الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى ذكره: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ﴾ ٦٤٠- حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُمّي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: بعث ربُّ العزة مَلكَ الموت فأخذ من أديم الأرض، من عذْبها ومالحها، فخلق منه آدم. ومن ثَمَّ سُمي آدم. لأنه خُلق من أديم الأرض [[الخبر: ٦٤٠- هذا إسناد صحيح. ورواه الطبري في التاريخ أيضًا ١: ٤٦، بهذا الإسناد، بزيادة في آخره. ولكن فيه: "بعث رب العزة إبليس" بدل"ملك الموت". وهذا هو الصواب الموافق لسائر الروايات، فلعل ما هنا تحريف قديم من الناسخين. وكذلك رواه ابن سعد في الطبقات ١/١/٦، عن حسين بن حسن الأشقر، عن يعقوب بن عبد الله القمي، بهذا الإسناد. وكذلك نقله السيوطي ١: ٤٧، مطولا، عن ابن سعد، والطبري، وابن أبي حاتم، وابن عساكر.]] . ٦٤١- وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: إن آدم خُلق من أديم الأرض، فيه الطيّب والصالح والرديء، فكل ذلك أنت راءٍ في ولده، الصالح والرديء [[الخبر: ٦٤١- رواه الطبري في التاريخ ١: ٤٦، بهذا الإسناد. وذكره السيوطي ١: ٤٧، منسوبًا للطبري وحده، ولم أجده عند غيره. وإسناده ضعيف جدًّا. عمرو بن ثابت: هو ابن أبي المقدام الحداد، ضعيف جدًّا، قال ابن معين: "ليس بثقة ولا مأمون". وأما أبوه"ثابت بن هرمز أبو المقدام"، فإنه ثقة. ويزيد هذا الإسناد ضعفًا وإشكالا - قوله فيه: "عن جده"! فإن ترجمة ثابت في المراجع كلها ليس فيها أنه يروي عن أبيه"هرمز". ثم لا نجد لهرمز هذا ذكرا ولا ترجمة، فما أدرى مم هذا؟]] . ٦٤٢- وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مِسعر، عن أبي حَصين، عن سعيد بن جُبير، قال: خُلق آدم من أديم الأرض، فسمِّي آدم. ٦٤٣- وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: إنما سمي آدمَ لأنه خلق من أديم الأرض [[الأثران: ٦٤٢، ٦٤٣- رواهما الطبري في التاريخ أيضًا ١: ٤٦، بهذين الإسنادين. وذكره بنحوه السيوطي ١: ٤٩، والشوكاني ١: ٥٢. و"أبو حصين"، فيهما بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، وهو: عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي، ثقة ثبت صاحب سنة.]] . ٦٤٤- وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ: أنّ ملك الموت لما بُعث ليأخذ من الأرض تربةَ آدم، أخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاءَ وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. ولذلك سُمي آدم، لأنه أخذ من أديم الأرض [[الخبر: ٦٤٤- مضى ضمن خبر مطول، بهذا الإسناد: ٦٠٧.]] . وقد روى عن رسول الله ﷺ خبرٌ يحقق ما قال مَن حكينا قوله في معنى آدم. وذلك ما-: ٦٤٥- حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَيَّة، عن عوف -وحدثنا محمد بن بشار، وعمر بن شَبة- قالا حدثنا يحيى بن سعيد -قال: حدثنا عوف- وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهاب الثقفي، قالوا: حدثنا عوف -وحدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا عنبسة- عن عوف الأعرابي، عن قَسامَة بن زُهير، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله ﷺ: إنّ الله خلق آدم من قَبضة قَبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك، والسهلُ والحَزْن، والخبيث والطيب [[الحديث: ٦٤٥- هو حديث صحيح. ورواه أحمد في المسند ٤: ٤٠٠، ٤٠٦ (حلبى) ، وابن سعد في الطبقات ١/١/٥-٦، وأبو داود: ٤٦٩٣، والترمذي ٤: ٦٧-٦٨، والحاكم ٢: ٢٦١-٢٦٢، كلهم من طريق عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن قسامة بن زهير، به. قال الترمذي: "حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي ١: ٤٦، ونسبه لهؤلاء، ولعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، وغيرهم. ورواه أيضًا الطبري في التاريخ ١: ٤٦، بهذه الأسانيد التي هنا، بزيادة في آخره.]] . فعلى التأويل الذي تأول"آدم" من تأوله، بمعنى أنه خُلق من أديم الأرض، يجب أن يكون أصْل"آدم" فعلا سُمي به أبو البشر، كما سمي"أحمد" بالفعل من الإحماد، و"أسعد" من الإسعاد، فلذلك لم يُجَرَّ. ويكون تأويله حينئذ: آدمَ المَلكُ الأرضَ، يعني به بلغ أدمتها -وأدَمتها: وجهها الظاهر لرأي العين، كما أنّ جلدة كل ذي جلدة له أدَمة. ومن ذلك سُمي الإدام إدَامًا، لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه- ثم نقل من الفعل فجعل اسمًا للشخص بعينه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الأسماء التي علمها آدمَ ثم عَرضها على الملائكة، فقال ابن عباس ما-: ٦٤٦- حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: علم الله آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسانٌ ودابة، وأرض وَسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. [[الخبر: ٦٤٦- في ابن كثير ١: ١٣٢، والدر المنثور ١: ٤٩، والشوكاني ١: ٥٢ وقد مضى برقم: ٦٠٦، مطولا.]] . ٦٤٧- وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد - وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شِبْل، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، في قول الله:"وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء. ٦٤٨- وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن خُصيف، عن مجاهد:"وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء [[الأثران: ٦٤٧، ٦٤٨- في الدر المنثور ١: ٤٩، وكأنهما اختصار لما بعدهما.]] . ٦٤٩- وحدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم الجَرمي، عن محمد بن مصعب، عن قيس بن الربيع، عن خُصيف، عن مجاهد، قال: علمه اسم الغراب والحمامة واسم كل شيء [[الأثر: ٦٤٩- لم أجده بنصه ولعله مطول الذي قبله، وانظر ما سيأتي رقم: ٦٦٦. و"مسلم الجرمي": ثبت في الأصول بالحاء. وقد مضى في: ١٥٤ ترجيحنا أنه بالجيم.]] . ٦٥٠- وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شَريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: علمه اسمَ كل شيء، حتى البعير والبقرة والشاة [[الأثر: ٦٥٠- في الدر المنثور ١: ٤٩.]] . ٦٥١- وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شَريك، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن مَعبد، عن ابن عباس، قال: علمه اسم القصعة والفسوة والفُسَيَّة [[الخبر: ٦٥١- سعيد بن معبد: تابعي، يروي عن ابن عباس، لم أجد له ترجمة إلا في التاريخ الكبير للبخاري ٢/١/٤٦٨، والجرح لابن أبي حاتم ٢/١/٦٣. وكلاهما ذكر أنه يروي عن ابن عباس، ويروي عنه: القاسم بن أبي بزة. فجاءنا الطبري بفائدة زائدة، في هذا الإسناد، وفي الإسناد: ٦٥٣: أنه يروي عنه أيضًا عاصم بن كليب. وهذا الخبر ذكره بنحوه: ابن كثير ١: ١٣٢، والسيوطي ١: ٤٩. ونسباه أيضًا لابن أبي حاتم. وهذا الخبر والثلاثة بعده، متقاربة المعنى، هي روايات لخبر واحد.]] . ٦٥٢- وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن الحسن بن سعد، عن ابن عباس:"وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: حتى الفسوة والفُسيَّة. ٦٥٣- حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا محمد بن مُصعب، عن قيس، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن مَعبد، عن ابن عباس في قول الله:"وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء حتى الهَنة والهُنَيَّة والفسوة والضرطة. ٦٥٤- وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن عاصم بن كليب، قال: قال ابن عباس: علمه القصعة من القُصيعة، والفسوة من الفسية [[الخبر: ٦٥٤- عاصم بن كليب الجرمي: ثقة يحتج به. ولكنه إنما يروي عن التابعين، فروايته عن ابن عباس هنا منقطعة. وقد دلتنا الأسانيد الثلاثة الماضية على أنه إنما روى هذا المعنى عن سعيد بن معبد، وعن الحسن بن سعد، عن ابن عباس.]] . ٦٥٥- وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، عن سعيد، عن قتادة قوله:"وعلم آدم الأسماء كلها" حتى بلغ:"إنك أنتَ العليمُ الحكيم" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم"، فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه، وألجأه إلى جنسه [[الأثر: ٦٥٥- في الدر المنثور ١: ٤٩، بغير هذا اللفظ. وانظر رقم: ٦٩٧.]] . ٦٥٦- وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرَّزَّاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة في قوله:"وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء، ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين [[الأثر: ٦٥٦- في ابن كثير ١: ١٣٣ مختصرًا، وفي الدر المنثور ١: ٤٩ مطولا وفي ابن كثير: "ثم عرض تلك الأسماء".]] . ٦٥٧- وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن جرير بن حازم -ومبارك، عن الحسن- وأبي بكر عن الحسن وقتادة، قالا علمه اسم كل شيء: هذه الخيل، وهذه البغال والإبل والجنّ والوحش، وجعل يسمي كل شيء باسمه. [[الأثر: ٦٥٧- في ابن كثير ١: ١٣٣ بغير هذا اللفظ مختصرًا، وفي الدر المنثور ١: ٤٩، وسيأتي كما جاء فيهما برقم: ٦٦٧.]] ٦٥٨ - وحُدِّثت عن عمّار، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: اسم كل شيء. [[الأثر: ٦٥٨- لم أجده.]] وقال آخرون: علم آدم الأسماء كلها، أسماء الملائكة. * ذكر من قال ذلك: ٦٥٩ - حُدِّثت عن عمار، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:"وعلم آدمَ الأسماء كلها"، قال: أسماء الملائكة. [[الأثر: ٦٥٩- في ابن كثير ١: ١٣٢، والدر المنثور ١: ٤٩، والشوكاني ١: ٥٢.]] وقال آخرون: إنما علمه أسماء ذريته كلها. * ذكر من قال ذلك: ٦٦٠ - حدثني محمد بن جرير، قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:"وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: أسماء ذريته أجمعين. [[الأثر: ٦٦٠- في ابن كثير ١: ١٣٢، والدر المنثور ١: ٤٩، والشوكاني ١: ٥٢.]] وأوْلَى هذه الأقوال بالصواب، وأشبهها بما دل على صحته ظاهرُ التلاوة، قول من قال في قوله:"وعلم آدم الأسماء كلها" إنها أسماءُ ذرِّيَّته وأسماءُ الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق. وذلك أن الله جلّ ثناؤه قال:"ثمّ عرَضهم على الملائكة"، يعني بذلك أعيانَ المسمَّين بالأسماء التي علمها آدم. ولا تكادُ العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة. وأمّا إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سوَى من وصفناها، فإنها تكني عنها بالهاء والألف أو بالهاء والنون، فقالت:"عرضهن" أو"عرضها"، وكذلك تفعل إذا كنَتْ عن أصناف من الخلق كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم وفيها أسماءُ بني آدم والملائكة، فإنها تكنى عنها بما وصفنا من الهاء والنون أو الهاء والألف. وربما كنَتْ عنها، إذا كان كذلك [[في المطبوعة: "إذ كان. . . " وهو خطأ.]] بالهاء والميم، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [سورة النور: ٤٥] ، فكنى عنها بالهاء والميم، وهي أصناف مختلفة فيها الآدمي وغيره. وذلك، وإن كان جائزًا، فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وَصفنا، من إخراجهم كنايةَ أسماء أجناس الأمم - إذا اختلطت - بالهاء والألف أو الهاء والنون. فلذلك قلتُ: أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علَّمها آدمَ أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة، وإن كان ما قال ابن عباس جائزًا على مثال ما جاء في كتاب الله من قوله:"والله خَلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بَطنه" الآية. وقد ذكر أنها في حرف ابن مسعود:"ثم عَرضهن"، وأنها في حرف أبَيّ:"ثم عَرضَها". [[انظر تفسير ابن كثير ١: ١٣٢ في التعقيب على كلام الطبري.]] ولعل ابن عباس تأول ما تأول من قوله: علمه اسم كل شيء حتى الفسوة والفسيَّة، على قراءة أبيّ، فإنه فيما بلغنا كان يقرأ قراءة أبيّ. وتأويل ابن عباس - على ما حُكي عن أبيّ من قراءته - غيرُ مستنكر، بل هو صحيح مستفيض في كلام العرب، على نحو ما تقدم وصفي ذلك. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾ قال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هو أولى بالآية، على قراءتنا ورَسم مُصْحفنا، وأن قوله:"ثم عَرَضهم"، بالدلالة على بني آدم والملائكة، أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها، وإن كان غيرَ فاسد أن يكون دالا على جميع أصناف الأمم، للعلل التي وصفنا. ويعني جل ثناؤه بقوله:"ثم عَرضَهم"، ثم عرَض أهل الأسماء على الملائكة. وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله:"ثم عَرضَهم على الملائكة" نحو اختلافهم في قوله:"وعلم آدمَ الأسماء كلها". وسأذكر قول من انتهى إلينا عنه فيه قولٌ. ٦٦١ - حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:"ثم عَرضهم على الملائكة"، ثم عرض هذه الأسماء، يعني أسماء جميع الأشياء، التي علّمها آدم من أصناف جميع الخلق. [[الخبر: ٦٦١- هو من تمام الآثار السالفة قريبًا.]] ٦٦٢ - وحدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبى صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ:"ثم عرضهم"، ثم عرض الخلقَ على الملائكة [[الخبر: ٦٦٢- مختصر من الخبر الطويل الماضي قريبًا، وفي ابن كثير ١: ١٣٢.]] . ٦٦٣ - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أسماء ذريته كلِّها، أخذهم من ظَهره. قال: ثم عرضهم على الملائكة [[الأثر: ٦٦٣- في الدر المنثور ١: ٤٩.]] . ٦٦٤ - وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرَّزَّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:"ثم عرضهم"، قال: علمه اسم كل شيء، ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة [[الأثر: ٦٦٤- مختصر أثر سلف بإسناده هذا، وفي ابن كثير ١: ١٣٣.]] . ٦٦٥ - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد:"ثم عرضهم"، عرض أصحاب الأسماء على الملائكة [[الأثر: ٦٦٥- في ابن كثير: ١: ١٣٣، والدر المنثور ١: ٤٩، والشوكاني ١: ٥٢.]] ٦٦٦ - وحدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا محمد بن مصعب، عن قيس، عن خُصَيف، عن مجاهد:"ثم عرضهم على الملائكة"، يعني عرض الأسماء، الحمامةَ والغراب [[الأثر: ٦٦٦- في ابن كثير ١: ١٣٤، وانظر ما مضى قريبًا بإسناده.]] . ٦٦٧ - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن جرير بن حازم، - ومبارك عن الحسن - وأبي بكر عن الحسن وقتادة - قالا علّمه اسم كل شيء: هذه الخيلَ، وهذه البغال، وما أشبه ذلك. وجعل يُسمي كل شيء باسمه، وعُرضت عليه أمة أمة [[الأثر: ٦٦٧- انظر ما مضى رقم: ٦٥٧ وابن كثير ١: ١٣٣، والدر المنثور ١: ٤٩.]] . * * * القول في تأويل قوله: ﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ﴾ قال أبو جعفر: وتأويل قوله:"أنبئوني": أخبروني، كما:- ٦٦٨ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:"أنبئوني"، يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء [[الخبر: ٦٦٨- مختصر من الخبر رقم: ٦٠٦.]] . ومنه قول نابغة بني ذُبيان: وَأَنْبَأَهُ الْمُنَبِّئُ أَنَّ حَيًّا ... حُلُولٌ مِنْ حَرَامٍ أَوْ جُذَامِ [[ديوانه: ٨٧ من قصيدة له، في عمرو بن هند، وكان غزا الشام بعد قتل المنذر أبيه. وقال أبو عبيدة: هذه القصيدة لعمرو بن الحارث الغساني في غزوة العراق. ورواية الديوان: "أن حيًّا حلولا" بالنصب، صفة "حيًّا" وهي الرواية الجيدة. وخبر"أن" محذوف، كأنه يقول: قد تألبوا يترصدون لك. وحذفه للتهويل في شأن اجتماعهم وترصدهم. والبيت الذي يليه دال على ذلك، وهو قوله: وَأَنَّ الْقَوْمَ نَصْرُهُمُ جَمِيعٌ ... فِئَامٌ مُجْلِبُونَ إِلَى فِئَامِ ورواية الرفع، لا بأس بها، وإن كنت لا أستجيدها. وقوله: "حرام" كأنه يعني بني حرام ابن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم. أو كأنه يعني بني حرام بن جذام بن عدي بن الحارث ابن مرة بن أدد بن زيد. ودار جذام جبال حسمى، وأرضها بين أيلة وجانب تيه بني إسرائيل الذي يلي أيلة، وبين أرض بني عذرة من ظهر حرة نهيل (معجم البلدان: حسمى) . فمن أجل أن بنى عذرة هذه ديارهم قريبة من جذام، شككت فيمن عني النابغة ببني حرام في هذا البيت.]] يعني بقوله:"أنبأه": أخبره وأعلمه. * * * القول في تأويل قوله جل ذكره: ﴿بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ﴾ قال أبو جعفر: ٦٦٩ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال حدثنا عيسى - وحدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شِبْل، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد في قول الله:"بأسماء هؤلاء"، قال: بأسماء هذه التي حدَّثتُ بها آدمَ. ٦٧٠- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" يقول: بأسماء هؤلاء التي حَدّثت بها آدم. [[الأثران: ٦٦٩، ٦٧٠- لم أجدهما في مكان.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى ذكره: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك. ٦٧١ - فحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:"إن كنتم صادقين"، إن كنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة. [[الخبر: ٦٧١- مختصر من الخبر السالف رقم ٦٠٦، وانظر التعليق، هناك على هذه الفقرة. وانظر الشوكاني ١: ٥٢.]] ٦٧٢ - وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ:"إن كنتم صادقين" أنّ بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. [[الخبر: ٦٧٢- مختصر من الخبر السالف رقم ٦٠٧، وابن كثير ١: ١٣٣، والدر المنثور ١: ٥٠، والشوكاني ١: ٥٢.]] ٦٧٣ - وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن جرير بن حازم - ومبارك عن الحسن - وأبي بكر عن الحسن وقتادة - قالا"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" أني لم أخلق خلقًا إلا كنتم أعلمَ منه، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين [[الأثر: ٦٧٣- مختصر من الأثر السالف رقم ٦١١، وابن كثير ١: ١٣٣.]] . قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، تأويلُ ابن عباس ومن قال بقوله. ومعنى ذلك: فقال أنبئوني بأسماء من عرضتُه عليكم أيتها الملائكة - القائلون: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء من غيرنا، أم منا؟ فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عَصَاني ذريته وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، وإن جعلتكم فيها أطعتموني، واتّبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس. فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتُهم عليكم من خلقي، وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعَلِمه غيركم بتعليمي إيّاه؛ فأنتم = بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بَعدُ، وبما هو مستتر من الأمور - التي هي موجودة - عن أعينكم = أحرى أن تكونوا غير عالمين، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي. وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته - الذين قالوا له:"أتجعل فيها من يفسد فيها"، من جهة عتابه جل ذكره إياهم - نظيرُ قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه إذ قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [سورة هود: ٤٥]-: لا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين [[في المطبوعة: "وأنت أحكم الحاكمين فلا تسألن"، وهو خطأ فاحش، فإن الآية التي تلي قوله: "وأنت أحكم الحاكمين": "قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم. . . "، ولم يرد الطبري أن يسوق الآيتين، بل ساق قول الله سبحانه لنبيه حين قال ما قال. والصواب ما في المخطوطة كما أثبتناه.]] . فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خُلفاءه في الأرض ليسبّحوه ويقدسوه فيها، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعلُه في الأرض خليفةً، يفسدون فيها ويسفكون الدماء، فقال لهم جل ذكره:"إني أعلم ما لا تعلمون". يعني بذلك: إني أعلم أنّ بعضكم فاتِحُ المعاصي وخاتِمُها، وهو إبليس، منكرًا بذلك تعالى ذكره قولهم. ثم عرّفهم موضع هَفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانًا، - فكيف بما لم يروه ولم يُخبَروا عنه؟ - بعرَضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ، وقيله لهم:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبّحتموني وقدستموني، وإن استخلفت فيها غيرَكم عَصَاني ذُريته وأفسدوا وسفكوا الدماء. فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم، وبدت لهم هَفوة زَلتهم، أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا:"سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا"، فسارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة، كما قال نوح - حين عوتب في مَسئلته فقيل له: لا تسأَلْنِ ما ليس لك به علم [[في المطبوعة هنا أيضًا: "فلا تسألن".]] -: ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة هود: ٤٧] . وكذلك فعلُ كل مسدَّد للحق موفَّق له - سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوْبته. وقد زعم بعض نحويّي أهل البصرة أنّ قوله:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين"، لم يكن ذلك لأن الملائكة ادّعوا شيئا، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب، وعلمه بذلك وفضله، فقال:"أنبئوني إن كنتم صادقين" - كما يقول الرجل للرجل:"أنبئني بهذا إن كنت تعلم". وهو يعلم أنه لا يعلم، يريد أنه جاهلٌ. وهذا قول إذا تدبره متدبر، علم أن بعضَه مُفسدٌ بعضًا. وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة - إذ عرَض عليهم أهل الأسماء -: أنبئوني بأسماء هؤلاء، وهو يعلم أنهم لا يعلمون، ولا هم ادّعوا علم شيء يوجب أن يُوبَّخوا بهذا القول. وزعم أن قوله:"إن كنتم صادقين" نظير قول الرجل للرجل:"أنبئني بهذا إن كنت تعلم". وهو يعلم أنه لا يعلم، يريد أنه جاهل. ولا شك أن معنى قوله:"إن كنتم صادقين" إنما هو: إن كنتم صادقين، إمّا في قولكم، وإما في فعلكم. لأن الصّدق في كلام العرب، إنما هو صدق في الخبر لا في العلم. وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال: صدَق الرجل بمعنى علم. فإذْ كان ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة - على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية-:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" وهو يعلم أنهم غيرُ صادقين، يريد بذلك أنهم كاذبون. وذلك هو عين ما أنكره، لأنه زعم أن الملائكة لم تدَّع شيئًا، فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتم صَادقين، فأنبئوني بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول - الذي حكيناه عن صاحبه - من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير. وقد حُكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأول قوله:"إن كنتم صادقين" بمعنى: إذْ كنتم صادقين. ولو كانت"إن" بمعنى"إذ" في هذا الموضع، لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها، لأن"إذ" إذا تقدّمها فعل مُستقبل صارت علة للفعل وسببًا له. وذلك كقول القائل:"أقوم إذ قمت". فمعناه أقوم من أجل أنّك قمت. والأمرُ بمعنى الاستقبال، فمعنى الكلام - لو كانت"إن" بمعنى"إذ" -: أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وُضعت "إن" مكان ذلك قيل: أنبئوني بأسماء هؤلاء أنْ كنتم صَادقين، مفتوحةَ الألف. وفي إجماع جميع قُرّاء أهل الإسلام على كسر الألف من"إنْ"، دليل واضح على خطأ تأويل من تأول"إن" بمعنى"إذ" في هذا الموضع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب