقبةِ:
وقولُهُ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾، المؤمنةُ: مَن صَحَّ إسلامُها، رَوى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، قال: «يَعني بالمؤمنةِ: مَن عقَلَ الإيمانَ وصامَ وصلّى»[[«تفسير الطبري» (٧/٣١١)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٣٢).]].
وقال الشعبيُّ ومجاهِدٌ وعطاءٌ وقتادةُ وغيرُهم: «التي تُصَلِّي»[[«تفسير الطبري» (٧/٣١٠ ـ ٣١١)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٣٢).]].
وظاهرُ الآيةِ: عدمُ صحةِ عِتْقِ الكافرةِ، ومَن لا يصحُّ منها الإيمانُ ولو وُلِدَتْ على الإسلامِ، كالرَّقَبةِ الصغيرةِ التي لا تُدرِكُ، ورُوِيَ عنِ ابنِ عبّاسٍ والشَّعْبيِّ والحسنِ وقتادةَ: عدمُ صحةِ عتقِ الصغيرِ حتّى يصحَّ منه قصدُ الإيمانِ.
وقصدُ الإيمانِ هو معرِفةُ معنى الشهادتَيْنِ ومعنى العبوديَّةِ، وذلك لِما صحَّ في «المسنَدِ»، مِن حديثِ الزُّهْريِّ، عن عُبَيْدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ، عن رجلٍ مِن الأنصارِ، أنَّهُ جاءَ بِأَمَةٍ سَوْداءَ، وقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَإنْ كُنْتَ تَرى هَذِهِ مُؤْمِنَةً، أعْتَقْتُها، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ ﷺ: (أتَشْهَدِينَ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ؟)، قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: (أتَشْهَدِينَ أنِّي رَسُولُ اللهِ؟)، قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: (أتُؤْمِنِينَ بِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ؟)، قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: (أعْتِقْها)[[أخرجه أحمد (١٥٧٤٣) (٣/٤٥١).]].
وفي «صحيحِ مسلمٍ»، مِن حديثِ معاويةَ بنِ الحَكَمِ، أنّه لمّا جاءَ بتلكَ الجاريةِ السوداءِ، قال لها رسولُ اللهِ ﷺ: (أيْنَ اللهُ؟)، قالَتْ: فِي السَّماءِ، قالَ: (مَن أنا؟)، قالَتْ: أنْتَ رَسُولُ اللهِ، قالَ: (أعْتِقْها، فَإنَّها مُؤْمِنَةٌ)[[أخرجه مسلم (٥٣٧) (١/٣٨١).]].
وعُلُوُّ اللهِ فرعٌ عن معرفةِ اللهِ ومعرفةِ حقِّه على العبادِ.
وفي قولِه: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ إشارةٌ إلى أنّ الحُكْمَ في العتقِ للحُرِّ لا للعبدِ، فلا يُعتِقُ عبدٌ عبدًا، إذْ إنّ تحريرَ الرَّقَبةِ في كفّارةِ القتلِ مِن مالِ القاتلِ، والأصلُ: أنّ العبدَ لا مالَ له، وهو ومالُهُ لسيِّدِه.
الديةُ ومستحِقُّها:
وفي قولِه تعالى: ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ﴾، وقولِه: ﴿إلاَّ أنْ يَصَّدَّقُوا﴾ دليلٌ على ما تقدَّمَ ذِكْرُهُ: أنّ الدِّيَةَ حقٌّ لأهلِ المقتولِ، لا حقٌّ للمقتولِ نفسِه، فلا يجبُ أن تُوقَفَ له وتُحبَسَ، ولا أن يُتصدَّقَ بها عنه، فإنْ فعَلَ أهلُهُ مِن أنفسِهم، جازَ، إلاَّ أنّهم لم يُؤمَروا بذلك.
وفي القتلِ الخطأِ لا حَقَّ للمقتولِ على القاتِلِ في الآخِرةِ، ويكونُ سببُ موتِهِ قدَرًا مَحْضًا بلا اختيارٍ مِن مكلَّفٍ، كمَوْتِهِ بلَدْغةِ الحيَّةِ، والسُّقوطِ في بئرٍ، أو الابتلاءِ بمرَضٍ مُهلِكٍ، ونحوِ ذلك، فإنّ القاتلَ تَصرَّفَ تصرُّفًا لا اختيارَ له فيه، وهو في حُكْمِ فاقدِ العقلِ، كمَن ماتَ ببهيمةٍ، كوَقْصِ النّاقةِ ولَدْغةِ الحيةِ.
إسقاطُ الديةِ:
وفي قولِه تعالى: ﴿إلاَّ أنْ يَصَّدَّقُوا﴾ إشارةٌ إلى عِظَمِ استحقاقِ أهلِ القتيلِ للدِّيَةِ، وأنّها في حُكْمِ المقبوضَةِ، وحُكْمِ المالِ المأخوذِ منهم، حيثُ جعَلَ إسقاطَهم للمالِ كالصَّدقةِ به وهم لم يَقْبِضوه، وهذا نظيرُ قولِهِ تعالى: ﴿وإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ وأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠]، فالمالُ لصاحِبِهِ وأقرَضَهُ غيرَه، وكأنّ الديةَ مِثلُه، لاستحقاقِ أهلِ القتيلِ لها، كأنّما قبَضوها وأعطَوْها غيرَهم صدقةً منهم.
والمالُ على المُعسِرِ إنْ أسقَطَهُ صاحبُهُ عنه، فهو في حُكْمِ الصَّدقةِ عليه، وإنْ كان إسقاطُه بسبَبِ اليأسِ منه وعدَمِ رجاءِ عودتِه، فذلك دونَ البَداءةِ ببَذْلِهِ وإخراجِه من مالِهِ صدقةً.
التفاضُلُ بين إسقاطِ الديةِ وأخذِها:
وفي قولِه: ﴿إلاَّ أنْ يَصَّدَّقُوا﴾ تشوُّفٌ إلى العفوِ باستعمالِ لفظِ التصدُّقِ، بدلَ العفوِ والتَّرْكِ وشِبْهِه، وفضلُ الصدقةِ بالديةِ على القاتلِ وعاقلتِهِ على حالَيْنِ:
الأُولى: أنّ العفوَ والصدقةَ بها أوْلى مِن قَبْضِها، وذلك إذا كان القاتلُ لا قرينةَ في تعمُّدِهِ القتلَ، وكان مُعسِرًا ولا عاقلةَ له تُعِينُهُ، وكان أهلُ المقتولِ أهلَ قُدْرةٍ ويَسارٍ.
الثانيةُ: أنّ أخذَها أوْلى، وذلك لِمَن ظهَرَ منه تعمُّدُ القتلِ وقامَتْ قرينةُ العداوةِ، وضَعْفِ الدِّيانةِ، وسوءِ القصدِ، فأخذُها تأديبٌ له ولأمثالِه.
وأخذُ الديةِ في الحالَيْنِ حقٌّ لأهلِ المقتولِ، لا يُلامونَ بذلك ولا يُعاتَبونَ عليه.
مقدارُ ديةِ القتلِ:
وقولُه: ﴿ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ﴾، ديةُ القتلِ مِئةٌ مِنَ الإبلِ، وبهذا قَضى النبيُّ ﷺ وخُلَفاؤُه الرّاشِدونَ، وهي واجبةٌ مِن الإبلِ على أصحابِ الإبلِ، ولا خِلافَ في ذلك.
ولكنْ إن لم يكُنِ القاتلُ مِن أهلِ الإبلِ، فقد اختَلَفُوا في مقدارِها مِن الذَّهَبِ والفِضَّةِ وما يَنوبُ عنهما، مع اتِّفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ على جوازِ أخذِها مِن غيرِ الإبلِ مِن غيرِ أهلِها، ولِمَن تَصالَحَ على غيرِها:
فأمّا الذهبُ، فقد رُوِيَ عن عُمرَ، أنّه قوَّمَها بألفِ دينارٍ مِنَ الذهبِ، وبقضائِهِ قال الأئمةُ الأربعةُ، وهو قولُ الشافعيِّ القديمُ.
روى الشعبيُّ، عَن عَبِيدَةَ، عَن عُمَرَ، أنّه جعَلَ الدِّيةَ على أهلِ الذهبِ ألفَ دِينارٍ، وعلى أهلِ الوَرِقِ عشَرةَ آلافِ درهمٍ، وعلى أهلِ البقَرِ مِئَتَيْ بقرةٍ، وعلى أهلِ الشّاءِ ألفَ شاةٍ، وعلى أهلِ الإبلِ مئةً مِن الإبلِ، وعلى أهلِ الحُلَلِ مِئَتَيْ حُلَّةٍ.
يَرويهِ عنِ الشعبيِّ: ابنُ أبي لَيْلى، عِند ابنِ أبي شَيْبةَ[[«مصنف ابن أبي شيبة» (٢٦٧٢٧) (٥/٣٤٤).]]، والهيثمُ، رواهُ محمدُ بنُ الحسنِ في الآثارِ عن أبي حنيفةَ عنِ الهَيْثَمِ به[[«الآثار» لمحمد بن الحسن الشيباني (٢/٤٨٣).]]، وهو ضعيفٌ.
وأمّا الفضَّةُ، فالجمهورُ على أنّها اثنا عشَرَ ألفَ دِرهمٍ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ.
وقال أبو حنيفةَ: هي عَشَرةُ آلافِ دِرْهمٍ.
وإنّما اختَلَفُوا لاختلافِ التقديرِ عن عمرَ، فقد رُوِيَ عنه تقديرُ القيمةِ على رواياتٍ، وهي مُرسَلةٌ، ومنها ما أخرَجَهُ أبو داودَ، عن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَن أبيهِ، عَن جَدِّه، قال: كانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ثَمانَ مِئَةِ دِينارٍ أوْ ثَمانِيَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، ودِيَةُ أهْلِ الكِتابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِن دِيَةِ المُسْلِمِينَ، قالَ: فَكانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رحمه الله، فَقامَ خَطِيبًا فَقالَ: ألا إنَّ الإبِلَ قَدْ غَلَتْ، قالَ: فَفَرَضَها عُمَرُ عَلى أهْلِ الذَّهَبِ ألْفَ دِينارٍ، وعَلى أهْلِ الوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا، وعَلى أهْلِ البَقَرِ مِئَتَيْ بَقَرَةٍ، وعَلى أهْلِ الشّاءِ ألْفَيْ شاةٍ، وعَلى أهْلِ الحُلَلِ مِئَتَيْ حُلَّةٍ، قالَ: وتَرَكَ دِيَةَ أهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْها فِيما رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ[[أخرجه أبو داود (٤٥٤٢) (٤/١٨٤).]].
يَرويهِ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عثمانَ بنِ أميَّةَ، عن حُسينٍ المُعلِّمِ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وعبدُ الرحمنِ ليس بالقويِّ، قاله أبو حاتمٍ.
ولا يصحُّ عنِ النبيِّ ﷺ أنّه قَضى الديَةَ بغيرِ الإبِلِ، وقد رُوِيَ مِن حديثِ ابنِ عُمرَ وابنِ عبّاسٍ وجابرٍ: تَقديرُها بالذَّهَبِ والفِضَّةِ والحُلَلِ، ولا يَصحُّ.
ولكنَّ ما جاء عن عُمرَ وعثمانَ وغيرِهما مِن الصحابةِ يدلُّ بمجموعِهِ على جوازِ التقديرِ بالذهبِ والفضةِ، وإنِ اختَلَفَ القولُ عنهم، فهو يُثبِتُ أصلَ التقديرِ.
ولم يثبُتْ عنِ النبيِّ ﷺ في أسْنانِ الإبلِ حديثٌ، وقد جاء مِن حديثِ عمرِو بنِ شعَيْبٍ، أنّ النبيَّ جعَلَ ديةَ الخطأِ أرباعًا: ثلاثونَ بنتَ مَخاضٍ، وثلاثونَ بنتَ لَبُونٍ، وثلاثونَ حِقَّةً، وعَشَرةٌ بَني لَبُونٍ، والحديثُ في «السُّننِ»[[أخرجه أبو داود (٤٥٤١) (٤/١٨٤)، والنسائي (٤٨٠١) (٨/٤٢)، وابن ماجه (٢٦٣٠) (٢/٨٧٨).]]، ولا يصحُّ، وليس العملُ عليه.
وجاء مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ مرفوعًا: أنّ ديةَ الخطأِ مئةٌ مِن الإبلِ، منها عِشْرونَ حِقَّةً، وعِشرونَ جَذَعةً، وعِشرونَ بنتَ لَبُونٍ، وعشرونَ بنتَ مَخاضٍ، وعشرونَ بَني مَخاضٍ[[أخرجه أبو داود (٤٥٤٥) (٤/١٨٤)، وابن ماجه (٢٦٣١) (٢/٨٧٩).]]، وهو ضعيفٌ أيضًا.
ويعضُدُ نَكارتَهُ: أنّ أبا عُبَيْدةَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَوى عن أبيهِ خلافَهُ، قال: ديةُ الخطأِ خمسةُ أخماسٍ: عِشرونَ حِقَّةً، وعشرونَ جَذَعةً، وعشرونَ بناتِ مَخاضٍ، وعشرونَ بناتِ لَبُونٍ، وعشرونَ بني لَبُونٍ ذُكُور[[أخرجه الدارقطني في «سننه» (٣٣٦٢) (٤/٢٢٣).]].
وهو أصحُّ.
ورواهُ عنه عَلْقمةُ بنحوِه[[أخرجه الدارقطني في «سننه» (٣٣٦٣) (٤/٢٢٥).]].
وأكثرُ الفقهاءِ على التخميسِ، رفقًا بمالِ العاقلةِ، وإنصافًا لأهلِ المقتولِ، لكنَّهم اختَلَفُوا في حدِّ الأخماسِ:
فقال أبو حنيفةَ وأحمدُ: هي خمسةُ بني مَخاضٍ، وخمس بناتِ مخاضٍ، وخمس بناتِ لَبونٍ، وخمس حِقاقٍ، وخمسُ جِذاعٍ.
وقال مالكٌ والشافعيُّ: خمسُ حِقاقٍ، وخمسُ جذاعٍ، وخمسُ بناتِ لَبونٍ، وخمسُ بناتِ مخاضٍ، وخمسةُ بَني لَبونٍ.
والديةُ حقٌّ لأهلِ الدمِ، لا يجوزُ فيها النَّقْصُ، لقولِه تعالى: ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾، والناقصةُ لا يُطلَقُ عليها: ديةٌ مُسلَّمةٌ، والاستِلامُ: القبضُ، وإذا لم يَتِمَّ إكمالُ الديةِ، فلا يَصِحُّ إطلاقُ قَبْضِها وهي ناقصةٌ، روى الزهريُّ، عنِ ابنِ المسيَّبِ، قال: ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ﴾، يَعني: تامَّةً[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٣٢).]].
عتقُ الرقبة مِن مالِ القاتلِ، والدية على العاقلِ:
وعِتْقُ الرقبةِ يَجِبُ في مالِ القاتلِ، وأمّا الدِّيةُ فعلى العاقلةِ، ولا خلافَ عندَ العلماءِ في ذلك، وقد ثبَتَ به النصُّ، كما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ، قال: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتانِ مِن هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْداهُما الأُخْرى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْها وما فِي بَطْنِها، فاخْتَصَمُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ: أنَّ دِيَةَ جَنِينِها غُرَّةٌ عَبْدٌ أوْ ولِيدَةٌ، وقَضى بِدِيَةِ المَرْأَةِ عَلى عاقِلَتِها[[أخرجه البخاري (٦٩١٠) (٩/١١)، ومسلم (١٦٨١) (٣/١٣٠٩).]].
قال الشافعيُّ: «لم أعلَمْ مُخالِفًا أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قضى بالدِّيَةِ على العاقلةِ، وهذا أكثرُ مِن حديثِ الخاصَّةِ»[[«الأم» (٦/١٢٤).]].
ديةُ قتلِ الإمامِ خطأ:
وأمّا قتلُ الإمامِ أو نائبِهِ وعاملِهِ خطأً، فدِيَتُهُ على حالَيْنِ:
الأُولى: إن كانَ قتلُهُ في حالِ عمَلِهِ في رعيَّتِهِ وقيامِهِ بشأنِهم، فأخطَأَ على واحدٍ منهم، كخطَأِ أميرِ الجيشِ على الأَسْرى، والأميرِ في الحِسْبَةِ والتأديبِ: فدِيتُهُ مِن بيتِ المالِ، وذلك لِما في البخاريِّ، مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، قال: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إلى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعاهُمْ إلى الإسْلامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أنْ يَقُولُوا: أسْلَمْنا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنا صَبَأْنا، فَجَعَلَ خالِدٌ يَقْتُلُ مِنهُمْ ويَأْسِرُ، ودَفَعَ إلى كُلِّ رَجُلٍ مِنّا أسِيرَهُ، حَتّى إذا كانَ يَوْمٌ أمَرَ خالِدٌ أنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنّا أسِيرَهُ، فَقُلْتُ: واللهِ لا أقْتُلُ أسِيرِي، ولا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِن أصْحابِي أسِيرَهُ، حَتّى قَدِمْنا عَلى النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرْناهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ، فَقالَ: (اللَّهُمَّ، إنِّي أبْرَأُ إلَيْكَ مِمّا صَنَعَ خالِدٌ ـ مَرَّتَيْنِ)[[أخرجه البخاري (٤٣٣٩) (٥/١٦٠).]]، وبعَثَ عليًّا فوَدى قَتْلاهُمْ وما أُتْلِفَ مِن أمْوالِهِمْ حَتّى مِيلَغَةَ الكَلْبِ[[«سيرة ابن هشام» (ط. السقا) (٢/٤٣٠).]].
وقد كانوا يُطلِقونَ على مَن أسلَمَ: صبَأَ، وهو ذمٌّ، فأرادُوا أنْ يُبَيِّنُوا دخولَهم في الإسلامِ وعَدْلِه، فلم يَجِدُوا إلاَّ كلمةَ: صبَأْنا، فعَدَّها خالدٌ كفرًا، ولم يَعُدَّها النبيُّ كذلك، فوَدى قَتْلاهم مِن بيتِ المالِ.
إطلاقُ ألفاظٍ تحتمِلُ الكفر والإسلامَ:
ويَدخُلُ في حُكْمِ هذا مَن يُرِيدُ عدلَ الإسلامِ وحُكْمَهُ، ويُطلِقُ عباراتٍ تَحتمِلُ الكفرَ، يَظُنُّ أنّها تعني الإسلامَ، فهو يُريدُ الخروجَ مِن الكفرِ والظلمِ، ولم يُعبِّرْ إلاَّ بما يَسْمَعُهُ مِن الناسِ، كمَن يُريدُ الخروجَ مِن الكفرِ والظلمِ، ويُطلِقُ طلَبَ الحريَّةِ بلا قيدٍ، أو طَلَبَ الديمقراطيَّةِ، ويظُنُّها شُورى، فهؤلاءِ غالبًا يُفكِّرونَ فيما خرَجُوا مِنه أكثَرَ ممّا يفكِّرون فيما يُريدونَ الدخولَ إليه، وأحوالُ هؤلاءِ تُحمَلُ على حُسْنِ القصدِ، لا على خطَأِ العبارةِ، حتّى يُبَيَّنَ لهم أو يستبينَ القولُ والمعنى الحقُّ فيما يتلفَّظونَ به.
الثانيةُ: إنْ كان قتلُهُ بسببِ شيءٍ مِن معاملاتِهِ الخاصَّةِ، كبيعِه وشرائِهِ لنفسِه، ومُتْعَتِهِ الخاصَّةِ به وأهلِه: فديتُهُ في عاقِلَتِهِ أو في مالِه.
العاقلةُ وديةُ العمدِ:
والعاقلةُ لا تَحمِلُ ديةَ قتلِ العمدِ عندَ عامَّةِ العلماءِ، وحكى بعضُهم الاتِّفاقَ على أنّها في مالِ القاتلِ، لا عاقلتِه، إلاَّ إن أرادَتِ العاقلةُ إحسانًا، لأنّ العمدَ يُحتاجُ معه إلى تأديبِ المُعتدِي، لا رفعِ الكُلْفةِ عنه، ولا تأديبِ العاقلةِ، بخلافِ الخطأِ، ففيه رفعُ الحرَجِ عن المخطئِ، ومُواساةُ عاقلتِه له.
ثمَّ ذكَرَ اللهُ بعدَ ذلك حالتَيْنِ مِن قتلِ الخطأِ:
الأُولى: في قولِه تعالى: ﴿فَإنْ كانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾، والمرادُ: مَن كان مِن المؤمِنِينَ، ولكنَّه بَقِيَ بينَ الكافِرِينَ ولم يُهاجِرْ، أو قُتِلَ لأنّه كان يَصِلُ قومَهُ المشرِكِينَ المُحارِبِينَ رَحِمًا وقَرابَةً، فقُتِلَ بالخطأِ وسْطَهم، فيجبُ على قاتلِهِ عِتْقُ رقبةٍ مؤمنةٍ، وليس لأهلِه ديةٌ، لكونِهم مُحارِبِينَ.
ومَن لم يُهاجِرْ عندَ وجوبِ الهِجْرةِ عليه، فغزا المُسلِمونَ قومَهُ الكافِرِينَ، وبَقِيَ فيهم وهو يَعلَمُ فقُتِلَ، فليس له ولا لأوليائِهِ ديةٌ، لقولِهِ تعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢].
ولم يأمُرِ النبيُّ أسامةَ بدِيَةِ مَن قتَلَهُ لَمّا تشهَّدَ وهو في صَفِّ المُشرِكِينَ، والحديثُ في «الصحيحَيْن»[[أخرجه البخاري (٤٢٦٩) (٥/١٤٤)، ومسلم (٩٦) (١/٩٧).]].
وكلُّ مسلمٍ يُقتَلُ وليس له ورَثةٌ مسلِمونَ، فلا تُعطى الديةُ لورثتِهِ الكافِرِينَ، وأَوْلى مِن هذا إن كان الرجلُ معاهَدًا بنفسِهِ، وأمّا قومُهُ فمحارِبونَ، فقُتِلَ المعاهَدُ خطأً، فلا يُعطى ورَثتُهُ المحارِبونَ ديةً.
الثانيةُ: في قولِه تعالى: ﴿وإنْ كانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾، والمرادُ هو الرجلُ المعاهَدُ، فالميثاقُ في الآيةِ العهدُ، فمَن قتَلَ معاهدًا خطأً وقومُهُ مُعاهَدُونَ، فتؤدّى ديتُهُ إلى قومِه المعاهَدينَ، ويُحرِّرُ القاتلُ رَقَبةً مِن مالِهِ إنِ استطاع.
كفّارةُ قتلِ الذمِّيِّ:
وقولُه تعالى: ﴿مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ﴾ دليلٌ على الكفّارةِ في قتلِ الذمِّيِّ والمعاهَدِ بتحريرِ الرقبةِ، فالميثاقُ العهدُ والأمانُ.
رُوِيَ هذا المعنى عن السلفِ، قاله سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ وعِكْرِمةُ والزهريُّ وقتادةُ والنَّخَعيُّ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٣٤).]].
وكذلك: فتُدفَعُ ديةُ المُسلِمِ إلى أهلِهِ المعاهَدينَ.
ديةُ قتلِ المرأةِ المعاهدة:
وأمّا مقدارُ ديةِ الكافرةِ المعاهَدةِ، فعلى النِّصْفِ مِن ديةِ الذَّكَرِ منهم بلا خلافٍ، ولكنِ اختَلَفَ العلماءُ في مقدارِ ديةِ ذُكُورِهم، والخلافُ في ديةِ الكتابيِّ المعاهَدِ على أقوالٍ:
الأوَّلُ: أنّها على النِّصْفِ مِن ديةِ المسلِمِ، وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ.
الثّاني: ديتُهُ كديَةِ المسلمِ، وهو قولُ أبي حنيفةَ، وطَرَدَ الحنفيَّةُ ذلك في كلِّ كافرٍ، فجعَلُوا ديتَهم سواءً كالمسلِمِ.
الثالثُ: أنّ ديةَ الكتابيِّ ثُلُثُ ديةِ المسلمِ، وهو قولُ الشافعيِّ.
واتَّفَقَ مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ: أنّ ديةَ المجوسيِّ ثمان مئةِ درهمٍ.
وكلُّ كافرٍ غيرِ كتابيٍّ يأخُذُ حُكْمَ المجوسيِّ في ديتِه، كان وثنيًّا أو غيرَ وثنيٍّ.
وقد روى محمدُ بنُ إسحاقَ، عن داودَ بنِ الحُصَيْنِ، عن عِكْرِمةَ، عن ابنِ عبّاسٍ، في قصَّةِ بني قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ جعَلَ دِيتَهُمْ سواءً ديةً كاملةً، وقد تفرَّدَ به ابنُ إسحاقَ عن داودَ[[أخرجه أحمد (٣٤٣٤) (١/٣٦٣)، وأبو داود (٣٥٩١) (٣/٣٠٣).]].
وأصحُّ منه: ما رَواهُ عبدُ الرحمنِ بنُ الحارثِ بنِ عيّاشِ بنِ أبي ربيعةَ، عن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه: أنّ النبيَّ ﷺ جعَلَ ديةَ اليهوديِّ والنصرانيِّ على النِّصْفِ مِن ديةِ المسلمِ[[أخرجه أبو داود (٤٥٨٣) (٤/١٩٤)، وابن ماجه (٢٦٤٤) (٢/٨٨٣)، وابن المنذر في «الأوسط» (١٣/١٧٣)، والدارقطني في «سننه» (٣٣٥٩) (٤/٢٢١).]].
وقد جعَلَ اللهُ بدَلَ عِتْقِ الرقبةِ في الأحوالِ السابقةِ صيامَ شهرَيْنِ مُتتابِعَيْنِ، وذلك في قولِه تعالى: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ﴾، يَعني: لم يَجِدْ رقبةً مؤمنةً، أو وجَدَ ولكِنْ لم يَجِدْ قِيمَتَها.
والمرادُ بقولِه تعالى: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ﴾: مَن لم يَجِدِ الرَّقَبةَ، لا مَن لم يجدِ الدِّيَةَ والرَّقَبةَ، لأنّ الديةَ حقٌّ للمخلوقِ، لا يُعوَّضُ عنها بالصِّيامِ، بخلافِ عتقِ الرَّقَبةِ، فهي حقٌّ للهِ، فيُعوَّضُ عنها ـ عندَ عدمِ القدرةِ ـ بشيءٍ مِن حقِّ اللهِ آخَرَ، وهو هنا الصَّوْمُ.
وهو الصحيحُ الذي عليه عامةُ العلماءِ.
وقيل: هي فيمَن لم يَجِدِ الديةَ والرقبةَ، وهو قولُ مسروقٍ، رواهُ عنه الشعبيُّ بسندٍ صحيحٍ، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ[[«تفسير الطبري» (٧/٣٣٥)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٣٥).]].
ولا قائلَ به مِنَ السَّلَفِ.
الصيامُ في كفّارةِ القتلِ:
وقولُه تعالى: ﴿فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ﴾ لا يَجوزُ قَطعُهما إلاَّ بعُذْرٍ يجوزُ معه قطعُ فريضةِ الصِّيامِ كرمَضانَ، وذلكَ كعُذْرِ المَرَضِ والسَّفَرِ وحيضِ المرأةِ ونِفاسِها، فإنْ جازَ في صومِ رمضانَ، ففي صيامِ الكفّارةِ مِن بابِ أوْلى.
ولا يَختلِفُ العلماءُ في أنّ صيامَ رمضانَ أعظَمُ أنواعِ الصيامِ كلِّه وآكَدُه.
ومَن أفطَرَ في صيامِ الشهرَيْنِ بلا عذرٍ، فقد اختَلَفَ العلماءُ في فَسادِ ما سبَقَ مِن صومِه ووجوبِ إعادتِه، مع الاتِّفاقِ على إثمِه ووجوبِ توبتِه ـ على قولينِ في غيرِ الحيضِ والنِّفاسِ، فقد اتَّفَقُوا على عدمِ قطعِهما للتَّتابُعِ:
الأوَّلُ: قالوا: يَفسُدُ ما مَضى مِن صومِهِ، ويجبُ عليه أنْ يُعيدَ ويَستأنِفَ صومَهُ مِن أوَّلِهِ ولو كان فِطْرُهُ مِن غيرِ عذرٍ في آخِرِه، لأنّ التتابُعَ مقصودٌ للكفّارةِ، وذلك في حُكْمِ الفِطْرِ مِن النهارِ يُعيدُ صومَ ذلك اليومِ، وبهذا القولِ قال جمهورُ الفقهاءِ.
التتابُعُ في صيام كفّارة القتلِ:
والتتابعُ مقصودٌ في الكفارةِ، ولهذا ذكَرَ الصومَ بهذا القيدِ، كتَتابُعِ الصَّلاةِ في الرَّكَعاتِ الأربعِ، فمَن أفسَدَ آخِرَ ركعةٍ مِنَ الظُّهْرِ، وجَبَ عليه إعادتُها، وكذلك مَن نذَرَ أنْ يُصلِّيَ عشرَ ركعاتٍ بتسليمٍ واحدٍ، ثمَّ أفسَدَ آخِرَ ركعةٍ، وجبَ عليه إعادتُها جميعًا، ولو صحَّ مِن الإنسانِ الصلاةُ ركعتَيْنِ ركعتَيْنِ، كما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ ابنِ عمرَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنى مَثْنى) [[أخرجه البخاري (٤٧٢) (١/١٠٢)، ومسلم (٧٤٩) (١/٥١٦).]]، فأحدَثَ في إحدى الركعتَيْنِ، فَسَدَتْ تلك الصلاةُ ولم يَفسُدْ ما قبلَها، ومَن أفسَدَ ركعةَ الوترِ، لم يَفسُدْ قيامُهُ اللَّيْلَ، لأنّها منفصِلةٌ غيرُ متتابِعةٍ، ولو تتابعَتْ مِن غيرِ سلامٍ، أخَذَ أوَّلُها حُكْمَ آخِرِها، فكذلك صيامُ الشهرَيْنِ المتتابعَيْنِ، فمَن أفسَدَ يومًا منها، أعادَها جميعَها.
الثّاني: قالوا: لا يُعِيدُ مَن قطَعَ صيامَهُ بفِطْرٍ مِن غيرِ عذرٍ، وإنّما تَكْفِيهِ التوبةُ.
العجزُ عن صيام كفّارة القتلِ:
ومَن عجَزَ عنِ الصيامِ، فهَل يجبُ عليه بدلَهُ إطعامٌ؟ وقَعَ في ذلك خلافٌ:
مِن العلماءِ: مَن جعَلَ بدَلَ الصيامِ الإطعامَ، ككفّارةِ الظِّهارِ، وهو قولٌ للشافعيِّ وبعضِ أصحابِ مذهبِنا.
وقيلَ: لا بدلَ للصيامِ، وإنْ سقَطَ، فلا شيءَ عليه، وهو الأشبَهُ.
وقال بعضُهم: مَن مات ولم يصُمْ، أُطعِمَ عنه عن كلِّ يومٍ مسكينٌ مِن مالِه، وإنْ لم يكُنْ له مالٌ، سقَطَ عنه، لأنّ الصيامَ حقٌّ للهِ، وقال بالإطعامِ عنِ الميِّتِ مجاهدٌ وغيرُه.
وقولُه تعالى: ﴿تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾، يعني: غُفْرانًا مِن اللهِ لذلك الذنبِ، وذلك رحمةً مِن اللهِ أنْ جعَلَ لهذا الجُرْمِ ـ وهو القتلُ ـ كَفّارةً، وإلاَّ فيَبْقى أثرُهُ في النفسِ إلى موتِ فاعلِه، ولو كانَ القتلُ خطأً فإنّ النفسَ المؤمِنةَ لها عَظَمةٌ عندَ اللهِ وعندَ المؤمنينَ.
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن یَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـࣰٔاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـࣰٔا فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲ وَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یَصَّدَّقُوا۟ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوࣲّ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُم مِّیثَـٰقࣱ فَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ تَوۡبَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق