الباحث القرآني

﴿وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿قالَ إنِّيَ أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] عَطَفَ حِكايَةَ الدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ عَلى حِكايَةِ الِاسْتِدْلالِ الإجْمالِيِّ الَّذِي اقْتَضاهُ قَوْلُهُ ﴿إنِّيَ أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] فَإنَّ تَعْلِيمَ آدَمَ الأسْماءَ وإظْهارَ فَضِيلَتِهِ بِقَبُولِهِ لِهَذا التَّعْلِيمِ دُونَ المَلائِكَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ حُجَّةً عَلى قَوْلِهِ لَهم ﴿إنِّيَ أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] أيْ ما لا تَعْلَمُونَ مِن جَدارَةِ هَذا المَخْلُوقِ بِالخِلافَةِ في الأرْضِ، وعَطْفُ ذِكْرِ آدَمَ بَعْدَ ذِكْرِ مَقالَةِ اللَّهِ لِلْمَلائِكَةِ وذِكْرِ مُحاوَرَتِهِمْ يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا الخَلِيفَةَ هو آدَمُ وأنَّ آدَمَ اسْمٌ لِذَلِكَ الخَلِيفَةِ، وهَذا الأُسْلُوبُ مِن بَدِيعِ الإجْمالِ والتَّفْصِيلِ والإيجازِ كَما قالَ النّابِغَةُ: ؎فَقُلْتُ لَهم لا أعَرِفَنَّ عَقائِلًا رَعابِيبَ مِن جَنْبَيْ أرِيكٍ وعاقِلِ الأبْياتِ ثُمَّ قالَ بَعْدَها: ؎وقَدْ خِفْتُ حَتّى ما تَزِيدُ مَخافَتِي ∗∗∗ عَلى وعِلٍ في ذِي المَطارَةِ عاقِلِ ؎مَخافَةَ عَمْرٍو أنْ تَكُونَ جِيادُهُ ∗∗∗ يُقَدْنَ إلَيْنا بَيْنَ حافٍ وناعِلِ فَدَلَّ عَلى أنَّ ما ذَكَرَهُ سالِفًا مِنَ العَقائِلِ الَّتِي بَيْنَ أُرِيكِ وعاقِلٍ، ومِنَ الأنْعامِ المُغْتَنَمَةِ هو ما يُتَوَقَّعُ مِن غَزْوِ عَمْرِو بْنِ الحَرْثِ الغَسّانِيِّ دِيارَ بَنِي عَوْفٍ مِن قَوْمِهِ. (p-٤٠٨)”وآدَمُ“ اسْمُ الإنْسانِ الأوَّلِ أبِي البَشَرِ في لُغَةِ العَرَبِ وقِيلَ مَنقُولٌ مِنَ العِبْرانِيَّةِ لِأنَّ ”أداما“ بِالعِبْرانِيَّةِ بِمَعْنى الأرْضَ وهو قَرِيبٌ لِأنَّ التَّوْراةَ تَكَلَّمَتْ عَلى خَلْقِ آدَمَ وأطالَتْ في أحْوالِهِ فَلا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ اسْمُ أبِي البَشَرِ قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ العَرَبِ مِنَ اليَهُودِ وسَماعِ حِكايَتِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا الِاسْمُ عُرِفَ عِنْدَ العَرَبِ والعِبْرانِيِّينَ مَعًا مِن أصْلِ اللُّغاتِ السّامِيَةِ فاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُها. وقَدْ سُمِّيَ في سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْراةِ بِهَذا الِاسْمِ آدَمَ ووَقَعَ في دائِرَةِ المَعارِفِ العَرَبِيَّةِ أنَّ آدَمَ سَمّى نَفْسَهُ إيشَ ”أيْ ذا مُقْتَنى“، وتَرْجَمَتُهُ إنْسانٌ أوْ قَرْءٌ. قُلْتُ: ولَعَلَّهُ تَحْرِيفُ إيثَ كَما سَتَعْلَمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] ولِلْإنْسانِ الأوَّلِ أسْماءُ أُخَرُ في لُغاتِ الأُمَمِ، وقَدْ سَمّاهُ الفُرْسُ القُدَماءُ كَيُومِرْتَ بِفَتْحِ الكافِ في أوَّلِهِ وبِتاءٍ مُثَنّاةٍ فَوْقِيَّةٍ في آخِرِهِ، ويُسَمّى أيْضًا كَيامِرْتِنَ بِألَفٍ عِوَضَ الواوِ وبِكَسْرِ الرّاءِ وبَنُونٍ بَعْدَ المُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ، قالُوا إنَّهُ مَكَثَ في الجَنَّةِ ثَلاثَةَ آلافِ سَنَّةٍ ثُمَّ هَبَطَ إلى الأرْضِ فَعاشَ في الأرْضِ ثَلاثَةَ آلافِ سَنَةٍ أُخْرى، واسْمُهُ في العِبْرانِيَّةِ آدَمُ كَما سُمِّيَ في التَّوْراةِ وانْتَقَلَ هَذا الِاسْمُ إلى اللُّغاتِ الإفْرَنْجِيَّةِ مِن كُتُبِ الدِّيانَةِ المَسِيحِيَّةِ فَسَمَّوْهُ ”آدامَ“ بِإشْباعِ الدّالِ، فَهو اسْمٌ عَلى وزْنِ فاعِلٍ صِيغَ كَذَلِكَ اعْتِباطًا، وقَدْ جُمِعَ عَلى ”أوادِمَ“ بِوَزْنِ فَواعِلَ كَما جُمِعَ خاتَمُ وهَذا الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ صاحِبُ الكَشّافِ، وجَعَلَ مُحاوَلَةَ اشْتِقاقِهِ كَمُحاوَلَةِ اشْتِقاقِ يَعْقُوبَ مِنَ العَقِبِ وإبْلِيسَ مِنَ الإبْلاسِ ونَحْوِ ذَلِكَ أيْ هي مُحاوَلَةٌ ضَئِيلَةٌ وهو الحَقُّ. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: أصْلُهُ أأْدَمُ بِهَمْزَتَيْنِ عَلى وزْنِ أفْعَلُ مِنَ الأُدْمَةِ وهي لَوْنُ السُّمْرَةِ فَقُلِبَتْ ثانِيَةُ الهَمْزَتَيْنِ مَدَّةً، ويُبْعِدُهُ الجَمْعَ وإنْ أمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِأنَّ أصْلَهُ أأادَمُ فَقُلِبَتِ الهَمْزَةُ الثّانِيَةُ في الجَمْعِ واوًا لِأنَّها لَيْسَ لَها أصْلٌ كَما أجابَ بِهِ الجَوْهَرِيُّ. ولَعَلَّ اشْتِقاقَ اسْمِ لَوْنِ الأُدْمَةِ مِنِ اسْمِ آدَمَ أقْرَبُ مِنَ العَكْسِ. والأسْماءُ جَمْعُ اسْمٍ وهو في اللُّغَةِ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلى مَعْنًى يَفْهَمُهُ ذِهْنُ السّامِعِ فَيَخْتَصُّ بِالألْفاظِ سَواءً كانَ مَدْلُولُها ذاتًا وهو الأصْلُ الأوَّلُ، أوْ صِفَةً أوْ فِعْلًا فِيما طَرَأ عَلى البَشَرِ الِاحْتِياجُ إلَيْهِ في اسْتِعانَةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَحَصَلَ مِن ذَلِكَ ألْفاظٌ مُفْرَدَةٌ أوْ مُرَكَّبَةٌ وذَلِكَ هو مَعْنى الِاسْمِ عُرْفًا إذْ لَمْ يَقَعْ نَقْلٌ. فَما قِيلَ إنَّ الِاسْمَ يُطْلَقُ عَلى ما يَدُلُّ عَلى الشَّيْءِ سَواءٌ كانَ لَفْظَهُ أوْ صِفَتَهُ أوْ فِعْلَهُ تَوَهُّمٌ في اللُّغَةِ. ولَعَلَّهم تَطَوَّحُوا بِهِ إلى أنَّ اشْتِقاقَهُ مِنَ السِّمَةِ وهي العَلامَةُ، وذَلِكَ عَلى تَسْلِيمِهِ لا يَقْتَضِي أنْ يَبْقى مُساوِيًا لِأصْلِ اشْتِقاقِهِ. وقَدْ قِيلَ: هو مُشْتَقٌّ مِنَ السُّمُوِّ لِأنَّهُ (p-٤٠٩)لَمّا دَلَّ عَلى الذّاتِ فَقَدْ أبْرَزَها. وقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنَ الوَسْمِ لِأنَّهُ سِمَةٌ عَلى المَدْلُولِ. والأظْهَرُ أنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّمُوِّ وأنَّ وزْنَهُ سِمْوٌ بِكَسْرِ السِّينِ وسُكُونِ المِيمِ لِأنَّهم جَمَعُوهُ عَلى أسْماءٍ ولَوْلا أنَّ أصْلَهُ سِمْوٌ لَما كانَ وجْهٌ لِزِيادَةِ الهَمْزَةِ في آخِرِهِ فَإنَّها مُبْدَلَةٌ عَنِ الواوِ في الطَّرَفِ إثْرَ ألْفٍ زائِدَةٍ ولَكانُوا جَمَعُوهُ عَلى أوْسامٍ. والظّاهِرُ أنَّ الأسْماءَ الَّتِي عُلِّمَها آدَمُ هي ألْفاظٌ تَدُلُّ عَلى ذَواتِ الأشْياءِ الَّتِي يَحْتاجُ نَوْعُ الإنْسانِ إلى التَّعْبِيرِ عَنْها لِحاجَتِهِ إلى نِدائِها، أوِ اسْتِحْضارِها، أوْ إفادَةِ حُصُولِ بَعْضِها مَعَ بَعْضٍ، وهي - أيِ الإفادَةُ - ما نُسَمِّيهِ اليَوْمَ بِالأخْبارِ أوِ التَّوْصِيفِ فَيَظْهَرُ أنَّ المُرادَ بِالأسْماءِ ابْتِداءً أسْماءُ الذَّواتِ مِنَ المَوْجُوداتِ مِثْلَ الأعْلامِ الشَّخْصِيَّةِ، وأسْماءِ الأجْناسِ مِنَ الحَيَوانِ والنَّباتِ والحَجَرِ والكَواكِبِ مِمّا يَقَعُ عَلَيْهِ نَظَرُ الإنْسانِ ابْتِداءً مِثْلَ اسْمِ جَنَّةٍ، ومَلَكٍ، وآدَمَ، وحَوّاءَ، وإبْلِيسَ، وشَجَرَةٍ وثَمَرَةٍ. ونَجِدُ ذَلِكَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ البَشَرِيَّةِ الأُولى ولِذَلِكَ نُرَجِّحُ أنْ لا يَكُونَ فِيما عُلِّمَهُ آدَمُ ابْتِداءً شَيْءٌ مِن أسْماءِ المَعانِي والأحْداثِ ثُمَّ طَرَأتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَكانَ إذا أرادَ أنْ يُخْبِرَ عَنْ حُصُولِ حَدَثٍ أوْ أمْرٍ مَعْنَوِيٍّ لِذاتٍ قَرَنَ بَيْنَ اسْمِ الذّاتِ واسْمِ الحَدَثِ نَحْوُ ماءِ بَرْدٍ أيْ ماءٍ بارِدٍ ثُمَّ طَرَأ وضْعُ الأفْعالِ والأوْصافِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقالَ الماءُ بارِدٌ أوْ بَرَدَ الماءُ. وهَذا يُرَجِّحُ أنَّ أصْلَ الِاشْتِقاقِ هو المُصادَرُ لا الأفْعالُ لِأنَّ المَصادِرَ صِنْفٌ دَقِيقٌ مِن نَوْعِ الأسْماءِ، وقَدْ دَلَّنا عَلى هَذا قَوْلُهُ تَعالى ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ كَما سَيَأْتِي. والتَّعْرِيفُ في الأسْماءِ تَعْرِيفٌ الجِنْسِ أُرِيدَ مِنهُ الِاسْتِغْراقُ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ عَلَّمَهُ جَمِيعَ أسْماءِ الأشْياءِ المَعْرُوفَةِ يَوْمَئِذٍ في ذَلِكَ العالَمِ فَهو اسْتِغْراقٌ عُرْفِيٌّ مِثْلُ: جَمَعَ الأمِيرُ الصّاغَةَ أيْ صاغَةَ أرْضِهِ، وهو الظّاهِرُ لِأنَّهُ المِقْدارُ الَّذِي تَظْهَرُ بِهِ الفَضِيلَةُ فَما زادَ عَلَيْهِ لا يَلِيقُ تَعْلِيمُهُ بِالحِكْمَةِ، وقُدْرَةُ اللَّهِ صالِحَةٌ لِذَلِكَ. وتَعْرِيفُ الأسْماءِ يُفِيدُ أنَّ اللَّهَ عَلَّمَ آدَمَ كُلَّ اسْمٍ ما هو مُسَمّاهُ ومَدْلُولُهُ، والإتْيانُ بِالجَمْعِ هُنا مُتَعَيَّنٌ إذْ لا يَسْتَقِيمُ أنْ يَقُولَ وعَلَّمَ آدَمَ الِاسْمَ، وما شاعَ مِن أنَّ اسْتِغْراقَ المُفْرَدِ أشْمَلُ مِنِ اسْتِغْراقِ الجَمْعِ في المُعَرَّفِ بِاللّامِ كَلامٌ غَيْرُ مُحَرِّرٍ، وأصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِن كَلامِ السَّكّاكِيِّ وسَنُحَقِّقُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَكِنِ البِرُّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكِتابِ﴾ [البقرة: ١٧٧] في هَذِهِ السُّورَةِ. و(كُلَّها) تَأْكِيدٌ لِمَعْنى الِاسْتِغْراقِ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ مِنهُ العَهْدُ فَلَمْ تَزِدْ كَلِمَةُ ”كُلَّ“ العُمُومَ شُمُولًا ولَكِنَّها دَفَعَتْ عَنْهُ الِاحْتِمالَ. و”كُلَّ“ اسْمٌ دالٌّ عَلى الشُّمُولِ والإحاطَةِ فِيما أُضِيفَ (p-٤١٠)هُوَ إلَيْهِ، وأكْثَرُ ما يَجِيءُ مُضافًا إلى ضَمِيرِ ما قَبْلَهُ فَيُعْرَبُ تَوْكِيدًا تابِعًا لِما قَبْلَهُ ويَكُونُ أيْضًا مُسْتَقِلًّا بِالإعْرابِ إذا لَمْ يُقْصَدِ التَّوْكِيدُ بَلْ قُصِدَتِ الإحاطَةُ وهو مُلازِمٌ لِلْإضافَةِ لَفْظًا أوْ تَقْدِيرًا، فَإذا لَمْ يُذْكَرِ المُضافُ إلَيْهِ عُوِّضَ عَنْهُ بِالتَّنْوِينِ ولِكَوْنِهِ مُلازِمًا لِلْإضافَةِ يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةً بِالإضافَةِ فَلا تَدْخُلُ عَلَيْهِ لامُ التَّعْرِيفِ. وتَعْلِيمُ اللَّهِ تَعالى آدَمَ الأسْماءَ إمّا بِطَرِيقَةِ التَّلْقِينِ بِعَرْضِ المُسَمّى عَلَيْهِ، فَإذا أراهُ لُقِّنَ اسْمَهُ بِصَوْتٍ مَخْلُوقٍ يَسْمَعُهُ فَيَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ دالٌّ عَلى تِلْكَ الذّاتِ بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ. أوْ يَكُونُ التَّعْلِيمُ بِإلْقاءِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ في نَفْسِ آدَمَ بِحَيْثُ يَخْطُرُ في ذِهْنِهِ اسْمُ شَيْءٍ عِنْدَما يُعْرَضُ عَلَيْهِ فَيَضَعُ لَهُ اسْمًا بِأنْ ألْهَمَهُ وضْعَ الأسْماءِ لِلْأشْياءِ لِيُمْكِنَهُ أنْ يُفِيدَها غَيْرَهُ وذَلِكَ بِأنْ خَلَقَ قُوَّةَ النُّطْقِ فِيهِ وجَعَلَهُ قادِرًا عَلى وضْعِ اللُّغَةِ كَما قالَ تَعالى ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ [الرحمن: ٣] ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ [الرحمن: ٤] وجَمِيعُ ذَلِكَ تَعْلِيمٌ؛ إذِ التَّعْلِيمُ مَصْدَرُ عَلَّمَهُ إذا جَعَلَهُ ذا عِلْمٍ مِثْلُ أدَّبَهُ فَلا يَنْحَصِرُ في التَّلْقِينِ وإنْ تَبادَرَ فِيهِ عُرْفًا. وأيًّا ما كانَتْ كَيْفِيَّةُ التَّعْلِيمِ فَقَدْ كانَ سَبَبًا لِتَفْضِيلِ الإنْسانِ عَلى بَقِيَّةِ أنْواعِ جِنْسِهِ بِقُوَّةِ النُّطْقِ وإحْداثِ المَوْضُوعاتِ اللُّغَوِيَّةِ لِلتَّعْبِيرِ عَمّا في الضَّمِيرِ. وكانَ ذَلِكَ أيْضًا سَبَبًا لِتَفاضُلِ أفْرادِ الإنْسانِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ بِما يَنْشَأُ عَنِ النُّطْقِ مِنِ اسْتِفادَةِ المَجْهُولِ مِنَ المَعْلُومِ وهو مَبْدَأُ العُلُومِ، فالإنْسانُ لَمّا خُلِقَ ناطِقًا مُعَبِّرًا عَمّا في ضَمِيرِهِ فَقَدْ خُلِقَ مُدْرِكًا أيْ عالِمًا، وقَدْ خُلِقَ مُعَلِّمًا، وهَذا أصْلُ نَشْأةِ العُلُومِ والقَوانِينِ وتَفارِيعِها لِأنَّكَ إذا نَظَرْتَ إلى المَعارِفِ كُلِّها وجَدْتَها وضْعَ أسْماءٍ لِمُسَمَّياتٍ وتَعْرِيفَ مَعانِي تِلْكَ الأسْماءِ وتَحْدِيدَها لِتَسْهِيلِ إيصالِ ما يَحْصُلُ في الذِّهْنِ إلى ذِهْنِ الغَيْرِ. وكِلا الأمْرَيْنِ قَدْ حُرِمَهُ بَقِيَّةُ أنْواعِ الحَيَوانِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَتَفاضَلْ أفْرادُهُ إلّا تَفاضُلا ضَعِيفًا بِحُسْنِ الصُّورَةِ أوْ قُوَّةِ المَنفَعَةِ أوْ قِلَّةِ العُجْمَةِ بَلْهَ بَقِيَّةَ الأجْناسِ كالنَّباتِ والمَعْدِنِ. وبِهَذا تَعْلَمُ أنَّ العِبْرَةَ في تَعْلِيمِ اللَّهِ تَعالى آدَمَ الأسْماءَ حاصِلَةٌ سَواءً كانَ الَّذِي عَلَّمَهُ إيّاهُ أسْماءَ المَوْجُوداتِ يَوْمَئِذٍ أوْ أسْماءَ كُلِّ ما سَيُوجَدُ، وسَواءً كانَ ذَلِكَ بِلُغَةٍ واحِدَةٍ هي الَّتِي ابْتَدَأ بِها نُطْقُ البَشَرِ مُنْذُ ذَلِكَ التَّعْلِيمِ أمْ كانَ بِجَمِيعِ اللُّغاتِ الَّتِي سَتَنْطِقُ بِها ذُرِّيّاتُهُ مِنَ الأُمَمِ، وسَواءً كانَتِ الأسْماءُ أسْماءَ الذَّواتِ فَقَطْ أوْ أسْماءَ المَعانِي والصِّفاتِ، وسَواءً كانَ المُرادُ مِنَ الأسْماءِ الألْفاظَ الدّالَّةَ عَلى المَعانِي أوْ كُلَّ دالٍّ عَلى شَيْءٍ لَفْظًا كانَ أوْ غَيْرَهُ مِن خَصائِصِ الأشْياءِ وصِفاتِها وأفْعالِها كَما تَقَدَّمَ؛ إذْ مُحاوَلَةُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ لا طائِلَ تَحْتَهُ في تَفْسِيرِ القُرْآنِ. ولَعَلَّ كَثِيرًا مِنَ المُفَسِّرِينَ قَدْ هانَ عِنْدَهم أنْ يَكُونَ تَفْضِيلُ آدَمَ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ مُتَعَلِّقًا بِمَعْرِفَةِ عَدَدٍ (p-٤١١)مِنَ الألْفاظِ الدّالَّةِ عَلى المَعانِي المَوْجُودَةِ فَرامُوا تَعْظِيمَ هَذا التَّعْلِيمِ بِتَوْسِيعِهِ وغَفَلُوا عَنْ مَوْقِعِ العِبْرَةِ ومِلاكِ الفَضِيلَةِ وهو إيجادُ هاتِهِ القُوَّةِ العَظِيمَةِ الَّتِي كانَ أوَّلُها تَعْلِيمَ تِلْكَ الأسْماءِ، ولِذَلِكَ كانَ إظْهارُ عَجْزِ المَلائِكَةِ عَنْ لَحاقِ هَذا الشَّأْوِ بِعَدَمِ تَعْلِيمِهِمْ لِشَيْءٍ مِنَ الأسْماءِ، ولَوْ كانَتِ المَزِيَّةُ والتَّفاضُلُ في تَعْلِيمِ آدَمَ جَمِيعَ ما سَيَكُونُ مِنَ الأسْماءِ في اللُّغاتِ لَكَفى في إظْهارِ عَجْزِ المَلائِكَةِ عَدَمُ تَعْلِيمِهِمْ لِجَمْهَرَةِ الأسْماءِ وإنَّما عَلَّمَ آدَمَ أسْماءَ المَوْجُوداتِ يَوْمَئِذٍ كُلِّها لِيَكُونَ إنْباؤُهُ المَلائِكَةَ بِها أبْهَرَ لَهم في فَضِيلَتِهِ. ولَيْسَ في هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ اللُّغاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ أيْ لَقَّنَها اللَّهُ تَعالى البَشَرَ عَلى لِسانِ آدَمَ ولا عَلى عَدَمِهِ لِأنَّ طَرِيقَةَ التَّعْلِيمِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ﴾ مُجْمَلَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِكَيْفِيّاتٍ كَما قَدَّمْناهُ. والنّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ القُدْرَةَ عَلَيْها إلْهامٌ مِنَ اللَّهِ وذَلِكَ تَعْلِيمٌ مِنهُ سَواءٌ لَقَّنَ آدَمَ لُغَةً واحِدَةً أوْ جَمِيعَ لُغاتِ البَشَرِ. وأسْماءَ كُلِّ شَيْءٍ أوْ ألْهَمَهُ ذَلِكَ أوْ خَلَقَ لَهُ القُوَّةَ النّاطِقَةَ، والمَسْألَةُ مَفْرُوضَةٌ في عِلْمِ اللَّهِ وفي أُصُولِ الفِقْهِ وفِيها أقْوالٌ ولا أثَرَ لِهَذا الِاخْتِلافِ لا في الفِقْهِ ولا في غَيْرِهِ قالَ المازِرِيُّ إلّا في جَوازِ قَلْبِ اللُّغَةِ. والحَقُّ أنَّ قَلْبَ الألْفاظِ الشَّرْعِيَّةِ حَرامٌ وغَيْرُهُ جائِزٌ. ولَقَدْ أصابَ المازِرِيُّ وأخْطَأ كُلُّ مَن رامَ أنْ يَجْعَلَ لِهَذا الخِلافِ ثَمَرَةً غَيْرَ ما ذُكِرَ، وفي اسْتِقْراءِ ذَلِكَ ورَدِّهِ طُولٌ، وأمْرُهُ لا يَخْفى عَنْ سالِمِي العُقُولِ. * * * ﴿ثُمَّ عَرَضَهم عَلى المَلائِكَةِ فَقالَ أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَؤُلاءِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ قِيلَ عَطْفُهُ بِـ (ثُمَّ) لِأنَّ بَيْنَ ابْتِداءِ التَّعْلِيمِ وبَيْنَ العَرْضِ مُهْلَةً وهي مُدَّةُ تَلْقِينِ الأسْماءِ لِآدَمَ أوْ مُدَّةُ إلْهامِهِ وضْعَ الأسْماءِ لِلْمُسَمَّياتِ. والأظْهَرُ أنَّ (ثُمَّ) هُنا لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ كَشَأْنِها في عَطْفِها الجُمَلَ لِأنَّ رُتْبَةَ هَذا العَرْضِ وظُهُورَ عَدَمِ عِلْمِ المَلائِكَةِ وظُهُورَ عِلْمِ آدَمَ وظُهُورَ أثَرِ عِلْمِ اللَّهِ وحِكْمَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ أرْفَعُ رُتْبَةً في إظْهارِ مَزِيَّةِ آدَمَ واسْتِحْقاقِهِ الخِلافَةَ، مِن رُتْبَةِ مُجَرَّدِ تَعَلُّمِهِ الأسْماءَ لَوْ بَقِيَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِهِ ما حَدَثَ مِنَ الحادِثَةِ كُلِّها. ولَمّا كانَ مَفْهُومُ لَفْظِ اسْمٍ مِنَ المَفْهُوماتِ الإضافِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُها عَلى تَعَقُّلِ غَيْرِها - إذِ الِاسْمُ لا يَكُونُ إلّا المُسَمّى - كانَ (p-٤١٢)ذِكْرُ الأسْماءِ مُشْعِرًا لا مَحالَةَ بِالمُسَمَّياتِ فَجازَ لِلْبَلِيغِ أنْ يَعْتَمِدَ عَلى ذَلِكَ ويَحْذِفَ لَفْظَ المُسَمَّياتِ إيجازًا. وضَمِيرُ (عَرَضَهم) لِلْمُسَمَّياتِ لِأنَّها الَّتِي تُعْرَضُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَؤُلاءِ﴾ وبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها﴾ فَإنَّ الِاسْمَ يَقْتَضِي مُسَمًّى وهَذا مِن إيجازِ الحَذْفِ، وأمّا الأسْماءُ فَلا تُعْرَضُ لِأنَّ العَرْضَ إظْهارُ الذّاتِ بَعْدَ خَفائِها ومِنهُ عَرْضُ الشَّيْءِ لِلْبَيْعِ ويَوْمُ العَرْضِ، والألْفاظُ لا تَظْهَرُ فَتَعَيَّنَ أنَّ المَعْرُوضَ مَدْلُولاتُ الأسْماءِ إمّا بِأنْ تُعْرَضَ صُوَرٌ مِنَ الذَّواتِ فَقَطْ ويُسْألُ عَنْ مَعْرِفَةِ أسْمائِها أيْ مَعْرِفَةِ الألْفاظِ الدّالَّةِ عَلَيْها، أوْ عَنْ بَيانِ مَواهِيِّها وخَصائِصِها، وإمّا بِأنْ تُعْرَضَ الذَّواتُ والمَعانِي بِخَلْقِ أشْكالٍ دالَّةٍ عَلى المَعانِي كَعَرْضِ الشَّجاعَةِ في صُورَةِ فِعْلِ صاحِبِها والعِلْمِ في صُورَةِ إفاضَةِ العالِمِ في دَرْسِهِ أوْ تَحْرِيرِهِ كَما نَرى في الصُّوَرِ المَنحُوتَةِ أوِ المَدْهُونَةِ لِلْمَعانِي المَعْقُولَةِ عِنْدَ اليُونانَ والرُّومانِ والفُرْسِ والصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ عِنْدَ الإفْرِنْجِ، بِحَيْثُ يَجِدُ المَلائِكَةُ عِنْدَ مُشاهَدَةِ تِلْكَ الهَيْئَةِ أنَّ المَعْرُوضَ مَعْنى شَجاعَةٍ أوْ مَعْنى عِلْمٍ ويَقْرُبُ ذَلِكَ ما يَحْصُلُ في المَرائِي الحُلْمِيَّةِ. والحاصِلُ أنَّ الحالَ المَذْكُورَةَ في الآيَةِ حالَةُ عالَمٍ أوْسَعَ مِن عالَمِ المَحْسُوساتِ والمادَّةِ. وإعادَةُ ضَمِيرِ المُذَكِّرِ العاقِلِ عَلى المُسَمَّياتِ في قَوْلِهِ ﴿عَرَضَهُمْ﴾ لِلتَّغْلِيبِ لِأنَّ أشْرَفَ المَعْرُوضاتِ ذَواتُ العُقَلاءِ وصِفاتُهم عَلى أنَّ وُرُودَ مِثْلِهِ بِالألْفاظِ الَّتِي أصْلُها لِلْعُقَلاءِ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦] والدّاعِي إلى هَذا أنْ يُعْلَمَ ابْتِداءً أنَّ المَعْرُوضَ غَيْرُ الأسْماءِ حَتّى لا يَضِلَّ فَهْمُ السّامِعِ قَبْلَ سَماعِ قَرِينَةِ ﴿أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَؤُلاءِ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقالَ أنْبِئُونِي﴾ تَفْرِيعٌ عَلى العَرْضِ، وقُرِنَ بِالفاءِ لِذَلِكَ. والأمْرُ في قَوْلِهِ أنْبِئُونِي أمْرُ تَعْجِيزٍ بِقَرِينَةِ كَوْنِ المَأْمُورِ يَعْلَمُ أنَّ الآمِرَ عالِمٌ بِذَلِكَ فَلَيْسَ هَذا مِنَ التَّكْلِيفِ بِالمُحالِ كَما ظَنَّهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ. واسْتِعْمالُ صِيغَةِ الأمْرِ في التَّعْجِيزِ مَجازٌ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ المَعْنى المَجازِيَّ يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الآمِرِ بِعَجْزِ المَأْمُورِ وذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الآمِرِ بِالمَأْمُورِ بِهِ. والإنْباءُ الإخْبارُ بِالنَّبَأِ وهو الخَبَرُ ذُو الفائِدَةِ العَظِيمَةِ والأهَمِّيَّةِ بِحَيْثُ يَحْرِصُ السّامِعُونَ عَلى اكْتِسابِهِ، ولِذَلِكَ تَضَمَّنَ الإنْباءُ مَعْنى الإعْلامِ لِأنَّ المُخْبَرَ بِهِ يُعَدُّ مِمّا يُعْلَمُ ويُعْتَقَدُ بِوَجْهٍ أخَصَّ مِنِ اعْتِقادِ مُطْلَقِ الخَبَرِ فَهو أخَصُّ مِنَ الخَبَرِ. وقَوْلُهُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إمّا أرادَ بِهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنَّكم أفْضَلُ مِن هَذا المَخْلُوقِ إنْ كانَ قَوْلُهم ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ﴾ [البقرة: ٣٠] إلَخْ تَعْرِيضًا بِأنَّهم أحِقّاءُ بِذَلِكَ. أوْ أرادَ إنْ كُنْتُمْ (p-٤١٣)صادِقِينَ في عَدَمِ جَدارَةِ آدَمَ بِالخِلافَةِ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهم ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] كانَ قَوْلُهم ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠] لِمُجَرَّدِ التَّفْوِيضِ أوِ الإعْلانِ لِلسّامِعِينَ مِن أهْلِ المَلَأِ الأعْلى بِالبَراءَةِ مِن شائِبَةِ الِاعْتِراضِ عَلى ما اخْتَرْناهُ. ووَجْهُ المُلازِمَةِ بَيْنَ الإنْباءِ بِالأسْماءِ وبَيْنَ صِدْقِهِمْ فِيما ادَّعَوْهُ الَّتِي اقْتَضاها رَبْطُ الجَزاءِ بِالشَّرْطِ أنَّ العِلْمَ بِالأسْماءِ عِبارَةٌ عَنِ القُوَّةِ النّاطِقَةِ الصّالِحَةِ لِاسْتِفادَةِ المَعارِفِ وإفادَتِها، أوْ عِبارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ حَقائِقِ الأشْياءِ وخَصائِصِها، أوْ عِبارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ أسْماءِ الذَّواتِ والمَعانِي، وكُلُّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ العالَمِيَّةِ بِالفِعْلِ أوْ بِالقُوَّةِ، وصاحِبُ هَذا الوَصْفِ هو الجَدِيرُ بِالِاسْتِخْلافِ في العالَمِ لِأنَّ وظِيفَةَ هَذا الِاسْتِخْلافِ تَدْبِيرُ وإرْشادُ وهَدْيُ ووَضْعُ الأشْياءِ مَواضِعَها دُونَ احْتِياجٍ إلى التَّوْقِيفِ في غالِبِ التَّصَرُّفاتِ، وكُلُّ ذَلِكَ مُحْتاجٌ إلى القُوَّةِ النّاطِقَةِ أوْ فُرُوعِها، والقُوى المِلْكِيَّةِ عَلى شَرَفِها إنَّما تَصْلُحُ لِأعْمالٍ مُعَيَّنَةٍ قَدْ سُخِّرَتْ لَها لا تَعْدُوها ولا تَتَصَرَّفُ فِيها بِالتَّحْلِيلِ والتَّرْكِيبِ، وما يُذْكَرُ مِن تَنَوُّعِ تَصَرُّفِها وصَوابِ أعْمالِها إنَّما هو مِن تَوْجِيهِ اللَّهِ تَعالى إيّاها وتَلْقِينِهِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِالتَّسْخِيرِ. وبِذَلِكَ ظَهَرَ وجْهُ ارْتِباطِ الأمْرِ بِالإنْباءِ بِهَذا الشَّرْطِ، وقَدْ تَحَيَّرَ فِيهِ كَثِيرٌ. وإذا انْتَفى الإنْباءُ انْتَفى كَوْنُهم صادِقِينَ في إنْكارِهِمْ خِلافَةَ آدَمَ، فَإنْ كانَ مَحَلُّ الصِّدْقِ هو دَعْواهم أنَّهم أجْدَرُ فَقَدْ ثَبَتَ عَدَمُها، وإنْ كانَ مَحَلُّ التَّصْدِيقِ هو دَعْواهم أنَّ البَشَرَ غَيْرُ صالِحٍ لِلِاسْتِخْلافِ فانْتِفاءُ الإنْباءِ لا يَدُلُّ عَلى انْتِفاءِ دَعْواهم ولَكِنَّهُ تَمْهِيدٌ لَهُ لِأنَّ بَعْدَهُ إنْباءَ آدَمَ بِالأسْماءِ لِأنَّ المَقامَ مُؤْذِنٌ بِأنَّهم لَمّا أُمِرُوا أمْرَ تَعْجِيزٍ وجُعِلَ المَأْمُورُ بِهِ دَلالَةً عَلى الصِّدْقِ كانَ وراءَ ذَلِكَ إنْباءٌ آخَرُ مُتَرَقَّبٌ مِنَ الَّذِي طَعَنُوا في جَدارَتِهِ، ويَدُلُّ لِذَلِكَ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى لَهم ﴿إنِّيَ أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب