الباحث القرآني
ولَمّا أعْلَمَ سُبْحانَهُ المَلائِكَةَ أنَّ الأمْرَ عَلى خِلافِ ما ظَنُّوا شَرَعَ (p-٢٤١)فِي إقامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَقالَ عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ”قالَ“: ”﴿وعَلَّمَ﴾“ أيْ لِإقامَةِ الدَّلِيلِ عَلى ذَلِكَ، والتَّعْلِيمُ تَكْرارُ العِلْمِ لِيَثْبُتَ لِما في جِبِلَّةِ المُعَلَّمِ مِنَ النِّسْيانِ،
﴿آدَمَ﴾ مِنَ الأدَمِ مِنَ الأدِيمِ وهو جِلْدَةُ الأرْضِ الَّتِي مِنها جِسْمُهُ، وحَظُّ ما فِيهِ مِن أدِيمِ الأرْضِ هو اسْمُهُ الَّذِي أنْبَأ عَنْهُ لَفْظُ آدَمَ،
﴿الأسْماءَ﴾ (p-٢٤٢)أيِ الَّتِي لِلْأشْياءِ ﴿كُلَّها﴾ وهو جَمْعُ اسْمٍ وهو ما يَجْمَعُ اشْتِقاقَيْنِ مِنَ السِّمَةِ والسُّمُوِّ؛ فَهو بِالنَّظَرِ إلى اللَّفْظِ وسْمٌ وبِالنَّظَرِ إلى الحَظِّ مِن ذاتِ الشَّيْءِ سُمُوٌّ، وذَلِكَ السُّمُوُّ هو مَدْلُولُ الِاسْمِ الَّذِي هو الوَسْمُ الَّذِي تُرادِفُهُ التَّسْمِيَةُ - قالَهُ الحَرالِّيُّ، وقالَ في كِتابٍ لَهُ في أُصُولِ الفِقْهِ: الِاسْمُ يُقالُ عَلى لَفْظِ التَّسْمِيَةِ ويُقالُ عَلى حَظٍّ ونَصِيبٍ مِن ذَواتِ الأشْياءِ، وتِلْكَ هي المَعْرُوضَةُ عَلى المَلائِكَةِ، واسْمُ التَّسْمِيَةِ يُحاذِي بِهِ المُسَمّى مَعْلُومَهُ مِنَ الشَّيْءِ المُسَمّى الَّذِي هو الِاسْمُ المَعْرُوضُ، وهو عِنْدَ آدَمَ عِلْمٌ وعِنْدَ المَلائِكَةِ ومَن لا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الِاسْمِ المَعْرُوضِ تَوْقِيفٌ ونَبَأٌ. انْتَهى.
(p-٢٤٣)ولَمّا كانَ العَرْضُ عَلى المَلائِكَةِ بالِغًا في المُرادِ؛ أشارَ إلى تَعْظِيمِهِ بِحَرْفِ التَّراخِي فَقالَ: ثُمَّ ﴿عَرَضَهُمْ﴾ أيِ الأشْياءَ. قالَ الحَرالِّيُّ: أظْهَرَهم عَنْ جانِبٍ وهو العَرْضُ والنّاحِيَةُ ﴿عَلى المَلائِكَةِ﴾ القائِلِينَ لِذَلِكَ. وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا ذَكَرَ تَعالى مُراجَعَةَ المَلائِكَةِ في خَلْقِ هَذا الخَلِيفَةِ ذَكَرَ إبْداءَهُ لَهم وجْهَ حِكْمَةٍ عَلِيَّةٍ بِما أعْلى هَذا الخَلِيفَةَ مِن تَعْلِيمِهِ إيّاهُ حَقائِقَ جَمِيعِ الذَّواتِ المَشْهُودَةِ لَهم عَلى إحاطَتِهِمْ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ ومُلْكِهِ شُهُودًا فَأراهم إحاطَةَ عِلْمِ آدَمَ بِما شَهِدُوا صُورَةً ولَمْ يَشْهَدُوا حَقِيقَةَ مَدْلُولِ تَسْمِيَتِها، وعَلَّمَهُ حِكْمَةَ ما بَيْنَ تِلْكَ الأسْماءِ الَّتِي هي حَظٌّ مِنَ الذَّواتِ وبَيْنَ تَسْمِيّاتِها مِنَ النُّطْقِ لِيَجْتَمِعَ في عِلْمِهِ خَلْقُ كُلِّ شَيْءٍ صُورَةً وأمْرُهُ كَلِمَةً فَيَكْمُلُ عِلْمُهُ في قَلْبِهِ عَلى سَبِيلِ سَمْعِهِ وبَصَرِهِ، واسْتَخْلَفَهُ في عِلْمِ ما لَهُ مِنَ الخَلْقِ والأمْرِ، وذَلِكَ في بَدْءِ كَوْنِهِ فَكَيْفَ يُحَكِّمُ حِكْمَةَ اللَّهِ فِيما يَتَناهى إلَيْهِ كَمالُ خَلْقِهِ إلى خاتِمَةِ أمْرِهِ فِيما انْتَهى إلَيْهِ أمْرُ مُحَمَّدٍ ﷺ مِمّا هو مُبْهَمٌ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣] فَأبْدى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهم بِذَلِكَ وجْهَ خِلافَةٍ عِلْمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ في (p-٢٤٤)التَّسْمِيَةِ إعْلاءً لَهُ عِنْدَهم، وقَدْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مُذْعِنِينَ مُطِيعِينَ فانْقادُوا لِلْوَقْتِ بِفَضْلِ آدَمَ عَلى جَمِيعِ الخَلْقِ وبَدا لَهم عِلْمُ أنَّ اللَّهَ يُعْلِي مَن يَشاءُ بِما يَشاءُ مِن خِلافَةِ أمْرِهِ وخَلْقِهِ، وتِلْكَ الأسْماءُ الَّتِي هي حُظُوظٌ مِن صُوَرِ المَوْجُوداتِ هي المَعْرُوضَةُ الَّتِي شَمِلَها اسْمُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ وأشارَ إلَيْهِ ”هَؤُلاءِ“ عِنْدَ كَمالِ عَرْضِهِمْ، وأجْرى عَلى الجَمِيعِ ضَمِيرَ ”هم“ لِاشْتِمالِ تِلْكَ الكائِناتِ عَلى العاقِلِينَ وغَيْرِهِمْ؛ وبِالتَّحْقِيقِ فَكُلُّ خَلْقٍ ناطِقٍ حِينَ يَسْتَنْطِقُهُ الحَقُّ، كَما قالَ تَعالى ﴿اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ﴾ [يس: ٦٥] وإنَّما العُجْمَةُ والجَمادِيَّةُ بِالإضافَةِ إلى ما بَيْنَ بَعْضِ الخَلْقِ وبَعْضِهِمْ. انْتَهى.
وقالَ أبُو حاتِمٍ أحْمَدُ بْنُ حَمْدانَ الرّازِيُّ في كِتابِ الزِّينَةِ: ويُقالُ: إنَّ الِاسْمَ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّمُوِّ وهو العُلُوُّ والرِّفْعَةُ، وإنَّما جَعَلَ الِاسْمَ (p-٢٤٥)تَنْوِيهًا بِالدَّلالَةِ عَلى مَعْنى الِاسْمِ لِأنَّ المَعْنى تَحْتَ الِاسْمِ - هَذا قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ -؛ والسِّمَةُ تَدُلُّ عَلى صاحِبِها، لِأنَّهُما حَرْفانِ سِينٌ ومِيمٌ، فالسِّينُ مِنَ السَّناءِ والمِيمُ مِنَ المَجْدِ وهو لُبُّ الشَّيْءِ، فَكَأنَّهُ سُمِّيَ اسْمًا لِأنَّهُ يُضِيءُ لَكَ عَنْ لُبِّ الشَّيْءِ ويُتَرْجِمُ عَنْ مَكْنُونِهِ، ولَيْسَ شَيْءٌ إلّا وقَدْ وسَمَهُ اللَّهُ بِسِمَةٍ تَدُلُّ عَلى ما فِيهِ مِنَ الجَوْهَرِ؛ فاحْتَوَتِ الأسْماءُ عَلى جَمِيعِ العِلْمِ بِالأشْياءِ، فَعَلَّمَها اللَّهُ آدَمَ وأبْرَزَ فَضِيلَتَهُ عَلى المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. انْتَهى.
”فَقالَ“ مُعْجِزًا لَهم ﴿أنْبِئُونِي﴾ أيْ أخْبِرُونِي إخْبارًا عَظِيمًا قاطِعًا ﴿بِأسْماءِ هَؤُلاءِ﴾ أيِ المَوْجُوداتِ بِتَفَرُّسِكم فِيها ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أيْ فِيما تَفَرَّسْتُمُوهُ في الخَلِيفَةِ وفي أنْسالِهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: هَذِهِ الأسْماءُ المُواطِئَةُ لِلتَّسْمِيَةِ مِنَ السِّمَةِ والأسْماءِ الأُوَلِ هي الحُظُوظُ مِنَ الذَّواتِ الَّتِي المُتَّسِمُ بِها هو المُسَمّى، ومَعَ ذَلِكَ فَبَيْنَ التَّسْمِيَةِ والِاسْمِ مُناسِبَةُ مَجْعُولِ الحِكْمَةِ بَيْنَهُما بِمُقْتَضى أمْرِ العَلِيمِ الحَكِيمِ. انْتَهى.
{"ayah":"وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق