الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: * * * فقال بعضهم: معنى ذلك أتِمّوا الحج بمناسكه وسُننِه، وأتموا العُمْرة بحدودها وسُننِها. * ذكر من قال ذلك: ٣١٨٥ - حدثني عبيد بن إسماعيل الهَبّاري، قال. ثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة:" وأتِمّوا الحجّ والعمرة لله" قال: هو في قراءة عبد الله:"وَأَقِيمُوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ إِلى الْبَيْتِ" قال: لا تجاوزُوا بالعمرة البيتَ= قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس. ٣١٨٦ - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم أنه قرأ:" وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت". ٣١٨٧ - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة أنه قرأ:" وأقِيموا الحجَّ والعمرة إلى البيت". ٣١٨٨- حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" وأتِمّوا الحج والعمرةَ لله"، يقول: من أحرَم بحجّ أو بعُمْرة فليس له أن يَحلّ حتى يُتمَّها تَمامُ الحجِّّ يوم النَّحر إذا رَمَى جَمرةَ العَقبة وزار البيت فقد حَلّ من إحرامه كُلّه، وتمامُ العمرة إذا طاف بِالبيت وبالصفَّا والمروة، فقد حَلّ. ٣١٨٩- حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى= وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل= جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرةَ لله" قال: ما أمِروا فيهما. ٣١٩٠- حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:" وأتموا الحَج والعمرة لله" قال: قال إبراهيم عن علقمة بن قيس قال:" الحجُّ": مناسك الحج، و" العمرة": لا يجاوز بها البيت. ٣١٩١- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:" وأتِموا الحجّ والعمرة لله" قال: قال تَقْضى مناسكَ الحجَّ عرفة والمزدلفة وَمواطنَها، والعمرةُ للبيت أنْ يطوف بالبيت وبين الصفَّا والمروة ثم يَحلُّ. * * * وقال آخرون: تمامُهما أن تُحرِم بهما مفردين من دُوَيْرة أهلِك. [[الدويرة تصغير"الدار": وهو كل موضع حل به قوم، فهو دارهم. هذا، وقد سقط من الترقيم هنا رقم: ٣١٩٢ن فلم أستطع أن أغير الترقيم كله، فتركته على حاله.]] * ذكر من قال ذلك: ٣١٩٣- حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي أنه قال: جاء رَجُل إلى عليّ فقال له في هذه الآية:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله" أن تحرم من دُوَيْرة أهلِك. ٣١٩٤- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: جاء رجل إلى عليّ رضوان الله عليه، فقال: أرأيتَ قَول الله عز وجل:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله"؟ قال: أن تحرم من دُوَيْرة أهلك. ٣١٩٥- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير، قال: من تَمام العُمرة أن تحرم من دُوَيرة أهلك. ٣١٩٦- حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن طاوس، قال: تمامُهما إفرادهما مُؤْتَنَفتين من أهلك. [[ائتنف الشيء ائتنافا: أخذه من أوله وابتدأه. ويعني: أفرادهما منذ ابتداء دخوله فيهما. وانظر الأثر الذي يليه والتعليق عليه.]] ٣١٩٧- حدثني المثنى، قال: ثنا سفيان، عن ثور، عن سليمان بن موسى، عن طاوس:" وأتموا الحج والعمرة لله" قال: تفردهما مؤقتتين من أهلك، فذلك تمامهما. [[هكذا جاء في هذا الأثر"موقتتين" من التوقيت، وهو التحديد، والميقات: وهو الوقت المضروب للفعل، أو الموضع. يقال: هذا ميقات أهل الشام أو مصر، للموضع الذي يحرمون منه. ويعني أن ميقاتها من عند دويرة أهله.]] * * * وقال آخرون: تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، [[هكذا في الأصل: "أن تعمل" ولعل الصواب"أن تعتمر".]] وتمامُ الحج أن يُؤتى بمناسكه كلِّها، حتى لا يلزم عَامِلَه دمٌ بسبب قِران ولا مُتعة. * ذكر من قال ذلك: ٣١٩٨ - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:" وأتِمُّوا الحجَّ والعمرة لله" قال: وتمام العمرة ما كان في غير أشهر الحج. ومن كان في أشهر الحج، ثم أقام حتى يَحُجّ، [[في المطبوعة: "وما كان في أشهر الحج"، والصواب ما أثبت.]] فهي مُتعة. عليه فيها الهْدي إن وُجد، وإلا صَام ثلاثة أيام في الحج وسبعةً إذا رَجع. ٣١٩٩ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:" وأتموا الحج والعمرة لله" قال: ما كان في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة، وما كان في أشهر الحج فهي مُتعة وعليه الهدي. ٣٢٠٠ - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ابن عون، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إنّ العمرة في أشهر الحج ليست بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرَّم؟ قال: كانوا يَرَونها تامَّة. * * * وقال آخرون: إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرَهما. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٠١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني رجل، عن سفيان، قال: هو يعني تمامهما أن تخرُج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة، وتُهلّ من الميقات. ليس أن تخرُج لتجارةٍ ولا لحاجةً، حتى إذا كنت قريبًا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت. وذلك يجزئ، ولكن التمَّام أن تخرُج له لا تخرُج لغيره. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: أتموا الحجَّ والعمرةَ لله إذا دخلتم فيهما. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٠٢ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ليست العمرة واجبة على أحد من الناس. قال: فقلت له: قولُ الله تعالى:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرةَ لله"؟ قال: ليس من الخلقِ أحدٌ ينبغي له إذا دَخَل في أمر إلا أن يتمَّه، فإذا دخل فيها لم يَنْبَغ له أن يهلّ يومًا أو يومين ثم يرجع، كما لو صام يومًا لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار. * * * * وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا. ٣٢٠٣ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني سعيد بن أبي بردة أن الشعبي وأبا بردة تذاكرَا العمرة، قال: فقال الشعبي: تطوَّع،" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله". وقال أبو بردة: هي واجبة" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله". ٣٢٠٤- حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن عون، عن الشعبي أنه كان يقرأ:" وأتِمُّوا الحجَّ والعمرةُ لله". * * * وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول، وإن كان المشهور عنه من القول هو هذا. وذلك ما:- ٣٢٠٥ - حدثني به المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن الشعبي، قال: العمرةُ واجبةٌ. * * * فقراءة من قال: العمرة واجبة- نصبُها، بمعنى أقيموا فرضَ الحجّ والعمرةَ، كما:- ٣٢٠٦ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، يقول: سمعت مسروقًا يقول: أُمرتم في كتاب الله بأربع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والعمرة. قال: ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [سورة آل عمران: ٩٧] "وأتموا الحجَّ والعُمْرةَ لله إلى البيت". ٣٢٠٧ - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا يروي عن الحسن، عن مسروق، قال: أمرنا بإقامة أربعةٍ: الصلاةِ والزكاةِ، والعمرةِ والحجّ، فنزلت العُمْرة من الحج منزلةَ الزكاة من الصلاة. ٣٢٠٨ - حدثنا ابن بشار، قال: أنبأنا محمد بن بكر، قال: ثنا ابن حريج، قال: قال علي بن حسين وسعيد بن جبير، وسُئلا أواجبةٌ. العمرة على الناس؟ فكلاهما قال: ما نعلمها إلا واجبة، كما قال الله:" وأتِمّوا الحجَّ والعمرة لله". ٣٢٠٩ - حدثنا سَوَّار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سأل رجل سعيد بن جبير عن العمرة فريضَةٌ هي أم تطوعٌ؟ قال: فريضةٌ. قال: فإن الشعبي يقول: هي تطوع. قال: كَذَب الشعبي، وقرأ:" وأتموا الحجَّ والعمرةَ لله" [[قوله: "كذب الشعبي"، أي أخطأ. وهو كثير جدا في الأخبار والأحاديث وأشعار العرب، بمعنى الخطأ، لا بمعنى الكذب الذي هو فقيض الصدق. ويعني: أخطأ الشعبي في اجتهاده.]] ٣٢١٠ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة عمن سمع عطاء يقول في قوله:" وأتمُّوا الحجَّ والعمرةَ لله"، قال: هما وَاجبان: الحج، والعمرة. * * * قال أبو جعفر: فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى:" وأتِمُّوا الحجَّ والعمرةَ لله" أنهما فرضَان واجبان أمرَ الله تبارك وتعالى أمر بإقامتهما، [[في المطبوعة: "في أنهما" بزيادة"في" وهو خطأ ثم فيها"قرضان واجبان من الله"، والصواب ما أثبت.]] كما أمر بإقامة الصلاة، وأنهما فريضتان، وأوجب العمرة وجوبَ الحج. وهم عدد كثير من الصحابة والتّابعين، ومن بعدهم من الخالفين، [[يقال: خلف قوم بعد قوم، وسلطان بعد سلطان، يخلفون خلفا. فهم خالفون. تقول: أنا خالفه وخالفته: أي جئت بعده.]] كرهنا تطويل الكتاب بذكرهم وذكر الروايات عنهم. وقالوا: معنى قوله:" وأتموا الحج والعمرة لله" وأقيموا الحج والعمرة. * ذكر بعض من قال ذلك: ٣٢١١ - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله:" وأتموا الحج والعمرة لله" يقول: أقيموا الحج والعمرة. ٣٢١٢ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، عن ثُوير، عن أبيه، عن علي:" وأقيموا الحج والعمرة للبيت" ثم هي واجبةٌ مثل الحج. [[الخبر: ٣٢١٢- أحمد بن حازم بن محمد بن يونس بن قيس بن أبي غرزة الغفاري، شيخ الطبري: مضت الرواية عنه في: ٤٤، ١٦٤. ترجمه ابن أبي حاتم ١/١/٤٨، وذكر أنه كتب إليه. ثوبر بن أبي فاختة: ضعيف جدا، روى البخاري في الكبير ١/٢/١٨٣، والصغير: ١٢٨، عن الثوري، قال: "كان ثوير من أركان الكذب"، وهو بضم الثاء المثلثة مصغرا. أبوه أبو فاختة: اسمه سعيد بن علاقة، وهو مولى أم هانئ بنت أبي طالب. وهو تابعي ثقة، يروى عن علي، وعن ابن مسعود، وغيرهما.]] ٣٢١٣ - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا ثوير، عن أبيه، عن عبد الله:"وأقِيمُوا الحجَّ والعمرةَ إلى البيت" ثم قال عبد الله: والله لولا التحرُّجُ، وأنيّ لم أسمع من رسول الله ﷺ فيها شيئًا، لقلت إنّ العمرة واجبة مثل الحج. [[الخبر: ٣٢١٣- هو في معنى الذي قبله، بالإسناد نفسه. وزاد في هذا نسبة القراءة لابن مسعود. وهي من القراءات الشاذة المخالفة لرسم المصحف. ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٤: ٣٥١، من طريق عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل، به. والإسناد في الخبر بن ضعيف، كما بينا آنفًا.]] * * * قال أبو جعفر: وكأنهم عَنوا بقوله:" أقيمُوا الحج والعمرة": ائتوا بهما، بحدودهما وأحكامِهما، على ما فُرِض عليكم. * * * وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب"العُمْرة": العمرة تطوعٌ = ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نَصْبهم"العمرة" في القراءة، إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبدَ عمله وإتمامُه بدخوله فيه، ولم يكن ابتداءُ الدخول فيه فرضًا عليه. وذلك كالحج التطوُّع، لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أنّ عليه المضيَّ فيه وإتمامه، ولم يكن فرضًا عليه ابتداء الدخولُ فيه. وقالوا: فكذلك العمرة غيرُ فرضٍ واجب الدخولُ فيها ابتداءً، غير أن على من دخل فيها وأوجبَها على نفسه إتمامَها بعد الدخول فيها. قالوا: فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة دلالةٌ على وجوب فرضها. قالوا: وإنما أوَجبنا فرضَ الحجّ بقوله عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ [سورة آل عمران: ٩٧] . وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين. * ذكر من قال ذلك: ٣٢١٤ - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: الحجُّ فريضة، والعمرةُ تطوُّع. ٣٢١٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن النخعي، عن ابن مسعود مثله. ٣٢١٦- وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن عثمة، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، قال: العمرة ليست بواجبة. ٣٢١٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيره، عن سماك، قال: سألت إبراهيم عن العمرة فقال: سنة حسنة. ٣٢١٨ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله. ٣٢١٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله. ٣٢٢٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، مثله. ٣٢٢١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: حدثنا عبد الله بن عون، عن الشعبي، قال: العمرة تطوع. * * * قال أبو جعفر: فأما الذين قرءوا ذلك برفع"العمرة"، فإنهم قالوا: لا وجه لنَصْبها، فالعمرة إنما هي زيارة البيت، ولا يكون مستحقًّا اسم معتمرٍ إلا وهو له زائر. قالوا: وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته= وهو متَى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة، فلا عمل يَبقى بعده يؤمَر بإتمامه بعد ذلك، كما يؤمر بإتمامه الحاجُّ بعد بلوغِه والطوافِ به وبالصفا والمروة بإتيان عَرَفة والمزدلفة والوقوفِ بالمواضع التي أمر بالوقوف بها، وعملِ سائرِ أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت = [[سياق العبارة: "وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته ... لم يكن لقول قائل ... " وما بينهما فصل طويل]] لم يكن لقول القائل للمعتمر:" أتمَّ عمرتك" وجهٌ مفهوم. وإذا لم يكن له وجهٌ مفهوم. فالصواب من القراءة في" العمرة" الرفعُ على أنه من أعمال البِرِّ لله، فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها، وهو قوله:" لله". * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا، قراءة من قرأ بنصب" العمرة" على العطف بها على" الحجّ"، بمعنى الأمر بإتمامهما له. ولا معنى لاعتلال من اعتَلّ في رفعها بأن" العمرة" زيارة البيت، فإن المعتمر متى بلغه، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه. وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمامُ العمل الذي أمره الله به في اعتماره، وزيارَته البيت، وذلك هو الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وتجنبُ ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك، وذلك عملٌ - وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه - غيرُ الزيارة. هذا، مع إجماع الحجة على قراءة" العمرة" بالنصب، ومخالفة جميع قرأة الأمصار قراءةَ من قرأ ذلك رفعًا، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعًا. * * * وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله:" والعمرةَ لله" على قراءة من قرأ ذلك نصبًا فقولُ عبد الله بن مسعود، ومن قال بقوله من أنّ معنى ذلك: وأتمّوا الحج والعمرة لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما = لا أنَّ ذلك أمرٌ من الله عز وجل - بابتداء عَمَلهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه - بهذه الآية. وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وَصَفْنا: من أن يكون أمرًا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداءًا وإيجابًا منه على العبادِ فرضَهما، وأن يكون أمرًا منه بإتمامهما بعد الدخول فيهما، وبعد إيجاب موجبِهما على نفسه، فإذ كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا، فلا حجة فيها لأحد الفريقين على الآخر، إلا وللآخر عليه فيها مثلها. وإذ كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبرٌ عن الحجة للعذرِ قاطعًا، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة - لم يكن لقول قائلٍ:" هي فرض" بغير برهان دالّ على صحة قوله - معنى [[السياق: "لم يكن لقول قائل ... معنى "]] ، إذ كانت الفرُوض لا تلزم العباد إلا بدلالةٍ على لزومها إياهم واضحةٍ. فإن ظن ظانٌّ أنها واجبة وجوبَ الحج، وأن تأويلَ من تأوّلَ قوله:" وأتمّوا الحج والعمرةَ لله" بمعنى: أقيموا حدُودَهما وفروضهما أوْلى من تأويلنا، [[سياق المعنى: "وأن تأويل من تأول ... أولى من تأويلنا".]] بما:- ٣٢٢٢ - حدثني به حاتم بن بكير الضبي، قال: ثنا أشهل بن حاتم الأرطبائي، قال: ثنا ابن عون، عن محمد بن جحادة، عن رجل، عن زميل له، عن أبيه- وكان أبوه يكنى أبا المُنْتَفِق- قال: أتيت النبي ﷺ بعرفة، فدنوتُ منه، حتى اختلفتْ عُنق راحلتي وعُنُق راحلته، فقلت: يا رسول الله أنبئني بعمل يُنجيني من عذاب الله ويُدخلُني جَنتَه! قال:"اعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأدّ الزكاة المفروضة، وحُجّ واعتَمِر= قال أشهل: وأظنه قال:"وصُمْ رمضان= وانظر ماذا تحبُّ من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم، وما تكرهُ من الناس أن يأتوه إليك فذَرْهم منه". [[الحديث: ٣٢٢٢- هذا إسناد ضعيف، لإبهام بعض رواته الذين لم يسموا. حاتم بن بكير الضبي، شيخ الطبري: هو أيضًا من شيوخ ابن ماجه وابن خزيمة، مترجم في التهذيب والخلاصة، دون بيان حاله، وفي التقريب: "مقبول" وثبت اسم أبيه "بكير" بالتصغير هنا وفي الخلاصة. وثبت بالتكبير "بكر" في التهذيب والخلاصة، ولم أجده في مصدر آخر حتى أستطيع الترجيح بينهما. أشهل- بالشين المعجمة- بن حاتم، ـأبو حاتم البصري الجمحي: مختلف فيه، فضعفه ابن معين. وقال أبو زرعة: "محله الصدق، وليس بالقوي، رأيته يسند عن ابن عون حديثا، الناس يقفونه". وترجمه البخاري في الكبير ١ / ٢ / ٦٩ فلم يذكر فيه جرحا. ثم هو قد روى له في الصحيح حديثا متصلا وآخر معلقا. مقدمة الفتح، ص:٣٨٩. وأما نسبته هنا "الأرطبائي- فلا أدري ما هي؟ ولا أعرف لها توجيها. إلا أن يكون ممن أكثر الرواية عن شيخه " ابن عون" - وهو "عبد الله بن عون بن أرطبان" بالنون في آخره - فنسب إلى "أرطبان" لذلك، ثم حرفت "الأرطباني" إلى "الأرطبائي". وما وجدت ما يدل على ذلك، ولا ما يشير إلى أنه يكثر الرواية عن ابن عون - وإنما هو ظن ظننته. محمد بن جحادة: مضت ترجمته: ٣٤. أبو المنتفق: -ويقال ابن المنتفق- ترجمه ابن الأثير في أسد الغابة ٥: ٣٠٦ - وروى هذا الحديث، بإسناده إلى معاذ بن معاذ، عن ابن عون، بهذا الإسناد، ووقع فيه "ابن عوف" وهو خطأ مطبعي ظاهر. وترجمه الحافظ في الإصابة ٧: ١٨١، وذكر له هذا الحديث من رواية الطبراني، ولكن فيه "محمد بن جحادة"، عن زميل له، بحذف "عن رجل" من بينهما. وترجمه ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٣٢٧ باسم "ابن المنتفق"، هكذا: "أنه وصف صفة النبي ﷺ، فيما روى محمد بن جحادة، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن أبيه، عنه " والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ١: ٤٣ - ٤٤، من غير هذا الوجه قال: وعن حجير، عن أبيه، وكان يكنى أبا المنتفق" فذكر نحوه، وفيه -كما هنا- "وحج واعتمر". وذكره قبل ذلك ١: ٤٣، من وجهين آخرين، ليس فيهما هذا اللفظ. وقال الحافظ في الإصابة - بعد أن أشار إلى رواية الطبراني من طريق ابن عون: "قال الطبراني: اضطرب ابن عون في إسناده، ولم يضبطه عن محمد بن جحادة، وضبطه همام. ثم أخرجه من طريق همام. عن محمد بن جحادة، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن أبيه، قال: قدمت الكوفة، فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس، يقال له ابن المنتفق، فسمعته يقول " ... وهذه الرواية هي التي ذكرها صاحب الزوائد أولا. وطرق الحديث من أوجه، منها رواية همام، التي ذكرها الحافظ-: في المسند ١٥٩٤٨- ١٥٩٥٠، (٣: ٤٧٢ - ٤٧٣ حلبي) ، و ١٦٧٧٤ (٤: ٧٦ - ٧٧ حلبي) ، و (٥: ٣٧٢- ٣٧٣، و ٦: ٣٨٣ - ٣٨٤ حلبي) . ولم أجد في روايات المسند هذه، ذكرا للعمرة.]] وما:- ٣٢٢٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال: قلت يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجّ ولا العمرة ولا الظَّعْن، وقد أدركه الإسلام، أفأحج عنه؟ قال:"حُج عن أبيك واعتمر". [[الحديث: ٣٢٢٣- يعقوب بن إبراهيم: هو الدورقي الحافظ، مضى في: ٢٣٧، ٣٣٥. وهو يروى عن عبد الرحمن بن مهدي. ووقع في المطبوعة هنا بينهما زيادة "قال خدثنا ابن إبراهيم"، وهي زيادة خطأ من ناسخ أو طابع، ولا معنى لها، فحذفناها. النعمان بن سالم الطائفي: ثقة، وثقه ابن معين وغيره، وأخرج له مسلم في الصحيح. عمرو ابن أوس بن أبي أوس الثقفي الطائفي: تابعي ثقة. أخرج له أصحاب الكتب الستة. أبو رزين العقيلي: هو لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر، وهو صحابي معروف، وغلط من جعله و "لقيط بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق" - واحدا. بل هما صحابيان، وقد فصل بينهما ابن سعد ٥: ٣٧٩، ٣٤٠. وهذا الحديث صحيح، خلافا لما قاله الطبري فيما سيأتي بعد أسطر، إذ ضعف هذه الأحاديث كلها وفيما هذا الحديث. وقد رواه الطيالسي: ١٠٩١، عن شعبة. ورواه أحمد في المسند: ١٦٢٥٣، عن وكيع عن شعبة، بهذا الإسناد (ج ٤ص ١٠، ١١، ١٢ حلبي) . ورواه أبو داود: ١٨١٠، عن حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم - كلاهما عن شعبة. وقال المنذري: ١٧٣٦، "وأخرجه الترمذي، والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الإمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا، ولا أصح منه" ورواه البيهقي ٤: ٣٥٠، من طريق أبي داود. ثم روى كلمة أحمد بن حنبل في تصحيحه.]] =وما:- ٣٢٢٤ - حدثني به يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة أن رسول الله ﷺ خَطب فقال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحُجُّوا واعتمروا واستقيموا يَستقم لكم. [[الحديث: ٣٢٢٤- أبو قلابة- بكسر الكاف وتخفيف اللام. وهو عبد الله بن زيد الجرمي، أحد الأعلام، من التابعين]] * * * = وما أشبه ذلك من الأخبار، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لِوَهْي أسانيدها، وأنها - معَ وَهْيِ أسانيدها- لها في الأخبار أشكالٌ تنبئ عن أنّ العمرة تطوعٌ لا فرض واجب. وهو ما:- ٣٢٢٥ - حدثنا به محمد بن حميد، ومحمد بن عيسى الدامغاني، قالا ثنا عبد الله بن المبارك، عن الحجاج بن أرطأة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ: أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟، فقال:"لا وأن تعتمروا خيرٌ لكم". [[الحديث: ٣٢٢٥- محمد بن عيسى الدامغاني، شيخ الطبري: روى عنه أبو حاتم، وقال: "يكتب حديثه". وروى عنه أيضًا النسائي، وابن خزيمة، وغيرهم. والحديث رواه أحمد: ١٤٤٤٩ (٣: ٣١٦ حلبي) ، عن ابن معاوية، عن الحجاج بن أرطاة، بهذا الإسناد، نحوه. ورواه الترمذي ٢: ١١٣، من طريق عمر بن علي، والبيهقي ٤: ٣٤٩، من طريق عبد الواحد بن زياد -كلاهما عن الحجاج، به، نحوه. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح ". رجح البيهقي أن المحفوظ روايته موقوفا من كلام جابر، وقد أطال الحافظ ابن حجر، في التلخيص، ص ٢٠٤، في إعلال المرفوع وترجيح الموقوف.]] ٣٢٢٦ - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير= وحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا شريك=، عن معاوية بن إِسحاق، عن أبي صالح الحنفي، قال: قال رسول الله ﷺ: الحجُّ جهادٌ، والعمرة تطوع. [[الحديث: ٣٢٢٦- شريك: هو ابن عبد الله النخعي، مضت ترجمته: ٢٥٢٧. معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي: تابعي ثقة. أبو صالح الحنفي: هو عبد الرحمن بن قيس الكوفي، وهو تابعي ثقة. وأخطأ بعضهم فسماه "ماهان"، والصواب أن كنية "ماهان": "أبو سالم الحنفي". انظر الترجمتين في التهذيب. وعلى الرغم من أن الحافظ ابن حجر حقق ذلك في الموضعين من التهذيب - فإنه سها في التلخيص، ص: ٢٠٤، فقال: "وأبو صالح: ليس ليس هو ذكوان السمان، بل هو أبو صالح ماهان الحنفي"! وهذا الحديث مرسل. ورواه الشافعي في الأم ٢: ١١٣، قال: " فاختلف الناس في العمرة، فقال بعض المشرقيين: العمرة تطوع. وقال سعيد بن سالم، (هو القداح، شيخ الشافعي) واختج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي، أن رسول الله ﷺ قال: الحج الجهاد، والعمرة تطوع. فقلت له: أتثبت مثل هذا عن النبي ﷺ؟ فقال: هو منقطع". ثم ذهب الشافعي يقيم عليه الحجة - أن تكون العمرة واجبة". إلى آخر ما قال. وقد روى البيهقي ٤: ٣٤٨ هذا الحديث المرسل، من طريق الشافعي. ثم نقل عنه بعض ما نقلته.]] * * * قال أبو جعفر: وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صحَّ عنده أن العمرة واجبةٌ، بأنه لم يجد تطوعًا، إلا وله إمامٌ من المكتوبة. فلما صح أنّ العمرة تطوُّع وجب أن يكون لها فَرْضٌ، لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال. فيقال لقائل ذلك: فقد جُعِل الاعتكاف تطوُّعًا، فما الفرض منه الذي هو إمامُ مُتطوَّعه؟ ثم يسأل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب؟ فإن قال:" واجبٌ"، خرج من قول جميع الأمة. وإن قال: تطوع. قيل: فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعًا والعمرةُ فرضًا، من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. * * * =وبما استشهدنا من الأدلة، فإن أولى القراءتين بالصواب في" العمرة" قراءةُ من قرأها نصبًا- وأنّ أولى التأويلين في قوله" وأتموا الحج والعمرة لله"، تأويلُ ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمرٌ من الله بإتمام أعمالهما بعد الدُّخول فيهما وإيجابهما على ما أمِر به من حدودهما وسنَنِهما -وأنّ أولى القولين في" العمرة" بالصواب قول من قال:" هي تطوّع لا فرض" - وإن معنى الآية: وأتموا أيها المؤمنون الحجّ والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم، على ما أمركم الله من حدودهما. * * * وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صُدَّ فيها عن البيت، معرِّفَهُ المؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خُلِّي بينهم وبين البيت ومبيِّنًا لهم فيها ما المُخْرِجَ لهم من إحرامهم إن أحرموا، فصُدوا عن البيت. ولذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية، [[في المطبوعة: "وبذكر اللام ... "، وكأن الصواب ما أثبت حتى يستقيم الكلام.]] وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم، افتَتح بقوله:" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ ". وقد دللنا فيما مضى على معنى" الحج"" والعمرة" بشواهد، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته. [[انظر ما سلف ٣: ٢٢٨- ٢٢٩.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في" الإحصار" الذي جعل الله على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي. * * * فقال بعضهم: هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٢٧ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه كان يقول: "الحصر" الحبس كله. يقول: أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس. قال: وقال مجاهد في قوله:" فإن أحصرتم " فإن أحْصِرتم: يَمرض إنسانٌ أو يُكْسر، أو يحبسه أمرٌ فغلبه كائنًا ما كان، فليرسل بما استيسَر من الهَدْي، ولا يحلِق رأسَه، ولا يحل، حتى يوم النحر. ٣٢٢٨ -حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٣٢٢٩ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: الإحصار كل شيء يحبسه. ٣٢٣٠ - وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن سعيد، عن قتادة أنه قال: في المحصَر: هو الخوفُ والمرض والحابسُ. إذا أصابه ذلك بَعَث بِهَدْيه، فإذا بلغ الهدي مَحِله حَلّ. ٣٢٣١ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدْي" قال: هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حَبَسه عن البيت يبعث بهَديه، فإذا بلغ مَحِله صار حلالا. ٣٢٣٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كل شيء حَبَس المحرم فهو إحصارٌ. ٣٢٣٣ - حدثني المثنى قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن إبراهيم= قال أبو جعفر: أحسبه عن شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم=:" فإن أحصِرْتم" قال: مرض أو كسر أو خَوفٌ. ٣٢٣٤- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس قوله:" فإن أحصرتُم فما استيسر من الهدي"، يقول: من أحرم بحج أو بعمرة، ثم حُبس عن البيت بمرض يُجْهده أو عذر يحبسه، فعليه قَضاؤها. * * * قال أبو جعفر: وعلة من قال بهذه المقالة: أن" الإحصار" معناه في كلام العَرب: مَنْع العلة من المرض وأشباهه، غيرِ القهرِ والغلبة من قاهر أو غالبٍ، إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو جراحة، أو ذهاب نفقة، أو كسر راحلة. فأما منعُ العدوّ، وحبس حابس في سجن، وغلبة غالبٍ حائل بين المحرِم والوصول إلى البيت من سُلطان، أو إنسان قاهرٍ مانع، فإن ذلك إنما تسميه العرب" حصرا" لا" إحصارا". قالوا: ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨] يعني به: حاصرًا، أي حابسًا. قالوا: ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا، يسمى" إحصارًا" لوجب أن يقال:" قد أُحْصرَ العدوُّ". قالوا: وفي اجتماع لغات العرب على" حُوصر العدو، والعدوّ محاصر"، دون" أحصر العدو، وهم مُحْصَرون"، و" أحْصِر الرجل" بالعلة من المرض والخوف- أكبر الدلالة على أنّ الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله:" فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ " بمرض أو خوف أو علة مانعة. قالوا: وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى" حصر المرض" قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت، لا بدلالة ظاهر قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" إذ كان حبس العدو والسلطان والقاهر علة مانعة، نظيرة العلة المانعة من المرض والكسر. * * * وقال آخرون: معنى قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" فإن حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت، أو حابس قاهر من بني آدم. قالوا: فأما العلل العارضة في الأبدان كالمرض والجراح وما أشبهها، فإن ذلك غير داخل في قوله:" فإن أحصرتم ". * ذكر من قال ذلك: ٣٢٣٥ - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس أنه قال:" الحصْرُ": حصرُ العدو، فيبعثُ الرجل بهديّتِه، فإن كان لا يستطيع أن يَصِل إلى البيت من العدو، فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها ويُحْرِم = قال محمد بن عمرو، قال أبو عاصم: لا ندري قال: يُحِرِم، أو يَحِل = من يومٍ يواعد فيه صاحبَ الهدْي إذا اشترى. فإذا أمن فعليه أن يحجَّ أو يعتمر. فإذا أصابه مَرَض يحبسه وليس معه هدْي، فإنه يَحِل حيث يُحبَس، فإن كان معه هدْي فلا يحل حتى يَبلغ الهدي مَحله، فإذا بعث به، فليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر إلا أن يشاء. ٣٢٣٦ - حدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لا حصر إلا من حَبْس عدو. ٣٢٣٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم= إلا أنه قال: فإنه يبعث بها ويحرم من يوم واعَد فيه صاحبَ الهدية إذا اشترى. ثم ذكر سائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. * * * وقال مالك بن أنس: بلغني أنّ رسول الله ﷺ حَلَّ وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي، وحلقوا رؤوسهم، وحَلّوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يَصِل إليه الهدي. ثم لم نَعْلم أنّ رسول الله ﷺ أمرَ أحدًا من أصحابه، ولا ممن كان معه، أن يقضوا شيئًا ولا أن يعودوا لشيء. [[نص كلام مالك في الموطأ: ٣٦٠، وسيأتي برقم: ٣٢٨٧.]] ٣٢٣٨ - حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب عنه= قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت؟ فقال: يَحلّ من كل شيء، ويَنْحر هَدْيه، ويحلق رأسه حيث يحبس، وليس عليه قضاء، [[إلى هنا نص ما في الموطأ: ٣٦٠، وما بعده زيادة ليست هناك. وسيأتي في آخر رقم: ٣٢٨٨.]] إلا أن يكون لم يحج قَط، فعليه أن يحج حجة الإسلام. قال: والأمر عندنا فيمن أحصِر بغير عدو بمرض أو ما أشبهه، أنْ يتداوَى بما لا بد منه، ويَفتدي، [[في المطبوعة: "أن يبدأ بما لا بد منه" والصواب ما أثبته، عن الموطأ: ٣٦٢، فراجعه هناك. وانظر أيضًا ما سيأتي رقم: ٣٢٨٩.]] ثم يجعلها عُمرة، ويحج عامًا قابلا ويُهدِي. * * * قال أبو جعفر: وعلة من قال هذه المقالة - أعني: من قال قولَ مالك - أنّ هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله ﷺ وأصحابه عن البيت، فأمر الله نبيّه ومن معه بنحْر هَداياهم والإحلال. قالوا: فإنما أنزل الله هذه الآية في حَصْر العدو، فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلتْ فيه. قالوا: وأما المريض، فإنه إذا لم يُطِق لمرضه السَّير حتى فاتته عرفة، فإنما هو رجلٌ فاته الحج، عليه الخروج من إحرامه بما يخرُج به من فَاته الحج - وليس من معنى" المحصر" الذي نزلت هذه الآية في شأنه. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في قوله:" فإذا أحصرتم"، تأويل من تأوله بمعنى: فإن أحْصَرَكم خوفُ عَدٍّو أو مرضٌ أو علةٌ عن الوصول إلى البيت أي: صيَّركم خوفكم أو مرضكم تَحصُرون أنفسكم، فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتُموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة. فلذا قيل:" أحصرتم"، لمَّا أسقط ذكِر الخوف والمرض. يقال منه:" أحصرني خوفي من فلان عن لقائك، ومَرَضي عن فلان"، يراد به: جعلني أحبس نفسي عن ذلك. فأما إذا كان الحابس الرجلُ والإنسانُ، قيل:" حصرَني فلان عن لقائك"، بمعنى حبسني عنه. فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأوِّل من قوله:" فإن أحصِرْتم" فإن حبسكم حابس من العدوّ عن الوصول إلى البيت- لوجب أن يكون: فإن حُصِرْتم. ومما يُبَيِّن صحةَ ما قلناه من أن تأويل الآية مرادٌ بها إحصارُ غير العدوّ وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو، قولُه:" فإذا أمنتم فمن تمتع بالعُمْرة إلى الحج". و" الأمنُ" إنما يكون بزوال الخوف. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الآية، هو الخوف الذي يكون بزواله الأمنُ. وإذ كان ذلك كذلك، لم يكن حَبسُ الحابس الذي ليس مع حَبْسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتْلوّ، وإن كان قد يُلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حَبْس من لا خوف على النفس من حبسه، كالسلطان غير المخوفة عقوبته، والوالدِ، وزوج المرأة، [[في المطبوعة: "وإن كان. . . " والصواب حذف الواو.]] إن كان منهم أو من بعضهم حبس، ومنعٌ عن الشخوص لعمل الحج، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرامَ، [[قوله: "غير داخل" خبر قوله: "من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه".]] غيرُ داخل في ظاهر قوله:" فإذ أحصرتم"، لما وصفنا من أن معناه: فإن أحصركم خوفُ عدوّ- بدلالة قوله:" فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ " وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال: الحصر: حصر العدو. وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا، وكان ذلك منعا من الوصول إلى البيت، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت، فهو له نظير في الحكم. * * * قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله:" فما استيسر من الهدي". فقال بعضهم: هو شاة. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٣٩ - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: أخبرنا إسحاق الأزرق، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال:" ما استيسر من الهدي" شاة. ٣٢٤٠ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن= وحدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق= قال: حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:" ما استيسر من الهدي"، شاة. ٣٢٤١ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد عن ابن عباس، مثله. ٣٢٤٢ - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك، قال: تمتعت فسألت ابن عباس فقال:" ما استيسر من الهدي" قال: قلت شاة؟ قال: شاة. ٣٢٤٣ - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن مالك، قال: سألت ابن عباس عن" ما استيسر من الهدي"، قال: من الأزواج الثمانية: من الإبل والبقر والمعز والضأن. ٣٢٤٤ - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا هشيم، قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله جل ثناؤه:" فما استيسر من الهدي" - قال: كان ابن عباس يقول: من الغنم. ٣٢٤٥ -حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:" ما استيسر من الهدي"، من الأزواج الثمانية. ٣٢٤٦ - حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: قيل للأشعث: ما قول الحسن:" فما استيسر من الهدي"؟ قال: شاة. ٢٦٤٧- حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتاده. ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأخسه شاة. ٣٢٤٨ - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله = إلا أنه كان يقال: أعلاه بدنة، وذكر سائر الحديث مثله. ٣٢٤٩ - حدثنا ابن بشار قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة، عن ابن عباس، قال:" فما استيسر من الهدي"، شاة. ٣٢٥٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، مثله. ٣٢٥١ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن ابن جريج، عن عطاء:" فما استيسر من الهدي" شاة. ٣٢٥٢ - حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا محمد بن نفيع، عن عطاء، مثله. ٣٢٥٣ - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: المحصر يبعث بهدي، شاة فما فوقها. ٣٢٥٤ - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر، بعث بما استيسر من الهدي شاة. قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس. ٣٢٥٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" ما استيسر من الهدي"، شاة فما فوقها. ٣٢٥٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة = وحدثنا المثنى، قاله: حدثنا آدم العسقلاني عن شعبة = قال: حدثنا أبو جمرة، عن ابن عباس، قال:" ما استيسر من الهدي"، جزور أو بقرة أو شاة، أو شرك في دم. ٣٢٥٧ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن ابن عباس كان يرى أن الشاة" ما استيسر من الهدي". ٣٢٥٨ -حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال:" ما استيسر من الهدي"، شاة. ٣٢٥٩ - حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال:" ما استيسر من الهدي"، شاة. ٣٢٦٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سهل بن يوسف قال: حدثنا حميد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال ابن عباس: الهدي: شاة، فقيل له: أيكون دون بقرة؟ قال: فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تدرون به أن الهدي شاة. ما في الظبي؟ قالوا: شاة، قال: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] . ٣٢٦١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: شاة. ٣٢٦٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن دلهم بن صالح، قال: سألت أبا جعفر، عن قوله:" ما استيسر من الهدي"، فقال: شاة. ٣٢٦٣ - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالك بن أنس حدَّثه عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن علي بن أبي طالب كان يقول:" ما استيسر من الهدي"، شاة. [[الأثر: ٣٢٦٣ الموطأ: ٣٨٥.]] ٣٢٦٤ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا مطرف بن عبد الله، قال: حدثنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، مثله. ٣٢٦٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول:" ما استيسر من الهدي"، شاة. [[الأثر: ٣٢٦٥- الموطأ: ٣٨٥.]] ٣٢٦٦ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال مالك: وذلك أحب إلي. [[الأثر: ٣٢٦٦- الموطأ: ٣٨٥ ونصه: "وذلك أحب ما سمعته إلي في ذلك"، ثم استدل بآية المائدة التي استدل بها ابن عباس في الأثر: ٣٢٦٠.]] ٣٢٦٧ - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:" فما استيسر من الهدي"، قال: عليه - يعني المحصر - هدي. إن كان موسرا فمن الإبل، وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم. ٣٢٦٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال:" ما استيسر من الهدي"، شاة، وما عظمت شعائر الله، فهو أفضل. ٣٢٦٩ - حدثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: أخبرنا ابن لهيعة: أن عطاء بن أبي رباح حدثه: أن" ما استيسر من الهدي"، شاة. * * * وقال آخرون:" ما استيسر من الهدي": من الإبل والبقر، سن دون سن. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٧٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر، قال: سمعت عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" ما استيسر من الهدي": البقرة دون البقرة، والبعير دون البعير. ٣٢٧١ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز، قال: سأل رجل ابن عمر:" ما استيسر من الهدي"؟ قال: أترضى شاة؟ = كأنه لا يرضاه. ٣٢٧٢ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، عن القاسم بن محمد ونافع، عن ابن عمر قال:" ما استيسر من الهدي"، ناقة أو بقرة، فقيل له:" ما استيسر من الهدي"؟ قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة. ٣٢٧٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر أنه قال:" فما استيسر من الهدي"، قال: جزور، أو بقرة. ٣٢٧٤ - حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا حدثنا هشيم، قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله:" فما استيسر من الهدي" - قال: قال ابن عمر: من الإبل والبقر. ٣٢٧٥ -حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه:" فما استيسر من الهدي" قال: الناقة دون الناقة، والبقرة دون البقرة. ٣٢٧٦ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن القاسم، عن ابن عمر في قوله:" فما استيسر من الهدي"، قال: الإبل والبقر. ٣٢٧٧ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان:" ما استيسر من الهدي": من الإبل والبقر. ٣٢٧٨ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا الوليد بن أبي هشام، عن زياد بن جبير، عن أخيه عبد الله أو عبيد الله بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن المتعة في الهدي؟ فقال: ناقة، قلت: ما تقول في الشاة؟ قال: أكلكم شاة؟ أكلكم شاة؟ [[الخبر: ٣٢٧٨- الوليد بن أبي هشام زياد، مولى عثمان: ثقة جدا، كما قال الإمام أحمد. زياد بن جبير بن حية بن مسعود الثقفي: تابعي ثقة. مترجم في التهذيب. والكبير ٢ / ١ / ٣٢١٧. وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٢٧، ٣١٠. وقال: "عبيد الله بن جبير بن حية، أخو زياد وغبيد الله ابني جبير بن حية الثقفي. وكانوا إخوة ثلاثة."]] ٣٢٧٩ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد وطاوس قالا" ما استيسر من الهدي"، بقرة. ٣٢٨٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة:" فما استيسر من الهدي"، قال في قول ابن عمر: بقرة فما فوقها. ٣٢٨١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" ما استيسر من الهدي"، قال: بدنة أو بقرة، فأما شاة فإنما هي نسك. ٣٢٨٢ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: البدنة دون البدنة، والبقرة دون البقرة، وإنما الشاة نسك، قال: تكون البقرة بأربعين وبخمسين. ٣٢٨٣ - حدثنا الربيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني أسامة، عن نافع، عن ابن عمر، كان يقول:" ما استيسر من الهدي"، بقرة. ٣٢٨٤ - وحدثنا الربيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني أسامة بن زيد أن سعيدا حدثه، قال: رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه فيسألونه عن" ما استيسر من الهدي" ويقولون: الشاة! الشاة! قال: فيرد عليهم:" الشاة! الشاة! يحضهم - إلا أن الجزور دون الجزور، والبقرة دون البقرة، ولكن ما" استيسر من الهدي"، بقرة. * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب قول من قال:" ما استيسر من الهدي" شاة. لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من الهدي، وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه كائنا ما كان ذلك الذي يهدي. إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا، فيكون ما خص من ذلك خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل، ويكون سائر الأشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي بعد أن يستحق اسم" هدي". * * * فإن قال قائل: فإن الذين أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من الهدي، بأنه لا يستحق اسم" هدي" كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة لم يكن مهديا هديا مجزئا. قيل: لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف، نحو الذي في المهدي الشاة، لكان سبيلهما واحدة: في أن كل واحد منهما قد أدى ما عليه بظاهر التنزيل إذا لم يكن أحد الهديين مخرجه من أن يكون مؤديا [[في المطبوعة: "إذا لم يكن أحد المهديين يخرجه. . . " والصواب ما أثبت.]] - بإهدائه ما أهدى من ذلك - مما أوجبه الله عليه في إحصاره. ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن، والثني من المعز والإبل والبقر فصاعدا من الأسنان - من أن يكون مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته - بالحجة القاطعة العذر، نقلا عن نبينا ﷺ وراثة، كان ذلك خارجا من أن يكون مرادا بقوله:" فما استيسر من الهدي" وإن كان مما استيسر لنا من الهدايا. ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من المعِز، كان مجزئًا ذلك عن مهديه لظاهر التنزيل، لأنه مما استيسر من الهدي. * * * فإن قال قائل: فما محل" ما" التي في قوله جل وعز:" فما استيسر من الهدي"؟ قيل: رفع. فإن قال: بماذا؟ قيل: بمتروك. وذلك" فعليه" لأن تأويل الكلام: وأتموا الحج والعمرة أيها المؤمنون لله، فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من مرض أو كسر أو خوف عدو فعليكم - لإحلالكم، إن أردتم الإحلال من إحرامكم - ما استيسر من الهدي. وإنما اخترنا الرفع في ذلك، لأن أكثر القرآن جاء برفع نظائره، وذلك كقوله: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾ وكقوله: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ﴾ وما أشبه ذلك مما يطول بإحصائه الكتاب، تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه. ولو قيل موضع" ما" نصب، بمعنى: فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدي، لكان غير مخطئ قائله. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ١١٨.]] * * * وأما" الهدي"، فإنه جمع، وأحدها"هديّه"، على تقدير" جديّه السرج" والجمع" الجَدْي" مخفف. [["هدية" و"جدية" بتشديد الياء، وقد ضبطها ناشر مجاز القرآن لأبي عبيدة بفتح فسكون، وهو خطأ والجدية: قطعة من الكساء محشوة تكون تحت دفتي السرج وظلفة الرحل، وهما جديتان.]] ٣٢٨٥ - حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، عن يونس، قال: كان أبو عمرو بن العلاء يقول: لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه. [[مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٦٩.]] * * * وبتخفيف" الياء" وتسكين" الدال" من" الهدي" قرأه القرأة في كل مصر، إلا ما ذكر عن الأعرج، فإن:- ٣٢٨٦ - أبا هشام الرفاعي، حدثنا، قال: حدثنا يعقوب، عن بشار، عن أسد، عن الأعرج أنه قرأ: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [سورة المائدة:٩٥] بكسر" الدال" مثقلا وقرأ:"حتى يبلغ الهدي محله"، بكسر" الدال" مثقلة. واختلف في ذلك عن عاصم، فروي عنه موافقة الأعرج ومخالفته إلى قراءه سائر القرأة. * * * و" الهدي" عندي إنما سمي" هديا" لأنه تقرب به إلى الله جل وعز مهديه، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه، يقال منه:" أهديت الهدي إلى بيت الله، فأنا أهديه إهداء". كما يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره:" أهديت إلى فلان هدية وأنا أهديها."، ويقال للبدنة" هدية"، ومنه قول زهير بن أبي سلمى، يذكر رجلا أسر، يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى: فلم أر معشرا أسروا هديا ... ولم أر جار بيت يستباء! [[ديوانه: ٧٩ من قصيدة كريمة، قالها في ذم بني عليم بن جناب من كلب. وكان رجل من بني عبد الله بن غطفان قد أتاهم فأكرموه وأحسنوا جواره، بيد أنه كان مولعا بالقمار فنهوه عنه، فأبى إلا المقامرة. فقمر مرة فردوا عليه، ثم قمر أخرى فردوا عليه، ثم قمر الثالثة فلم يردوا عليه، وأخذت منه امرأته في قماره. والهدي: الرجل ذو الحرمة المستجير بالقوم فسموه كما قال الطبري بما يهدي إلى البيت، فهو لا يرد عن البيت ولا يصاب، وقوله: "فستباء" أي تؤخذ امرأته وتنكح، ثم قال لهم بعد البيت: وجار البيت والرجل المنادي ... أمام الحي، عهدهما سواء والمنادي: المجالس في النادي أما بيوت الحي.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أحصرتم، فأردتم الإحلال من إحرامكم، فعليكم ما استيسر من الهدي. ولا تحلوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتى يبلغ الهدي = الذي أوجبته عليكم لإحلالكم من إحرامكم الذي أحصرتم فيه، قبل تمامه وانقضاء مشاعره ومناسكه = محله. [[قال ابن كثير في تفسيره ١: ٤٤٦"وقوله: "ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" معطوف على قوله: "وأتموا الحج والعمرة لله" وليس معطوفا على قوله: "فإن احصرتم فما استيسر من الهدي" كما زعمه ابن جرير رحمه الله. لأن النبي ﷺ وأصحابه عام الحديبية، لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم. فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم، فلا يجوز الحلق"حتى يبلغ الهدي محله"، ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة -وإن كان قارنا- أو من فعل أحدهما، إن كان مفردا أو متمتعا، كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس؟ حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك! فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى انحر". وفي تخطئة ابن كثير لأبي جعفر، نظر وتفصيل ليس هذا موضعه لأنه يطول.]] وذلك أن حلق الرأس إحلال من الإحرام الذي كان المحرم قد أوجبه على نفسه. فنهاه الله عن الإحلال من إحرامه بحلاقه، [[الحلاق مصدر كالحلق والتحلاق، يقال: رأس جيد الحلاق (بكسر الحاء) وقد أكثر مالك من استعمال هذا المصدر في الموطأ (انظر: ٣٩٥، ٣٩٦) .]] حتى يبلغ الهدي -الذي أباح الله جل ثناؤه له الإحلال جل ثناؤه بإهدائه - محله. * * * ثم اختلف أهل العلم في" محل" الهدي الذي عناه الله جل اسمه، الذي متى بلغه كان للمحصر الإحلال من إحرامه الذي أحصر فيه. فقال بعضهم: محل هدي المحصر الذي يحل به ويجوز له ببلوغه إياه حلق رأسه = إذا كان إحصاره من خوف عدو منعه ذبحه، إن كان مما يذبح، أو نحره إن كان مما ينحر، في الحل ذبح أو نحر أو في الحرم = [حيث حبس] [[الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.]] وإن كان من غير خوف عدو فلا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. وهذا قول من قال: الإحصار إحصار العدو دون غيره. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٨٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس أنه بلغه أن رسول الله ﷺ حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي. ثم لم نعلم أن رسول الله ﷺ أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه، أن يقضوا شيئا، ولا أن يعودوا لشيء. [[الأثر: ٣٢٨٧- مضى في ص: ٢٤، بغير إسناد.]] ٣٢٨٨ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن نافع: أن عبد الله بن عمر خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة، فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله ﷺ. فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية. ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد. قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة. قال: ثم طاف طوافا واحدا، ورأى أن ذلك مجز عنه وأهدى=. قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر نبي الله ﷺ وأصحابه. فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت. قال: وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت، فقال: يحل من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء، إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه أن يحج حجة الإسلام. [[الأثر: ٣٢٨٨- في الموطأ: ٣٦٠- ٣٦١ مع خلاف يسير في بعض لفظه. ومن أول قوله: "قال: وسئل مالك"، في آخر هذا الأثر، قد مضى برقم: ٣٢٣٨، وهو في الموطأ: ٣٦٠، قبل النص السالف.]] ٣٢٨٩ - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا مالك، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار: أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي، [[في الموطأ: "سعيد بن حزابة المخزومي".]] وصرع في الحج ببعض الطريق، أن يتداوى بما لا بد منه، [[في المطبوعة: "أن يبدأ بما لا بد منه" والصواب من الموطأ، وقد مضى ذلك كذلك أيضًا في ص: ٢٥، وانظر تعليق رقم: ٢.]] ويفتدي، ثم يجعلها عمرة، ويحج عاما قابلا ويهدي. قال يونس: قال ابن وهب: قال مالك: وذلك الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو. [[الموطأ: ٣٦٢، ومضى بعض ذلك في ص: ٢٥.]] قال: وقال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض، أو خطأ في العدد، أو خفي عليه الهلال، فهو محصر، عليه ما على المحصر - يعني من المقام على إحرامه - حتى يطوف أو يسعى، ثم الحج من قابل والهدي. ٣٢٩٠ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: أخبرني أيوب بن موسى أن داود بن أبي عاصم أخبره: أنه حج مرة فاشتكى، فرجع إلى الطائف ولم يطف بين الصفا والمروة. فكتب إلى عطاء بن أبي رباح يسأله عن ذلك، وأن عطاء كتب إليه: أن أهرق دما * * * وعلة من قال بقول مالك: في أن محل الهدي في الإحصار بالعدو نحره حيث حبس صاحبه، ما:- ٣٢٩١ - حدثنا به أبو كريب ومحمد بن عمارة الأسدي، قالا حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا موسى بن عبيدة، قال: أخبرني أبو مرة مولى أم هانئ، عن ابن عمر، قال: لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، عرض له المشركون فردوا وجهه، قال: فنحر النبي ﷺ الهدي حيث حبسوه- وهي الحديبية- وحلق، وتأسى به أناس فحلقوا حين رأوه حلق، وتربص آخرون فقالوا: لعلنا نطوف بالبيت، فقال رسول الله ﷺ: رحم الله المحلقين! قيل: والمقصرين! قال: رحم الله المحلقين! قيل: والمقصرين! قال:"والمقصرين". [[الحديث: ٣٢٩١- إسناده ضعيف جدا، من أجل"موسى بن عبيدة". وقد مضى بيان حاله: ١٨٧٥، ١٨٧٦. أبو مرة مولى أم هانئ: اسمه"يزيد" ويقال له أيضًا "مولى عقيل بن أبي طالب"، واشتهر بكنيته. وهو تابعي ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومعنى الحديث ثابت معروف من أوجه كثيرة، في دواوين الحديث وكتب السيرة، بل إن نحو هذا المعنى ثابت عن ابن عمر بإسناد صحيح، في المسند: ٦٠٦٧، والبخاري ٥: ٢٢٤، و ٧: ٣٩١ (من الفتح) . والدعاء للمحلقين والمقصرين ثابت من حديثه أيضًا، صحيح، في المسند: ٤٦٥٧ والموطأ والصحيحين، كما بينا هناك.]] ٣٢٩٢ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا لما كتب رسول الله ﷺ القضية بينه وبين مشركي قريش-وذلك بالحديبية، عام الحديبية- قال لأصحابه:"قوموا فانحروا واحلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حلاقك فتحلق. فقام فخرج، فلم يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. [[الحديث: ٣٢٩٢- هو جزء من حديث طويل، في شأن صلح الحديبية، وهو معروف مشهور. رواه احمد في المسند ٤: ٣٢٨- ٢٣١ (حلبي) عن عبد الرزاق عن معمر بهذا الإسناد ثم رواه عقب ذلك، عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الله بن المبارك. عن معمر ولم يذكر لفظه إحالة على الرواية قبله. وقد رواه الطبري هنا، من طريق يحيى القطان. ورواه البخاري ٥: ٢٤١- ٢٦٠ (فتح الباري) عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق كرواية المسند وروي منه قطعة موجزة ٣: ٤٣٣ من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر.]] * * * قالوا: فنحر النبي ﷺ هديه حين صده المشركون عن البيت بالحديبية، وحل هو وأصحابه. قالوا: والحديبية ليست من الحرم. قالوا: ففي مثل ذلك دليل واضح على أن معنى قوله:" حتى يبلغ الهدي محله"، حتى يبلغ بالذبح أو النحر محل أكله، والانتفاع به في محل ذبحه ونحره. ٣٢٩٣ - كما روي عن نبي الله عليه الصلاة والسلام في نظيره إذ أتي بلحم - أتته بريرة - من صدقة كان تصدق به عليها، فقال: قربوه فقد بلغ محله. [[الحديث: ٣٢٩٣- هذه إشارة من الطبري إلى حديث مشهور معروف. وهو قصة"بريرة" التي اشترتها عائشة من مواليها الذين كاتبوها، وأعتقها فكانت مولاتها، وهي في الصحيحين وغيرهما. واللفظ الثابت في الصحيحين، في شأن اللحم الذي تصدق به على بريرة، وأهدته هي لعائشة وأن النبي ﷺ أكل منه-: أنه قال: "هو لها صدقة ولنا هدية" أو نحو هذا، من حديث عائشة ومن حديث أنس، ولم أجد لفظ"فقد بلغ محله"، الذي حكاه الطبري في قصة بريرة. ولعله وقع إليه من رواية خفيت علينا. نعم، جاء نحو هذا اللفظ، في قصتين أخريين في هذا المعنى: إحداهما: من حديث أم عطية الأنصارية أنها بعثت إلى عائشة من لحم جاءها من الصدقة، فدخل رسول الله ﷺ فسأل عن طعام، فأخبروه بذلك -لأن الصدقة لا تحل له- فقال ﷺ: "إنها قد بلغت محلها". رواه أحمد في المسند ٦: ٤٠٧- ٤٠٨ (حلبي) والبخاري ٣: ٢٤٥، ٢٨١- ٢٨٢، و ٥: ١٤٩- ١٥٠ (فتح) مسلم ١: ٢٩٧. والأخرى: من حديث جويرية بنت الحارث أم المؤمنين قالت: "دخل على رسول الله ﷺ ذات يوم: فقال: هل من طعام؟ قلت: لا إلا أعظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة. قال ﷺ: فقربيه فقد بلغت محلها". رواه أحمد في المسند ٦: ٤٢٩ (حلبي) . ومسلم ١: ٢٩٦.]] * * * يعني: فقد بلغ محل طيبه وحلاله له بالهدية إليه بعد أن كان صدقة على بريرة. * * * وقال بعضهم: محل هدي المحصر الحرم لا محل له غيره. * ذكر من قال ذلك: ٣٢٩٤ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد: أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا ذلك له، فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم يوم أمارة، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته. [[الخبر: ٣٢٩٤- عمارة بن عمير التيمي: ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عبد الرحمن بن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي: تابعي ثقة كثير الحديث. عمرو بن سعيد النخعي: لم أجد له ذكرا، وليس له شأن في رواية الخبر، بل هو المتحدث عنه، والذي أفتى ابن مسعود في شأنه. وسيأتي اسمه مرة أخرى في الخبر: ٣٢٩٩. وانظر التعليق على الأثر: ٣٢٩٧ وقد روى الطبري هذا الخبر مكررا بأسانيد، كما ترى وانظر التعليق على الأثر: ٣٢٩٧. ذات الشقوق: منزل بطريق مكة، من الكوفة. وتشوف الشيء: تطاول ينظر إليه.]] ٣٢٩٥ - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن سليمان بن مهران، عن عمارة بن عمير وإبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: خرجنا مهلين بعمرة فينا الأسود بن يزيد، حتى نزلنا ذات الشقوق، فلدغ صاحب لنا، فشق ذلك عليه مشقة شديدة، فلم ندر كيف نصنع به، فخرج بعضنا إلى الطريق، فإذا نحن بركب فيه عبد الله بن مسعود، فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن رجل منا لدغ، فكيف نصنع به؟ قال: يبعث معكم بثمن هدي، فتجعلون بينكم وبينه يوما أمارة، فإذا نحر الهدي فليحل، وعليه عمرة في قابل. [[الخبر: ٣٢٩٥- سليمان بن مهران: هو الأعمش. وهو هنا يروي الخبر عن عمارة بن عمير، كالرواية السابقة، وعن إبراهيم: وهو ابن يزيد بن الأسود بن عمرو النخعي، وهو الفقيه المعروف الثقة، وهو ابن اخت"عبد الرحمن بن يزيد بن قيس". فالأعمش يرويه عنهما عن عبد الرحمن ابن يزيد. * وسيأتي الخبر من روايته وحده أيضًا، عن خاله عبد الرحمن: ٣٢٩٧.]] ٣٢٩٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: بينا نحن بذات الشقوق فلبى رجل منا بعمرة فلدغ، فمر علينا عبد الله فسألناه، فقال: اجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فيبعث بثمن الهدي، فإذا نحر حل وعليه العمرة. [[الأمار والأمارة: العلامة والوقت.]] ٣٢٩٧ - حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت إبراهيم النخعي يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: أهل رجل منا بعمرة، فلدغ، فطلع ركب فيهم عبد الله بن مسعود، فسألوه، فقال: يبعث بهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوما أمارا، فإذا كان ذلك اليوم فليحل = وقال عمارة بن عمير: فكان حسبك به عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله = وعليه العمرة من قابل. [[الخبر: ٣٢٩٧ -الحكم: هو ابن عتيبة- بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق، وبعد التحتية باء موحدة. وهو تابعي ثقة حجة فقيه مشهور. وجعله أحمد بن حنبل أثبت الناس في الرواية عن إبراهيم النخعي. * وهذا الخبر رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ١: ٤٣٢، من طريق بشر بن عمر، عن شعبة بهذا الإسناد نحوه وقد سمى فيه الرجل الذي لدغ، فقال: "أهل رجل من النخع بعمرة، يقال له: عمير بن سعيد- إلخ. فإن يكن هذا صوابا يكن هو"عمير بن سعيد النخعي" التابعي وقد مضت ترجمته: ١٦٨٣. فيكون الاسم"عمرو بن سعيد" في الخبرين: ٣٢٩٤، ٣٢٩٩- محرفا عن هذا. ويرجحه أنه وقع اسمه أيضًا محرفا إلى"عمرو بن سعيد" في المطبوعة، هناك في: ١٦٨٣.]] ٣٢٩٨ - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: خرجنا عمارا، فلما كنا بذات الشقوق لدغ صاحب لنا، فاعترضنا للطريق نسأل عما نصنع به، فإذا عبد الله بن مسعود في ركب، فقلنا له: لدغ صاحب لنا؟ فقال: اجعلوا بينكم وبين صاحبكم يوما، وليرسل بالهدي، فإذا نحر الهدي فليحلل، ثم عليه العمرة. ٣٢٩٩ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن الحجاج، قال: حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود: أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس، فإذا هم بابن مسعود، فذكروا ذلك له فقال: ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته. [[الخبر:، ٣٢٩٩ -الحجاج: هو ابن أرطاة بن ثور بن هيرة النخعي، وهو ثقة على الراجح عندنا. ثم انظر التعليق على الأثر: ٣٢٩٧. * عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي: تابعي ثقة. أبوه الأسود بن يزيد النخعي: هو أخو"عبد الرحمن بن يزيد النخعي، الماضي في الروايات السابقة، وهو تابعي كبير، ثقة من أهل الخير، كما قال أحمد.]] ٣٣٠٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، يقول: من أحرم بحج أو عمرة، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي، شاة فما فوقها يذبح عنه. فإن كانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه. ثم قال:" ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله" فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى البيت. ٣٣٠١ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، فهو الرجل من أصحاب محمد ﷺ كان يحبس عن البيت، فيهدي إلى البيت، ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله. فإذا بلغ الهدي محله حلق رأسه، فأتم الله له حجه. والإحصار أيضا أن يحال بينه وبين الحج، فعليه هدي: إن كان موسرا من الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم، ويجعل حجه عمرة، ويبعث بهديه إلى البيت. فإذا نحر الهدي فقد حل، وعليه الحج من قابل. ٣٣٠٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، حدثنا بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: سأل علي رضي الله عنه عن قول الله عز وجل:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" فإذا أحصر الحاج بعث بالهدي، فإذا نحر عنه حل، ولا يحل حتى ينحر هديه. ٣٣٠٣ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت عطاء يقول: من حبس في عمرته، فبعث بهدية فاعترض لها فإنه يتصدق بشيء أو يصوم، ومن اعترض لهديته، وهو حاج، فإن محل الهدي والإحرام يوم النحر، وليس عليه شيء. ٣٣٠٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، مثله. ٣٣٠٥ - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، الرجل يحرم ثم يخرج فيحصر، إما بلدغ أو مرض فلا يطيق السير، وإما تنكسر راحلته، فإنه يقيم، ثم يبعث بهدي شاة فما فوقها. فإن هو صح فسار فأدرك فليس عليه هدي، وإن فاته الحج فإنها تكون عمرة، وعليه من قابل حجة. وإن هو رجع لم يزل محرما حتى ينحر عنه يوم النحر. فإن هو بلغه أن صاحبه لم ينحر عنه عاد محرما وبعث بهدي آخر، فواعد صاحبه يوم ينحر عنه بمكة، فتنحر عنه بمكة، ويحل، وعليه من قابل حجة وعمرة - ومن الناس من يقول: عمرتان. وإن كان أحرم بعمرة ثم رجع وبعث بهديه، فعليه من قابل عمرتان. وأناس يقولون: لا بل ثلاث عمر، نحوا مما صنعوا في الحج حين صنعوا، عليه حجة وعمرتان. ٣٣٠٦ - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قال: أخبرنا إسحاق الأزرق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس، قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو. فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة، فإنه يبعث بها مكانه، ويواعد صاحب الهدي. فإذا أمن فعليه أن يحج ويعتمر. فإن أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي، فإنه يحل حيث يحبس. وإن كان معه هدي، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله إذا بعث به، وليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر، إلا أن يشاء. * * * وقال أبو جعفر: وعلة من قال هذه المقالة = أن محل الهدايا والبدن الحرم = أن الله عز وجل ذكر البدن والهدايا فقال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٢-٣٣] فجعل محلها الحرم، ولا محل للهدي دونه. قالوا: وأما ما ادعاه المحتجون بنحر النبي ﷺ هداياه بالحديبية حين صد عن البيت، فليس ذلك بالقول المجتمع عليه، وذلك أن: ٣٣٠٧ - الفضل بن سهل حدثني، قال: حدثنا مخول بن إبراهيم، قال: حدثنا إسرائيل، عن مجزأة بن زاهر الأسلمي، عن أبيه، عن ناجية بن جندب الأسلمي، قال: أتيت النبي ﷺ حين صد عن الهدي، فقلت: يا رسول الله ابعث معي بالهدي فلننحره بالحرم! قال: كيف تصنع به؟ قلت: آخذ به أودية فلا يقدرون عليه! فانطلقت به حتى نحرته بالحرم. [[الحديث: ٣٣٠٧ -الفضل بن سهل بن إبراهيم الأعرج، شيخ الطبري: أحد الثقات الحفاظ روى عنه الشيخان في الصحيحين. وهو مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم ٣/١/٦٣، وتاريخ بغداد ١٢: ٣٦٤-٣٦٥. وتذكرة الحفاظ ٢: ١٢٠. مخول -بالخاء المعجمة بوزن"محمد"- بن إبراهيم بن مخول بن راشد النهدي الحناط؛ قال الذهبي في الميزان: "رافضي بغيض، صدوق في نفسه". وقال ابن أبي حاتم ٤/١/٣٩٩: "سئل أبي عنه فقال: "هو صدوق" وذكره ابن حبان في الثقات. إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي. و"مخول" أكثر روايته عن إسرائيل، وقد روى عنه ما لم يرو غيره"، كما قال ابن عدي. مجزأة بن زاهر: تابعي ثقة، أخرج له الشيخان وغيرهما. أبوه، زاهر بن أسود بن حجاج بن قيس الأسلمي: صحابي معروف كان ممن بايع تحت الشجرة. ناجية بن جندب الأسلمي: صحابي معروف وكان صاحب بدن رسول اله ﷺ. وهناك أيضًا "ناجية بن كعب الخزاعي" كان صاحب بدن رسول الله ﷺ أيضًا. وقد خلط بينهما بعض الرواة. وحقق الحافظ في التهذيب والإصابة أن هذا غير ذاك. والحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ١: ٤٢٧، عن إبراهيم بن أبي داود عن مخول ابن إبراهيم بهذا الإسناد إلا أنه جعله"عن مجزأة عن ناجية" مباشرة ليس بينهما"عن أبيه". و"مجزأة" يروى عن ناجية. لكن هذا الحديث بعينه ذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة ناجية ٦: ٢٢٢- ٢٢٣ أنه رواه ابن مندة"من طريق مجزأة بن زاهر، عن أبيه عن ناجية بن جندب"، ثم ذكر أنه"أخرجه الطحاوي من طريق مخول". فلا أدري: أسقط قوله"عن أبيه" من نسخة الطحاوي؟ أم هو اختلاف رواية؟ وقال الحافظ بعد ذكره رواية ابن مندة: "قال اب مندة: تفرد به مخول بن إبراهيم عن إسرائيل عنه (يعني عن مجزأة) ورواه عنه (يعني عن مخول) أبو حاتم الرازي وغيره. كذا قال وقد أخرجه النسائي من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل مثله". ولم أجده في النسائي. فالظاهر أنه في السنن الكبرى.]] قالوا: فقد بين هذا الخبر أن النبي ﷺ نحر هداياه في الحرم، فلا حجة لمحتج بنحره بالحديبية في غير الحرم. * * * وقال آخرون: معنى هذه الآية وتأويلها على غير هذين الوجهين اللذين وصفنا من قول الفريقين اللذين ذكرنا اختلافهم على ما ذكرنا. وقالوا: إنما معنى ذلك: فإن أحصرتم أيها المؤمنون عن حجكم - فمنعتم من المضي لإحرامه لعائق مرض أو خوف عدو - وأداء اللازم لكم وحجكم، حتى فاتكم الوقوف بعرفة، فإن عليكم ما استيسر من الهدي، لما فاتكم من حجكم، مع قضاء الحج الذي فاتكم. فقال أهل هذه المقالة: ليس للمحصر في الحج - بالمرض والعلل غيره - الإحلال إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة إن فاته الحج. قالوا: فأما إن أطاق شهود المشاهد، فإنه غير محصر. قالوا: وأما العمرة فلا إحصار فيها، لأن وقتها موجود أبدا. قالوا: والمعتمر لا يحل إلا بعمل آخر ما يلزمه في إحرامه. قالوا: ولم يدخل المعتمر في هذه الآية، وإنما عنى بها الحاج. * * * ثم اختلف أهل هذه المقالة. فقال بعضهم: لا إحصار اليوم بعدو، كما لا إحصار بمرض يجوز لمن فاته أن يحل من إحرامه قبل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة. * ذكر من قال ذلك: ٣٣٠٨ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، عن طاوس، قال: قال ابن عباس: لا إحصار اليوم. ٣٣٠٩ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت: لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت. ٣٣١٠ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لا حصر إلا من حبسه عدو، فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة. * * * وقال آخرون منهم: حصار العدو ثابت اليوم وبعد اليوم، على نحو ما ذكرنا من أقوالهم الثلاثة التي حكينا عنهم. * ذكر من قال ذلك: وقال: معنى الآية: فإن أحصرتم عن الحج حتى فاتكم، فعليكم ما استيسر من الهدي لفوته إياكم: ٣٣١١ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم، قال: كان عبد الله بن عمر ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة رسول الله ﷺ؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا. ٣٣١٢ - حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: المحصر لا يحل من شيء حتى يبلغ البيت، ويقيم على إحرامه كما هو، إلا أن تصيبه جراحة - أو جرح - فيتداوى بما يصلحه ويفتدي. فإذا وصل إلى البيت، فإن كانت عمرة قضاها، وإن كانت حجة فسخها بعمرة، وعليه الحج من قابل والهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. ٣٣١٣ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع: أن ابن عمر مر على ابن حزابة وهو بالسقيا، فرأى به كسرا، فاستفتاه، فأمره أن يقف كما هو لا يحل من شيء حتى يأتي البيت إلا أن يصيبه أذى فيتداوى وعليه ما استيسر من الهدي. وكان أهل بالحج. [[انظر ما سلف رقم: ٣٢٨٩.]] ٣٣١٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر، قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه خوف أو مرض أو خلأ له ظهر يحمله، [[خلأت الناقة تخلأ خلاه (بكسر الخاء) فهي خالي: إذا بركت وأبت أن تقوم وأبت أن تقوم وفي الحديث"أن ناقة النبي ﷺ خلأت به يوم الحديبية فقالوا: خلأت القصواء! فقال رسول الله ﷺ: ما خلأت! وما هو لها بخلق! ولكن حبسها حابس الفيل". والظهر: الإبل التي يحمل عليها ويركب عليها.]] أو شيء من الأمور كلها، فإنه يتعالج لحبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه، غير أنه لا يحل من النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها صيام أو صدقة أو نسك. فإن فاته الحج وهو بمحبسه ذلك، أو فاته أن يقف في مواقف عرفة قبل الفجر من ليلة المزدلفة، فقد فاته الحج، وصارت حجته عمرة: يقدم مكة فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن كان معه هدي نحره بمكة قريبا من المسجد الحرام، ثم حلق رأسه، أو قصر، ثم حل من النساء والطيب وغير ذلك. ثم عليه أن يحج قابلا ويهدي ما تيسر من الهدي. ٣٣١٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر أنه قال: المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة. وإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى. [[الموطأ: ٣٦١، مع خلاف يسير في لفظه وفيه: "المحصر بمرض لا يحل. . . "]] * * * فهذا ما روي عن ابن عمر في الإحصار بالمرض وما أشبهه، وأما في المحصر بالعدو فإنه كان يقول فيه بنحو القول الذي ذكرناه قبل عن مالك بن أنس أنه كان يقوله. [[انظر ما سلف رقم: ٣٢٣٨، ٣٢٨٧، ٣٢٨٨.]] ٣٣١٦ - حدثني تميم بن المنتصر، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج حين نزل الحجاج بابن الزبير فكلمه ابناه سالم وعبيد الله، فقالا لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يكون بين الناس قتال فيحال بينك وبين البيت! قال: إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعلنا مع رسول الله ﷺ حين حال كفار قريش بينه وبين البيت فحلق ورجع. * * * وأما ما ذكرناه عنهم في العمرة من قولهم:" إنه لا إحصار فيها ولا حصر"، فإنه:- ٣٣١٧ - حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني هشيم، عن أبي بشر، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أنه أهل بعمرة فأحصر، قال: فكتب إلى ابن عباس وابن عمر، فكتبا إليه أن يبعث بالهدي، ثم يقيم حتى يحل من عمرته. قال: فأقام ستة أشهر أو سبعة أشهر. ٣٣١٨ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا يعقوب، عن أبي العلاء بن الشخير، قال: خرجت معتمرا فصرعت عن بعيري، فكسرت رجلي، فأرسلنا إلى ابن عباس وابن عمر نسألهما، فقالا إن العمرة ليس لها وقت كوقت الحج، لا تحل حتى تطوف بالبيت. قال: فأقمت بالدثينة أو قريبا منه سبعة أشهر أو ثمانية أشهر. [[الدثينة (بفتح أوله وكسر ثانيه) : منزل لبني سليم في طريق البصرة إلى مكة، وكانت تسمى"الدفينة" أيضًا. وقال البكري في معجم ما استعجم: "الدثينة" بفتح أوله وثانيه بعده نون وياء مشددة. ثم نقل عن أبي علي القالي: "الدفينة والدثينة: منزل لبني سليم نفلته من كتاب يعقوب في الإبدال" والصواب ما ذكره ياقوت في ضبطها، لقول النابغة الذبياني: وعلى الرميثة من سكين حاضر وعلى الدثينة من بني سيار]] ٣٣١٩ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة إلى عبد الله بن عباس، وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس، فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك إلى سبعة أشهر، حتى أحللت بعمرة. [[الموطأ: ٣٦١، وفي بعض لفظه خلاف يسير، وفيه أيضًا: "فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر"، وكأنها الصواب.]] ٣٣٢٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب في رجل أصابه كسر وهو معتمر، قال: يمكث على إحرامه حتى يأتي البيت ويطوف به وبالصفا والمروة، ويحلق أو يقصر، وليس عليه شيء. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من قال: إن الله عز وجل عنى بقوله =:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله" = كل محصر في إحرام، بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج. وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه، وجعل له الإحلال من إحرامه ببلوغ هديه محله-. [[قوله: "وتأول. . " معطوف على قوله: ". . . قول من قال. . . "]] وتأول بـ "المحل" المنحر أو المذبح، وذلك حين حل نحره أو ذبحه، في حرم كان أو في حل، وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه سبيلا وذلك لتواتر الأخبار عن رسول الله ﷺ أنه صد عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة، فنحر هو وأصحابه بأمره الهدي، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت، ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه في العام الذي بعده. ولم يدع أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله ﷺ ولا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى البيت والإحلال بالطواف به وبالسعي بين الصفا والمروة، ولا تحفى وصول هديه إلى الحرم. [[في المطبوعة: "ولا يخفى وصول هديه إلى الحرم"، وهو لا معنى له. وتحفى: استقصى وبالغ وعنى في معرفة الشيء. من قولهم: "هو به حفى"، أي معنى شديد الاهتمام. هذا ما استظهرته من قراءة هذه الكلمة. والله المسدد للصواب.]] فأولى الأفعال أن يقتدى به، فعل رسول الله ﷺ، إذ لم يأت بحظره خبر، ولم تقم بالمنع منه حجة. فإذ كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول في ذلك = فمن متأول معنى الآية تأويلنا، ومن مخالف ذلك، ثم كان ثابتا بما قلنا عن رسول الله ﷺ النقل = كان الذي نقل عنه أولى الأمور بتأويل الآية، إذ كانت هذه الآية لا يتدافع أهل العلم أنها يومئذ نزلت وفي حكم صد المشركين إياه عن البيت أوحيت. [[في المطبوعة: "أنها يومئذ نزلت في حكم صد المشركين. . . " وزيادة الواو لا بد منها حتى يستقيم الكلام ويعتدل جانباه.]] وقد روي بنحو الذي قلنا في ذلك خبر. ٣٣٢١ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثني الحجاج بن أبي عثمان، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثه، قال: حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" قال: فحدثت ابن عباس وأبا هريرة بذلك، فقالا صدق. [[الحديث: ٣٣٢١ -حجاج بن أبي عثمان الصواف: ثقة حافظ أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٥٧٩٦ (٣: ٤٥٠ حلبي) عن يحيى القطان وعن ابن علية كلاهما عن حجاج الصواف بهذا الإسناد. ورواه أبو داود: ١٩٦٢ من طريق يحيى عن حجاج قال المنذري: "وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه". وسيأتي عقب هذا بإسناد ثان.]] ٣٣٢٢ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا مروان، قال: حدثنا حجاج الصواف = وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا سفيان بن حبيب، عن الحجاج الصواف = عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو، عن النبي ﷺ نحوه، وعن ابن عباس وأبي هريرة. [[الحديث: ٣٣٢٢ -مروان: هو ابن معاوية الفزاري مضت ترجمته: ١٢٢٢. والحديث مكرر ما قبله. وقد رواه الحاكم في المستدرك ١: ٤٧٠ من طريق مروان بن معاوية الفزاري بهذا الإسناد. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. * ووقع في نسخة المستدرك المطبوعة"مروان حدثنا معاوية الفزاري"! وهو خطأ مطبعي، ينبغي تصحيحه.]] * * * ومعنى هذا الخبر الأمر بقضاء الحجة التي حل منها، نظير فعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في قضائهم عمرتهم التي حلوا منها عام الحديبية من القابل في عام عمرة القضية. * * * ويقال لمن زعم أن الذي حصره عدو، إذا حل من إحرامه التطوع فلا قضاء عليه، وأن المحصر بالعلل عليه القضاء: ما العلة التي أوجبت على أحدهما القضاء، وأسقطت عن الآخر، وكلاهما قد حل من إحرام كان عليه إتمامه لولا العلة العائقة؟ فإن قال: لأن الآية إنما نزلت في الذي حصره العدو، فلا يجوز لنا نقل حكمها إلى غير ما نزلت فيه قيل له: قد دفعك عن ذلك جماعة من أهل العلم، غير أنا نسلم لك ما قلت في ذلك، فهلا كان حكم المنع بالمرض والإحصار له حكم المنع بالعدو، إذ هما متفقان في المنع من الوصول إلى البيت وإتمام عمل إحرامهما، وإن اختلفت أسباب منعهما، فكان أحدهما ممنوعا بعلة في بدنه، والآخر بمنع مانع؟ ثم يسأل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. * * * وأما الذين قالوا: لا إحصار في العمرة، فإنه يقال لهم: قد علمتم أن النبي ﷺ إنما صد عن البيت، وهو محرم بالعمرة، فحل من إحرامه؟ فما برهانكم على عدم الإحصار فيها؟ أو رأيتم إن قال قائل: لا إحصار في حج، وإنما فيه فوت، وعلى الفائت الحج المقام على إحرامه حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، لأنه لم يصح عن النبي ﷺ أنه سن في الإحصار في الحج سنة؟ فقد قال ذلك جماعة من أئمة الدين. فأما العمرة فإن النبي ﷺ سن فيها ما سن، وأنزل الله تبارك وتعالى في حكمها ما بيّن من الإحلال والقضاء الذي فعله ﷺ، ففيها الإحصار دون الحج هل بينها وبينه فرق؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي، ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله، [[انظر ما سلف ص: ٣٦، والتعليق رقم: ١]] إلا أن يضطر إلى حلقه منكم مضطر، إما لمرض، وإما لأذى برأسه، من هوام أو غيرها، فيحلق هنالك للضرورة النازلة به، وإن لم يبلغ الهدي محله، فيلزمه بحلاق رأسه وهو كذلك، فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٣٣٢٣ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما" أذى من رأسه"؟ قال: القمل وغيره، والصدع، وما كان في رأسه. * * * وقال آخرون: لا يحلق إن أراد أن يفتدي الحج بالنسك، أو الإطعام، إلا بعد التكفير. وإن أراد أن يفتدي بالصوم، حلق ثم صام. * ذكر من قال ذلك: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . ٣٣٢٤ - حدثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن أشعث، عن الحسن، قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه فإنه يحلق حين يبعث بالشاة، أو يطعم المساكين، وإن كان صوم حلق ثم صام بعد ذلك. [[الخبر: ٣٣٢٤ -عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري الحافظ: ثقة أخرج له الشيخان وغيرهما مات سنة ٢٣٧. وهو بصري وابن جرير ولد سنة ٢٢٤ فكانت سنة حين وفاة عبيد الله ١٣ سنة ولا يبعد سماعه منه، إلا أنه لم يرحل في طلب الحديث في هذه السن. ولم أجد ما يؤيد ظاهر هذا الإسناد: أنه سمع عبيد الله. وسيأتي هذا الإسناد في خبر آخر: ٣٣٧٤ بواسطة بين الطبري وعبيد الله، وليس يمتنع أن يروي الراوي عن شيخ مباشرة تارة وبواسطة تارة أخرى. ولني أشك في صحة مطبوعة الطبري في هذا الموضع خشية أن يكون سقط اسم شيخ بينهما. وقد وضعت قبل هذا الأثر نقطا وبعده نقطا أخرى ليقيني أن في هذا الموضع خرم وخلط لم أستطع أن أهتدي إليه. ومع ذلك فأنا في شك من نص هذا الأثر، وأخشى أن يكون من كلام الطبري لا من كلام الحسن وسيأتي قول الحسن بهذا الإسناد في رقم: ٣٣٧٤. هذا والإسناد هناك، "حدثنا ابن أبي عمران قال حدثنا عبيد الله بن معاذ عن أبيه. . . " وكذلك نقله ابن كثير في تفسيره ١: ٤٤٨ فلا شك أن في هذا الإسناد نقصا أيضًا وصوابه"حدثنا ابن أبي عمران قال حدثنا عبيد الله بن معاذ. . . ".]] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . * * * * ذكر من قال ذلك: ٣٣٢٥ - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي، شاة فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله، فحلق رأسه، أو مس طيبا أو تداوى، كان عليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذلك قال ابن عباس. ٣٣٢٦ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"، قال: من أحصر بمرض أو كسر فليرسل بما استيسر من الهدي، ولا يحلق رأسه، ولا يحل حتى يوم النحر. فمن كان مريضا، أو اكتحل، أو ادهن، أو تداوى، أو كان به أذى من رأسه، فحلق، ففدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. ٣٣٢٧ -حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. ٣٣٢٨ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" هذا إذا كان قد بعث بهديه، ثم احتاج إلى حلق رأسه من مرض، وإلى طيب، وإلى ثوب يلبسه، قميص أو غير ذلك: فعليه الفدية. ٣٣٢٩ - وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: من أحصر عن الحج فأصابه في حبسه ذلك مرض أو أذى برأسه، فحلق رأسه في محبسه ذلك، فعليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك. ٣٣٣٠ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: من أحصر بعد أن يهل بحج، فحبسه مرض أو خوف، فإنه يتعالج في حبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه، غير أنه لا يحل له النساء والطيب، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها: صيام، أو صدقة، أو نسك. ٣٣٣١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثني بشر بن السري، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: سئل علي رضي الله عنه عن قول الله جل ثناؤه:" فمن كان من منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال: هذا قبل أن ينحر الهدي، إن أصابه شيء فعليه الكفارة. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك قبل الحلاق إذا أراد حلاقه. * ذكر من قال ذلك: ٣٣٣٢ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فمن اشتد مرضه، أو آذاه رأسه وهو محرم، فعليه صيام، أو إطعام، أو نسك. ولا يحلق رأسه حتى يقدم فديته قبل ذلك. * * * وعلة من قال هذه المقالة ما: - ٣٣٣٣ - حدثنا به المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يعقوب، قال: سألت عطاء، عن قوله:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فقال: إن كعب بن عجرة مر بالنبي ﷺ وبرأسه من الصئبان والقمل كثير، فقال له النبي عليه السلام:"هل عندك شاة"؟ فقال كعب: ما أجدها! فقال له النبي ﷺ: إن شئت فأطعم ستة مساكين، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، ثم احلق رأسك. [[الحديث: ٣٣٣٣ -هذا الحديث إلى الحديث: ٣٣٥٨ ثم الحديث: ٣٣٦٤ كلها طرق لحديث كعب بن عجرة من أوجه مختلفة بألفاظ وسياقات ثم الحديث ٣٣٥٩ في قصة كعب أيضًا. فهو ٢٨ حديثا وجدت تخريج أكثرها. ومنها ١٠ أسانيد لم يقع إلى تخريجها فتستفاد من هذا التفسير العظيم ولعل بعضها موجود في مراجعنا ولكن لم أصل إليه. وأرقام الأسانيد التي لم أجد تخريجها هي: ٣٣٣٣، ٣٣٣٩، ٣٣٤٣، ٣٣٤٤، ٣٣٤٩، ٣٣٥٠، ٣٣٥٥، ٣٣٥٧، ٣٣٥٨، ٣٣٥٩. وهذا الإسناد: ٣٣٣٣ -أولها ولم أجده في موضع آخر وعطاء في هذا الإسناد: الظاهر أنه عطاء بن أبي رباح. ويحتمل أن يكون"عطاء بن عبد الله الخراساني"، لأن الحديث سيأتي من روايته: ٣٣٥٣ عن شيخ مبهم عن كعب بن عجرة. وأيا ما كان فهذا الإسناد ضعيف لإرساله لأن عطاء يحكي قصة في عهد رسول الله ﷺ لم يدركها، ثم لم يذكر من حدثه بها. وسيأتي الحديث مرة أخرى ٣٣٥٧ من رواية ابن جريج عن عطاء مرسلا أيضًا. ومعناه ثابت صحيح من الروايات الموصولة الصحيحة الآتية وفيها كثرة والحمد لله. الصئبان جمع صاب (بضم بفتح) جمع صؤابة: وهو بيض القمل.]] * * * قال أبو جعفر: فأما "المرض" الذي أبيح معه العلاج بالطيب وحلق الرأس، فكل مرض كان صلاحه بحلقه كالبرسام الذي يكون من صلاح صاحبه حلق رأسه، وما أشبه ذلك، [[البرسام: ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء. ثم يتصل إلى الدماغ حتى يهذي صاحبه في علته هذه.]] والجراحات التي تكون بجسد الإنسان التي يحتاج معها إلى العلاج بالدواء الذي فيه الطيب ونحو ذلك من القروح والعلل العارضة للأبدان. وأما" الأذى" الذي يكون إذا كان برأس الإنسان خاصة له حلقه، فنحو الصداع والشقيقة، وما أشبه ذلك، [[الشقيقة: صداع يأخذ في نصف الرأس والوجه، يداوى بالاحتجام.]] وأن يكثر صئبان الرأس، وكل ما كان للرأس مؤذيا مما في حلقه صلاحه ودفع المضرة الحالة به، فيكون ذلك بعموم قول الله جل وعز:" أو به أذى من رأسه". * * * وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله ﷺ أن هذه الآية نزلت عليه بسبب كعب بن عجرة، إذ شكا كثرة أذى برأسه من صئبانه، وذلك عام الحديبية. * ذكر الأخبار التي رويت في ذلك: ٣٣٣٤ - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة قالا حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا داود، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال: مر بي رسول الله ﷺ بالحديبية ولي وفرة فيها هوام ما بين أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصئبان، فقال:"إن هذا لأذى"! قلت: أجل يا رسول الله، شديد! قال: أمعك دم؟ قلت: لا! قال: فإن شئت فصمْ ثلاثة أيام، وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين، على كل مسكين نصف صاع. [[الحديثان: ٣٣٣٤، ٣٣٣٥ -داود: هو ابن أبي هند. والحديث رواه احمد في المسند ٤: ٣٤٣ وأبو داود: ١٨٥٨ -كلاهما من طريق داود عن الشعبي. الوفرة: أعظم من الجمة وهي ما جاوز شحمة الأذنين من الشعر ثم اللمة وهي ما ألم بالمنكبين والهوام واحدها هامة: وهي الحيات وأشباهها مما يهم أي يدب. والهميم الدبيب. وكنوا عن القمل بأنها هوام لأنها تهم في الرأس، أي تدب فيه وتؤذي. وآصع جمع صاع وأصلها"أصؤع" بالهمزة مضمومة (مثل جبل وأجبل) قلبت الهمزة مكان الصاد، كما قالوا في دار أدؤر وآدر (المغرب عن أبي علي الفارسي ومعيار اللغة للشيرازي) والصاع مكيال لأهل المدينة وللفقهاء اختلاف كثير في تقديره، وسيأتي (آصع) في رقم: ٣٣٤٦]] ٣٣٣٥ - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي، قال: حدثنا خالد الطحان، عن داود، عن عامر، عن كعب بن عجرة، عن النبي بنحوه. ٣٣٣٦ - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أسد بن عمرو، عن أشعث، عن عامر، عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة، قال: خرجت مع النبي ﷺ زمن الحديبية ولي وفرة من شعر، قد قملت وأكلني الصئبان. فرآني رسول الله ﷺ، فقال:"احلق! " ففعلت، فقال:"هل لك هدي؟ " فقلت: ما أجد! فقال: إنه ما استيسر من الهدي، فقلت: ما أجد! فقال:"صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع. قال: ففي نزلت هذه الآية:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"، إلى آخر الآية [[الحديث: ٣٣٣٦ -أسد بن عمرو البجلي القاضي: فقيه من أصحاب أبي حنيفة وروى عنه الإمام أحمد وقال: "كان صدوقا". ووثقه ابن سعد ٧/٢/٧٤. وترجمته في التعجيل. وهو مختلف فيه جدا، بين التوثيق والتكذيب. والعدل ما قال أحمد. أشعث: هو ابن سوار الكندي. وهو ثقة. عامر: هو الشعبي. عبد الله بن معقل بن مقرن المزني: تابعي ثقة من خيار التابعين. و"معقل": بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف. و"مقرن": بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة وآخره نون. والحديث رواه أحمد ٤: ٢٤٣ (حلبي) عن هشيم عن أشعث بهذا الإسناد. وسيأتي ٣٣٦٤، من طريق هشيم.]] قال أبو جعفر: وهذا الخبر ينبئ عن أن الصحيح من القول أن الفدية إنما تجب على الحالق بعد الحلق، وفساد قول من قال: يفتدي ثم يحلق؛ لأن كعبا يخبر أن النبي ﷺ أمره بالفدية، بعد ما أمره بالحلق فحلق. [[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب