الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم مُزدَرَعُ أولادكم، فأتوا مُزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم. * * * وإنما عني بـ "الحرث" المزدَرَع، و"الحرث" هو الزرع، [[انظر معنى"الحرث" فيما سلف من هذا الجزء ٤: ٢٣٩، ٢٤٠. هذا، وقد كان في المطبوعة: "وإنما عني بالحرث وهو الزرع المحترث والمزدرع"، وليست بشيء - وكان في المخطوطة مضطربًا، فلذلك اضطربت المطبوعة. كان هكذا: "وإنما عنى بالزرع، وهو الحرث المزرع والمزدرع"، وضرب على"بالزرع" وكتب"بالحرث" ثم وضع فوق"الحرث والمزدرع" ميمًا على كل كلمة من الكلمتين، يريد بذلك تقديم هذه على هذه، ولكن بقيت الجملة فاسدة أشد فساد، ولم يستطع الناسخ أو طابع المطبوعة أن يرده إلى سياق صحيح، فرددته إلى السياق الصحيح إن شاء الله.]] ولكنهن لما كن من أسباب الحرث، جعلن"حرثًا"، إذ كان مفهومًا معنى الكلام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٠٧ - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا ابن المبارك، عن يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس:" فأتوا حرثكم"، قال: منبت الولد. ٤٣٠٨ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" نساؤكم حرث لكم"، أما"الحرث"، فهي مَزْرَعة يحرث فيها. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فانكحوا مزدرَع أولادكم من حيث شئتم من وجوه المأتى. * * * و"الإتيان" في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع. [[انظر ما مضى قريبًا ص: ٣٨٨ والتعليق: ١]] * * * واختلف أهل التأويل في معنى قوله:" أنى شئتم". فقال بعضهم: معنى"أنَّى"، كيف. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٠٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض. ٤٣١٠ - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله:" نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: ائتها أنى شئت، مقبلةً ومدبرةً، ما لم تأتها في الدُّبر والمحيض. ٤٣١١ - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يعني بالحرث الفرجَ. يقول: تأتيه كيف شئت، مستقبلهُ ومستدبرهُ [[الأثر: ٤٣١١ - في سنن البيهقي ٨: ١٩٦، وفيها وفي المطبوعة: "مستقبلة ومستدبرة". وأثبت ما في المخطوطة، فهو جيد.]] وعلى أيّ ذلك أردت، بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره، وهو قوله:" فأتوهن من حيث أمركم الله". ٤٣١٢ - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن عبد الكريم، عن عكرمة:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يعمل عمل قوم لوط. ٤٣١٣ - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: يأتيها كيف شاء، واتَّق الدبر والحيض. ٤٣١٤ - حدثني عبيد الله بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي قال، حدثني يزيد: أن ابن كعب كان يقول: إنما قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: ائتها مضجعةً وقائمة ومنحرفةً ومقبلةً ومدبرةً كيف شئت، إذا كان في قُبُلها. [[الأثر: ٤٣١٤- كان هذا الإسناد في المطبوعة: حدثني عبيد الله بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه قال، حدثني يزيد. . "، والصواب إسناد المخطوطة الذي أثبته كما سترى. ولكن يظهر أن الناسخ أو الطابع خلط بين هذا الإسناد الذي أثبتناه والإسناد الآخر الكثير الدوران في التفسير، وهو: "حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس" وقد مضى الكلام في هذا الإسناد برقم: ٣٠٥. أما إسنادنا هذا، فإن"عبيد الله بن سعد" فهو: عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو الفضل البغدادي" روى عن أبيه وعمه يعقوب بن إبراهيم وغيرهما، وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهما. قال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه مع أبي وهو صدوق" مات سنة ٢٦٠. أما عمه، فهو يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد. روى عن أبيه وشعبة، وابن أخي الزهري والليث. وعنه ابن أخيه عبيد الله بن سعد، وأحمد وإسحاق وابن معين. كان ثقة مأمونًا، كتب عنه الناس علما جليلا. مات سنة ٢٠٨. وأما أبوه، فهو إبراهيم بن سعد الزهري، وأبو إسحاق المدني، نزيل بغداد. روى عن أبيه وعن الزهري وهشام بن عروة ومحمد بن إسحاق وشعبة ويزيد بن الهاد. روى عنه ابناه يعقوب وسعد وأبو داود والطيالسي وغيرهم. قال أحمد: ثقة، أحاديثه مستقيمة. مات سنة ١٨٣. وأما"يزيد"، فهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي. روى عن جماعة كثيرة، منهم محمد بن كعب القرظي، وروى عنه شيخه، يحيى بن سعد الأنصاري وإبراهيم بن سعد والليث بن سعد. ذكره ابن حبان في الثقات، وكان كثير الحديث. مات سنة ١٣٩. وأما"ابن كعب"، فهو"محمد بن كعب القرظي"، فهو تابعي، مضت ترجمته. وسيأتي هذا الإسناد نفسه على الصواب، مع خطأ فيه برقم: ٤٣٢١.]] ٤٣١٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن مرة الهمداني قال: سمعته يحدث أن رجلا من اليهود لقي رجلا من المسلمين فقال له: أيأتي أحدكم أهلهُ باركًا؟ قال: نعم. قال: فذكر ذلك لرسول الله ﷺ، قال: فنزلت هذه الآية:" نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، يقول: كيف شاء، بعد أن يكون في الفرج. ٤٣١٦ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئت قائمًا أو قاعدًا أو على جنب، إذا كان يأتيها من الوجه الذي يأتي منه المحيضُ، ولا يتعدَّى ذلك إلى غيره. ٤٣١٧ - حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، ائت حرثك كيف شئتَ من قُبُلها، ولا تأتيها في دبرها." أنى شئتم"، قال: كيف شئتم. ٤٣١٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أن عبد الله بن علي حدثه: أنه بلغه أن ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ جلسوا يومًا ورجل من اليهود قريبٌ منهم، فجعل بعضهم يقول: إنيّ لآتي امرأتي وهي مضطجعة. ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قائمة. ويقول الآخر: إني لآتيها على جنبها وباركةً. فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم! ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة! فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرثٌ لكم"، فهو القُبُل. [[الأثر: ٤٣١٨- هو عبد الله بن علي بن السائب بن عبيد القرشي المطلبي، روى عن عثمان بن عفان، وحصين بن محصن الأنصاري وعمرو بن أحيحة بن الجلاح، وعنه سعيد بن أبي هلال. مترجم في التهذيب.]] * * * وقال آخرون: معنى:" أنى شئتم"، من حيث شئتم، وأي وجه أحببتم. * ذكر من قال ذلك: ٤٣١٩ - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يكره أن تُؤتى المرأة في دبرها، ويقول: إنما الحرث من القُبُل الذي يكون منه النسل والحيض = وينهى عن إتيان المرأة في دُبُرها ويقول: إنما نزلت هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: من أيّ وجه شئتم. [[الأثر: ٤٣١٩ - مضى في رقم: ١٨٠"موسى بن سهل الرازي"، هكذا جاء في المطبوعة ولكنه في المخطوطة"سهل بن موسى الرازي"، فرجح أخي السيد أحمد أنه خطأ من الناسخ، وأنه لم يجد له ترجمة. ولكن أبا جعفر الطبري قد روى عنه في مواضع من تاريخه: "سهل بن موسى الرازي"، وهكذا هو في المخطوطة هناك، وجاء هنا على ذلك في المخطوطة والمطبوعة. فالصواب أن يكون في رقم: ١٨٠"سهل بن موسى الرازي"، كما في المخطوطة هناك. و"سهل بن موسى الرازي"، لم يترجم بهذا الاسم في الكتب، ولكني رأيت الطبري يروي عنه في التاريخ ١: ١٦٩: "حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك. . . "، فالذي في التاريخ يؤيد ما في التفسير. ثم روى عنه في التاريخ ٢: ٢١٤"حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء. . . "، فرأيت في ترجمة"عبد الرحمن بن مغراء" في التهذيب أنه يروي عنه"سهل بن زنجلة". و"سهل بن زنجلة" هو: سهل بن أبي سهل الرازي"، روى عن جماعة كثيرة منهم يحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن ابن مغراء" وروى عنه ابن ماجه فأكثر، وأبو حاتم، وقد بغداد سنة ٢٣١. وترجم له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٩: ١١٦- ١١٨، ولم يذكروا تاريخ وفاته. فأخشى أن يكون"سهل بن أبي سهل الرازي"، هو"سهل بن موسى الرازي" نفسه - لم يعرفوا اسم أبيه"موسى"، وعرفه الطبري، لأنه من ناحية بلاده، وأرجو أن يأتي بعد في أسانيد أبي جعفر ما يكشف عن الحق في ذلك. وأما"ابن أبي فديك"، هو: محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلي مولاهم. مترجم في التهذيب، وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ٢٠٠.]] ٤٣٢٠ - حدثنا ابن حميد قال حدثنا ابن واضح قال، حدثنا العتكي، عن عكرمة:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: ظهرها لبطنها غير مُعاجَزة - يعني الدبر. [[الأثر: ٤٣٢٠- هو الإسناد السالف رقم: ٤٢٩٥.]] ٤٣٢١ - حدثنا عبيد الله بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن يزيد، [عن الحارث بن كعب] ، عن محمد بن كعب، قال: إن ابن عباس كان يقول: اسق نباتك من حيث نباته. [[الأثر: ٤٣٢١- قد سلف هذا الإسناد برقم: ٤٣١٤، ولكن وقع في المخطوطة هنا زيادة عن الحارث بن كعب- فوضعناها بين قوسين. ولم أجد في الرواة من يسمى"الحارث بن كعب"، مع أنه تابعي قل أن يغفلوا مثله. فلذلك أخشى أن يكون خطأ أو سبق قلم من ناسخ، ولعله كان"عن يزيد بن الهاد، عن ابن كعب- وهو محمد بن كعب" فصحف الناسخ وحرف. وقد مضى الكلام في هذا الإسناد، فراجعه هناك. وقد رواه البيهقي في السنن ١: ١٩٦ من طريق"عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس"، فهذا يؤيد ما رجحته من زيادة هذا الذي بين القوسين أو تصحيفه وتحريفه.]] ٤٣٢٢ - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:" فأتوا حرثكم أنّى شئتم"، يقول: من أين شئتم. ذكر لنا - والله أعلم - أن اليهود قالوا: إن العرب يأتون النساء من قِبَل إعجازهن، فإذا فعلوا ذلك، جاء الولد أحول، فأكذب الله أحدوثتهم فقال:" نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". ٤٣٢٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال يقول: ائتوا النساء في [غير] أدبارهن على كل نحو = [[في المطبوعة والمخطوطة: "ائتوا النساء في أدبارهن"، وهو لا يستقيم أبدًا، والزيادة بين القوسين لا بد منها للخروج من هذا الفساد. ومجاهد لا يقول بهذا، بل الثابت في الرواية عند إنكاره وإكفار فاعله (ابن كثير ١: ٥٢٢) .]] قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح قال: تذاكرنا هذا عند ابن عباس، فقال ابن عباس: ائتوهن من حيث شئتم، مُقبلة ومدبرةً. فقال رجل: كأنَّ هذا حلالٌ! [[في المطبوعة: "كان هذا حلالا"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.]] فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا، وأنكره، كأنه إنما يريد الفرج، مقبلةً ومدبرة في الفرج. * * * وقال آخرون معنى قوله:" أنى شئتم"، متى شئتم. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٢٤ - حدثت عن حسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: مَتى شئتم. ٤٣٢٥ - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي - وهو عمار الدُّهني -، عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس، أتاه رجلٌ فوقف على رأسه فقال: يا أبا العباس - أو: يا أبا الفضل - ألا تشفيني عن آية المحيض؟ [[في المطبوعة: "من آية المحيض"، والصواب من المخطوطة، ومما مضى رقم: ٤٢٨٠.]] فقال: بلى! فقرأ:" ويسألونك عن المحيض" حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، من ثَمَّ أمرت أن تأتي. فقال له الرجل: يا أبا الفضل، كيف بالآية التي تتبعها:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"؟ فقال: إي! ويحك! وفي الدُّبُر من حَرْث!! لو كان ما تقول حقًّا، لكان المحيض منسوخًا! إذا اشتغل من ههنا، جئتَ من ههنا! ولكن: أنى شئتم من الليل والنهار. [[الأثر: ٤٣٢٥ - سلف صدره في رقم: ٤٢٨٠، كما أشرنا إليه هناك، "أبو صخر" هو: حميد بن زياد الخراط المصري، مترجم في التهذيب، قال أحمد: "ليس به بأس". مات سنة ١٨٩. و"أبو معاوية البجلي"، قد صرح الطبري هنا أنه: عمار بن معاوية الدهني. ذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة ١٣٣، وكلاهما مترجم في التهذيب. هذا وفي المطبوعة والمخطوطة: "إي ويحك"، (بكسر الهمزة وسكون الياء) بمعنى"نعم" حرف جواب، يكون لتصديق المخبر، ولإعلام المستخبر، ولوعد الطالب، فتقع بعد: "قام زيد -وهل قام زيد- واضرب زيدًا" ونحوهن، كما تقع"نعم" بعدهن. وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام، ولا تقع عند الجميع إلا قبل القسم (شرح شواهد المغني لابن هشام) . وأنا أرجح أن تكون الكلمة محرفة، وصوابه"أنى ويحك" (بفتح الهمزة وتشديد النون وفتحها) : أي: أين ذهبت -أو: كيف قلت- ويحك؟]] * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتم، وحيث شئتم. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٢٦ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا ابن عون، عن نافع قال، كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلم. قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية:" نساؤكم حرثٌ لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا! قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. [[الحديث: ٤٣٢٦ - يعقوب: هو ابن إبراهيم الدورقي الحافظ. ابن علية: هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي. وهذا الإسناد صحيح جدًا. وانظر التخريج في: ٤٣٢٧.]] ٤٣٢٦ م - حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا ابن عون، عن نافع، قال: قرأتُ ذاتَ يوم:" نساؤكم حرْثٌ لكم فائتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال ابن عمر: أتدري فيمَ نزلتْ ؟ قلتُ: لا! قال: نزلتْ في إتيان النساء في أدْبارهنّ) . [[الحديث: ٤٣٢٦ مكرر -هذا الحديث زدناه من ابن كثير ١: ٥١٦- ٥١٧، حيث نقله عن الطبري بهذا النص، إسنادًا ومتنًا. ويؤيد ثبوته في هذا الموضع، أن الحافظ ابن حجر ذكره في الفتح ٨: ١٤١، عن الطبري، حيث ذكر رواية من مسند إسحاق بن راهويه وتفسيره، ثم قال: "هكذا أورده ابن جرير، من طريق إسماعيل بن علية، عن ابن عون مثله، ثم أشار إلى الحديث التالي لهذا: ٤٣٢٧، فقال: "ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي، عن ابن عون، نحوه". وذكره الحافظ في التلخيص أيضًا، ص: ٣٠٧، قال: "وكذا رواه الطبري، من طريق ابن علية، عن ابن عون". فثبت وجود هذا الحديث في تفسير الطبري، وتعين موضعه في هذا الموضع واضحًا. والحمد لله.]] ٤٣٢٧ - حدثني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس، عن ابن عون، عن نافع قال: كنت أمسك على ابن عُمر المصحف، إذ تلا هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال: أن يأتيها في دبرها. [[الحديث: ٤٣٢٧ - أبو عمر الضرير: هو حفص بن عمر الأكبر، مضى في: ٣٥٦٢، ووقع هناك في المطبوعة"أبو عمرو"، وبينا أنه خطأ. وقد ثبت فيها هنا على الصواب. إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس: ثقة. ترجمه البخاري في الكبير ١/١/٣٤٢، فلم يذكر فيه حرجًا. وذكره ابن حبان في الثقات. وهو"صاحب الكرابيس" يعني الثياب. ولذلك يقال له"الكرابيسي" بالياء، نسبة إلى بيعها. ووقع في المطبوعة، (صاحب الكرابيسي) بلفظ النسبة مع كلمة"صاحب". وهو خطأ. وهذه الأحاديث الثلاثة صحيحة ثابتة عن ابن عمر. وهي حديث واحد بأسانيد ثلاثة. وسيأتي أيضًا نحو معناها: ٤٣٣١. وقد روى البخاري ٨: ١٤٠- ١٤١ معناه عن نافع، عن ابن عمر، بثلاثة أسانيد. ولكنه كنى عن ذلك الفعل ولم يصرح بلفظه. وأطال الحافظ في الإشارة إلى كثير من أسانيده. وذكره السيوطي ١: ٢٦٥، ونسبه لمن ذكرنا. ونقل الحافظ في الفتح ٨: ١٤١، عن ابن عبد البر، قال: "ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه". ونحو هذا نقل السيوطي ١: ٢٦٦ عن ابن عبد البر.]] ٤٣٢٨ - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال، حدثنا الدراوردي قال، قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله. [[الخبر: ٤٣٢٨ -عبد الملك بن مسلمة المصري: روى عنه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر- كثيرًا. وهو ضعيف، ترجمه ابن أبي حاتم ٢/٢/٣٧١، وذكر أن أباه روى عنه، وأنه قال: "هو مضطرب الحديث، ليس بقوي"، وأنه حدثه بحديث موضوع، وأن أبا زرعة قال: "ليس بالقوي، هو منكر الحديث". وله ترجمة في الميزان ولسان الميزان.]] ٤٣٢٩ - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك بن أنس أنه قيل له: يا أبا عبد الله، إن الناس يروون عن سالم:" كذب العبد، أو: العلجُ، على أبي"! فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإنَّ الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار: أنه سأل ابن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نشتري الجواري فنُحمِّض لهن؟ فقال: وما التحميض؟ قال: الدُّبُر. فقال ابن عمر: أفْ! أفْ! يفعل ذلك مؤمن! - أو قال: مسلم! - فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب، عن ابن عمر، مثل ما قال نافع. [[الخبر: ٤٣٢٩ -أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر المصري الفقيه: مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢/٢/٢٧٤- ٢٧٥، باسم"عبد الرحمن بن أبي الغمر"، دون ذكر اسم أبيه"أحمد". وهو من شيوخ البخاري، روى عنه خارج الصحيح. عبد الرحمن بن القاسم بن خالد، الفقيه المصري، راوي الفقه عن مالك، ثقة مأمون، من أوثق أصحاب مالك. وهذا الخبر نقله ابن كثير ١: ٥٢١- ٥٢٢، عن هذا الموضع. ولكن وقع فيه خطأ في اسم ابن أبي الغمر، هكذا: "أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر". ونقله الحافظ في الفتح ٨: ١٤٢، والتلخيص، ص: ٣٠٨، مختصرًا، ونسبه أيضًا للنسائي والطحاوي، وقال في الفتح: "وأخرجه الدارقطني، من طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك. وقال: هذا محفوظ عن مالك صحيح". ونقله السيوطي ١: ٢٦٦، مطولا، ونقل كلام الدارقطني.]] ٤٣٣٠ - حدثني محمد بن إسحاق قال، أخبرنا عمرو بن طارق قال، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن موسى بن أيوب الغافقي قال: قلت لأبي ماجد الزيادي: إنّ نافعًا يحدث عن ابن عمر في دُبر المرأة. فقال: كذب نافع! صحبت ابن عمر ونافعٌ مملوكٌ، فسمعته يقول: ما نظرت إلى فرج امرأتي منذ كذا وكذا. [[الخبر: ٤٣٣٠ -عمرو بن طارق: هو عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي المصري، وهو ثقة. نسب هنا إلى جده. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣/١/٢٣٣. يحيى بن أيوب: هو الغافقي المصري. مضى في: ٣٨٧٧. موسى بن أيوب بن عامر الغافقي الهباري المصري: ثقة، روى عنه الليث بن سعد، وابن المبارك، ووثقه ابن معين. أبو ماجد الزيادي: تابعي، ترجمه البخاري في الكنى، رقم: ٦٨٨، وابن أبي حاتم ٤/٢/٤٥٥ ورويا عنه هذا الخبر، بلفظين مختلفين، مخالفين لما هنا. فقال البخاري: "أبو ماجد الزيادي، سمع ابن عمر، قال: ما نظرت إلى فرج امرأة منذ أسلمت. قاله يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، سمع موسى بن أيوب، عن أبي ماجد". وقال ابن أبي حاتم: "أبو ماجد الزيادي، سمع عبد الله بن عمرو، قال: ما نظرت إلى فرجي منذ أسلمت. روى عنه موسى بن أيوب الغافقي. سمعت أبي يقول ذلك". والظاهر أن"عبد الله بن عمرو"، عند ابن أبي حاتم -تحريف ناسخ أو طابع. ولكن لا يزال الاختلاف قائمًا في المعنى بين هاتين الروايتين، وبينهما وبين رواية الطبري هذه. ولم أجد ما يرجح إحداها على غيرها.]] ٤٣٣١ - حدثني أبو قلابة قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثني أبي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: في الدبر. [[الخبر: ٤٣٣١ -أبو قلابة، شيخ الطبري: هو الرقاشي الضرير الحافظ، واسمه: عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن محمد، وهو ثقة، روى عنه الأئمة، منهم ابن خزيمة، وابن جرير، وأبو العباس الأصم. وقال أبو داود سليمان بن الأشعث: "رجل صدوق، أمين مأمون، كتبت عنه بالبصرة". وقال الطبري: "ما رأيت أحفظ منه". مترجم في التهذيب. ابن أبي حاتم ٢/٢/٣٦٩- ٣٧٠، وتاريخ بغداد ١٠: ٤٢٥- ٤٢٧، وتذكرة الحفاظ ٢: ١٤٣- ١٤٤. عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث. وهذا الخبر رواه البخاري ٨: ١٤٠- ١٤١، عن إسحاق، هو ابن راهويه، عن عبد الصمد. ولكنه حذف المكان بعد حرف"في"، فلم يذكر لفظه. وذكر الحفاظ في الفتح أنه صريح في رواية الطبري هذه. ونقله ابن كثير ١: ٥١٧، عن الطبري بإسناده. ونقله السيوطي ١: ٢٦٥، ونسبه للبخاري وابن جرير.]] ٤٣٣٢ - حدثني أبو مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا روح بن القاسم، عن قتادة قال: سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: هل يفعل ذلك إلا كافر! قال روح: فشهدت ابن أبي مليكة يُسأل عن ذلك فقال: قد أردته من جارية لي البارحةَ فاعتاص عليّ، فاستعنت بدهن أو بشحم. قال: فقلت له، سبحان الله!! أخبرنا قتادة أنّ أبا الدرداء قال: هل يفعل ذلك إلا كافر! فقال: لعنك الله ولعن قتادة! فقلت: لا أحدث عنك شيئًا أبدًا! ثم ندمت بعد ذلك. [[الخبر: ٤٣٣٢ - هو في الحقيقة خبران، أولهما عن أبي الدرداء، وثانيهما أثر عن ابن أبي مليكة لا يصلح للاستدلال. فكلامنا عن خبر أبي الدرداء. وقد رواه الطبري هنا بإسناده إلى قتادة، "قال: سئل أبو الدرداء. . . "، وهو منقطع. فقد رواه أحمد في المسند: ٦٩٦٨ م بإسناده إلى قتادة، قال: "وحدثني عقبة بن وساج، عن أبي الدرداء، قال: وهل يفعل ذلك إلا كافر"؟! . وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ١٩٩. وقد خرجناه في شرح المسند.]] * * * قال أبو جعفر [[من هنا ابتداء جزء من التقسيم القديم للتفسير فيما يظهر، فإنه قد كتب بعد ما سلف. "يتلُوه: واعتل قائلو هذه المقالة وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه كثيرًا" ثم بدأ صفحة جديدة أولها: "بسم الله الرحمن الرحيم" ربّ أعن يا كريم]] واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم، بما:- ٤٣٣٣ - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، أخبرنا أبو بكر بن أبي أويس الأعشى، عن سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك، فأنزل الله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". [[الحديث: ٤٣٣٣ - أبو بكر بن أبي أويس: هو عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس المدني الأعشى، وهو ثقة. سليمان بن بلال أبو أيوب المدني: ثقة معروف، أخرج له الأئمة الستة. وهذا الحديث نقله ابن كثير ١: ٥١٧، من رواية النسائي، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، كمثل رواية الطبري وإسناده سواء. ونقله الحافظ في التلخيص: ٣٠٧- ٣٠٨، والسيوطي ١: ٢٦٥- ٢٦٦، ونسباه للنسائي والطبري فقط.]] ٤٣٣٤ - حدثني يونس قال، أخبرني ابن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رجلا أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله ﷺ، فأنكر الناس ذلك وقالوا: أثْفَرها! فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" الآية. [[الحديث: ٤٣٣٤- هذا حديث مرسل، لأن عطاء بن يسار تابعي. وقوله"أثفرها": من"الثفر"، بفتح الثاء المثلثة والفاء، وهو ما يوضع للدابة تحت ذنبها يشد به السرج. شبه ذلك الفعل بوضع الثفر على دبر الدابة.]] * * * وقال آخرون: معنى ذلك: ائتوا حرثكم كيف شئتم - إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٣٥ - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن عيسى بن سنان، عن سعيد بن المسيب:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا. ٤٣٣٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عمير، عن ابن عباس قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. [[الخبر: ٤٣٣٦- أبو إسحاق: هو السبيعي. زائدة بن عمير الطائي الكوفي: تابعي ثقة وثقه ابن معين وغيره. قال البخاري في الكبير ٢/١/٣٩٤: "سمع ابن عباس". وترجمه ابن أبي حاتم ١/٢/٦١٢، وذكره ابن سعد في الطبقات ٦: ٢١٨.]] * * * قال أبو جعفر: وأما الذين قالوا: معنى قوله:" أنى شئتم"، كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرْج والقُبُل، فإنهم قالوا: إن الآية إنما نزلت في استنكار قوم من اليهود، استنكروا إتيان النساء في أقبالهن من قِبل أدبارهن. قالوا: وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا، من أن معنى ذلك على ما قلنا. واعتلوا لقيلهم ذلك بما:- ٤٣٣٧ - حدثني به أبو كريب قال، حدثنا المحاربي قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عَرَضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأساله عنها، حتى انتهى إلى هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة، [[شرح الرجل امرأته شرحًا: إذا سلقها فوطئها نائمة على قفاها.]] ويتلذذون بهن مقبلاتٍ ومدبراتٍ. فلما قدموا المدينة تزوّجوا في الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نُؤْتَى عليه! فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئت فمقبلة، وإن شئت فمدبرة، وإن شئت فباركة، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث. يقول: ائت الحرث من حيث شئت. ٤٣٣٨- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بإسناده نحوه. [[الحديثان: ٤٣٣٧- ٤٣٣٨- هما حديث واحد، بإسنادين. وأبان بن صالح بن عمير بن عبيد: ثقة، وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم. والحديث رواه أبو داود: ٢١٦٤، والحاكم في المستدرك ٢: ١٩٥، ٢٧٩، والبيهقي ٧: ١٩٥- ١٩٦، مطولا ومختصرًا، من طريق محمد بن إسحاق. وقال الحاكم في الموضع الأول: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم. ولم يخرجاه بهذه السياقة". ووافقه الذهبي. ونقله ابن كثير ١: ٥١٦، عن رواية أبي داود. وكذلك الحافظ في التلخيص، ص: ٣٠٨. ونقله السيوطي ١: ٢٦٣، وزاد نسبته لابن راهويه، والدارمي، وابن المنذر، والطبراني.]] ٤٣٣٩ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول. فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". ٤٣٤٠- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قالت اليهود: إذا أتى الرجل امرأته في قُبُلها من دُبُرها، وكان بينهما ولد، كان أحول. فأنزل الله تعالى ذكره:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". [[الحديثان: ٤٣٣٩- ٤٣٤٠- هما حديث واحد، بإسنادين، ولفظين متقاربين. وهو حديث صحيح مشهور. رواه البخاري ٨: ١٤١- ١٤٣، من طريق سفيان، وهو الثوري، عن ابن المنكدر، عن جابر. ونقله ابن كثير ١: ٥١٤، من رواية البخاري، ثم من رواية ابن أبي حاتم. وذكره السيوطي ١: ٢٦١، وزاد نسبته إلى أصحاب السنن الأربعة، والبيهقي، وغيرهم. وهو في سنن البيهقي ١٩٤٧-: ١٩٥، من ثلاثة طرق، عن ابن المنكدر، عن جابر. وذكره أنه رواه مسلم في صحيحه من تلك الطرق الثلاث. وسيأتي بنحوه: ٤٣٤٦، من رواية شعبة، عن ابن المنكدر، عن جابر. وانظر المنتقى: ٣٦٥٢، ٣٦٥٣.]] ٤٣٤١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة زوح النبي ﷺ قالت: تزوج رجل امرأةً فأراد أن يجبِّيَها، فأبت عليه، [[جبى الرجل أو المرأة يجبى تجبية: أن ينكب على وجهه باركًا، وهو السجود. شبه هذا بهيئة السجود.]] وقالت: حتى أسأل رسول الله ﷺ! قالت أم سلمة: فذكرتْ ذلك لي، فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله ﷺ، فقال: أرسلي إليها. فلما جاءت قرأ عليها رسول الله ﷺ:" نساؤكم حرْث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، صِمامًا واحدًا، صِمامًا واحدًا. [[الحديث: ٤٣٤١- عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري المكي: تابعي، ثقة حجة، كما قال ابن معين. و"خثيم": بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة، مصغرًا. ووقع في المطبوعة، هنا، وفي: ٤٣٤٤"جشم"، وهو تصحيف. عبد الرحمن بن سابط: تابعي معروف، مضت ترجمته: ٥٩٩. حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: تابعية ثقة. والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٣٠٥ (حلبي) ، عن عفان، عن وهيب، عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم، بهذا الإسناد، نحوه، مطولا. ونقله ابن كثير ١: ٥١٥ عن رواية المسند. وواقع في مطبوعته تحريف وتصحيف. ورواه البيهقي ٧: ١٩٥، بنحوه مختصرًا، من طريق سفيان، ومن طريق روح بن القاسم - كلاهما عن عبد الله بن عثمان بن خثيم. وذكره السيوطي ١: ٢٦٢، مطولا. وزاد نسبته لابن أبي شيبة، والدارمي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم. وسيأتي عقب هذا، مطولا ومختصرًا: ٤٣٤٢- ٤٣٤٥. الصمام ما أدخل في فم القارورة تسد به. فسمى الفرج به، لأنه موضع صمام، على التشبيه وحذف المضاف. ومعناه: في مسلك واحد.]] ٤٣٤٢ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن ابن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة قالت: قدِم المهاجرون فتزوجوا في الأنصار، وكانوا يُجَبُّون، وكانت الأنصار لا تفعل ذلك، فقالت امرأة لزوجها: حتى آتي النبي ﷺ فأسأله عن ذلك! فأتت النبيَّ ﷺ فاستحيت أن تسأله، فسألتُ أنا، فدعاها رسول الله ﷺ فقرأ عليها:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"،"صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا". [[الحديث: ٤٣٤٢- سفيان: هو الثوري، روى الحديث عن عبد الله بن عثمان. ولكن وقع في المطبوعة"سفيان بن عبد الله بن عثمان"! وهو خطأ سخيف. ووقع في المخطوطة"عن ابن سليط" بدل"ابن سابط". وهو خطأ. والحديث مكرر ما قبله بنحوه.]] ٤٣٤٣ - حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي ﷺ بنحوه. [[الحديث: ٤٣٤٣- أبو أحمد: هو الزبيري، محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي. والحديث مكرر ما قبله.]] ٤٣٤٤ - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي ﷺ، قوله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا". [[الحديث: ٤٣٤٤- هو مكرر ما قبله مختصرًا. وهكذا رواه الترمذي ٤: ٧٥، مختصرًا عن ابن أبي عمر عن سفيان، وهو الثوري به.]] ٤٣٤٥ - حدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال، حدثني وهيب قال، حدثني عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط قال: قلت لحفصة، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحيي منك أن أسألك؟ قالت: سل يا بنيّ عما بدا لك! قلت: أسألك عن غِشيان النساء في أدبارهن؟ قالت: حدثتني أم سلمة قالت: كانت الأنصار لا تُجَبِّي، وكان المهاجرون يُجَبُّون، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار = ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن معاوية بن هشام. [[الحديث: ٤٣٤٥- يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي، المقرئ النحوي ثقة، أخرج له مسلم في صحيحه. وهيب -بالتصغير-: هو ابن خالد بن عجلان وهو ثقة ثبت حجة. والحديث مكرر: ٤٣٤٢، بنحوه حيث أحال الطبري لفظ هذا على لفظ ذلك.]] ٤٣٤٦ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن ابن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته باركة جاء الولد أحول. فنزلت" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم". [[الحديث: ٤٣٤٦- هو مكرر: ٤٣٣٩، ٤٣٤٠. ووقع في المخطوطة"باركًا" بدل"باركة" وهو خطأ.]] ٤٣٤٧ - حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي قال، حدثنا الحسن بن موسى قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاء عمر إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، هلكتُ!! قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حوَّلتُ رحلي الليلة! قال: فلم يردّ عليه شيئًا، قال: فأوحى الله إلى رسول الله ﷺ هذه الآية:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، أقبِل وأدبِر، واتق الدُّبر والحيْضة". [[الحديث: ٤٣٤٧- محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي: لم أعرفه ولا وجدت له ترجمة الحسن بن موسى الأشيب: ثقة حافظ متثبت، من شيوخ أحمد، يكثر الرواية عنه في المسند. يعقوب القمي: مضت ترجمته في: ٦١٧. جعفر: هو ابن أبي مغيرة. مضى أيضًا في: ٦١٧. والحديث رواه أحمد في المسند: ٢٧٠٣ عن شيخه حسن بن موسى الأشيب بهذا الإسناد وقد خرجناه هناك. ونزيد أنه رواه أيضًا ابن حبان في صحيحه ٦: ٣٦٤- ٣٦٥ (مخطوطة الإحسان) والبيهقي ٧: ١٩٨.]] ٤٣٤٨ - حدثنا زكريا بن يحيى المصري قال، حدثنا أبو صالح الحراني قال، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عامر بن يحيى أخبره، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس: أن ناسًا من حميرَ أتوا إلى رسول الله ﷺ يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: يا رسول الله، إنّي رجل أحب النساء، فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل الله تعالى ذكره في"سورة البقرة" بيان ما سألوا عنه، وأنزل فيما سأل عنه الرجل:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم"، فقال رسول الله ﷺ: ائتها مُقبلةً ومُدبرةً، إذا كان ذلك في الفرج". [[الحديث: ٤٣٤٨- زكريا بن يحيى بن صالح القضاعي المصري: ثقة من شيوخ مسلم في صحيحه. أبو صالح الحراني: هو عبد الغفار بن داود بن مهران، وهو ثقة من شيوخ البخاري في صحيحه. يزيد بن أبي حبيب المصري: ثقة أخرج له الجماعة، قال الليث بن سعد: "يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا". وقال ابن سعد: "كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حليما عاقلا". حنش الصنعاني: مضى في: ١٩١٤. والحديث ذكره ابن كثير ١: ٥١٤- ٥١٥ من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره، عن يونس عن ابن وهب عن ابن لهيعة. بهذا الإسناد. وذكره السيوطي ١: ٢٦٢- ٢٦٣، وزاد نسبته للطبراني والخرائطي. وروى أحمد في المسند: ٢٤١٤- نحوه ولكن فيه أن السائلين كانوا من الأنصار. وإسناده ضعيف، من أجل رشدين بن سعد في إسناده.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا قولُ من قال: معنى قوله" أنى شئتم"، من أيّ وجه شئتم. وذلك أن"أنَّى" في كلام العرب كلمة تدلّ إذا ابتدئ بها في الكلام - على المسألة عن الوجوه والمذاهب. فكأن القائل إذا قال لرجل:"أنى لك هذا المال"؟ يريد: من أيّ الوجوه لك. ولذلك يجيب المجيبُ فيه بأن يقول:"من كذا وكذا"، كما قال تعالى ذكره مخبرًا عن زكريا في مسألته مريم: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [سورة آل عمران: ٣٧] . وهي مقاربة"أين" و"كيف" في المعنى، ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت"أنَّى" على سامعيها ومتأوِّليها، [[في المخطوطة: "على سامعيها ومتاولها" بالجمع مرة والإفراد أخرى. وفي المطبوعة: "على سامعها ومتأولها" بالإفراد.]] حتى تأوَّلها بعضهم بمعنى:"أين"، وبعضهم بمعنى"كيف"، وآخرون بمعنى:"متى" - وهي مخالفة جميع ذلك في معناها، وهن لها مخالفات. وذلك أن"أين" إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال - وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال:"أين مالك"؟ لقال:"بمكان كذا"، ولو قال له:"أين أخوك"؟ لكان الجواب أن يقول:"ببلدة كذا أو بموضع كذا"، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله. فيعلم أن"أين" مسألة عن المحل. ولو قال قائل لآخر:"كيف أنت"؟ لقال:"صالح، أو بخير، أو في عافية"، وأخبره عن حاله التي هو فيها، فيعلم حينئذ أن"كيف" مسألةٌ عن حال المسؤول عن حاله. ولو قال له:"أنَّى يحيي الله هذا الميت؟ "، لكان الجواب أن يقال:"من وجه كذا ووجه كذا"، فيصف قولا نظيرَ ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [سورة البقرة: ٢٥٩] فعلا [[قوله"فعلا" مفعول قوله: "نظير ما وصف الله. . . فعلا" يعني أن الله تعالى وصف بعد ذلك"فعلا" وهذا الفعل هو بعثه من بعد مماته، وذلك قول الله تعالى في عقب ذلك} : فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ {]] حين بعثه من بعد مماته. وقد فرَّقت الشعراء بين ذلك في أشعارها، فقال الكميت بن زيد: تَذَكَّر مِنْ أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ شُرْبَهُ ... يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ كَذِي الهَجْمَةِ الأبِلْ [[اللسان (أبل) آمره يؤامره: شاوره. وقوله: "نفيسه" جعل النفس نفسين، لأن النفس تأمر. المرء بالشيء وتنهى عنه، وذلك في كل مكروه أو مخوف فجعلوا ما يأمره"نفسًا" وما ينهاه"نفسًا" وقد بينها الممزق العبدي في قوله: أَلاَ مَنْ لِعَيْنٍ قَدْ نَآهَا حَمِيمُهَا ... وَأَرَّقَنِي بَعْدَ المَنَامِ هُمُومُها فَبَاتَتْ له نَفْسَانِ شَتَّى هُمُومُها ... فنَفْسٌ تُعَزِّيهَا ونفْسٌ تَلُومُها و"الهجمة": القطعة الضخمة من الإبل من السبعين إلى المئة. ويقال: "رجل أبل" إذا كان حاذقا بمصلحة الإبل والقيام عليها. ولم أجد شعر الكميت، ولكني أرجح أن هذا البيت من أبيات في حمار وحش، قد أخذ أتنه (وهي إناثه) ليرد بها ماء، فوقف بها في موضع عين قديمة كان شرب منها، فهو متردد في موقفه، فشبهه يراعى الإبل الكثيرة، إذا كان خبيرًا برعيتها فوقف بها ينظر أين يسلك إلى الماء والمرعى.]] وقال أيضًا: أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ - آبَكَ - الطَّرَبُ ... مِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلا رِيَبُ [[الهاشميات: ٣١. قوله: "آبك" معترضة بين كلامين كما تقول: "ويحك" بين كلامين وسياقه"أنى ومن أين الطرب"؟ و"آبك" بمعنى"ويلك" يقال لمن تنصحه ولا يقبل ثم يقع فيما حذرته منه، كأنه بمعنى: أبعدك الله! دعاء عليه؟ من ذلك قول رجل من بني عقيل: أَخَبَّرْتَنِي يَا قَلْبُ أَنَّكَ ذُو غَرًى ... بَليْلَي؟ فَذُقْ مَا كُنْتَ قبلُ تَقُولُ! فآبَكَ! هلاَّ وَاللَّيَالِي بِغِرَّةٍ ... تُلِمُّ وَفِي الأَيَّامِ عَنْكَ غُفُولُ!! بيد أن أبا جعفر فسر"آبك" بمعنى: "راجعك الطرب" من الأوبة، وهو وجه في التأويل، ولكن الأجود ما فسرت والشعر بعده دال على صواب ما ذهبت إليه.]] فيجاء بـ "أنى" للمسألة عن الوجه، وبـ "أين" للمسألة عن المكان، فكأنه قال: من أيّ وجه، ومن أي موضع راجعك الطرب؟ والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، كيف شئتم - أو تأوله بمعنى: حيث شئتم = أو بمعنى: متى شئتم = أو بمعنى: أين شئتم = أن قائلا لو قال لآخر:"أنى تأتي أهلك؟ "، لكان الجواب أن يقول:"من قُبُلها، أو: من دُبُرها"، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم = إذْ سئلت: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ = أنها قالت: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ . وإذ كان ذلك هو الجواب، فمعلومٌ أن معنى قول الله تعالى ذكره:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إنما هو: فأتوا حرثكم من حيثُ شئتم من وجوه المأتى - وأنّ ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل. وإذ كان ذلك هو الصحيح، فبيِّنٌ خطأ قول من زعم أن قوله:" فأتوا حرثكم أنى شئتم"، دليلٌ على إباحة إتيان النساء في الأدبار، لأن الدُّبر لا مُحْتَرَثَ فيه، [[في المطبوعة: "لا يخترث فيه" وكلاهما قريب، والذي في المخطوطة جود.]] وإنما قال تعالى ذكره:" حرث لكم"، فأتوا الحرث من أيّ وجوهه شئتم. وأيُّ مُحْتَرَث في الدُبر فيقال: ائته من وجهه؟ وبيِّنٌ بما بينا، [[في المطبوعة: "وتبين بما بينا" والصواب من المخطوطة، وهو عطف على قوله آنفًا: "فبين خطأ من زعم".]] صحةُ معنى ما روي عن جابر وابن عباس: من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين:"إذا أتَى الرجلُ المرأةَ من دُبرها في قُبُلها، جاء الولد أحول". [[حجة أبي جعفر في هذا الفصل من أحسن البيان عن معاني القرآن وعن معاني ألفاظه وحروفه وهي دليل على أن معرفة العربية، وحذقها والتوغل في شعرها وبيانها وأساليبها أصل من الأصول، لا يحل لمن يتكلم في القرآن أن يتكلم فيه حتى يحسنه ويحذقه. ورحم الله ابن إدريس الشافعي حيث قال- فيما رواه الخطيب البغدادي عنه في كتاب"الفقيه والمتفقه". "لا يحلُّ لأحدٍ أنْ يُفْتِي في دِينِ اللهِ إلّا رجلًا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله ومكيِّه ومدنيِّه، وما أريدَ به= ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله ﷺ وبالناسخ والمنسوخ ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن= ويكون بصيرًا باللغة بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف = ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار= وتكون له قريحةٌ بعد هذا. فإذا كانَ هكذا فله أنْ يتكلّم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكنْ هكذا، فليس له أن يفتي". فليت من يتكلم في القرآن والدين من أهل زماننا يتورع من مخافة ربه، ومن هول عذابه يوم يقوم الناس لرب العالمين.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك: فقال بعضهم: معنى ذلك: قدموا لأنفسكم الخيرَ. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٤٩ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله:" وقدموا لأنفسكم"، فالخيرَ. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقدموا لأنفسكم ذكرَ الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٥٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد، عن عطاء - قال: أراه عن ابن عباس:-" وقدموا لأنفسكم"، قال: يقول:"بسم الله"، التسمية عند الجماع. [[في المطبوعة: "قال: التسمية عند الجماع يقول: بسم الله" على التقديم والتأخير.]] * * * قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل الآية ما روينا عن السدي، وهو أن قوله:" وقدموا لأنفسكم"، أمرٌ من الله تعالى ذكره عبادَه بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربهم، عُدّةً منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب، فإنه قال تعالى ذكره: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [سورة البقرة: ١١٠ \ وسورة المزمل: ٢٠] . وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله تعالى ذكره عقَّب قوله:" وقدموا لأنفسكم" بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه. فكان الذي هو أولى بأن يكون قبلَ التهدُّد على المعصية - إذ كان التهدُّد على المعصية عامًّا - الأمرُ بالطاعة عامًّا. [[في المخطوطة والمطبوعة: "الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد عامًا" وفي المطبوعة: "التهديد"، وهي جملة غير مستقيمة، فحذفت"الذي" وزدت: "إذ كان التهدد على المعصية"، ليستقيم معنى الكلام وسياقه.]] * * * فإن قال لنا قائل: وما وجه الأمر بالطاعة بقوله:" وقدِّموا لأنفسكم"، من قوله:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"؟ قيل: إن ذلك لم يقصد به ما توهمتَه: وإنما عنى به: وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا:" يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين"، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله ﷺ فأجيبوا عنه، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات. ثم قال تعالى ذكره: قد بيّنا لكم ما فيه رَشَدكم وهدايتكم إلى ما يُرضي ربكم عنكم، فقدِّموا لأنفسكم الخيرَ الذي أمركم به، واتخذوا عنده به عهدًا، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم = واتقوه في معاصيه أن تقربوها، وفي حدوده أن تُضِيعوها، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم، فَمُجازٍ المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته. [[في المطبوعة: "فمجازي" بالياء في آخره. والصواب ما أثبت.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) ﴾ قال أبو جعفر: وهذا تحذيرٌ من الله تعالى ذكره عبادَه: أن يأتوا شيئًا مما نهاهم عنه من معاصيه = وتخويفٌ لهم عقابَه عند لقائه، كما قد بيَّنا قبل = وأمرٌ لنبيه محمد ﷺ أن يبشر من عباده، بالفوز يوم القيامة وبكرامة الآخرة وبالخلود في الجنة، من كان منهم محسنًا مؤمنًا بكتبه ورسله، وبلقائه، مصدِّقًا إيمانَه قولا بعمله ما أمره به ربُّه، وافترض عليه من فرائضه فيما ألزمه من حقوقه، وبتجنُّبه ما أمره بتجنُّبه من معاصيه. [[انظر ما سلف، مقالة الطبري في"ملاقو ربهم" ٢: ٢٠- ٢٢.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم". فقال بعضهم: معناه: ولا تجعلوه عِلَّة لأيمانكم، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال:"عليّ يمين بالله ألا أفعل ذلك" - أو"قد حلفت بالله أن لا أفعله"، فيعتلّ في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله. * ذكر من قال ذلك: ٤٣٥١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:" ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح، ثم يعتلّ بيمينه، يقول الله:" أن تبرُّوا وتتقوا" هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح، وإن حلفت كفَّرت عن يمينك وفعلت الذي هو خيرٌ لك. ٤٣٥٢ - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه مثله = إلا أنه قال: وإن حلفت فكفِّر عن يمينك، وافعل الذي هو خير. ٤٣٥٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبرُّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يُصلح بينهما ويقول:"قد حلفت". قال: يكفّر عن يمينه:" ولا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم". ٤٣٥٤ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيمانكم أن تبرُّوا وتتقوا"، يقول: لا تعتلُّوا بالله، أن يقول أحدكم إنه تألَّى أن لا يصل رَحمًا، [[تألى الرجل: أقسم بالله، ومثله"آل".]] ولا يسعى في صلاح، ولا يتصدَّق من ماله. مهلا مهلا بارك الله فيكم، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان، فلا تطيعوه، ولا تُنْفِذوا له أمرًا في شيء من نذروكم ولا أيمانكم. ٤٣٥٥ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر، فإذا قيل له، قال:"قد حلفتُ". ٤٣٥٦ - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله:" ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير، الأمرَ الحسن، يقول:"حلفت"! قال الله: افعل الذي هو خيرٌ وكفِّر عن يمينك، ولا تجعل الله عرضةً. ٤٣٥٧ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، يقول في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية: هو الرجل يحرّم ما أحل الله له على نفسه، فيقول:"قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبرَّ يميني"، فأمرهم الله أن يكفّروا أيمانهم ويأتوا الحلال. [[الأثر: ٤٣٥٧- في المطبوعة: "حدثت عن عمار بن الحسن، قال سمعت أبا معاذ" وهو خطأ صرف والصواب من المخطوطة، وهو مع ذلك إسناد دائر في التفسير أقربه رقم: ٤٣٢٤. و"الحسين" هو"الحسين بن الفرج".]] ٤٣٥٨ - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، أما" عُرضة"، فيعرض بينك وبين الرجل الأمرُ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله. وأما" تبرُّوا"، فالرجل يحلف لا يبرُّ ذا رحمه فيقول:"قد حلفت! "، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه، وليبَرَّه، ولا يبالي بيمينه. وأما" تصلحوا"، فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه، فيحلف أن لا يصلح بينهما، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه. وهذا قبل أن تنزل الكفَّارات. [[انظر كلام أبي جعفر في هذا الأثر فيما بعد ص: ٤٢٦.]] ٤٣٥٩ - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: يحلف أن لا يتقي الله، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين، فلا يمنعه يمينُه. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير. * ذكر من مال ذلك: ٤٣٦٠ - حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفِّر عن يمينك واصنع الخير. ٤٣٦١ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا". ٤٣٦٢ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف أن لا يبرّ قرابته، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين. يقول: فليفعل، وليكفِّر عن يمينه. ٤٣٦٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن إبراهيم النخعي في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: لا تحلف أن لا تتقي الله، ولا تحلف أن لا تبرَّ ولا تعمل خيرًا، ولا تحلف أن لا تصل، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس، ولا تحلف أن تقتل وتقطَع. ٤٣٦٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن داود، عن سعيد بن جبير = ومغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة" الآية، قالا هو الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يتقي، ولا يصلح بين الناس. وأمِر أن يتقي الله، ويصلحَ بين الناس، ويكفّر عن يمينه. ٤٣٦٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل = عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس. فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله، وليدع يمينه. [[الأثر: ٤٣٦٥- هو في المخطوطة إسناد واحد جاء هكذا: "حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح. . . " والذي في المطبوعة هو الصحيح، وهما إسنادان دائران في التفسير. الأول منهما أقربه رقم: ٤١٣٢ والثاني منهما أقربه رقم: ٣٨٧٢]] ٤٣٦٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية، قال: ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. فأمره الله أن يدع يمينه، ويصل رحمه، ويأمر بالمعروف، ويصلح بين الناس. ٤٣٦٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قالت: لا تحلفوا بالله وإن بررتم. ٤٣٦٨ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال: حُدثت أن قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، الآية، نزلت في أبي بكر، في شأن مِسْطَح. ٤٣٦٩ - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية، قال: يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يصل رحمه. ٤٣٧٠ - حدثني المثنى، حدثنا سويد، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: يحلف أن لا يتقي الله، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين. فلا يمنعه يمينه. [[الأثر: ٤٣٧٠- هذا الأثر ليس في المخطوطة في هذا المكان، وهو الصواب. وهو مكرر الذي مضى برقم: ٤٣٥٩- وفي المطبوعة هنا"فلا ينفعه يمينه" وهو خطأ ظاهر. وكأن أولى أن يحذف ولكني أبقيته للدلالة على اختلاف النسخ.]] ٤٣٧١ - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبى سلمة، عن سعيد، عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرًا، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. نهاهم الله عن ذلك. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية، تأويلُ من قال: معنى ذلك:"لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبينَ الله وبين الناس". * * * وذلك أن"العُرْضة"، في كلام العرب، القوة والشدة. يقال منه:"هذا الأمر عُرْضة لك" [[في المخطوطة والمطبوعة: "عرضة له" وأثبت ما هو أولى بالصواب.]] يعني بذلك: قوة لك على أسبابك، ويقال:"فلانة عُرْضة للنكاح"، أي قوة، [[أخشى أن يكون الصواب الجيد: "أي قرية".]] ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق: مِنْ كُلِّ نَضَّاحةِ الذِّفْرَى إذَا عَرِقَتْ، ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ [[ديوانه: ٩، وسيأتي في التفسير ٥: ٧٩/١١: ١٠٨/٢٧: ٦٢ (بولاق) من قصيدته المشهورة. نضح الرجل بالعرق نضحا، فض به حتى سال سيلانًا. ونضاحة: شديدة النضح. والذفرى: الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، وهو من الناس والحيوان جميعا: العظم الشاخص خلف الأذن. وسيلان عرقها هناك، ممدوح في الإبل. والطامس: الدارس الذي أمحى أثره. والأعلام: أعلام الطريق، تبنى في جادة الطريق ليستدل بها عليه إذا ضل الضال. وأرض مجهولة: إذا كان لا أعلام فيها ولا جبال، فلا يهتدي فيها السائر. يقول: إذا نزلت هذه المجاهل، عرفت حينئذ قوتها وشدتها وصبرها على العطش والسير في الفلوات.]] يعني بـ "عرضتها": قوتها وشدتها. * * * فمعنى قوله تعالى ذكره:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" إذًا: لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس. ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس، فليحنث في يمينه، وليبرَّ، وليتق الله، وليصلح بين الناس، وليكفّر عن يمينه. * * * وترك ذكر"لا" من الكلام، لدلالة الكلام عليها، واكتفاءً بما ذُكر عما تُرِك، كما قال أمرؤ القيس: فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيكَ وَأَوْصَالِي [[ديوانه: ١٤١ وسيأتي في التفسير ١٣: ٢٨ (بولاق) وهو من قصيدته التي لا تبارى وهي مشهورة وما قبل البيت وما بعده مشهور.]] بمعنى: فقلت: يمين الله لا أبرح، فحذف"لا"، اكتفاء بدلالة الكلام عليها. * * * وأما قوله:" أن تبروا"، فإنه اختلف في تأويل"البر"، الذي عناه الله تعالى ذكره. فقال بعضهم: هو فعل الخير كله. وقال آخرون: هو البر بذي رحمه، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى. [[انظر ما سلف في معاني"البر" ٢: ٨/ ثم ٣: ٣٣٦- ٣٣٨، ٥٥٦.]] * * * وأولى ذلك بالصواب قول من قال:"عني به فعل الخير كله". وذلك أن أفعال الخير كلها من"البر"، ولم يخصص الله في قوله:" أن تبرُّوا" معنى دون معنى من معاني"البر"، فهو على عمومه، والبر بذوي القرابة أحد معاني"البر". * * * وأما قوله:" وتتقوا"، فإن معناه: أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدَّوْها. وقد ذكرنا تأويل من تأوَّل ذلك أنه بمعنى"التقوى" قبل. [[انظر الآثار رقم: ٤٣٦١، ٤٣٦٣، ٤٣٦٤.]] * * * وقال آخرون في تأويله بما:- ٤٣٧٢ - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله:" أن تبروا وتتقوا" قال: كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال:" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" الآية. قال: ويقال: لا يتق بعضكم بعضًا بي، تحلفون بي وأنتم كاذبون، ليصدقكم الناس وتصلحون بينهم، فذلك قوله:" أن تبروا وتتقوا"، الآية. [[الأثر: ٤٣٧٢- هو الأثر السالف رقم: ٤٣٦١ وتتمته.]] * * * وأما قوله:" وتصلحوا بين الناس"، فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مَأثَم فيه، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه. * * * وأما الذي ذكرنا عن السدي: من أنّ هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان، [[يعني الأثر السالف رقم: ٤٣٥٨.]] فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة. والخبر عما كان، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق، وإلا كان دعوى لا يتعذر مِثلها وخلافها على أحد. [[في المخطوطة"لا يبعد مثلها. . . " غير منقوطة كأنها"لا سعد"، والذي في المطبوعة أجود.]] وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في"سوره المائدة"، واكتفى بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجبَ من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب