الباحث القرآني
﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ﴾ أيْ: وما صَحَّ لَهُ ولا لاقَ بِحالِهِ.
﴿أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا﴾ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإنَّ الإيمانَ زاجِرٌ عَنْ ذَلِكَ.
﴿إلا خَطَأً﴾ فَإنَّهُ رُبَّما يَقَعُ لِعَدَمِ دُخُولِ الِاحْتِرازِ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ تَحْتَ الطّاقَةِ البَشَرِيَّةِ، وانْتِصابُهُ إمّا عَلى أنَّهُ حالٌ أيْ: وما كانَ لَهُ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًَا في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا في حالِ الخَطَإ، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أيْ: وما كانَ لَهُ أنْ يَقْتُلَهُ لِعِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ إلّا لِلْخَطَإ أوْ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ أيْ: إلّا قَتْلًَا خَطَأً. وقِيلَ: "إلّا" بِمَعْنى ولا، والتَّقْدِيرُ: وما كانَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًَا عَمْدًَا ولا خَطَأً. وقِيلَ: ما كانَ نَفْيٌ في مَعْنى النَّهْيِ والِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ أيْ: لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَجَزاؤُهُ ما يُذْكَرُ والخَطَأُ ما لا يُقارِنُهُ القَصْدُ إلى الفِعْلِ أوْ إلى الشَّخْصِ أوْ لا يُقْصَدُ بِهِ زُهُوقُ الرُّوحِ غالِبًَا أوْ لا يُقْصَدُ بِهِ مَحْظُورٌ كَرَمْيِ مُسْلِمٍ في صَفِّ الكُفّارِ مَعَ الجَهْلِ بِإسْلامِهِ، وقُرِئَ "خَطاءً" بِالمَدِّ، و"خَطًَا" كَعَصًَا بِتَخْفِيفِ الهَمْزَةِ. رُوِيَ أنَّ عَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ وكانَ أخا أبِي جَهْلٍ لِأُمِّهِ أسْلَمَ وهاجَرَ إلى المَدِينَةِ خَوْفًَا مِن أهْلِهِ وذَلِكَ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَأقْسَمَتْ أُمُّهُ لا تَأْكُلُ ولا تَشْرَبُ ولا يَأْوِيها سَقْفٌ حَتّى يَرْجِعَ، فَخَرَجَ أبُو جَهْلٍ ومَعَهُ الحَرْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أبِي أنِيسَةَ فَأتَياهُ وهو في أُطُمٍ فَفَتَلَ مِنهُ أبُو جَهْلٍ في الذِّرْوَةِ والغارِبِ، وقالَ: ألَيْسَ مُحَمَّدٌ يَحُثُّكَ عَلى صِلَةِ الرَّحِمِ انْصَرِفْ وبَرَّ أُمَّكَ وأنْتَ عَلى دِينِكَ حَتّى نَزَلَ وذَهَبَ مَعَهُما فَلَمّا فَسَحا مِنَ المَدِينَةِ كَتَّفاهُ وجَلَدَهُ فَقالَ لِلْحَرْثِ: هَذا أخِي فَمَن أنْتَ يا حَرْثُ؟ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ وجَدْتُكَ خالِيًَا أنْ أقْتُلَكَ وقَدِما بِهِ عَلى أُمِّهِ فَحَلَفَتْ لا يُحَلُّ كِتافُهُ أوْ يَرْتَدُّ فَفَعَلَ بِلِسانِهِ ثُمَّ هاجَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وأسْلَمَ الحَرْثُ وهاجَرَ فَلَقِيَهُ عَيّاشٌ بِظَهْرِ قُباءَ ولَمْ يَشْعُرْ بِإسْلامِهِ فَأنْحى عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أُخْبِرَ بِإسْلامِهِ فَأتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: قَتَلْتُهُ ولَمْ أشْعُرْ بِإسْلامِهِ فَنَزَلَتْ.
﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أيْ: فَعَلَيْهِ أوْ فَمُوجِبُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أيْ: إعْتاقُ نَسَمَةٍ عَبَّرَ عَنْها بِها كَما يُعَبَّرُ عَنْها بِالرَّأْسِ.
﴿مُؤْمِنَةٍ﴾ أىْ مَحْكُومًَا بِإسْلامِها وإنْ كانَتْ صَغِيرَةً.
﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ﴾ مُؤَدّاةٌ إلى ورَثَتِهِ يَقْتَسِمُونَها كَسائِرِ المَوارِيثِ لِقَوْلِ ضَحّاكَ بْنِ سُفْيانَ الكِلابِيِّ: كَتَبَ إلىَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنِي أنْ أُوَرِّثَ امْرَأةَ أشْيَمَ الضِّبابِيِّ مِن عَقْلِ زَوْجِها.
﴿إلا أنْ يَصَّدَّقُوا﴾ أيْ: إلّا أنْ يَتَصَدَّقَ أهْلُهُ عَلَيْهِ، سُمِّيَ العَفْوُ عَنْها صَدَقَةً حَثًَّا عَلَيْهِ وتَنْبِيهًَا عَلى فَضْلِهِ، وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ « "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ"،» وقُرِئَ "إلّا أنْ يَتَصَدَّقُوا" وهو مُتَعَلِّقٌ بِـ"عَلَيْهِ" أوْ بِـ"مُسَلَّمَةٌ" أيْ: تَجِبُ الدِّيَةُ أوْ يُسَلِّمُها إلى أهْلِهِ إلّا وقْتَ تَصَدُّقِهِمْ عَلَيْهِ فَهو في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الظَّرْفِيَّةِ أوْ إلّا حالَ كَوْنِهِمْ مُتَصَدِّقِينَ عَلَيْهِ فَهو حالٌ مِنَ الأهْلِ أوِ القاتِلِ.
﴿فَإنْ كانَ﴾ أيِ: المَقْتُولُ.
﴿مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ﴾ كُفّارٍ مُحارِبِينَ.
﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ ولَمْ يَعْلَمْ بِهِ القاتِلُ لِكَوْنِهِ بَيْنَ أظْهُرِ قَوْمِهِ (p-216)بِأنْ أسْلَمَ فِيما بَيْنَهم ولَمْ يُفارِقْهم أوْ بِأنْ أتاهم بَعْدَ ما فارَقَهم لِمُهِمٍّ مِنَ المُهِمّاتِ.
﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ أيْ: فَعَلى قاتِلِهِ الكَفّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ إذْ لا وِراثَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ أهْلِهِ لِأنَّهم مُحارِبُونَ.
﴿وَإنْ كانَ﴾ أيِ: المَقْتُولُ المُؤْمِنُ.
﴿مِن قَوْمٍ﴾ كَفَرَةٍ.
﴿بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ﴾ أيْ: عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ أوْ مُؤَبَّدٌ.
﴿فَدِيَةٌ﴾ أيْ: فَعَلى قاتِلِهِ دِيَةٌ.
﴿مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ﴾ مِن أهْلِ الإسْلامِ إنْ وُجِدُوا، ولَعَلَّ تَقْدِيمَ هَذا الحُكْمِ هَهُنا مَعَ تَأْخِيرِهِ فِيما سَلَفَ لِلْإشْعارِ بِالمُسارَعَةِ إلى تَسْلِيمِ الدِّيَةِ تَحاشِيًَا عَنْ تَوَهُّمِ نَقْضِ المِيثاقِ.
﴿وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ كَما هو حُكْمُ سائِرِ المُسْلِمِينَ ولَعَلَّ إفْرادَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ انْدِراجِهِ في حُكْمِ ما سَبَقَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾ إلَخْ لِبَيانِ أنَّ كَوْنَهُ فِيما بَيْنَ المُعاهَدِينَ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الدِّيَةِ كَما مَنَعَهُ كَوْنُهُ فِيما بَيْنَ المُحارَبِينَ. وقِيلَ: المُرادُ بِالمَقْتُولِ: الذِّمِّيُّ أوِ المُعاهَدُ لِئَلّا يَلْزَمَ التَّكْرارُ بِلا فائِدَةٍ ولا التَّوْرِيثُ بَيْنَ المُسْلِمِ والكافِرِ وقَدْ عَرَفْتَ عَدَمَ لُزُومِها.
﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ﴾ أيْ: رَقَبَةً لِيُحَرِّرَها بِأنْ لَمْ يَمْلِكْها ولا ما يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْها مِنَ الثَّمَنِ.
﴿فَصِيامُ﴾ أيْ: فَعَلَيْهِ صِيامُ.
﴿شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ﴾ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ يَوْمَيْنِ مِن أيّامِهِما إفْطارٌ.
﴿تَوْبَةً﴾ نُصِبَ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أيْ: شُرِّعَ لَكم ذَلِكَ تَوْبَةً، أيْ: قَبُولًَا لَها مِن تابَ اللَّهُ عَلَيْهِ إذا قَبِلَ تَوْبَتَهُ أوْ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: تابَ عَلَيْكم تَوْبَةً. وقِيلَ: عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في "عَلَيْهِ" بِحَذْفِ المُضافِ أيْ: فَعَلَيْهِ صِيامُ شَهْرَيْنِ ذا تَوْبَةٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِـ"تَوْبَةً" أيْ: كائِنَةً مِنهُ تَعالى.
﴿وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ بِجَمِيعِ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها حالُهُ.
﴿حَكِيمًا﴾ في كُلِّ ما شَرَعَ وقَضى مِنَ الشَّرائِعِ والأحْكامِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما شَرَعَهُ في شَأْنِهِ.
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن یَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـࣰٔاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـࣰٔا فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲ وَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یَصَّدَّقُوا۟ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوࣲّ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُم مِّیثَـٰقࣱ فَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ تَوۡبَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق