الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هو أذًى﴾ قالَ السُّدِّيِّ: السّائِلُ كانَ ثابِتَ بْنَ الدَّحْداحِ الأنْصارِيُّ، وكانَتِ العَرَبُ ومَن في صَدْرِ الإسْلامِ مِنَ المُسْلِمِينَ يَجْتَنِبُونَ مُساكَنَةَ الحُيَّضِ ومُؤاكَلَتَهُنَّ ومُشارَبَتَهُنَّ، فَسَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ.
وَقالَ مُجاهِدٌ: كانُوا يَعْتَزِلُونَ الحُيَّضَ في الفَرْجِ، ويَأْتُونَهُنَّ في أدْبارِهِنَّ مُدَّةَ حَيْضِهِنَّ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، والأذى هو ما يُؤْذِي مِن نَتْنِ رِيحِهِ ووِزْرِهِ ونَجاسَتِهِ. (p-٢٨٣)
﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾ اخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالِاعْتِزالِ عَلى ثَلاثَةِ أقاوِيلَ: أحَدُها: اعْتَزَلَ جَمِيعَ بَدَنِها أنْ يُباشِرَهُ بِشَيْءٍ مِن بَدَنِهِ، وهَذا قَوْلُ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ.
والثّانِي: ما بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ، وهَذا قَوْلُ شُرَيْحٍ.
والثّالِثُ: الفَرْجُ وهَذا قَوْلُ عائِشَةَ ومَيْمُونَةَ وحَفْصَةَ وجُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ﴾ فِيهِ قِراءَتانِ: إحْداهُما: التَّخْفِيفُ وضَمُّ الهاءِ، وهي قِراءَةُ الجُمْهُورِ، ومَعْناهُ بِانْقِطاعِ الدَّمِ وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ وعِكْرِمَةَ.
والثّانِيَةُ: بِالتَّشْدِيدِ وفَتْحِ الهاءِ، قَرَأ بِها حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ وعاصِمٌ، وفي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ عَنْهُ، ومَعْناها حَتّى تَغْتَسِلَ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾ يَعْنِي بِالماءِ، فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: مَعْناهُ إذا اغْتَسَلْنَ وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةَ والحَسَنِ.
والثّانِي: الوُضُوءُ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ، وطاوُسٍ.
والثّالِثُ: غَسْلُ الفَرْجِ.
وَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: القُبُلُ الَّذِي نَهى عَنْهُ في حالِ الحَيْضِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
الثّانِي: فَأْتُوهُنَّ مِن قِبَلِ طُهْرِهِنَّ، لا مِن قِبَلِ حَيْضِهِنَّ، وهَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وقَتادَةَ.
والثّالِثُ: فَأْتُوا النِّساءَ مِن قِبَلِ النِّكاحِ لا مِن قِبَلِ الفُجُورِ، وهَذا قَوْلُ مُحَمَّدٍ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ.
والرّابِعُ: مِن حَيْثُ أُحِلَّ لَكم، فَلا تَقْرَبُوهُنَّ مُحْرِماتٍ، ولا صائِماتٍ ولا مُعْتَكِفاتٍ، وهَذا قَوْلُ الأصَمِّ.
﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: (p-٢٨٤)
أحَدُها: المُتَطَهِّرِينَ بِالماءِ، وهَذا قَوْلُ عَطاءٍ.
والثّانِي: يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ مِن أدْبارِ النِّساءِ أنْ يَأْتُوها، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ.
والثّالِثُ: يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، أنْ لا يَعُودُوا فِيها بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنها، وهو مَحْكِيٌّ عَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾ أيْ مُزْدَرَعُ أوْلادِكم ومُحْتَرَثُ نَسْلِكم، وفي الحَرْثِ كِنايَةٌ عَنِ النِّكاحِ، ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ فانْكِحُوا مُزْدَرَعَ أوْلادِكم.
﴿أنّى شِئْتُمْ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: يَعْنِي كَيْفَ شِئْتُمْ في الأحْوالِ، رَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ أنَّ أُناسًا مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، جَلَسُوا يَوْمًا ويَهُودِيٌّ قَرِيبٌ مِنهم، فَجَعَلَ بَعْضُهم يَقُولُ: إنِّي لَآتِي امْرَأتِي وهي مُضْطَجِعَةٌ، ويَقُولُ الآخَرُ: إنِّي لَآتِيها وهي قائِمَةٌ، ويَقُولُ الآخَرُ: إنِّي لَآتِيها وهي عَلى جَنْبِها، ويَقُولُ الآخَرُ: إنِّي لَآتِيها وهي بارِكَةٌ، فَقالَ اليَهُودِيُّ: ما أنْتُمْ إلّا أمْثالُ البَهائِمِ ولَكِنّا إنَّما نَأْتِيها عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ وهَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ.
والثّانِي: يَعْنِي مِن أيِّ وجْهٍ أحْبَبْتُمْ في قُبُلِها، أوْ مِن دُبُرِها في قُبُلِها.
رَوى جابِرٌ أنَّ اليَهُودَ قالُوا: إنَّ العَرَبَ يَأْتُونَ النِّساءَ مِن أعْجازِهِنَّ، فَإذا فَعَلُوا ذَلِكَ جاءَ الوَلَدُ أحْوَلَ، فَأكْذَبَ اللَّهُ حَدِيثَهم وقالَ: ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، والرَّبِيعِ.
والثّالِثُ: يَعْنِي مِن أيْنَ شِئْتُمْ وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وغَيْرِهِ.
والرّابِعُ: كَيْفَ شِئْتُمْ أنْ تَعْزِلُوا أوْ لا تَعْزِلُوا، وهَذا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ.
والخامِسُ: حَيْثُ شِئْتُمْ مِن قُبُلٍ، أوْ مِن دُبُرٍ، رَواهُ نافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ورَوى عَنْ غَيْرِهِ. (p-٢٨٥)
وَرَوى حُبَيْشُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ ناسًا مِن حِمْيَرَ أتَوُا النَّبِيَّ ﷺ يَسْألُونَهُ عَنْ أشْياءَ، فَقالَ رَجُلٌ مِنهُمْ: يا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ النِّساءَ، فَكَيْفَ تَرى في ذَلِكَ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ بَيانَ ما سَألُوا عَنْهُ، فَأنْزَلَ فِيما سَألَ عَنْهُ الرَّجُلُ: ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً إذا كانَ في الفَرْجِ)» . ﴿وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ﴾ الخَيْرَ، وهو قَوْلُ السُّدِّيِّ.
والثّانِي: وقَدِّمُوا لِأنْفُسِكم ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عِنْدَ الجِماعِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ.
{"ayahs_start":222,"ayahs":["وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ","نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق