الباحث القرآني
ولَمّا بَيَّنَ أقْسامَهُمْ؛ بَيانًا ظَهَرَ مِنهُ أنَّ أحْوالَهم مُلْبِسَةٌ؛ وأمَرَ بِقِتالِهِمْ؛ مَعَ الِاجْتِهادِ في تَعَرُّفِ أحْوالِهِمْ؛ وخَتَمَ بِالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِمْ؛ وكانَ رُبَّما قُتِلَ مَن لا يَسْتَحِقُّ القَتْلَ بِسَبَبِ الإلْباسِ؛ أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - المُرادِ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ مُخْرِجًا لَهُ في صُورَةِ النَّفْيِ المُؤَكِّدِ بِالكَوْنِ؛ لِتَغْلِيظِ الزَّجْرِ عَنْهُ؛ لِما لِلنُّفُوسِ عِنْدَ الحُظُوظِ مِنَ الدَّواعِي إلى القَتْلِ -: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ﴾؛ أيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ ﴿أنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا﴾؛ أيْ: في حالٍ مِنَ الحالاتِ؛ ﴿إلا خَطَأً﴾؛ أيْ: في حالَةِ الخَطَإ؛ بِألّا يَقْصِدَ القَتْلَ؛ أوْ لا يَقْصِدَ الشَّخْصَ؛ أوْ يَقْصِدَهُ (p-٣٦١)بِما لا يُقْصَدُ بِهِ زَهُوقُ الرُّوحِ؛ أوْ لا يَقْصِدَ ما هو مَمْنُوعٌ مِنهُ؛ كَمَن يَرْمِي إلى صَفِّ الكُفّارِ وفِيهِمْ مُسْلِمٌ؛ أوْ بِأنْ يَكُونَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ؛ فَإنَّ القَتْلَ عَلى هَذا الوَجْهِ لَيْسَ بِحَرامٍ؛ وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ في أقْسامِ المُنافِقِينَ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ يَنْبَغِي التَّثَبُّتُ؛ والتَّحَرِّي في جَمِيعِ أمْرِ القَتْلِ؛ مَتى احْتُمِلَ أنْ يَكُونَ القاتِلُ مُؤْمِنًا؛ احْتِمالًا لا تَقْضِي العادَةُ بِقُرْبِهِ؛ فَلَزِمَ مِن ذَلِكَ بَيانُ حُكْمِ الخَطَإ؛ ولامُ الِاخْتِصاصِ قَدْ تُطْلَقُ عَلى ما لا مانِعَ مِنهُ: «”فَإنَّما هي لَكَ أوْ لِأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ“؛» وكَأنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِيُفِيدَ بِإيجابِ الكَفّارَةِ والدِّيَةِ غايَةَ الزَّجْرِ عَنْ قَتْلِ المُؤْمِنِ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ هَذا جَزاءَ ما هو لَهُ؛ فَما الظَّنُّ بِما لَيْسَ لَهُ؟! فَقالَ (تَعالى): ﴿ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا﴾؛ صَغِيرًا كانَ أوْ كَبِيرًا؛ ذَكَرًا كانَ أوْ أُنْثى؛ ولَعَلَّهُ عَبَّرَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِالوَصْفِ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ في نَفْسِ الأمْرِ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ في نَفْسِ الأمْرِ؛ وإنْ أُلْزِمَ بِهِ في الظّاهِرِ؛ ﴿خَطَأً﴾؛ ولَمّا كانَ الخَطَأُ مَرْفُوعًا عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ فَكانَ لِذَلِكَ يُظَنُّ أنَّهُ لا شَيْءَ عَلى المُخْطِئِ؛ بَيَّنَ أنَّ الأمْرَ في القَتْلِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ؛ لِأنَّ الأمْرَ فِيها خَطِرٌ جِدًّا؛ فَقالَ - مُغْلِظًا عَلَيْهِ؛ حَثًّا عَلى زِيادَةِ النَّظَرِ؛ والتَّحَرِّي عِنْدَ فِعْلِ ما قَدْ يَقْتُلُ -: ﴿فَتَحْرِيرُ﴾؛ أيْ: فالواجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ ﴿رَقَبَةٍ﴾؛ أيْ: نَفْسٍ - عَبَّرَ بِها عَنْها لِأنَّها لا تَعِيشُ بِدُونِها - (p-٣٦٢)كامِلَةِ الرِّقِّ؛ ﴿مُؤْمِنَةٍ﴾؛ ولَوْ بِبَيْعِ الدّارِ؛ أوِ البَساتِينِ؛ سَلِيمَةٍ عَمّا يُخِلُّ بِالعَمَلِ؛ وقَدَّمَ التَّحْرِيرَ هُنا حَثًّا عَلى رَتْقِ ما خُرِقَ مِن حِجابِ العَبْدِ؛ وإيجابُ ذَلِكَ في الخَطَإ إيجابٌ لَهُ في العَمْدِ؛ بِطَرِيقِ الأوْلى؛ وكَأنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ في العَمْدِ لِأنَّهُ تَخْفِيفٌ في الجُمْلَةِ؛ والسِّياقُ لِلتَّغْلِيظِ؛ ﴿ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ﴾؛ أيْ: مُؤَدّاةٌ بِيُسْرٍ؛ وسُهُولَةٍ؛ ﴿إلى أهْلِهِ﴾؛ أيْ: ورَثَتِهِ؛ يَقْتَسِمُونَها كَما يُقَسَّمُ المِيراثُ؛ ﴿إلا أنْ يَصَّدَّقُوا﴾؛ أيْ: يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ في كُلِّ حالٍ؛ إلّا في حالِ تَصَدُّقِهِمْ بِالعَفْوِ عَنِ القاتِلِ؛ بِإبْرائِهِ مِنَ الدِّيَةِ؛ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ؛ وعَبَّرَ بِالصَّدَقَةِ تَرْغِيبًا؛ ﴿فَإنْ كانَ﴾؛ أيْ: المَقْتُولُ؛ ﴿مِن قَوْمٍ﴾؛ أيْ: فِيهِمْ مَنعَةٌ؛ ﴿عَدُوٍّ لَكُمْ﴾؛ أيْ: مُحارِبِينَ؛ ﴿وهُوَ﴾؛ أيْ: والحالُ أنَّهُ ﴿مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ﴾؛ أيْ: فالواجِبُ عَلى القاتِلِ تَحْرِيرُ ﴿رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾؛ وكَأنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ إشارَةً إلى التَّحَرِّي في جَوْدَةِ إسْلامِها؛ وقَدْ أسْقَطَ هَذا حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ الكَفّارَةِ؛ بِسُكْناهُ في دارِ الحَرْبِ؛ الَّتِي هي دارُ الإباحَةِ؛ أوْ وُقُوعِهِ في صَفِّهِمْ؛ ولِعَدِّهِ في عِدادِهِمْ؛ قالَ: ”مِن“؛ ومَعْناهُ - كَما قالَ الشّافِعِيُّ؛ وغَيْرُهُ؛ تَبَعًا لِابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُما -: في ”وإنْ كانَ“؛ أيْ: المَقْتُولُ؛ ”مِن قَوْمٍ“؛ أيْ: كَفَرَةٍ أيْضًا؛ عَدُوٍّ لَكُمْ؛ ”بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ“؛ وهو كافِرٌ مِثْلُهُمْ؛ ”فَدِيَةٌ“؛ أيْ: فالواجِبُ فِيهِ - كالواجِبِ (p-٣٦٣)فِي المُؤْمِنِ المَذْكُورِ قَبْلَهُ - ”دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهْلِهِ“؛ عَلى حَسَبِ دِينِهِ؛ إنْ كانَ كِتابِيًّا فَثُلُثُ دِيَةِ المُسْلِمِ؛ وإنْ كانَ مَجُوسِيًّا فَثُلُثا عُشْرِها؛ ”وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ“؛ وكَأنَّهُ قَدَّمَ الدِّيَةَ هُنا إشارَةً إلى المُبادَرَةِ بِها؛ حِفْظًا لِلْعَهْدِ؛ ولِتَأْكِيدِ أمْرِ التَّحْرِيرِ بِكَوْنِهِ خِتامًا؛ كَما كانَ افْتِتاحًا؛ حَثًّا عَلى الوَفاءِ بِهِ؛ لِأنَّهُ أمانَةٌ؛ لا طالِبَ لَهُ إلّا اللَّهُ؛ وقالَ الأصْبَهانِيُّ: إنَّ سِرَّ ذَلِكَ أنَّ إيجابَهُ في المُؤْمِنِ أوْلى مِنَ الدِّيَةِ؛ وبِالعَكْسِ هَهُنا؛ انْتَهى.
وكانَ سِرُّهُ النَّظَرُ إلى خَيْرِ الدِّينِ في المُؤْمِنِ؛ وإلى حِفْظِ العَهْدِ في الكافِرِ؛ ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ﴾؛ أيْ: الرَّقَبَةَ؛ ولا ما يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْها؛ ﴿فَصِيامُ﴾؛ أيْ: فالواجِبُ عَلَيْهِ صِيامُ؛ ﴿شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ﴾؛ حَتّى لَوْ أفْطَرَ يَوْمًا واحِدًا بِغَيْرِ حَيْضٍ؛ أوْ نِفاسٍ؛ وجَبَ الِاسْتِئْنافُ؛ وعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عادًّا لِلْخَطَإ - بَعْدَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِاللّامِ المُقْتَضِيَةِ أنَّهُ مُباحٌ - ذَنْبًا؛ تَغْلِيظًا لِلْحَثِّ عَلى مَزِيدِ الِاحْتِياطِ: ﴿تَوْبَةً﴾؛ أيْ: أوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْكم لِأجْلِ قَبُولِ التَّوْبَةِ؛ ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْظَمِ؛ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ في قَبْضَتِهِ.
ولَمّا كانَ الكَفّاراتُ مِنَ المَشَقَّةِ عَلى النَّفْسِ بِمَكانٍ؛ رَغَّبَ فِيها - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِخَتْمِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿وكانَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطُ بِصِفاتِ الكَمالِ؛ (p-٣٦٤)﴿عَلِيمًا﴾؛ أيْ: بِما يُصْلِحُكم في الدُّنْيا؛ والآخِرَةِ؛ وبِما يَقَعُ خَطَأً في نَفْسِ الأمْرِ؛ أوْ عَمْدًا؛ فَلا يَغْتَرَّ أحَدٌ بِنَصْبِ الأحْكامِ بِحَسَبِ الظّاهِرِ؛ ﴿حَكِيمًا﴾؛ في نَصْبِهِ الزَّواجِرَ بِالكَفّاراتِ؛ وغَيْرِها؛ فالزَمُوا أوامِرَهُ؛ وباعِدُوا زَواجِرَهُ؛ لِتَفُوزُوا بِالعِلْمِ؛ والحِكْمَةِ.
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن یَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـࣰٔاۚ وَمَن قَتَلَ مُؤۡمِنًا خَطَـࣰٔا فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲ وَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یَصَّدَّقُوا۟ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوࣲّ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُم مِّیثَـٰقࣱ فَدِیَةࣱ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مُّؤۡمِنَةࣲۖ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ تَوۡبَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق