الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ وقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكُمْ مُلاقُوهُ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: ٢٢٣].
نزَلَتْ هذه الآيةُ بيانًا لبطلانِ ما تعتقدُهُ يهودُ مِن ضَرَرِ إتيانِ المرأةِ مِن ورائِها في قُبُلِها، واقتَدى بهم أهلُ المدينةِ مِن الأنصارِ، فقد جاء في «الصحيحَيْنِ»، عن جابرٍ رضي الله عنه، قال: كانتِ اليهودُ تقولُ: «إذا جامَعَها مِن ورائِها، جاءَ الوَلَدُ أحْوَلَ»، فنزَلَتْ: ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ﴾ [[أخرجه البخاري (٤٥٢٨) (٦/٢٩)، ومسلم (١٤٣٥) (٢/١٠٥٨).]].
ما يَحِلُّ للرجلِ من زوجتِهِ:
ثمَّ إنّ الآيةَ قد دَلَّتْ على أنّ الأصلَ في النساءِ الحِلُّ لأزواجِهنَّ، وكنّى اللهُ عن الجِماعِ والوَطْءِ بالحَرْثِ، فشَبَّهَ الزوجةَ بالأرضِ، والوَطْءَ بالحرثِ فيها، والولدَ بالزَّرْعِ، وفي الآيةِ: أنّ النهيَ عن الوطءِ إنّما هو استثناءٌ، وذلك في أوقاتٍ مخصوصةٍ، كالصيامِ، وأحوالٍ مخصوصةٍ، كالإحرامِ والاعتكافِ، وأماكنَ مخصوصةٍ، كالمساجدِ، وفي مواضعَ مخصوصةٍ منها، كالدُّبُرِ، ونزولِ الحَيْضِ، لاشتراكِهما في عِلَّةِ الأذى، فالقُبُلُ أذًى عارضٌ، والدُّبُرُ أذًى دائمٌ.
وجاءت هذه الآيةُ بعد تحريمِ الوطءِ زَمَنَ الحيضِ، ليبيِّنَ اللهُ مِنَّتَهُ على عبادِهِ أنّ النهيَ عارِضٌ لا دائِمٌ، فلا يَغِيبُ عن النفوسِ ما أحَلَّهُ اللهُ لهم في أكثرِ الزمانِ، فهم يستثقِلُونَ التحريمَ وهو عارضٌ، ويستخِفُّونَ التحليلَ لأنّه غائبٌ.
وذكَرَ اللهُ النساءَ في قولِه: ﴿نِساؤُكُمْ﴾، ولم يَخُصَّ الزوجاتِ، لِيَعُمَّ ذلك الزوجاتِ والإماءَ، فالحُكْمُ فيهنَّ واحدٌ، وكلُّ ذلك من النساءِ.
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنّ حقَّ الوطءِ للرجلِ على المرأةِ، للفِطْرةِ الغالِبةِ في الشهوةِ منه عليها، ولم يتوجَّهِ الخطابُ إليها، لِغَلَبةِ حيائِها وإنِ اشترَكا في الحَقِّ، فيجبُ على الزوجةِ أنْ تمكِّنَ زَوْجَها متى ما رَغِبَها، ففي «المسندِ»، والتِّرْمِذيِّ، والنَّسائيِّ، مِن حديثِ طَلْقِ بنِ عليٍّ، عن النبيِّ ﷺ، قال: (إذا الرَّجُلُ دَعا زَوْجَتَهُ لِحاجَتِهِ، فَلْتَأْتِهِ وإنْ كانت عَلى التَّنُّورِ) [[أخرجه أحمد (١٦٢٨٨) (٤/٢٢)، والترمذي (١١٦٠) (٣/٤٥٧)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٨٩٢٢) (٨/١٨٧).]].
فإنّ في ذلك أداءً للحقِّ، وقضاءً للوَطَرِ، وتأليفًا للقلبِ، ودَفْعًا للشرِّ، فإنّ الرجلَ أكثَرُ عُرْضةً لفتنِ النساءِ مِن المرأةِ لفتنِ الرجالِ، وذلك لأنّ اللهَ كتَبَ عليه الضَّرْبَ في الأرضِ، فيَغْدُو ويَرُوحُ، ويبيعُ ويشترِي، ويَعْرِضُ له ما لا يَعْرِضُ للمرأةِ، وفي «صحيحِ مسلمٍ»، مِن حديثِ جابرٍ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ رَأى امْرَأَةً، فَأَتى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ، وهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَها، فَقَضى حاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلى أصْحابِهِ، فَقالَ: (إنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطانٍ، وتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطانٍ، فَإذا أبْصَرَ أحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَلْيَأْتِ أهْلَهُ، فَإنَّ ذلك يَرُدُّ ما فِي نَفْسِهِ) [[أخرجه مسلم (١٤٠٣) (٢/١٠٢١).]].
وفي قولِهِ تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ دليلٌ على الإتيانِ مِن القُبُلِ، لأنّه مَنبَتُ الوَلَدِ، كما رواهُ عِكْرِمةُ، عن ابنِ عباسٍ، قال: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾: مَنبَتَ الولدِ»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٤٥).]].
فالحَرْثُ: الجِماعُ، والأرضُ: الزوجة، والولَدُ: الزَّرْعُ، وكما أنّه لا يُزرَعُ عقلًا في غيرِ أرضِ الحرثِ، فكذلك لا يُوضَعُ البُضْعُ في غيرِ القُبُلِ، فإذا كان وضعُ الزرعِ على الحَصى نقصًا في العقلِ، فكذلك وضعُ البُضْعِ في غيرِ القُبُلِ نقصٌ في الدِّينِ.
وقولُهُ تعالى: ﴿أنّى شِئْتُمْ﴾، يعني: على أيِّ صفةٍ تُؤتى المرأةُ، ما دامَ في الموضعِ الذي أمَرَ اللهُ به، روى سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبّاسٍ، قولَهُ: ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ﴾، قال: «ائْتِها أنّى شِئْتَ، مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً، ما لم تَأْتِها فِي الدُّبُرِ والمَحِيضِ»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٤٦).]].
وبنحوِه رواهُ عليٌّ، عن ابنِ عباسٍ.
وبنحوِه قال عِكْرِمةُ ومجاهِدٌ وقتادةُ والسُّدِّيُّ[[ينظر: «تفسير الطبري» (٣/٧٤٦ ـ ٧٤٧).]].
وقيل: إنّ معنى قولِهِ: ﴿أنّى شِئْتُمْ﴾: متى شِئْتُمْ، قاله الضَّحّاكُ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥٠).]].
وتشبيهُ اللهِ الوطءَ بالحرثِ، والمرأةَ بالأرضِ، والولدَ بالزرعِ: لا يُؤخَذُ منه النهيُ عن مباشرةِ الرجلِ لزوجتِه في فَخِذَيْها وغيرِ ذلك منها ولو أنْزَلَ، لأنّ الصحابةَ والتابعينَ لم يَرِدْ عنهم خلافٌ في هذا، ولو كان ذلك في غيرِ موضعِ الزَّرْعِ، فكما أنّه يجوزُ له العَزْلُ وعدَمُ طلبِ الولدِ، فكذلك يجوزُ له الإنزالُ في غيرِ الفَرْجِ مِن غيرِ إيلاجٍ.
وأمّا المنعُ مِن إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها، فلأدلةٍ، منها: أنّه ليس بموضعِ زرعٍ، وليس هذا دليلًا منفردًا في البابِ لِيَضْعُفَ مقابِلَهُ القولُ بجوازِ المباشَرةِ والإنزالِ في غيرِ القُبُلِ، بجامِعِ أنّ كلَّ واحدٍ منهما غيرُ موضعِ زرعٍ، لأنّ المباشَرةَ مع الإنزالِ في غيرِ الفرجِ لا يختلِفونَ فيها، فقد قال لَيْثٌ: «تَذاكَرْنا عِنْدَ مُجاهِدٍ الرَّجُلَ يُلاعِبُ امْرَأَتَهُ وهِيَ حائِضٌ، قالَ: اطْعُنْ بِذَكَرِكَ حَيْثُما شِئْتَ فِيما بَيْنَ الفَخِذَيْنِ والأَلْيَتَيْنِ والسُّرَّةِ، ما لم يَكُنْ فِي الدُّبُرِ أوِ الحَيْضِ»، رواهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٣/٧٢٨).]].
إتيانُ المرأةِ في دبرِها عند السلف:
ولا يَختلِفُ السلفُ مِن الصحابةِ والتابعينَ والأئمةِ الأربعةِ: في تحريمِ إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها، إلا شيئًا ورَدَ في ذلك عن ابنِ عمرَ، ومحمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، ومالكٍ.
أمّا ما جاء عنِ ابنِ عمرَ: فما مِن راوٍ عن ابنِ عمرَ يروِي عنه جوازَ إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها إلا وله روايةٌ في تحريمِ ذلك مِن وجهٍ آخَرَ، فرَوى سالمٌ ونافعٌ، عن ابنِ عمرَ: المنعَ، كما رُوِيَ عنهما عن ابنِ عمرَ: روايةُ الجوازِ، ومِثلُه: أبو الحُبابِ سعيدُ بنُ يَسارٍ رَوى المنعَ عن ابنِ عمرَ، ورُوِيَ عنه عن ابنِ عمرَ: الجوازُ، وحَمْلُ رأيِهِ على روايةِ الجماعةِ أوْلى مِن حَمْلِهِ على المُخالِفِ.
وهذا القولُ عن ابنِ عمرَ مع مخالفتِه الصحابةَ والتابعينَ لا يُشارُ إليه، فضلًا عن أنْ يُصارَ إليه، كيف وقد جاء عنه رضي الله عنه ما يوافِقُ الصحابةَ ويَجْرِي مع ظاهرِ الدليلِ؟! وقد جاء عنه التشديدُ في النهيِ، كما رَوى سعيدُ بنُ يسارٍ: «أنّه سأَلَ ابنَ عمرَ، فقال له: يا أبا عبدِ الرحمنِ، إنّا نشترِي الجَوارِيَ فنُحَمِّضُ لَهُنَّ؟ فقال: وما التحميضُ؟ قال: الدُّبُرُ، فقال ابنُ عمرَ: أُفٍّ أفٍّ! يفعلُ ذلك مؤمنٌ؟!»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥٢).]].
وهكذا جماعةٌ مِن الصحابةِ كما روى قتادةُ عن أبي الدرداءِ، قال: «هل يفعلُ ذلك إلا كافرٌ؟!»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥٣).]].
يعني: الكفرَ الأصغرَ، كالطَّعْنِ في النَّسَبِ، والنياحةِ على المَيِّتِ، والانتسابِ لغيرِ الأبِ، ونحوِ ذلك مما دلَّ الدليلُ على تسميتِه كُفْرًا، ورفَعَتْ عنه الأدلةُ الأُخرى الخروجَ مِن الدِّينِ كلِّه.
ويظهَرُ أنّ الجوازَ الوارِدَ عن ابنِ عمر، أراد به: إتيانَ المرأةِ مِن دُبُرِها، يعني: مُدْبِرَةً في قُبُلِها، وهذا كانت تَكْرَهُهُ يهودُ، ويقتدِي بهم بعضُ أهلِ المدينةِ، فبيَّنَ ابنُ عمرَ جوازَ هذا الفعلِ بهذه الآيةِ، فرواهُ عنه نافعٌ وغيرُه، وقرينةُ ذلك: أنّ غيرَ واحدٍ مِن الأئمَّةِ المصنِّفينَ كالبخاريِّ وغيرِه يَرْوُونَ ذلك عن ابنِ عمرَ في تفسيرِ هذه الآيةِ، وهذه الآيةُ في إتيانِ المرأةِ مُدْبِرَةً في قُبُلِها لا في دُبُرِها، وهذا سببُ النزولِ، كما سلَفَ في حديثِ جابرٍ وغيرِه، ففَهِمَ بعضُ أصحابِ ابنِ عمرَ وبعضُ أصحابِ أصحابِه هذا على المعنى غيرِ المرادِ، وإلاَّ فإنّ تشديدَ ابنِ عمرَ ـ كما سلَفَ ـ في إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها: لا يَحْتَمِلُ منه قولًا آخَرَ بالجوازِ، وهكذا يُفهَمُ مِن سياقِ مَن رواهُ عن نافعٍ، كابنِ عونٍ عن نافعٍ، قال: «قرأتُ ذاتَ يومٍ: ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ﴾، فقال ابنُ عمرَ: أتدري فيمَن نزَلَتْ؟ قلتُ: لا، قال: نزلَتْ في إتيانِ النساءِ في أدْبارِهِنَّ»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥١).]].
فإنّ سبَبَ النزولِ في الإتيانِ مِن الدُّبُرِ في القُبُلِ، كما رواهُ جماعةٌ مِن الصحابةِ والتابعينَ، ومِثلُهُ ينبغي حَمْلُ كلامِ ابنِ عمرَ عليه، فإنّ إتيانَ المرأةِ في دُبُرِها لا حاجةَ فيه إلى إقبالِها أو إدبارِها، ولأنّ الحُكْمَ لم تَنْزِلْ فيه هذه الآيةُ باتِّفاقِهم.
وعلى هذا تُحْمَلُ روايةُ أيُّوبَ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، في هذه الآيةِ، قال: «في الدُّبُرِ»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥٢).]]، يعني: مُدبِرةً لا مُقبِلةً، ولم يُرِدِ الصمامَ الذي يُوضَعُ فيه، فإنّ الآيةَ لم تَنزِلْ في حُكمِهِ أصلًا، وإنّما تَبَعًا.
ومِثْلُ أيوبَ عن نافعٍ: مَن رواهُ عن نافعٍ بنحوِ هذا اللفظِ والسياقِ، كابنِ عَوْنٍ، وعُبَيْدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ حَفْصٍ، ومحمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ذِئْبٍ، وكذلك روايةُ مالكٍ التي صحَّحَها عن نافعٍ الدارقطنيُّ بنحوِ روايةِ غيرِه.
ونافعٌ روى عن ابنِ عمرَ هذا السياقَ في تفسيرِ الآيةِ، لا رأيًا مستقلًّا في الفقهِ والفتوى، وكلُّ مَن رواه عنه رواهُ في هذه الآيةِ لا في غيرِها، وكلُّ ما جاء عن ابنِ عمرَ في الرواياتِ: أنّه قال في إتيانِ المرأةِ مِن دُبُرِها في غيرِ هذه الآيةِ، فلا يثبُتُ منها شيءٌ، إلا ما رواهُ النَّسائيُّ عن عبدِ الرحمنِ بنِ القاسمِ، قال: «قلتُ لمالكٍ: إنّ عندَنا بمِصْرَ اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ يحدِّثُ عن الحارثِ بنِ يعقوبَ، عن سعيدِ بنِ يسارٍ، قال: قلتُ لابنِ عمرَ: إنّا نشترِي الجواريَ، فنُحَمِّضُ لَهُنَّ، قال: وما التحميضُ؟ قال: نَأْتِيهِنَّ في أدبارِهِنَّ، قال: أُفّ! أوَ يَعْمَلُ هذا مسلِمٌ؟! فقال لي مالكٌ: فأَشهَدُ على ربيعةَ لَحَدَّثَنِي عن سعيدِ بنِ يسارٍ، أنّه سأَلَ ابنَ عُمَرَ عنه؟ فقال: لا بأسَ به»[[أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (٨٩٣٠) (٨/١٩٠).]].
وهو صحيحٌ عن ابنِ عمرَ بلفظَيْهِ، وحَمْلُهُ على قولِ الجماعةِ وفتواهُمْ وتفسيرِهِمْ أوْجَهُ وأَسْلَمُ وأَقْوَمُ.
ورواهُ سالمٌ وعبيدُ اللهِ أبناءُ ابنِ عمرَ عن أبِيهم، وروايتُهم معلولةٌ.
وقد جاء عن نافعٍ ـ وعنه عن ابنِ عمرَ ـ المعنى الموافقُ لتفسيرِ السلفِ للآيةِ، كما رواهُ النَّسائيُّ في «الكُبْرى»، عن عبدِ اللهِ بنِ سُلَيْمانَ الطويلِ، عن كَعْبِ بنِ عَلْقَمةَ، عن أبي النَّضْرِ، أنّه قال لنافعٍ مَوْلى ابنِ عمرَ: قد أكْثَرَ عليك القولَ أنّك تقولُ عن ابنِ عمرَ أنّه أفْتى بأنْ يُؤتى النساءُ في أدبارِهِنَّ! قال نافعٌ: لقد كَذَبُوا عَلَيَّ! ولكنْ سأُخبِرُك كيف كان الأمرُ: إنّ ابنَ عمَرَ عَرَضَ عليَّ المُصْحَفَ يومًا، وأنا عندَهُ حتى بلَغَ: ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾، قال: يا نافعُ، هل تَعْلَمُ ما أمرُ هذه الآيةِ؟ إنّا كنّا معشرَ قريشٍ نُجَبِّي النساءَ، فلمّا دخَلْنا المدينةَ ونَكَحْنا نساءَ الأنصارِ أرَدْنا مِنهُنَّ ما كنّا نُرِيدُ مِن نسائِنا، فإذا هُنَّ قد كَرِهْنَ ذلك وأَعْظَمْنَهُ، وكان نساءُ الأنصارِ إنّما يُؤْتَيْنَ على جُنُوبِهِنَّ، فأنزَلَ اللَّهُ سبحانَه: ﴿نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ﴾ [[أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (٨٩٢٩) (٨/١٩٠).]].
والطويلُ يُحْتَمَلُ حديثُه.
ويَحْتمِلُ أنّ هذا القولَ ظَنَّهُ ابنُ عمرَ على معنى الإتيانِ في الدُّبُرِ، لا مِن الدُّبُرِ في القُبُلِ، فوَهِمَ في المعنى، ولذا صحَّ عن ابنِ عباسٍ أنّه قال: «إنّ ابنَ عمرَ ـ واللهُ يَغْفِرُ له ـ أوْهَمَ»[[أخرجه أبو داود (٢١٦٤) (٢/٢٤٩).]].
ثمَّ ذكَرَ ابنُ عباسٍ سبَبَ نزولِ الآيةِ، وقد صحَّ هذا عن ابنِ عباسٍ، رواهُ أبانُ بنُ صالحٍ، عن مجاهدٍ، عنه، ولعلَّ ابنَ عُمَرَ لمّا بانَ له الأمرُ ترَكَهُ، وهكذا مَن نقَلَ قولَهُ وأخَذَ به، فله قولٌ يُخالِفُهُ، كنافعٍ ومالكٍ يُوافِقُ الجماعةَ، وحَمْلُ أقوالِهم على ما اتَّفَقَتْ عليه كلمةُ عامَّةِ المفسِّرينَ الذين رُوِيَ عنهم القولُ فيها مِن الصحابةِ والتابعينَ وفَهِمُوهُ مِن الآيةِ: أحْرى وأَوْلى.
وأمّا ما جاءَ عن ابنِ المُنْكَدِرِ: فقد رواهُ عبدُ المَلِكِ بنُ مَسْلَمةَ، عن الدَّراوَرْدِيِّ، قال: قيل لزَيْدِ بنِ أسْلَمَ: إنّ محمَّدَ بنَ المنكَدِرِ يَنْهى عن إتيانِ النساءِ في أدبارِهِنَّ، فقال زيدٌ: أشْهَدُ على محمَّدٍ لَأَخْبَرَني أنّه يفعَلُهُ[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥١).]].
وعبدُ الملِكِ منكَرُ الحديثِ، قاله أبو زُرعةَ وغيرُهُ، وقال أبو حاتمٍ: «مضطرِبُ الحديثِ، ليس بالقويِّ»[[«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٥/٣٧١).]].
والأحاديثُ الواردةُ في النهيِ عن إتيانِ المرأةِ في الدُّبُرِ وإنْ كانت معلولةً منفرِدةً، فكَثْرَتُها تدُلُّ على أصلِها، وفي ظاهرِ القرآنِ وإطباقِ عامَّةِ السلفِ غُنْيَةٌ وكفايةٌ.
وقد أخَذَ بعضُ السلفِ مِن قولِهِ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ﴾: جوازَ العَزْلِ، فكما أذِنَ اللهُ بالإتيانِ عندَ الحاجةِ، فكذلك الولدُ ـ وهو الزرعُ ـ يُطلَبُ عندَ الحاجةِ، ومِن هذا قولُ ابنِ عباسٍ في هذه الآيةِ: «إنْ شِئْتَ فاعْزِلْ، وإنْ شِئْتَ فَلا تَعْزِلْ»، وبنحوِه عن ابنِ المسيَّبِ[[«تفسير الطبري» (٣/٧٥٤).]].
وقولُه تعالى: ﴿وقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ﴾: قيل: المرادُ به ما شَرَعَهُ اللهُ عندَ الجِماعِ مِن ذِكْرِ اللهِ، وحُسْنِ القَصْدِ، وطلبِ الولدِ، رجاءَ عَوْنِهِ وعبادتِهِ للهِ وطاعتِهِ له، رَوى عطاءٌ عن ابنِ عباسِ: ﴿وقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ﴾، قال: «يقولُ: باسمِ اللهِ»[[«تفسير الطبري» (٣/٧٦٢).]].
ورُوِيَ عن عِكْرِمةَ، أنّ المرادَ بـ ﴿وقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ﴾، يعني: الولَدَ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٤٠٥).]].
{"ayah":"نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق