الباحث القرآني
بابُ الحَيْضِ
قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هو أذًى فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾: اَلْمَحِيضُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا لِلْحَيْضِ نَفْسِهِ؛ ويَجُوزُ أنْ يُسَمّى بِهِ مَوْضِعُ الحَيْضِ؛ كَـ "اَلْمَقِيلُ"؛ و"اَلْمَبِيتُ"؛ هُما مَوْضِعُ القَيْلُولَةِ؛ ومَوْضِعُ البَيْتُوتَةِ؛ ولَكِنْ في فَحْوى اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالمَحِيضِ في هَذا المَوْضِعِ هو الحَيْضُ؛ لِأنَّ الجَوابَ ورَدَ بِقَوْلِهِ: "هُوَ أذًى"؛ وذَلِكَ صِفَةٌ لِنَفْسِ الحَيْضِ؛ لا المَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ؛ وكانَتْ مَسْألَةُ القَوْمِ عَنْ حُكْمِهِ؛ وما يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ قَدْ كانَ قَوْمٌ مِنَ اليَهُودِ يُجاوِرُونَهم بِالمَدِينَةِ؛ وكانُوا يَجْتَنِبُونَ مُؤاكَلَةَ النِّساءِ ومُشارَبَتَهُنَّ؛ ومُجالَسَتَهُنَّ في حالِ الحَيْضِ؛ فَأرادُوا أنْ يَعْلَمُوا حُكْمَهُ في الإسْلامِ؛ فَأجابَهُمُ اللَّهُ (تَعالى) بِقَوْلِهِ هَذا: "هُوَ أذًى"؛ يَعْنِي أنَّهُ نَجَسٌ؛ وقَذَرٌ؛ ووَصْفُهُ لَهُ بِذَلِكَ قَدْ أفادَ لُزُومَ اجْتِنابِهِ؛ لِأنَّهم كانُوا عالِمِينَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلُزُومِ اجْتِنابِ النَّجاساتِ؛ فَأطْلَقَ فِيهِ لَفْظًا عَقَلُوا مِنهُ الأمْرَ بِتَجَنُّبِهِ؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ الأذى اسْمٌ يَقَعُ عَلى النَّجاساتِ؛ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «إذا أصابَ نَعْلَ أحَدِكم أذًى فَلْيَمْسَحْها بِالأرْضِ؛ ولْيُصَلِّ فِيها؛ فَإنَّهُ لَها طَهُورٌ»؛ فَسَمّى النَّجاسَةَ أذًى؛ وأيْضًا لَمّا كانَ مَعْلُومًا أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هو أذًى﴾؛ اَلْإخْبارَ عَنْ حالِهِ في تَأذِّي الإنْسانِ بِهِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا فائِدَةَ فِيهِ؛ عَلِمْنا أنَّهُ أرادَ الإخْبارَ بِنَجاسَتِهِ؛ ولُزُومِ اجْتِنابِهِ؛ ولَيْسَ كُلُّ أذًى نَجاسَةً؛ قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم إنْ كانَ بِكم أذًى مِن مَطَرٍ﴾ [النساء: ١٠٢]؛ والمَطَرُ لَيْسَ بِنَجَسٍ؛ وقالَ: ﴿ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنَ قَبْلِكم ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: ١٨٦]؛ وإنَّما كانَ الأذى المَذْكُورُ في الآيَةِ عِبارَةً عَنِ النَّجاسَةِ؛ ومُفِيدًا لِكَوْنِهِ قَذَرًا يَجِبُ اجْتِنابُهُ؛ لِدَلالَةِ الخِطابِ عَلَيْهِ؛ ومُقْتَضى سُؤالِ السّائِلِينَ عَنْهُ؛ وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِيما يَلْزَمُ اجْتِنابُهُ مِنَ الحائِضِ؛ بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى أنَّ لَهُ أنْ يَسْتَمْتِعَ مِنها بِما (p-٢١)فَوْقَ المِئْزَرِ؛ ووَرَدَ بِهِ التَّوْقِيفُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ رَوَتْهُ عائِشَةُ؛ ومَيْمُونَةُ -: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يُباشِرُ نِساءَهُ وهُنَّ حُيَّضٌ فَوْقَ الإزارِ».
واتَّفَقُوا أيْضًا عَلى أنَّ عَلَيْهِ اجْتِنابَ الفَرْجِ مِنها؛ واخْتَلَفُوا في الِاسْتِمْتاعِ مِنها بِما تَحْتَ الإزارِ؛ بَعْدَ أنْ يَجْتَنِبَ شَعائِرَ الدَّمِ؛ فَرُوِيَ عَنْ عائِشَةَ؛ وأُمِّ سَلَمَةَ؛ أنَّ لَهُ أنْ يَطَأها فِيما دُونَ الفَرْجِ؛ وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ ومُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ؛ وقالا: يَجْتَنِبُ مَوْضِعَ الدَّمِ؛ ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ الحَسَنِ؛ والشَّعْبِيِّ؛ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ؛ والضَّحّاكِ؛ ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ؛ وابْنِ عَبّاسٍ أنَّ لَهُ مِنها ما فَوْقَ الإزارِ؛ وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ؛ وأبِي يُوسُفَ؛ والأوْزاعِيِّ؛ ومالِكٍ؛ والشّافِعِيِّ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ: ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ قَدِ انْتَظَمَ الدَّلالَةَ مِن وجْهَيْنِ عَلى حَظْرِ ما تَحْتَ الإزارِ؛ أحَدُهُما قَوْلُهُ: ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾؛ ظاهِرُهُ يَقْتَضِي لُزُومَ اجْتِنابِها فِيما تَحْتَ المِئْزَرِ؛ وفَوْقَهُ؛ فَلَمّا اتَّفَقُوا عَلى إباحَةِ الِاسْتِمْتاعِ مِنها بِما فَوْقَهُ سَلَّمْناهُ لِلدَّلالَةِ؛ وحُكْمُ الحَظْرِ قائِمٌ فِيما دُونَهُ؛ إذْ لَمْ تَقُمِ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ؛ والوَجْهُ الآخَرُ قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْرَبُوهُنَّ﴾؛ وذَلِكَ في حُكْمِ اللَّفْظِ الأوَّلِ في الدَّلالَةِ عَلى مِثْلِ ما دَلَّ عَلَيْهِ؛ فَلا يُخَصُّ مِنهُ عِنْدَ الِاخْتِلافِ إلّا ما قامَتِ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا مِن جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ أبِي أُنَيْسَةَ؛ عَنْ أبِي إسْحاقَ؛ عَنْ عُمَيْرٍ - مَوْلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ -؛ «أنَّ نَفَرًا مِن أهْلِ العِراقِ سَألُوا عُمَرَ عَمّا يَحِلُّ لِزَوْجِ الحائِضِ مِنها؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقالَ: سَألْتُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: "لَكَ مِنها ما فَوْقَ الإزارِ؛ ولَيْسَ لَكَ مِنها ما تَحْتَهُ"؛» ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا حَدِيثُ الشَّيْبانِيِّ؛ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسْوَدِ؛ عَنْ أبِيهِ؛ «عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: "كانَتْ إحْدانا إذا كانَتْ حائِضًا أمَرَها النَّبِيُّ ﷺ أنْ تَتَّزِرَ في فَوْرِ حَيْضِها؛ ثُمَّ يُباشِرُها؛ فَأيُّكم يَمْلِكُ إرْبَهُ كَما كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْلِكُ إرْبَهُ؟"؛» ورَوى الشَّيْبانِيُّ أيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ؛ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْهُ مِثْلَهُ.
ومَن أباحَ لَهُ ما دُونَ المِئْزَرِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ؛ عَنْ ثابِتٍ؛ عَنْ أنَسٍ؛ «أنَّ اليَهُودَ كانُوا يُخْرِجُونَ الحائِضَ مِنَ البَيْتِ؛ ولا يُؤاكِلُونَها؛ ولا يُجامِعُونَها في بَيْتٍ؛ فَسُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ﴾؛ اَلْآيَةَ؛ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: جامِعُوهُنَّ في البُيُوتِ؛ واصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلّا النِّكاحَ»؛ وبِما رُوِيَ «عَنْ عائِشَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لَها: "ناوِلِينِي الخُمْرَةَ"؛ فَقالَتْ: إنِّي حائِضٌ؛ فَقالَ: " لَيْسَتْ حَيْضَتُكِ في يَدِكِ".»
قالُوا: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ عُضْوٍ مِنها لَيْسَ فِيهِ الحَيْضُ حُكْمُهُ حُكْمُ ما كانَ فِيهِ قَبْلَ الحَيْضِ؛ في الطَّهارَةِ؛ وفي جَوازِ الِاسْتِمْتاعِ؛ والجَوابُ عَنْ ذَلِكَ لِمَن رَأى حَظْرَ ما دُونَ مِئْزَرِها أنَّ قَوْلَهُ - في حَدِيثِ أنَسٍ - (p-٢٢)إنَّما فِيهِ ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ؛ وما كانَتِ اليَهُودُ تَفْعَلُهُ؛ فَأخْبَرَ عَنْ مُخالَفَتِهِمْ في ذَلِكَ؛ وأنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنا إخْراجُها مِنَ البَيْتِ؛ وتَرْكُ مُجالَسَتِها؛ وقَوْلُهُ: «"اِصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلّا النِّكاحَ"؛» جائِزٌ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ الجِماعَ فِيما دُونَ الفَرْجِ؛ لِأنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ النِّكاحِ؛ والمُجامَعَةِ؛ وحَدِيثُ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْناهُ قاضٍ عَلَيْهِ؛ مُتَأخِّرٌ عَنْهُ؛ والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أنَّ في حَدِيثِ أنَسٍ إخْبارًا عَنْ حالِ نُزُولِ الآيَةِ؛ وحَدِيثُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ حالِ نُزُولِ الآيَةِ؛ وقَدْ أخْبَرَ فِيهِ أنَّهُ سَألَ النَّبِيَّ ﷺ عَمّا يَحِلُّ مِنَ الحائِضِ؛ وذَلِكَ لا مَحالَةَ بَعْدَ حَدِيثِ أنَسٍ؛ مِن وجْهَيْنِ؛ أحَدُهُما أنَّهُ لَمْ يُسْألْ عَمّا يَحِلُّ مِنها إلّا وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ إتْيانِ الحائِضِ؛ والثّانِي: أنَّهُ لَوْ كانَ السُّؤالُ في حالِ نُزُولِ الآيَةِ؛ عُقَيْبَها؛ لاكْتَفى بِما ذَكَرَهُ أنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «" اِصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلّا النِّكاحَ"؛» وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ سُؤالَ عُمَرَ كانَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى أنَّهُ لَوْ تَعارَضَ حَدِيثُ عُمَرَ؛ وحَدِيثُ أنَسٍ؛ لَكانَ حَدِيثُ عُمَرَ أوْلى بِالِاسْتِعْمالِ؛ لِما فِيهِ مِن حَظْرِ الجِماعِ فِيما دُونَ الفَرْجِ؛ وفي ظاهِرِ حَدِيثِ أنَسٍ الإباحَةُ؛ والحَظْرُ والإباحَةُ إذا اجْتَمَعا فالحَظْرُ أوْلى؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى؛ وهي أنَّ خَبَرَ عُمَرَ يَعْضُدُهُ ظاهِرُ القُرْآنِ؛ وهو قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ وخَبَرَ أنَسٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ؛ وما يُوافِقُ القُرْآنَ مِنَ الأخْبارِ فَهو أوْلى مِمّا يَخُصُّهُ؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى؛ وهي أنَّ خَبَرَ أنَسٍ مُجْمَلٌ؛ عامٌّ؛ لَيْسَ فِيهِ بَيانُ إباحَةِ مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ؛ وخَبَرَ عُمَرَ مُفَسَّرٌ فِيهِ بَيانُ الحُكْمِ في المَوْضِعَيْنِ؛ مِمّا تَحْتَ الإزارِ؛ وما فَوْقَهُ؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
ذِكْرُ الِاخْتِلافِ في الطُّهْرِ العارِضِ في حالِ الحَيْضِ
قالَ أصْحابُنا جَمِيعًا - فِيمَن تَرى يَوْمًا دَمًا؛ ويَوْمًا طُهْرًا -: إنَّ ذَلِكَ كَدَمٍ مُتَّصِلٍ؛ وكَذَلِكَ قالَ (p-٣٢)أبُو يُوسُفَ: إذا كانَ الطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أقَلَّ مِن خَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَهو كَدَمٍ مُتَّصِلٍ؛ وقالَ مُحَمَّدٌ: إذا كانَ الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ أقَلَّ مِن ثَلاثَةِ أيّامٍ؛ فَهو كَدَمٍ مُتَّصِلٍ؛ وإذا كانَ ثَلاثَةَ أيّامٍ؛ أوْ أكْثَرَ مِنَ العَشَرَةِ؛ فَإنَّهُ يُنْظَرُ إلى الدَّمَيْنِ؛ والطُّهْرِ الَّذِي بَيْنَهُما؛ فَإنْ كانَ الطُّهْرُ أكْثَرَ مِنهُما فُصِلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ وإنْ كانا سَواءً؛ أوْ أقَلَّ؛ فَهو كَدَمٍ مُتَّصِلٍ؛ ومَتى كانَ الطُّهْرُ أكْثَرَ مِنَ الدَّمَيْنِ؛ فَفُصِلَ بَيْنَهُما؛ اعْتُبِرَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الدَّمَيْنِ بِنَفْسِهِ؛ فَإنْ كانَ الأوَّلُ مِنهُما ثَلاثَةَ أيّامٍ فَإنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا؛ وكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنِ الأوَّلُ ثَلاثًا؛ وكانَ الآخَرُ مِنهُما ثَلاثًا؛ فالآخَرُ حَيْضٌ؛ وإنْ لَمْ يَكُنْ واحِدٌ مِنهُما ثَلاثًا فَلَيْسَ واحِدٌ مِنهُما بِحَيْضٍ؛ وقالَ مالِكٌ: إذا رَأتْ يَوْمًا دَمًا؛ ويَوْمًا طُهْرًا؛ أوْ يَوْمَيْنِ؛ ثُمَّ رَأتْ دَمًا كَذَلِكَ؛ فَإنَّهُ تُلْغى أيّامُ الطُّهْرِ؛ وتُضَمُّ أيّامُ الدَّمِ بَعْضُها إلى بَعْضٍ؛ فَإنْ دامَ بِها ذَلِكَ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلاثَةِ أيّامٍ؛ عَلى أيّامِ حَيْضِها؛ فَإنْ رَأتْ في خِلالِ أيّامِ الِاسْتِظْهارِ أيْضًا طُهْرًا ألْغاهُ؛ حَتّى يَحْصُلَ ثَلاثَةَ أيّامٍ دَمُ الِاسْتِظْهارِ؛ وأيّامَ الطُّهْرِ تُصَلِّي؛ وتَصُومُ؛ ويَأْتِيها زَوْجُها؛ ويَكُونُ ما جُمِعَ مِن أيّامِ الدَّمِ بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ حَيْضَةً واحِدَةً؛ ولا يُعْتَدُّ بِأيّامِ الطُّهْرِ في عِدَّةٍ مِن طَلاقٍ؛ فَإذا اسْتَظْهَرَتْ بِثَلاثَةِ أيّامٍ بَعْدَ أيّامِ حَيْضِها؛ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ؛ وتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ إذا انْقَطَعَ عَنْها مِن أيّامِ الطُّهْرِ؛ وإنَّما أُمِرَتْ بِالغُسْلِ لِأنَّها لا تَدْرِي لَعَلَّ الدَّمَ لا يَرْجِعُ إلَيْها؛ وحَكى الرَّبِيعُ عَنِ الشّافِعِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: مَعْلُومٌ أنَّ الحائِضَ لا تَرى الدَّمَ أبَدًا سائِلًا؛ وكَذَلِكَ المُسْتَحاضَةُ؛ إنَّما تَراهُ في وقْتٍ؛ ويَنْقَطِعُ في وقْتٍ؛ ولا خِلافَ أنَّ انْقِطاعَ دَمِها ساعَةً؛ ونَحْوَها؛ لا يُخْرِجُها مِن حُكْمِ الحَيْضِ في وقْتِ رُؤْيَةِ الطُّهْرِ؛ وانْقِطاعِ الدَّمِ في مِثْلِ هَذا الوَقْتِ؛ وأنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَدَمٍ مُتَّصِلٍ؛ كَما قالُوا جَمِيعًا في انْقِطاعِهِ ساعَةً؛ ونَحْوَها؛ ولِأنَّ الطُّهْرَ الَّذِي بَيْنَهُما لَيْسَ بِطُهْرٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الجَمِيعِ؛ لِأنَّ أحَدًا لا يَجْعَلُ الطُّهْرَ الصَّحِيحَ يَوْمًا؛ ولا يَوْمَيْنِ؛ ولَمْ يَقُلْ أحَدٌ: إنَّ الطُّهْرَ الَّذِي بَيْنَ الحَيْضَتَيْنِ يَكُونُ أقَلَّ مِن عَشَرَةِ أيّامٍ؛ عَلى ما بَيَّنّاهُ فِيما سَلَفَ؛ وأيْضًا لَوْ كانَ طُهْرُ اليَوْمِ واليَوْمَيْنِ؛ الَّذِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ طُهْرًا يُوجِبُ الصَّلاةَ؛ والصَّوْمَ؛ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الدَّمَيْنِ حَيْضَةً تامَّةً؛ فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ هَذا القَدْرَ مِنَ الطُّهْرِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ في الفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ وجُعِلَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما حَيْضَةً تامَّةً؛ وجَبَ أنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُ؛ ويَصِيرَ مَعَ ما قَبْلَهُ وبَعْدَهُ مِنَ الدَّمِ كَدَمٍ مُتَّصِلٍ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في الصُّفْرَةِ؛ والكُدْرَةِ؛ في أيّامِ الحَيْضِ؛ فَرُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأنْصارِيَّةِ قالَتْ: كُنّا لا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ؛ ولا بِالكُدْرَةِ؛ بَعْدَ الغُسْلِ شَيْئًا؛ واتَّفَقَ فُقَهاءُ الأمْصارِ عَلى أنَّ الصُّفْرَةَ في أيّامِ الحَيْضِ حَيْضٌ؛ (p-٣٣)مِنهم أبُو حَنِيفَةَ؛ وأبُو يُوسُفَ؛ ومُحَمَّدٌ؛ وزُفَرُ؛ ومالِكٌ؛ واللَّيْثُ؛ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحَسَنِ؛ والشّافِعِيُّ؛ واخْتَلَفُوا في الكُدْرَةِ؛ فَقالَ جَمِيعُ مَن قَدَّمْنا ذِكْرَهُمْ: إنَّها حَيْضٌ في أيّامِ الحَيْضِ؛ وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْها دَمٌ؛ وقالَ أبُو يُوسُفَ: لا تَكُونُ الكُدْرَةُ حَيْضًا إلّا بَعْدَ الدَّمِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ؛ وأسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ؛ قالَتا: "لا تُصَلِّي الحائِضُ حَتّى تَرى القَصَّةَ البَيْضاءَ"؛ ولَمْ يَخْتَلِفُوا في أنَّ الكُدْرَةَ حَيْضٌ بَعْدَ الدَّمِ؛ فَلَمّا كانَ وُجُودُها عُقَيْبَ الدَّمِ دَلِيلًا عَلى أنَّ الكُدْرَةَ مِنَ اخْتِلاطِ أجْزاءِ الدَّمِ؛ وجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَها إذا وُجِدَتْ في أيّامِ الحَيْضِ؛ وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْها دَمٌ؛ وأنْ يَكُونَ الوَقْتُ المُعْتادُ فِيهِ الدَّمُ دَلالَةً عَلى أنَّ الكُدْرَةَ مِنَ اخْتِلاطِ أجْزاءِ الدَّمِ بِالبَياضِ؛ والدَّلِيلُ عَلى أنَّ لِلْوَقْتِ تَأْثِيرًا في ذَلِكَ أنَّ المَرْأةَ تَرى الدَّمَ في أيّامِ حَيْضِها؛ وبَعْدَها؛ فَيَكُونُ ما رَأتْهُ في أيّامِها حَيْضًا؛ وما بَعْدَ أيّامِها غَيْرَ حَيْضٍ؛ وكانَ الوَقْتُ عِلْمًا لِكَوْنِهِ حَيْضًا؛ ودَلالَةً عَلَيْهِ؛ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ الوَقْتُ دَلِيلًا عَلى أنَّ الكُدْرَةَ مِن أجْزاءِ دَمِ الحَيْضِ؛ وأنْ يَكُونَ حَيْضًا.
وقَدِ اخْتُلِفَ في حَيْضِ المُبْتَدَأةِ؛ إذا رَأتِ الدَّمَ؛ واسْتَمَرَّ بِها؛ فَقالَ أصْحابُنا جَمِيعًا: عَشَرَةٌ مِنها حَيْضٌ؛ وما زادَ فَهو اسْتِحاضَةٌ؛ إلى آخِرِ الشَّهْرِ؛ فَيَكُونُ حَيْضُها عَشَرَةً؛ وطُهْرُها عِشْرِينَ؛ ولَمْ يُذْكَرْ عَنْهم خِلافٌ في الأُصُولِ.
وقالَ بِشْرُ بْنُ الوَلِيدِ؛ عَنْ أبِي يُوسُفَ: تَأْخُذُ في الصَّلاةِ بِالثَّلاثِ؛ أقَلَّ الحَيْضِ؛ وفي الزَّوْجِ بِالعَشَرَةِ؛ ولا تَقْضِي صَوْمًا عَلَيْها إلّا بَعْدَ العَشَرَةِ؛ وتَصُومُ العَشْرَ مِن رَمَضانَ؛ وتَقْضِي سَبْعًا مِنها؛ وقالَ إبْراهِيمُ النَّخَعِيُّ: تَقْعُدُ مِثْلَ أيّامِ نِسائِها؛ وقالَ مالِكٌ: تَقْعُدُ ما تَقْعُدُ نَحْوُها مِنَ النِّساءِ؛ ثُمَّ هي مُسْتَحاضَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وقالَ الشّافِعِيُّ: حَيْضُها أقَلُّ ما يَكُونُ يَوْمًا ولَيْلَةً؛ والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ الأوَّلِ اتِّفاقُ الجَمِيعِ عَلى أنَّها مَأْمُورَةٌ بِتَرْكِ الصَّلاةِ إلى أكْثَرِ الحَيْضِ؛ عَلى اخْتِلافِهِمْ فِيهِ؛ فَصارَتْ مَحْكُومًا لَها بِحُكْمِ الحَيْضِ في هَذِهِ الأيّامِ؛ ومِثْلُها يَجُوزُ أنْ يَكُونَ حَيْضًا؛ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ العَشَرَةُ كُلُّها حَيْضًا؛ لِوُقُوعِ الحُكْمِ لَها بِذَلِكَ؛ وعَدَمِ عادَتِها لِخِلافِهِ؛ ألا تَرى أنَّ الكُلَّ يَقُولُونَ: إنَّ الدَّمَ لَوِ انْقَطَعَ عَنِ العَشَرَةِ لَكانَ كُلُّهُ حَيْضًا؟ فَثَبَتَ أنَّ العَشَرَةَ مَحْكُومٌ لَها فِيها؛ لِحُكْمِ الحَيْضِ؛ وغَيْرُ جائِزٍ نَقْضُ ذَلِكَ إلّا بِدَلالَةٍ؛ وأيْضًا فَلَوْ كانَ ما زادَ عَلى الأقَلِّ مَشْكُوكًا فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ الزِّيادَةِ عَلى الأكْثَرِ؛ لَكانَ الأوْلى ألّا يُنْقَضَ ما حَكَمْنا بِهِ حَيْضًا بِالشَّكِّ؛ ألا تَرى أنَّهُ ﷺ حَكَمَ لِلشَّهْرِ الَّذِي يُغَمُّ الهِلالُ في آخِرِهِ بِثَلاثِينَ؛ بِقَوْلِهِ: «"فَإنْ غُمَّ عَلَيْكم فَعُدُّوا ثَلاثِينَ"؟» لَمّا كانَ ابْتِداءُ الشَّهْرِ يَقِينًا لَمْ يُحْكَمْ بِانْقِضائِهِ بِالشَّكِّ؛ فَإنْ قِيلَ: فَمَن كانَتْ لَها – عادَةً - دُونَ العَشْرِ؛ فَزادَ الدَّمُ؛ رُدَّتْ إلى أيّامِ (p-٣٤)عادَتِها؛ ولَمْ يَكُنْ حُكْمُنا لَها بَدِيًّا في الزِّيادَةِ؛ بِحُكْمِ الحَيْضِ مانِعًا مِنَ اعْتِبارِ أيّامِها؛ وكَذَلِكَ مَن رَأتِ الدَّمَ في أوَّلِ أيّامِها كانَتْ مَأْمُورَةً بِتَرْكِ الصَّلاةِ؛ ولَوْ دُونَ الثَّلاثِ؛ فَإنِ انْقَطَعَ ما دُونَ الثَّلاثِ حَكَمْنا بِأنَّ ما رَأتْهُ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا؛ وإنْ تَمَّ ثَلاثًا كانَ حَيْضًا؛ قِيلَ لَهُ: أمّا الَّتِي كانَ لَها أيّامٌ مَعْرُوفَةٌ؛ فَإنَّ حُكْمَ الزِّيادَةِ لَمْ يَقَعْ إلّا مُراعًى مُعْتَبَرًا بِانْقِطاعِهِ في العَشَرَةِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: «"اَلْمُسْتَحاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أيّامَ أقْرائِها"؛» فاقْتَضى ذَلِكَ كَوْنَ الزِّيادَةِ مُراعاةً لِعِلْمِنا بِأنَّ لَها أيّامًا مَعْرُوفَةً؛ وأمّا المُبْتَدَأةُ فَلَمْ يَكُنْ لَها قَبْلَ ذَلِكَ أيّامٌ يَجِبُ اعْتِبارُها؛ فَلِذَلِكَ كانَتْ رُؤْيَتُها الدَّمَ في العَشَرَةِ غَيْرَ مُراعاةٍ؛ بَلْ عِنْدَنا أنَّ ما رَأتْهُ المُبْتَدَأةُ في العَشَرَةِ هو كالعادَةِ؛ يَصِيرُ ذَلِكَ أيّامًا لَها في العَدَدِ؛ والوَقْتِ؛ وإذا كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أنْ يَكُونَ الدَّمُ الَّذِي رَأتْهُ المُبْتَدَأةُ في العَشْرِ مُراعًى؛ بَلْ واجِبٌ أنْ يُحْكَمَ لَها فِيهِ بِحُكْمِ الحَيْضِ؛ إذْ كانَ مِثْلُهُ يَكُونُ حَيْضًا؛ وأمّا مَن رَأتِ الدَّمَ في أوَّلِ أيّامِها؛ وحَكَمْنا لَها فِيهِ بِحُكْمِ الحَيْضِ؛ في بابِ الأمْرِ بِتَرْكِ الصَّلاةِ؛ والصِّيامِ؛ ثُمَّ انْقِطاعُهُ دُونَ الثَّلاثِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ حَيْضًا؛ فَلِأنَّ ذَلِكَ وقَعَ مُراعًى في الِابْتِداءِ؛ لِعِلْمِنا بِأنَّ لِأقَلِّ الحَيْضِ مِقْدارًا؛ مَتى قَصُرَ عَنْهُ لَمْ يَكُنِ الدَّمُ الَّذِي رَأتْهُ حَيْضًا؛ فَمِن أجْلِ ذَلِكَ وقَعَ مُراعًى؛ ولَيْسَ لِلْمُبْتَدَأةِ بَعْدَ رُؤْيَتِها لِلدَّمِ ثَلاثًا حالٌ يَجِبُ مُراعاتُها؛ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ العَشَرَةُ كُلُّها حَيْضًا؛ لِعَدَمِ الدَّلالَةِ المُوجِبَةِ لِلِاقْتِصارِ بِهِ عَلى ما دُونَها؛ وأمّا أبُو يُوسُفَ فَإنَّهُ جَعَلَها بِمَنزِلَةِ مَن كانَ حَيْضُها خَمْسًا؛ أوْ سِتًّا؛ فَكانَتْ شاكَّةً في السِّتَّةِ؛ وقالُوا جَمِيعًا: إنَّها تَأْخُذُ بِالأقَلِّ في الصَّلاةِ؛ وكَذَلِكَ المِيراثُ؛ والرَّجْعَةُ؛ وتَأْخُذُ في الأزْواجِ بِالأكْثَرِ احْتِياطًا؛ وكَذَلِكَ المُبْتَدَأةُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولَيْسَ هَذا نَظِيرًا لِمَسْألَتِنا مِن قِبَلِ أنَّ هَذِهِ قَدْ كانَتْ لَها أيّامٌ مَعْلُومَةٌ؛ وقَدْ تَيَقَّنّا الخَمْسَةَ؛ وشَكَكْنا في السِّتَّةِ؛ فاحْتَطْنا لَها في الصَّلاةِ؛ والصَّوْمِ؛ واحْتَطْنا أيْضًا في الأزْواجِ؛ فَلَمْ نُبِحْها لَهم بِالشَّكِّ؛ والمُبْتَدَأةُ لَيْسَ لَها أيّامٌ يَجِبُ اعْتِبارُها؛ فَما رَأتْهُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي يَكُونُ مِثْلُهُ حَيْضًا؛ فَهو حَيْضٌ؛ ولا مَعْنى لِرَدِّها إلى أقَلِّ الحَيْضِ؛ إذْ لَيْسَ مَعَنا دَلالَةٌ تُوجِبُ ذَلِكَ؛ ويَفْسُدُ هَذا القَوْلُ أيْضًا مِن جِهَةِ أنَّ أقَلَّ الحَيْضِ لَيْسَ بِعادَةٍ لَها فَلا فَرْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما زادَ عَلَيْهِ في امْتِناعِ وُجُوبِ الرَّدِّ إلَيْهِ؛ فَوَجَبَ حِينَئِذٍ اعْتِبارُ الأكْثَرِ؛ لِوُقُوعِ الحُكْمِ بِكَوْنِهِ حَيْضًا؛ وعَدَمِ الدَّلالَةِ عَلى نَقْضِ هَذا الحُكْمِ؛ ويَدُلُّ أيْضًا عَلى صِحَّةِ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ أنَّ اللَّهَ (تَعالى) جَعَلَ عِدَّةَ الآيِسَةِ؛ والصَّغِيرَةِ؛ ثَلاثَةَ أشْهُرٍ؛ بَدَلًا مِنَ الحَيْضِ؛ فَجَعَلَ مَكانَ كُلِّ حَيْضَةٍ؛ وطُهْرٍ شَهْرًا؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ إذا اسْتَمَرَّ بِها الدَّمُ؛ ولَمْ تَكُنْ لَها عادَةٌ؛ فَواجِبٌ أنْ تُسْتَوْفى لَها حَيْضَةٌ؛ وطُهْرٌ؛ (p-٣٥)ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَيْسَ لِأكْثَرِ الطُّهْرِ حَدٌّ مَعْلُومٌ؛ ولِأكْثَرِ الحَيْضِ مِقْدارٌ مَعْلُومٌ؛ فَوَجَبَ أنْ يُسْتَوْفى لَها أكْثَرُ الحَيْضِ؛ ويَكُونَ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ طُهْرًا؛ لِأنَّهُ لَيْسَ مِقْدارٌ مِنَ الطُّهْرِ في بَقِيَّةِ الشَّهْرِ بِالِاعْتِبارِ أوْلى مِن غَيْرِهِ؛ فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُعْتَبَرُ مِنَ الطُّهْرِ لِبَقِيَّةِ الشَّهْرِ هو الَّذِي يَبْقى بَعْدَ أكْثَرِ الحَيْضِ؛ ألا تَرى أنَّكَ إذا نَقَّصْتَ الحَيْضَ مِنَ العَشَرَةِ احْتَجْتَ أنْ تَزِيدَ ما نَقَّصْتَهُ مِنها في الطُّهْرِ؟ ولَيْسَ زِيادَةُ الطُّهْرِ بِأنْ يَكُونَ خَمْسَةً؛ أوْ سِتَّةً؛ فَوَجَبَ أنْ يُعْتَبَرَ أكْثَرُ الحَيْضِ؛ ويُجْعَلَ الباقِي مِنَ الشَّهْرِ طُهْرًا؛ ويَدُلُّ عَلى وُجُوبِ اسْتِيفاءِ حَيْضَةٍ؛ وطُهْرٍ؛ في الشَّهْرِ؛ لِهَذِهِ المُبْتَدَأةِ؛ «قَوْلُهُ ﷺ لِحَمْنَةَ: "تَحَيَّضِي في عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا؛ أوْ سَبْعًا؛ كَما تَحِيضُ النِّساءُ في كُلِّ شَهْرٍ"؛» فَأخْبَرَ أنَّ عادَةَ النِّساءِ في كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةٌ؛ وطُهْرٌ؛ فَإنْ قِيلَ: فَهَلّا اعْتَبَرْتَ لَها سِتًّا؛ أوْ سَبْعًا؛ كَما قالَ ﷺ-؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ؛ أحَدُها أنّا لا نَعْلَمُ أحَدًا مِن أهْلِ العِلْمِ قالَ ذَلِكَ في المُبْتَدَأةِ؛ والثّانِي أنَّ هَذِهِ كانَتْ عادَةَ المَرْأةِ المُخاطَبَةِ بِذَلِكَ؛ أعْنِي: سِتًّا؛ أوْ سَبْعًا؛ فَلا يُعْتَبَرُ بِها غَيْرُها؛ فاسْتِدْلالُنا مِنَ الخَبَرِ بِما وصَفْنا صَحِيحٌ؛ لِأنّا أرَدْنا إثْباتَ الحَيْضَةِ؛ والطُّهْرِ؛ في الشَّهْرِ؛ في المُتَعارَفِ المُعْتادِ.
وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: إنَّها تَقْعُدُ مِثْلَ حَيْضِ نِسائِها؛ فَلا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَرُدَّ المُسْتَحاضَةَ إلى وقْتِ نِسائِها؛ وإنَّما رَدَّ واحِدَةً إلى عادَتِها؛ فَقالَ: «"تَقْعُدُ أيّامَ أقْرائِها"؛» وأمَرَ أُخْرى أنْ تَقْعُدَ في عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا؛ أوْ سَبْعًا؛ وأمَرَ أُخْرى أنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاةٍ؛ ولَمْ يَقُلْ لِواحِدَةٍ مِنهُنَّ: اُقْعُدِي أيّامَ نِسائِكِ؛ وأيْضًا فَإنَّ أيّامَ نِسائِها؛ والأجْنَبِيّاتِ؛ ومَن كانَتْ دُونَ سِنِّها؛ وفَوْقَها؛ سَواءٌ؛ وقَدْ يَتَّفِقْنَ في السِّنِّ؛ مَعَ اخْتِلافِ عاداتِهِنَّ في الحَيْضِ؛ فَلَيْسَ لِنِسائِها في ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ دُونَ غَيْرِهِنَّ؛ وقَدْ تَنازَعَ أهْلُ العِلْمِ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾؛ فَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ: إنَّ انْقِطاعَ الدَّمِ يُوجِبُ إباحَةَ وطْئِها؛ ولَمْ يُفَرِّقُوا في ذَلِكَ بَيْنَ أقَلِّ الحَيْضِ؛ وأكْثَرِهِ؛ ومِنهم مَن لا يُجَوِّزُ وطْأها إلّا بَعْدَ الِاغْتِسالِ في أقَلِّ الحَيْضِ؛ وأكْثَرِهِ؛ وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ.
وقالَ أصْحابُنا: إذا انْقَطَعَ دَمُها؛ وأيّامُها دُونَ العَشَرَةِ؛ فَهي في حُكْمِ الحائِضِ؛ حَتّى تَغْتَسِلَ؛ إذا كانَتْ واجِدَةً لِلْماءِ؛ أوْ يَمْضِي عَلَيْها وقْتُ الصَّلاةِ؛ فَإذا كانَ أحَدُ هَذَيْنِ خَرَجَتْ مِنَ الحَيْضِ؛ وحَلَّ لِزَوْجِها وطْؤُها؛ وانْقَضَتْ عِدَّتُها؛ إنْ كانَتْ آخِرَ حَيْضَةٍ؛ وإذا كانَتْ أيّامُها عَشَرَةً ارْتَفَعَ حُكْمُ الحَيْضِ بِمُضِيِّ العَشَرَةِ؛ وتَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنزِلَةِ امْرَأةٍ جُنُبٍ في إباحَةِ وطْءِ الزَّوْجِ؛ وانْقِضاءِ العِدَّةِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ.
واحْتَجَّ مَن أباحَ وطْأها في سائِرِ الأحْوالِ عِنْدَ مُضِيِّ أيّامِ حَيْضِها؛ وانْقِطاعِ دَمِها قَبْلَ (p-٣٦)الِاغْتِسالِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ و"حَتّى" غايَةٌ تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ حُكْمُ ما بَعْدَها بِخِلافِها؛ فَذَلِكَ عُمُومٌ في إباحَةِ وطْئِها بِانْقِطاعِ الدَّمِ؛ كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿حَتّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ [القدر: ٥]؛ ﴿فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩]؛ ﴿ولا جُنُبًا إلا عابِرِي سَبِيلٍ حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: ٤٣]؛ فَكانَتْ هَذِهِ نِهاياتٌ لِما قُدِّرَ بِها؛ وكانَ حُكْمُ ما بَعْدَها بِخِلافِها؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ إذا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ؛ فَمَعْناها انْقِطاعُ الدَّمِ؛ وقالُوا: وقَدْ قُرِئَ: "حَتّى يَطَّهَّرْنَ"؛ بِالتَّشْدِيدِ؛ وهو يَحْتَمِلُ ما يَحْتَمِلُهُ قَوْلُهُ: ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ بِالتَّخْفِيفِ؛ فَيُرادُ بِهِ انْقِطاعُ الدَّمِ؛ إذْ جائِزٌ أنْ يُقالَ: "طَهُرَتِ المَرْأةُ"؛ و"تَطَهَّرَتْ"؛ إذا انْقَطَعَ دَمُها؛ كَما يُقالُ: "تَقَطَّعَ الحَبْلُ"؛ و"تَكَسَّرَ الكُوزُ"؛ والمَعْنى: اِنْقَطَعَ؛ وانْكَسَرَ؛ ولا يَقْتَضِي ذَلِكَ فِعْلًا مِنَ المَوْصُوفِ بِذَلِكَ.
واحْتَجَّ مَن حَظَرَ وطْأها في كُلِّ حالٍ حَتّى تَغْتَسِلَ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾؛ فَشَرَطَ في إباحَتِهِ شَيْئَيْنِ؛ أحَدُهُما: اِنْقِطاعُ الدَّمِ؛ والآخَرُ: اَلِاغْتِسالُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾؛ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الغُسْلِ؛ وهو كَقَوْلِ القائِلِ: "لا تُعْطِ زَيْدًا شَيْئًا حَتّى يَدْخُلَ الدّارَ؛ فَإذا دَخَلَها وقَعَدَ فِيها؛ فَأعْطِهِ دِينارًا"؛ فَيُعْقَلُ بِهِ أنَّ اسْتِحْقاقَ الدِّينارِ مَوْقُوفٌ عَلى الدُّخُولِ؛ والقُعُودِ؛ جَمِيعًا؛ وكَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يَتَراجَعا﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ فَشَرَطَ الأمْرَيْنِ في إحْلالِها لِلْأوَّلِ؛ فَلا تَحِلُّ لَهُ بِأحَدِهِما؛ كَذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾؛ مَشْرُوطٌ في إباحَةِ الوَطْءِ المَعْنَيانِ؛ وهُما: اَلطُّهْرُ الَّذِي يَكُونُ بِانْقِطاعِ الدَّمِ؛ والِاغْتِسالُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ إذا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ فَإنَّما هو انْقِطاعُ الدَّمِ؛ لا الِاغْتِسالُ؛ لِأنَّها لَوِ اغْتَسَلَتْ وهي حائِضٌ لَمْ تَطْهُرْ؛ فَلا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ إلّا مَعْنًى واحِدًا؛ وهو انْقِطاعُ الدَّمِ؛ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الخُرُوجُ مِنَ الحَيْضِ؛ وإذا قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ احْتَمَلَ الأمْرَيْنِ؛ مِنَ انْقِطاعِ الدَّمِ؛ ومِنَ الغُسْلِ؛ لِما وصَفْنا آنِفًا؛ فَصارَتْ قِراءَةُ التَّخْفِيفِ مُحْكَمَةً؛ وقِراءَةُ التَّشْدِيدِ مُتَشابِهَةً؛ وحُكْمُ المُتَشابِهِ أنْ يُحْمَلَ عَلى المُحْكَمِ؛ ويُرَدُّ إلَيْهِ؛ فَيَحْصُلُ مَعْنى القِراءَتَيْنِ؛ عَلى وجْهٍ واحِدٍ؛ وظاهِرُهُما يَقْتَضِي إباحَةَ الوَطْءِ بِانْقِطاعِ الدَّمِ؛ الَّذِي هو خُرُوجٌ مِنَ الحَيْضِ؛ وأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾؛ فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ ما احْتَمَلَتْهُ قِراءَةُ التَّشْدِيدِ في قَوْلِهِ: ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ مِنَ المَعْنَيَيْنِ؛ فَيَكُونُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾؛ ويَكُونُ كَلامًا سائِغًا؛ مُسْتَقِيمًا؛ كَما تَقُولُ: "لا تُعْطِهِ حَتّى يَدْخُلَ الدّارَ؛ فَإذا دَخَلَها فَأعْطِهِ"؛ ويَكُونُ تَأْكِيدًا لِحُكْمِ الغايَةِ؛ وإنْ كانَ حُكْمُها بِخِلافِ ما قَبْلَها؛ وإذا (p-٣٧)كانَ لِلِاحْتِمالِ فِيهِ مَساغٌ عَلى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنا؛ وكانَ واجِبًا حَمْلُ الغايَةِ عَلى حَقِيقَتِها؛ فالَّذِي يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ التِّلاوَةِ إباحَةُ وطْئِها بِانْقِطاعِ الدَّمِ؛ الَّذِي تَخْرُجُ بِهِ مِنَ الحَيْضِ؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى فِيها احْتِمالٌ؛ وهو أنْ يَكُونَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾؛ فَإذا حَلَّ لَهُنَّ أنْ يَتَطَهَّرْنَ بِالماءِ؛ أوِ التَّيَمُّمِ؛ كَقَوْلِهِ: "إذا غابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أفْطَرَ الصّائِمُ"؛ مَعْناهُ: قَدْ حَلَّ لَهُ الإفْطارُ؛ وقَوْلِهِ: "مَن كُسِرَ؛ أوْ عَرِجَ؛ فَقَدْ حَلَّ؛ وعَلَيْهِ الحَجُّ مِن قابِلٍ"؛ مَعْناهُ: فَقَدْ جازَ لَهُ أنْ يَحِلَّ؛ وكَما يُقالُ لِلْمُطَلَّقَةِ؛ إذا انْقَضَتْ عِدَّتُها: "إنَّها قَدْ حَلَّتْ لِلْأزْواجِ"؛ ومَعْناهُ: قَدْ حَلَّ لَها أنْ تَتَزَوَّجَ؛ وعَلى هَذا المَعْنى «قالَ النَّبِيُّ ﷺ لِفاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: "إذا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي"؛» وإذا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ تُزَلِ الغايَةُ عَنْ حَقِيقَتِها بِحَظْرِ الوَطْءِ بَعْدَها؛ وأمّا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ فَإنَّ الغايَةَ في هَذا المَوْضِعِ مُسْتَعْمَلَةٌ عَلى حَقِيقَتِها؛ ونِكاحُ الزَّوْجِ الثّانِي؛ وهو وطْؤُهُ إيّاها؛ هو الَّذِي يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ الواقِعَ بِالثَّلاثِ؛ ووَطْءُ الزَّوْجِ الثّانِي مَشْرُوطٌ لِذَلِكَ؛ وقَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ بِالوَطْءِ قَبْلَ طَلاقِهِ إيّاها؛ وطَلاقُ الزَّوْجِ الثّانِي غَيْرُ مَشْرُوطٍ في رَفْعِ التَّحْرِيمِ الواقِعِ بِالثَّلاثِ؛ فَإذًا لا دَلِيلَ لِلشّافِعِيِّ في الآيَةِ؛ عَلى الحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنا؛ عَلى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ؛ ولا عَلى نَفْيِ قَوْلِ مُخالِفِيهِ.
وأمّا عَلى مَذْهَبِنا فَإنَّ الآيَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ عَلى ما احْتَمَلَتْ مِنَ التَّأْوِيلِ عَلى حَقِيقَتِها في الحالَتَيْنِ؛ اللَّتَيْنِ يُمْكِنُ اسْتِعْمالُهُما؛ فَنَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَطْهُرْنَ﴾؛ إذا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ فَهو مُسْتَعْمَلٌ عَلى حَقِيقَتِهِ فِيمَن كانَتْ أيّامُها عَشْرًا؛ فَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ اسْتِباحَةُ وطْئِها بِمُضِيِّ العَشْرِ؛ وقَوْلُهُ: "يَطَّهَّرْنَ"؛ بِالتَّشْدِيدِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾؛ مُسْتَعْمَلانِ في الغُسْلِ؛ إذا كانَتْ أيّامُها دُونَ العَشْرِ؛ ولَمْ يَمْضِ وقْتُ الصَّلاةِ؛ لِقِيامِ الدَّلالَةِ عَلى أنَّ مُضِيَّ وقْتِ الصَّلاةِ يُبِيحُ وطْأها عَلى ما سَنُبَيِّنُهُ فِيما بَعْدُ؛ ولا يَكُونُ فِيهِ اسْتِعْمالُ واحِدٍ مِنَ الفِعْلَيْنِ عَلى المَجازِ؛ بَلْ هُما مُسْتَعْمَلانِ عَلى الحَقِيقَةِ في الحالَيْنِ.
فَإنْ قِيلَ: هَلّا كانَتِ القِراءَتانِ - كالآيَتَيْنِ - تُسْتَعْمَلانِ مَعًا في حالٍ واحِدَةٍ؟ قِيلَ لَهُ: لَوْ جَعَلْناهُما كالآيَتَيْنِ كانَ ما ذَكَرْنا أوْلى مِن قِبَلِ أنَّهُ لَوْ ورَدَتْ آيَتانِ تَقْتَضِي إحْداهُما انْقِطاعَ غايَةِ الدَّمِ لِإباحَةِ الوَطْءِ؛ والأُخْرى تَقْتَضِي الغُسْلَ غايَةً لَها؛ لَكانَ الواجِبُ اسْتِعْمالَهُما عَلى حالَيْنِ؛ عَلى أنْ تَكُونَ كُلُّ واحِدَةٍ مِنهُما مُقَرَّةً عَلى حَقِيقَتِها فِيما اقْتَضَتْهُ مِن حُكْمِ الغايَةِ؛ ولا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلّا بِاسْتِعْمالِهِما في حالَيْنِ؛ عَلى الوَجْهِ الَّذِي بَيَّنّا؛ ولَوِ اسْتَعْمَلْناهُما عَلى ما يَقُولُ المُخالِفُ؛ كانَ فِيهِ إسْقاطُ إحْدى الغايَتَيْنِ؛ لِأنَّهُ يَقُولُ: إنَّها وإنْ طَهُرَتْ؛ وانْقَطَعَ دَمُها؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أنْ يَطَأها حَتّى تَغْتَسِلَ؛ فَلَوْ جَعَلْنا ذَلِكَ دَلِيلًا مُبْتَدَأً كانَ سائِغًا؛ مُقْنِعًا؛ وإنَّما اعْتَبَرَ أصْحابُنا - فِيمَن (p-٣٨)كانَ أيّامُها دُونَ العَشْرِ؛ فانْقَطَعَ دَمُها - بِما وصَفْنا؛ مِن قِبَلِ أنَّهُ جائِزٌ أنْ يُعاوِدَها الدَّمُ؛ فَيَكُونَ حَيْضًا؛ إذْ لَيْسَ كُلُّ طُهْرٍ تَراهُ المَرْأةُ يَكُونُ طُهْرًا صَحِيحًا؛ لِأنَّ الحائِضَ تَرى الدَّمَ سائِلًا مَرَّةً؛ ومُنْقَطِعًا مَرَّةً؛ فَلَيْسَ في انْقِطاعِهِ في وقْتٍ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حائِضًا فِيهِ وُقُوعُ الحُكْمِ بِزَوالِ الحَيْضِ؛ فَقالُوا: إنَّ انْقِطاعَ الدَّمِ فِيمَن وصَفْنا حالَها مُعْتَبَرٌ بِأحَدِ شَيْئَيْنِ؛ إمّا بِالِاغْتِسالِ؛ فَيَزُولُ عَنْها حُكْمُ الحَيْضِ بِالِاتِّفاقِ؛ وبِاسْتِباحَتِها الصَّلاةَ؛ وذَلِكَ يُنافِي حُكْمَ الحَيْضِ؛ أوْ بِمُضِيِّ وقْتِ صَلاةٍ؛ فَيَلْزَمُها فَرْضُ الصَّلاةِ؛ ولُزُومُ فَرْضِها مُنافٍ لِبَقاءِ حُكْمِ الحَيْضِ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ أنْ يَلْزَمَ الحائِضَ فَرْضُ الصَّلاةِ؛ فَإذا انْتَفى حُكْمُ الحَيْضِ؛ وثَبَتَ حُكْمُ الطُّهْرِ؛ ولَمْ يَبْقَ إلّا الِاغْتِسالُ؛ لَمْ يُمْنَعِ الوَطْءُ؛ بِمَنزِلَةِ امْرَأةٍ جُنُبٍ؛ جائِزٌ لِزَوْجِها وطْؤُها؛ وعَلى هَذا المَعْنى عِنْدَنا ما رُوِيَ عَنِ الصَّحابَةِ في اعْتِبارِ الِاغْتِسالِ في انْقِضاءِ العِدَّةِ.
وقَدْ رَوى عِيسى الخَيّاطُ؛ عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ عَنْ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحابَةِ؛ الخَبَرَ فالخَبَرَ؛ مِنهم أبُو بَكْرٍ؛ وعُمَرُ؛ وابْنُ مَسْعُودٍ؛ وابْنُ عَبّاسٍ؛ قالُوا: "اَلرَّجُلُ أحَقُّ بِامْرَأتِهِ ما لَمْ تَغْتَسِلْ مِن حَيْضَتِها الثّالِثَةِ".
ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ؛ وعُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ؛ وأبِي الدَّرْداءِ؛ وأمّا إذا كانَتْ أيّامُها عَشَرَةً فَإنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ عِنْدَنا وُجُودُ الحَيْضِ بَعْدَ العَشَرَةِ؛ فَوَجَبَ الحُكْمُ بِانْقِضائِهِ؛ لِامْتِناعِ جَوازِ بَقاءِ حُكْمِهِ؛ واللَّهُ (تَعالى) إنَّما مَنَعَ مِن وطْءِ الحائِضِ؛ أوْ مِمَّنْ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حائِضًا؛ فَأمّا مَعَ ارْتِفاعِ حُكْمِ الحَيْضِ وزَوالِهِ؛ فَهو غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِن وطْءِ زَوْجَتِهِ؛ لِأنَّهُ (تَعالى) قالَ: ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ﴾؛ وقَدْ طَهُرَتْ لا مَحالَةَ؛ ألا تَرى أنَّها مُنْقَضِيَةُ العِدَّةِ إنْ كانَتْ مُعْتَدَّةً؛ وأنَّ حُكْمَها حُكْمُ سائِرِ الطّاهِراتِ؛ ولا تَأْثِيرَ لِوُجُوبِ الِاغْتِسالِ عَلَيْها في مَنعِ وطْئِها عَلى ما بَيَّناهُ؟ فَإنْ قِيلَ: إذا انْقَطَعَ دَمُها فِيما دُونَ العَشَرَةِ فَقَدْ وجَبَ عَلَيْها الغُسْلُ؛ ولُزُومُ الغُسْلِ يُنافِي بَقاءَ حُكْمِ الحَيْضِ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ لُزُومُ الغُسْلِ عَلى الحائِضِ؛ كَما قُلْتَ في لُزُومِ فَرْضِ الصَّلاةِ؛ قِيلَ لَهُ: إذا كانَ الغُسْلُ مِن مُوجِباتِ الحَيْضِ فَلُزُومُهُ غَيْرُ مُنافٍ لِحُكْمِهِ؛ وبَقائِهِ؛ ألا تَرى أنَّ السَّلامَ لَمّا كانَ مِن مُوجِباتِ تَحْرِيمِهِ الصَّلاةُ لَمْ يَكُنْ لُزُومُهُ بِانْتِهائِهِ إلى آخِرِها نافِيًا لِبَقاءِ حُكْمِها؟ وكَذَلِكَ الحَلْقُ لَمّا كانَ مِن مُوجِباتِ الإحْرامِ لَمْ يَكُنْ لُزُومُهُ نافِيًا لِبَقاءِ إحْرامِهِ ما لَمْ يَحْلِقْ؛ كَذَلِكَ الغُسْلُ لَمّا كانَ مِن مُوجِباتِ الحَيْضِ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهُ عَلَيْها مانِعًا مِن بَقاءِ حُكْمِ الحَيْضِ؛ وأمّا الصَّلاةُ فَلَيْسَتْ مِن مُوجِباتِ الحَيْضِ؛ وإنَّما هو حُكْمٌ آخَرُ يَخْتَصُّ لُزُومُهُ بِالطّاهِرَةِ مِنَ النِّساءِ؛ دُونَ الحائِضِ؛ فَفي لُزُومِها نَفْيٌ لِحُكْمِ الحَيْضِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿حَتّى يَطْهُرْنَ فَإذا تَطَهَّرْنَ﴾؛ لَمّا احْتَمَلَ (p-٣٩)الغُسْلَ صارَ كَقَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ عَلى الحائِضِ الغُسْلَ بَعْدَ انْقِضاءِ حَيْضِها؛ وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ واتَّفَقَتِ الأُمَّةُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: هو إطْلاقٌ مِن حَظْرٍ؛ وإباحَةٍ؛ ولَيْسَ هو عَلى الوُجُوبِ؛ كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]؛ ﴿وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢]؛ وهو إباحَةٌ ورَدَتْ بَعْدَ حَظْرٍ؛ وقَوْلُهُ: ﴿مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾؛ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ؛ ومُجاهِدٌ؛ وقَتادَةُ؛ والرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: يَعْنِي في الفَرْجِ؛ وهو الَّذِي أمَرَ بِتَجَنُّبِهِ في الحَيْضِ؛ في أوَّلِ الخِطابِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾؛ وقالَ السُّدِّيُّ؛ والضَّحّاكُ: مِن قِبَلِ الطُّهْرِ؛ دُونَ الحَيْضِ؛ وقالَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ: مِن قِبَلِ النِّكاحِ؛ دُونَ الفُجُورِ؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: هَذا كُلُّهُ مُرادُ اللَّهِ (تَعالى)؛ لِأنَّهُ مِمّا أمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ فانْتَظَمَتِ الآيَةُ جَمِيعَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾؛ رُوِيَ عَنْ عَطاءٍ: اَلْمُتَطَهِّرِينَ بِالماءِ لِلصَّلاةِ؛ وقالَ مُجاهِدٌ: اَلْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: اَلْمُتَطَهِّرِينَ بِالماءِ أشْبَهُ؛ لِأنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ في الآيَةِ ذِكْرُ الطَّهارَةِ؛ فالمُرادُ بِها الطَّهارَةُ بِالماءِ لِلصَّلاةِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾؛ فالأظْهَرُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾؛ مَدْحًا لِمَن تَطَهَّرَ بِالماءِ لِلصَّلاةِ؛ وقالَ (تَعالى): ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨]؛ ورُوِيَ أنَّهُ مَدَحَهُمْ؛ لِأنَّهم كانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالماءِ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾: اَلْحَرْثُ: اَلْمُزْدَرَعُ؛ وجُعِلَ في هَذا المَوْضِعِ كِنايَةً عَنِ الجِماعِ؛ وسَمّى النِّساءَ حَرْثًا لِأنَّهُنَّ مُزْدَرَعُ الأوْلادِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾؛ يَدُلُّ عَلى أنَّ إباحَةَ الوَطْءِ مَقْصُورَةٌ عَلى الجِماعِ في الفَرْجِ؛ لِأنَّهُ مَوْضِعُ الحَرْثِ؛ واخْتُلِفَ في إتْيانِ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ؛ فَكانَ أصْحابُنا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ؛ ويَنْهَوْنَ عَنْهُ أشَدَّ النَّهْيِ؛ وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ والشّافِعِيِّ؛ فِيما حَكاهُ المُزَنِيُّ؛ قالَ الطَّحاوِيُّ: وحَكى لَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الحَكَمِ أنَّهُ سَمِعَ الشّافِعِيَّ يَقُولُ: ما صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في تَحْرِيمِهِ؛ ولا تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ؛ والقِياسُ أنَّهُ حَلالٌ؛ ورَوى أصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ عَنِ ابْنِ القاسِمِ؛ عَنْ مالِكٍ قالَ: ما أدْرَكْتُ أحَدًا أقْتَدِي بِهِ في دِينِي يَشُكُّ فِيهِ أنَّهُ حَلالٌ؛ يَعْنِي وطْءَ المَرْأةِ في دُبُرِها؛ ثُمَّ قَرَأ: ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾؛ قالَ: فَأيُّ شَيْءٍ أبْيَنُ مِن هَذا؛ وما أشُكُّ فِيهِ؛ قالَ ابْنُ القاسِمِ: فَقُلْتُ لِمالِكِ ابْنِ أنَسٍ: إنَّ عِنْدَنا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُنا عَنِ الحارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ؛ عَنْ أبِي الحُبابِ سَعِيدِ بْنِ يَسارٍ؛ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: ما تَقُولُ في الجَوارِي؟ أنُحَمِّضُ لَهُنَّ؟ فَقالَ: وما التَّحْمِيضُ؟ فَذَكَرْتُ الدُّبُرَ؛ قالَ: ويَفْعَلُ ذَلِكَ أحَدٌ مِنَ (p-٤٠)المُسْلِمِينَ؟ فَقالَ مالِكٌ: فَأشْهَدُ عَلى رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ يُحَدِّثُنِي عَنْ أبِي الحُبابِ سَعِيدِ بْنِ يَسارٍ؛ أنَّهُ سَألَ ابْنَ عُمَرَ عَنْهُ؛ فَقالَ: لا بَأْسَ بِهِ؛ قالَ ابْنُ القاسِمِ: فَقالَ رَجُلٌ في المَجْلِسِ: يا أبا عَبْدِ اللَّهِ؛ فَإنَّكَ تَذْكُرُ عَنْ سالِمٍ أنَّهُ قالَ: كَذَبَ العَبْدُ؛ أوْ كَذَبَ العِلْجُ عَلى أبِي؛ يَعْنِي نافِعًا؛ كَما كَذَبَ عِكْرِمَةُ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ؛ فَقالَ مالِكٌ: وأشْهَدُ عَلى يَزِيدَ بْنِ رُومانَ يُحَدِّثُنِي عَنْ سالِمٍ؛ عَنْ أبِيهِ؛ أنَّهُ كانَ يَفْعَلُهُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ رَوى سُلَيْمانُ بْنُ بِلالٍ؛ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّ رَجُلًا أتى امْرَأتَهُ في دُبُرِها؛ فَوَجَدَ في نَفْسِهِ مِن ذَلِكَ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾؛ إلّا أنَّ زَيْدَ بْنَ أسْلَمَ لا يُعْلَمُ لَهُ سَماعٌ مِنَ ابْنِ عُمَرَ؛ ورَوى الفَضْلُ بْنُ فَضالَةَ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ؛ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ؛ عَنْ أبِي النَّضْرِ؛ أنَّهُ قالَ لِنافِعٍ؛ مَوْلى ابْنِ عُمَرَ: إنَّهُ قَدْ أكْثَرَ عَلَيْكَ القَوْلَ: إنَّكَ تَقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ أفْتى أنْ تُؤْتى النِّساءُ في أدْبارِهِنَّ؛ قالَ نافِعٌ: كَذَبُوا عَلَيَّ؛ إنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ المُصْحَفَ يَوْمًا؛ حَتّى بَلَغَ ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾؛ فَقالَ: يا نافِعُ؛ هَلْ تَعْلَمُ مِن أمْرِ هَذِهِ الآيَةِ؟ قُلْتُ: لا؛ قالَ: إنّا كُنّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَجْبِي النِّساءَ؛ وكانَتْ نِساءُ الأنْصارِ قَدْ أخَذْنَ عَنِ اليَهُودِ؛ أنَّما يُؤْتَيْنَ عَلى جَنُوبِهِنَّ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ؛ فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ السَّبَبَ غَيْرُ ما ذَكَرَهُ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأنَّ نافِعًا قَدْ حُكِيَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ السَّبَبِ؛ وقالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرانَ أيْضًا: قالَ ذَلِكَ نافِعٌ؛ يَعْنِي تَحْلِيلَ وطْءِ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ؛ بَعْدَما كَبِرَ؛ وذَهَبَ عَقْلُهُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: اَلْمَشْهُورُ عَنْ مالِكٍ إباحَةُ ذَلِكَ؛ وأصْحابُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ هَذِهِ المَقالَةَ؛ لِقُبْحِها؛ وشَناعَتِها؛ وهي عَنْهُ أشْهَرُ مِن أنْ تَنْدَفِعَ بِنَفْيِهِمْ عَنْهُ؛ وقَدْ حَكى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ؛ عَنْ أبِي سُلَيْمانَ الجُوزَجانِيِّ؛ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ مالِكِ بْنِ أنَسٍ؛ فَسُئِلَ عَنِ النِّكاحِ في الدُّبُرِ؛ فَضَرَبَ بِيَدِهِ إلى رَأْسِهِ؛ وقالَ: "اَلسّاعَةَ اغْتَسَلْتُ مِنهُ"؛ وقَدْ رَواهُ عَنْهُ ابْنُ القاسِمِ؛ عَلى ما ذَكَرْنا؛ وهو مَذْكُورٌ في الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ؛ ويُرْوى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ أنَّهُ كانَ لا يَرى بِذَلِكَ بَأْسًا؛ ويَتَأوَّلُ فِيهِ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿أتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٥] ﴿وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكم رَبُّكم مِن أزْواجِكُمْ﴾ [الشعراء: ١٦٦]؛ مِثْلَ ذَلِكَ إنْ كُنْتُمْ تَشْتَهُونَ؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: "مَحاشُّ النِّساءِ حَرامٌ"؛ وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: " هي اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى "؛ وقَدِ اخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ؛ فَكَأنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِتَعارُضِ ما رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ؛ وظاهِرُ الكِتابِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الإباحَةَ مَقْصُورَةٌ عَلى الوَطْءِ في الفَرْجِ؛ الَّذِي هو مَوْضِعُ الحَرْثِ؛ وهو الَّذِي يَكُونُ مِنهُ الوَلَدُ؛ وقَدْ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ آثارٌ كَثِيرَةٌ في تَحْرِيمِهِ؛ رَوى خُزَيْمَةُ بْنُ ثابِتٍ؛ وأبُو هُرَيْرَةَ؛ وعَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ؛ كُلُّهم عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لا تَأْتُوا النِّساءَ (p-٤١)فِي أدْبارِهِنَّ» .
ورَوى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ؛ عَنْ أبِيهِ؛ عَنْ جَدِّهِ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «"هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى"؛» يَعْنِي إتْيانَ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ؛ ورَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ؛ عَنْ حَكِيمٍ الأثْرَمِ؛ عَنْ أبِي تَمِيمَةَ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَن أتى حائِضًا؛ أوِ امْرَأةً في دُبُرِها فَقَدْ كَفَرَ بِما أُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ» .
ورَوى ابْنُ جُرَيْجٍ؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ؛ «عَنْ جابِرٍ؛ أنَّ اليَهُودَ قالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: مَن أتى امْرَأتَهُ وهي مُدْبِرَةٌ جاءَ ولَدُهُ أحْوَلَ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾؛ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً؛ ما كانَ في الفَرْجِ» .
ورَوَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: "فِي صِمامٍ واحِدٍ"».
ورَوى مُجاهِدٌ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِثْلَهُ في تَأْوِيلِ الآيَةِ؛ قالَ: يَعْنِي: كَيْفَ شِئْتَ في مَوْضِعِ الوَلَدِ؛ ورَوى عِكْرِمَةُ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلى رَجُلٍ أتى امْرَأتَهُ في دُبُرِها» .
وذَكَرَ ابْنُ طاوُسٍ عَنْ أبِيهِ؛ قالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ الَّذِي يَأْتِي امْرَأتَهُ في دُبُرِها؛ فَقالَ: هَذا يَسْألُنِي عَنِ الكُفْرِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ في قَوْلِهِ: ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾؛ قالَ: كَيْفَ شِئْتَ؛ إنْ شِئْتَ عَزْلًا؛ أوْ غَيْرَ عَزْلٍ؛ رَواهُ أبُو حَنِيفَةَ؛ عَنْ كَثِيرٍ الرِّياحِيِّ الأصَمِّ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ وهَذا عِنْدَنا في مِلْكِ اليَمِينِ؛ وفي الحُرَّةِ؛ إذا أذِنَتْ فِيهِ؛ وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَلى ما ذَكَرْنا مِن مَذْهَبِ أصْحابِنا؛ عَنْ أبِي بَكْرٍ؛ وعُمَرَ؛ وعُثْمانَ؛ وابْنِ مَسْعُودٍ؛ وابْنِ عَبّاسٍ؛ وآخَرِينَ غَيْرِهِمْ؛ فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦]؛ يَقْتَضِي إباحَةَ وطْئِهِنَّ في الدُّبُرِ؛ لِوُرُودِ الإباحَةِ مُطْلَقَةً؛ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ؛ ولا مَخْصُوصَةٍ؛ قِيلَ لَهُ: لَمّا قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾؛ ثُمَّ قالَ في نَسَقِ التِّلاوَةِ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾؛ أبانَ بِذَلِكَ مَوْضِعَ المَأْمُورِ بِهِ؛ وهو مَوْضِعُ الحَرْثِ؛ ولَمْ يُرِدْ إطْلاقَ الوَطْءِ بَعْدَ حَظْرِهِ إلّا في مَوْضِعِ الوَلَدِ؛ فَهو مَقْصُورٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ وهو قاضٍ مَعَ ذَلِكَ عَلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦]؛ كَما كانَ حَظْرُ وطْءِ الحائِضِ قاضِيًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿إلا عَلى أزْواجِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٦]؛ فَكانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُرَتَّبَةً عَلى ما ذُكِرَ مِن حُكْمِ الحائِضِ؛ ومَن يَحْظُرُ ذَلِكَ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هو أذًى﴾؛ فَحَظْرُ وطْءِ الحائِضِ لِلْأذى المَوْجُودِ في الحَيْضِ؛ وهو القَذَرُ؛ والنَّجاسَةُ؛ وذَلِكَ مَوْجُودٌ في غَيْرِ مَوْضِعِ الوَلَدِ في جَمِيعِ الأحْوالِ؛ فاقْتَضى هَذا التَّحْلِيلُ حَظْرَ وطْئِهِنَّ إلّا في مَوْضِعِ الوَلَدِ؛ ومَن يُبِيحُهُ يُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأنَّ المُسْتَحاضَةَ يَجُوزُ وطْؤُها بِاتِّفاقٍ مِنَ الفُقَهاءِ؛ مَعَ وُجُودِ الأذى هُناكَ؛ وهو دَمُ الِاسْتِحاضَةِ؛ وهو نَجَسٌ؛ (p-٤٢)كَنَجاسَةِ دَمِ الحَيْضِ؛ وسائِرِ الأنْجاسِ؛ ويُجِيبُونَ أيْضًا عَلى تَخْصِيصِهِ إباحَةَ مَوْضِعِ الحَرْثِ بِاتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى إباحَةِ الجِماعِ فِيما دُونَ الفَرْجِ؛ وإنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْوَلَدِ؛ فَدَلَّ عَلى أنَّ الإباحَةَ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ عَلى مَوْضِعِ الوَلَدِ؛ ويُجابُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي كَوْنَ الإباحَةِ مَقْصُورَةً عَلى الوَطْءِ في الفَرْجِ؛ وأنَّهُ هو الَّذِي عَناهُ اللَّهُ (تَعالى) بِقَوْلِهِ: ﴿مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾؛ إذْ كانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ؛ ولَوْلا قِيامُ دَلالَةِ الإجْماعِ لَما جازَ الجِماعُ فِيما دُونَ الفَرْجِ؛ ولَكِنّا سَلَّمْناهُ لِلدَّلالَةِ؛ وبَقِيَ حُكْمُ الحَظْرِ فِيما لَمْ تَقُمِ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ.
{"ayahs_start":222,"ayahs":["وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ","نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق