الباحث القرآني

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها﴾ إمّا بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ بِها فِيهِ، أوْ إلْقاءٍ في رَوْعِهِ، ولا يَفْتَقِرُ إلى سابِقَةِ اصْطِلاحٍ لِيَتَسَلْسَلَ. والتَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ العِلْمُ غالِبًا، ولِذَلِكَ يُقالُ عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ. وآدَمُ اسْمٌ أعْجَمِيٌّ كَآزَرَ وشالِحَ، واشْتِقاقُهُ مِنَ الأُدْمَةِ أوِ الأدْمَةِ بِالفَتْحِ بِمَعْنى الأُسْوَةِ، أوْ مِن أدِيمِ الأرْضِ لِما رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «أنَّهُ تَعالى قَبَضَ قَبْضَةً مِن جَمِيعِ الأرْضِ سَهْلِها وحَزْنِها فَخَلَقَ مِنها آدَمَ» فَلِذَلِكَ يَأْتِي بَنُوهُ أخْيافًا، أوْ مِنَ الأُدْمِ أوِ الأُدْمَةِ بِمَعْنى الأُلْفَةِ، تَعَسَّفَ كاشْتِقاقِ إدْرِيسَ مِنَ الدَّرْسِ، ويَعْقُوبَ مِنَ العَقْبِ، وإبْلِيسَ مِنَ الإبْلاسِ. والِاسْمُ بِاعْتِبارِ الِاشْتِقاقِ ما يَكُونُ عَلامَةً لِلشَّيْءِ ودَلِيلًا يَرْفَعُهُ إلى الذِّهْنِ مَعَ الألْفاظِ والصِّفاتِ والأفْعالِ، واسْتِعْمالُهُ عُرْفًا في اللَّفْظِ المَوْضُوعِ لِمَعْنًى سَواءٌ كانَ مُرَكَّبًا أوْ مُفْرِدًا مُخْبِرًا عَنْهُ أوْ خَبَرًا أوْ رابِطَةً بَيْنَهُما. واصْطِلاحًا: في المُفْرَدِ الدّالُ عَلى مَعْنًى في نَفْسِهِ غَيْرِ مُقْتَرِنٍ بِأحَدِ الأزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ. والمُرادُ في الآيَةِ إمّا الأوَّلُ أوِ الثّانِي وهو يَسْتَلْزِمُ الأوَّلَ، لِأنَّ العِلْمَ بِألْفاظٍ مِن حَيْثُ الدَّلالَةُ مُتَوَقِّفٌ عَلى العِلْمِ بِالمَعانِي، والمَعْنى أنَّهُ تَعالى خَلَقَهُ مِن أجْزاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وقُوًى مُتَبايِنَةٍ، مُسْتَعِدًّا لِإدْراكِ أنْواعِ المُدْرَكاتِ مِنَ المَعْقُولاتِ والمَحْسُوساتِ، والمُتَخَيِّلاتِ والمَوْهُوماتِ. وألْهَمَهُ مَعْرِفَةَ ذَواتِ الأشْياءِ وخَواصِّها وأسْمائِها وأُصُولِ العُلُومِ وقَوانِينِ الصِّناعاتِ وكَيْفِيَّةِ آلاتِها. ﴿ثُمَّ عَرَضَهم عَلى المَلائِكَةِ﴾ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْمُسَمَّياتِ المَدْلُولِ عَلَيْها ضِمْنًا إذِ التَّقْدِيرُ أسْماءُ المُسَمَّياتِ، فَحُذِفَ المُضافُ إلَيْهِ لِدَلالَةِ المُضافِ عَلَيْهِ وعَوَّضَ عَنْهُ اللّامَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ لِأنَّ العَرْضَ لِلسُّؤالِ عَنْ أسْماءِ المَعْرُوضاتِ فَلا يَكُونُ المَعْرُوضُ نَفْسَ الأشْياءِ سِيَّما إنْ أُرِيدَ بِهِ الألْفاظُ، والمُرادُ بِهِ ذَواتُ الأشْياءِ، أوْ مَدْلُولاتُ الألْفاظِ، وتَذْكِيرُهُ لِيَغْلِبَ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ العُقَلاءِ، وقُرِئَ « عَرَضَهُنَّ» و « عَرَضَها» عَلى مَعْنى عَرَضَ مُسَمِّياتِهِنَّ أوْ مُسَمَّياتِها. ﴿فَقالَ أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَؤُلاءِ﴾ تَبْكِيتٌ لَهم وتَنْبِيهٌ عَلى عَجْزِهِمْ عَنْ أمْرِ الخِلافَةِ، فَإنَّ التَّصَرُّفَ والتَّدْبِيرَ إقامَةُ المَعْدِلَةِ قَبْلَ تَحَقُّقِ المَعْرِفَةِ، والوُقُوفُ عَلى مَراتِبِ الِاسْتِعْداداتِ وقَدْرِ الحُقُوقِ مُحالٌ، ولَيْسَ بِتَكْلِيفٍ لِيَكُونَ مِن بابِ التَّكْلِيفِ بِالمُحالِ، والإنْباءُ: إخْبارٌ فِيهِ إعْلامٌ، ولِذَلِكَ يَجْرِي مَجْرى كُلِّ واحِدٍ مِنهُما. ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في زَعْمِكم أنَّكم أحِقّاءُ بِالخِلافَةِ لِعِصْمَتِكُمْ، أوْ أنَّ خَلْقَهم واسْتِخْلافَهم وهَذِهِ صِفَتُهم لا يَلِيقُ بِالحَكِيمِ، وهو وإنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ لَكِنَّهُ لازَمَ مَقالَهم. والتَّصْدِيقُ كَما يَتَطَرَّقُ إلى الكَلامِ بِاعْتِبارِ مَنطُوقِهِ قَدْ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ بِفَرْضِ ما يَلْزَمُ مَدْلُولُهُ مِنَ الأخْبارِ، وبِهَذا الِاعْتِبارِ يَعْتَرِي الإنْشاءاتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب