الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿وأتِمُّوا الحَجَّ﴾ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في المَعْنى المُرادِ بِإتْمامِ الحَجِّ والعُمْرَةِ لِلَّهِ، فَقِيلَ: أداؤُهُما والإتْيانُ بِهِما مِن دُونِ أنْ يَشُوبَهُما شَيْءٌ مِمّا هو مَحْظُورٌ، ولا يُخِلَّ بِشَرْطٍ ولا فَرْضٍ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأتَمَّهُنَّ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيْلِ﴾ . وقالَ سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ: إتْمامُهُما أنْ تَخْرُجَ لَهُما لا لِغَيْرِهِما، وقِيلَ: إتْمامُهُما أنْ تُفِرِدَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِن غَيْرِ تَمَتُّعٍ ولا قِرانٍ، وبِهِ قالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وقالَ مُقاتِلٌ: إتْمامُهُما أنْ لا يَسْتَحِلُّوا فِيهِما ما لا يَنْبَغِي لَهم، وقِيلَ: إتْمامُهُما أنْ يُحْرِمَ لَهُما مِن دُوَيْرَةِ أهْلِهِ، وقِيلَ: أنْ يُنْفِقَ في سَفَرِهِما الحَلالَ الطَّيِّبَ، وسَيَأْتِي بَيانُ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ وما هو مَرْوِيٌّ عَنِ السَّلَفِ في مَعْنى إتْمامِهِما. وقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى وُجُوبِ العُمْرَةِ لِأنَّ الأمْرَ بِإتْمامِهِما أمْرٌ بِها، وبِذَلِكَ قالَ عَلِيٌّ وابْنُ عُمَرَ وابْنُ عَبّاسٍ وعَطاءٌ وطاوُسٌ ومُجاهِدٌ والحَسَنُ وابْنُ سِيرِينَ والشَّعْبِيُّ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ومَسْرُوقٌ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدّادٍ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ وإسْحاقُ وأبُو عُبَيْدٍ وابْنُ الجَهْمِ مِنَ المالِكِيَّةِ. وقالَ مالِكٌ والنَّخَعِيُّ وأصْحابُ الرَّأْيِ كَما حَكاهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهم: أنَّها سُنَّةٌ. وحُكِيَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ أنَّهُ يَقُولُ بِالوُجُوبِ. ومِنَ القائِلِينَ بِأنَّها سُنَّةٌ ابْنُ مَسْعُودٍ وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. ومِن جُمْلَةِ ما اسْتَدَلَّ بِهِ الأوَّلُونَ ما ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ في الصَّحِيحِ أنَّهُ قالَ لِأصْحابِهِ: «مَن كانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِحَجٍّ وعُمْرَةَ» . وثَبَتَ عَنْهُ أيْضًا في الصَّحِيحِ أنَّهُ قالَ: «دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيامَةِ» . وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ والحاكِمُ مِن حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ الحَجَّ والعُمْرَةَ فَرِيضَتانِ لا يَضُرُّكَ بِأيِّهِما بَدَأْتَ» . واسْتَدَلَّ الآخَرُونَ بِما أخْرَجَهُ الشّافِعِيُّ في الآيَةِ وعَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي صالِحٍ الحَنَفِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الحَجُّ جِهادٌ والعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» . وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ عَنْ جابِرٍ «أنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ العُمْرَةِ: أواجِبَةٌ هي ؟ قالَ: لا وأنْ تَعْتَمِرُوا خَيْرٌ لَكم» وأجابُوا عَنِ الآيَةِ وعَنِ الأحادِيثِ المُصَرِّحَةِ بِأنَّها فَرِيضَةٌ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ قَدْ وقَعَ الدُّخُولُ فِيها، وهي بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيها واجِبَةٌ بِلا خِلافٍ، وهَذا وإنْ كانَ فِيهِ بُعْدٌ، لَكِنَّهُ يَجِبُ المَصِيرُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الأدِلَّةِ ولا سِيَّما بَعْدَ تَصْرِيحِهِ ﷺ بِما تَقَدَّمَ في حَدِيثِ جابِرٍ مِن عَدَمِ الوُجُوبِ، وعَلى هَذا يُحْمَلُ ما ورَدَ مِمّا فِيهِ دَلالَةٌ عَلى وُجُوبِها، كَما أخْرَجَهُ الشّافِعِيُّ في الأُمِّ أنَّ في الكِتابِ الَّذِي كَتَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «إنَّ العُمْرَةَ هي الحَجُّ الأصْغَرُ» . وكَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ البَيْهَقِيِّ في الشُّعَبِ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: أوْصِنِي، فَقالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ ولا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وتَصُومُ شَهْرَ رَمَضانَ، وتَحُجُّ وتَعْتَمِرُ، وتَسْمَعُ وتُطِيعُ، وعَلَيْكَ بِالعَلانِيَةِ، وإيّاكَ والسِّرَّ» وهَكَذا يَنْبَغِي حَمْلُ ما ورَدَ مِنَ الأحادِيثِ الَّتِي قَرَنَ فِيها بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ في أنَّهُما مِن أفْضَلِ الأعْمالِ، وأنَّهُما كَفّارَةٌ لِما بَيْنَهُما، وأنَّهُما يَهْدِمانِ ما كانَ قَبْلَهُما ونَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: ﴿فَإنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ الحَصْرُ: الحَبْسُ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ والكِسائِيُّ والخَلِيلُ: إنَّهُ يُقالُ أُحْصِرَ بِالمَرَضِ، وحُصِرَ بِالعَدُوِّ. وفِي المُجْمَلِ لِابْنِ فارِسٍ العَكْسُ، يُقالُ: أُحْصِرَ بِالعَدُوِّ، وحُصِرَ بِالمَرَضِ. ورَجَّحَ الأوَّلَ ابْنُ العَرَبِيِّ وقالَ: هو رَأْيُ أكْثَرِ أهْلِ اللُّغَةِ. وقالَ الزَّجّاجُ: إنَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ أهْلِ اللُّغَةِ. وقالَ الفَرّاءُ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ في المَرَضِ والعَدُوِّ. ووافَقَهُ عَلى ذَلِكَ أبُو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ فَقالَ: حَصَرَنِي الشَّيْءُ وأحْصَرَنِي، أيْ حَبَسَنِي. وبِسَبَبِ هَذا الِاخْتِلافِ بَيْنَ أهْلِ اللُّغَةِ اخْتَلَفَ أئِمَّةُ الفِقْهِ في مَعْنى الآيَةِ، فَقالَتِ الحَنَفِيَّةُ: - المُحْصَرُ مَن يَصِيرُ مَمْنُوعًا مِن مَكَّةَ بَعْدَ الإحْرامِ بِمَرَضٍ أوْ عَدُوٍّ أوْ غَيْرِهِ. وقالَتِ الشّافِعِيَّةُ وأهْلُ المَدِينَةِ المُرادُ بِالآيَةِ حَصْرُ العَدُوِّ. وقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَماءِ إلى أنَّ المُحْصَرَ بِعَدُوٍّ يَحِلُّ حَيْثُ أُحْصِرَ ويَنْحَرُ هَدْيَهُ إنْ كانَ ثَمَّ هَدْيٌ ويَحْلِقُ رَأْسَهُ، كَما فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ هو وأصْحابُهُ في الحُدَيْبِيَةِ. وقَوْلُهُ ﴿فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ " ما " في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ أوِ الخَبَرِ، أيْ فالواجِبُ أوْ فَعَلَيْكم، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، أيْ فانْحَرُوا أوْ فاهْدُوا ما اسْتَيْسَرَ، أيْ ما تَيَسَّرَ، يُقالُ: يَسَّرَ الأمْرَ واسْتَيْسَرَ، كَما يُقالُ: صَعَّبَ واسْتَصْعَبَ. الهَدْيُ والهَدِيُّ لُغَتانِ، وهُما جَمْعُ هَدِيَّةٍ، وهي ما يُهْدى إلى البَيْتِ مِن بَدَنَةٍ أوْ غَيْرِها. قالَ الفَرّاءُ: أهْلُ الحِجازِ وبَنُو أسَدٍ يُخَفِّفُونَ الهَدْيَ، وتَمِيمٌ وسُفْلى قَيْسٍ يُثَقِّلُونَ. قالَ الشّاعِرُ: ؎حَلَفْتُ بِرَبِّ كَعْبَةٍ والمُصَلّى وأعْناقِ الهَدْيِ مُقَلَّداتِ قالَ: وواحِدُ الهَدْيِ هَدِيَّةٌ، ويُقالُ: في جَمْعِ الهَدِيِّ أُهُدٌ. واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَما اسْتَيْسَرَ﴾ فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّهُ شاةٌ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ وعائِشَةُ وابْنُ الزُّبَيْرِ: جَمَلٌ أوْ بَقَرَةٌ. وقالَ الحَسَنُ: أعْلى الهَدْيِ بَدَنَةٌ، وأوْسَطُهُ بَقَرَةٌ، وأدْناهُ شاةٌ، وقَوْلُهُ: ﴿ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكم حَتّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ هو خِطابٌ لِجَمِيعِ الأُمَّةِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مُحْصَرٍ وغَيْرِ مُحْصَرٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ جَمْعٌ مِن أهْلِ العِلْمِ، وذَهَبَتْ طائِفَةٌ إلى أنَّهُ خِطابٌ لِلْمُحْصَرِينَ خاصَّةً، أيْ لا تَحِلُّوا مِنَ الإحْرامِ حَتّى تَعْلَمُوا أنَّ الهَدْيَ الَّذِي بَعَثْتُمُوهُ إلى الحَرَمِ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ، وهو المَوْضِعُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ ذَبْحُهُ. واخْتَلَفُوا في تَعْيِينِهِ، فَقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: هو مَوْضِعُ الحَصْرِ اقْتِداءً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَيْثُ أُحْصِرَ في عامِ الحُدَيْبِيَةِ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: هو الحَرَمُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ﴾ وأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأنَّ (p-١٢٧)المُخاطَبَ بِهِ هو الآمِنُ الَّذِي يُمْكِنُهُ الوُصُولُ إلى البَيْتِ. وأجابَ الحَنَفِيَّةُ عَنْ نَحْرِهِ ﷺ في الحُدَيْبِيَةِ بِأنَّ طَرَفَ الحُدَيْبِيَةِ الَّذِي إلى أسْفَلَ مَكَّةَ هو مِنَ الحَرَمِ، ورُدَّ بِأنَّ المَكانَ الَّذِي وقَعَ فِيهِ النَّحْرُ لَيْسَ هو مِنَ الحَرَمِ. قَوْلُهُ: ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا﴾ الآيَةَ، المُرادُ بِالمَرَضِ هُنا ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمّى المَرَضِ لُغَةً. والمُرادُ بِالأذى مِنَ الرَّأْسِ: ما فِيهِ مِن قَمْلٍ أوْ جِراحٍ ونَحْوِ ذَلِكَ، ومَعْنى الآيَةِ: أنَّ مَن كانَ مَرِيضًا أوْ بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ ما أُطْلِقَ هُنا مِنَ الصِّيامِ والصَّدَقَةِ والنُّسُكِ، فَثَبَتَ في الصَّحِيحِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأى كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ وهو مُحْرِمٌ وقَمْلُهُ يَتَساقَطُ عَلى وجْهِهِ، فَقالَ: أيُؤْذِيكَ هَوامُّ رَأْسِكَ ؟ قالَ: نَعَمْ، فَأمَرَهُ أنْ يَحْلِقَ ويُطْعِمَ سِتَّةَ مَساكِينَ، أوْ يُهْدِيَ شاةً، أوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أيّامٍ» . وقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ أنَّهُ لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ أنَّ النُّسُكَ هُنا هو شاةٌ. وحُكِيَ عَنِ الجُمْهُورِ أنَّ الصَّوْمَ المَذْكُورَ في الآيَةِ ثَلاثَةُ أيّامٍ، والإطْعامَ عَشَرَةُ مَساكِينَ. والحَدِيثُ الصَّحِيحُ المُتَقَدِّمُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ويُبْطِلُ قَوْلَهم. وقَدْ ذَهَبَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهم وداوُدُ إلى أنَّ الإطْعامَ في ذَلِكَ مُدّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ أيْ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وقالَ الثَّوْرِيُّ نِصْفُ صاعٍ مِن بُرٍّ أوْ صاعٍ مِن غَيْرِهِ. ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وهَذا غَلَطٌ لِأنَّ في بَعْضِ أخْبارِ كَعْبٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لَهُ: تَصَدَّقْ بِثَلاثَةِ أصْوُعٍ مِن تَمْرٍ عَلى سِتَّةِ مَساكِينَ» . واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عَنْ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مالِكٍ والشّافِعِيِّ، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ إنْ أطْعَمَ بُرًّا فَمُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وإنْ أطْعَمَ تَمْرًا فَنِصْفُ صاعٍ. واخْتَلَفُوا في مَكانِ هَذِهِ الفِدْيَةِ فَقالَ عَطاءٌ: ما كانَ مِن دَمٍ فَبِمَكَّةَ، وما كانَ مِن طَعامٍ أوْ صِيامٍ فَحَيْثُ شاءَ. وبِهِ قالَ أصْحابُ الرَّأْيِ. وقالَ طاوُسٌ والشّافِعِيُّ: الإطْعامُ والدَّمُ لا يَكُونانِ إلّا بِمَكَّةَ، والصَّوْمُ حَيْثُ شاءَ. وقالَ مالِكٌ ومُجاهِدٌ: حَيْثُ شاءَ في الجَمِيعِ، وهو الحَقُّ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلى تَعْيِينِ المَكانِ. قَوْلُهُ: ﴿فَإذا أمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ أيْ بَرِأْتُمْ مِنَ المَرَضِ، وقِيلَ: مِن خَوْفِكم مِنَ العَدُوِّ عَلى الخِلافِ السّابِقِ، ولَكِنَّ الأمْنَ مِنَ العَدُوِّ أظْهَرُ مِنَ اسْتِعْمالِ أمِنتُمْ في ذَهابِ المَرَضِ، فَيَكُونُ مُقَوِّيًا لِقَوْلِ مَن قالَ إنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإنْ أُحْصِرْتُمْ﴾، المُرادُ بِهِ الإحْصارُ مِنَ العَدُوِّ، كَما أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا﴾ يُقَوِّي قَوْلَ مَن قالَ بِذَلِكَ لِإفْرادِ عُذْرِ المَرَضِ بِالذِّكْرِ. وقَدْ وقَعَ الخِلافُ هَلِ المُخاطَبُ بِهَذا هُمُ المُحْصَرُونَ خاصَّةً أمْ جَمِيعُ الأُمَّةِ عَلى حَسَبِ ما سَلَفَ، والمُرادُ بِالتَّمَتُّعِ المَذْكُورِ في الآيَةِ أنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يُقِيمَ حَلالًا بِمَكَّةَ إلى أنْ يُحْرِمَ بِالحَجِّ، فَقَدِ اسْتَباحَ بِذَلِكَ ما لا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ اسْتِباحَتُهُ، وهو مَعْنى تَمَتَّعَ واسْتَمْتَعَ. ولا خِلافَ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ في جَوازِ التَّمَتُّعِ، بَلْ هو عِنْدِي أفْضَلُ أنْواعِ الحَجِّ كَما حَرَّرْتُهُ في شَرْحِي عَلى المُنْتَقى. وقَدْ تَقَدَّمَ الخِلافُ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ . قَوْلُهُ: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ﴾ الآيَةَ، أيْ فَمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ، إمّا لِعَدَمِ المالِ أوْ لِعَدَمِ الحَيَوانِ، صامَ ثَلاثَةَ أيّامٍ في الحَجِّ، أيْ في أيّامِ الحَجِّ، وهي مِن عِنْدِ شُرُوعِهِ في الإحْرامِ إلى يَوْمِ النَّحْرِ، وقِيلَ: يَصُومُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ يَوْمًا ويَوْمَ التَّرْوِيَةِ ويَوْمَ عَرَفَةَ، وقِيلَ: ما بَيْنَ أنْ يُحْرِمَ بِالحَجِّ إلى يَوْمِ عَرَفَةَ، وقِيلَ: يَصُومُهُنَّ مِن أوَّلِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وقِيلَ: ما دامَ بِمَكَّةَ، وقِيلَ: إنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَصُومَ الثَّلاثَ قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ. وقَدْ جَوَّزَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ صِيامَ أيّامِ التَّشْرِيقِ لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ، ومَنَعَهُ آخَرُونَ. قَوْلُهُ: ﴿وسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ﴾ قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِخَفْضِ " سَبْعَةٍ "، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ مَعْمُولٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أيْ وصُومُوا سَبْعَةً، وقِيلَ: عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ثَلاثَةٍ، لِأنَّها وإنْ كانَتْ مَجْرُورَةً لَفْظًا فَهي في مَحَلِّ نَصْبٍ كَأنَّهُ قِيلَ: فَصِيامُ ثَلاثَةٍ. والمُرادُ بِالرُّجُوعِ هُنا الرُّجُوعُ إلى الأوْطانِ. قالَ أحْمَدُ وإسْحاقُ: يَجْزِيهِ الصَّوْمُ في الطَّرِيقِ، ولا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الوُجُوبُ إلّا إذا وصَلَ وطَنَهُ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ وقَتادَةُ والرَّبِيعُ ومُجاهِدٌ وعَطاءٌ وعِكْرِمَةُ والحَسَنُ وغَيْرُهم. وقالَ مالِكٌ: إذا رَجَعَ مِن مِنًى فَلا بَأْسَ أنْ يَصُومَ، والأوَّلُ أرْجَحُ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ ﷺ: «فَمَن لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ في الحَجِّ، وسَبْعَةً إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ» فَبَيَّنَ ﷺ أنَّ الرُّجُوعَ المَذْكُورَ في الآيَةِ هو الرُّجُوعُ إلى الأهْلِ. وثَبَتَ أيْضًا في الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ بِلَفْظِ «وسَبْعَةً إذا رَجَعْتُمْ إلى أمْصارِكم» وإنَّما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ﴾ مَعَ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ أنَّ الثَّلاثَةَ والسَّبْعَةَ عَشَرَةٌ، لِدَفْعِ أنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلاثَةِ الأيّامِ في الحَجِّ والسَّبْعَةِ إذا رَجَعَ. قالَهُ الزَّجّاجُ. وقالَ المُبَرِّدُ: ذُكِرَ ذَلِكَ لِيَدُلَّ عَلى انْقِضاءِ العَدَدِ لِئَلّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذِكْرِ السَّبْعَةِ، وقِيلَ: هو تَوْكِيدٌ كَما تَقُولُ كَتَبْتُ بِيَدِي. وقَدْ كانَتِ العَرَبُ تَأْتِي بِمِثْلِ هَذِهِ الفَذْلَكَةِ فِيما دُونَ هَذا العَدَدِ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎ثَلاثٌ واثْنَتانِ فَهُنَّ خَمْسٌ ∗∗∗ وسادِسَةٌ تَمِيلُ إلى سِهامِي وكَذا قَوْلُ الآخَرِ: ؎ثَلاثٌ بِالعِدادِ وذاكَ حَسْبِي ∗∗∗ وسِتٌّ حِينَ يُدْرِكُنِي العِشاءُ ؎فَذَلِكَ تِسْعَةٌ في اليَوْمِ رَيٌّ ∗∗∗ وشُرْبُ المَرْءِ فَوْقَ الرَّيِّ داءُ وقَوْلُهُ: ﴿كامِلَةٌ﴾ تَوْكِيدٌ آخَرُ بَعْدَ الفَذْلَكَةِ لِزِيادَةِ التَّوْصِيَةِ بِصِيامِها، وأنْ لا يُنْقَصَ مِن عَدَدِها. وقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ قِيلَ: هي راجِعَةٌ إلى التَّمَتُّعِ، فَتَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا مُتْعَةَ لِحاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ كَما يَقُولُأبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ، قالُوا: ومَن تَمَتَّعَ مِنهم كانَ عَلَيْهِ دَمٌ، وهو دَمُ جِنايَةٍ لا يَأْكُلُ مِنهُ، وقِيلَ: إنَّها راجِعَةٌ إلى الحُكْمِ، وهو وُجُوبُ الهَدْيِ والصِّيامِ، فَلا يَجِبُ ذَلِكَ عَلى مَن كانَ مِن حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ، كَما يَقُولُهُ الشّافِعِيُّ ومَن وافَقَهُ. والمُرادُ بِمَن لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ: مَن لَمْ يَكُنْ ساكِنًا في الحَرَمِ، أوْ مَن لَمْ يَكُنْ ساكِنًا في المَواقِيتِ فَما دُونَها عَلى الخِلافِ (p-١٢٨)فِي ذَلِكَ بَيْنَ الأئِمَّةِ. وقَوْلُهُ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ أيْ فِيما فَرَضَهُ عَلَيْكم في هَذِهِ الأحْكامِ، وقِيلَ: هو أمْرٌ بِالتَّقْوى عَلى العُمُومِ وتَحْذِيرٌ مِن شِدَّةِ عِقابِ اللَّهِ سُبْحانَهُ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ وابْنُ عَبْدِ البَرِّ في التَّمْهِيدِ عَنْ يَعْلى بْنِ أُمَيَّةَ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ وهو بِالجِعْرانَةِ وعَلَيْهِ جُبَّةٌ وعَلَيْهِ أثَرُ خَلُوقٍ، فَقالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يا رَسُولَ اللَّهِ أنْ أصْنَعَ في عُمْرَتِي ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أيْنَ السّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ ؟ فَقالَ: هَأنَذا، قالَ: اخْلَعِ الجُبَّةَ واغْسِلْ عَنْكَ أثَرَ الخَلُوقِ، ثُمَّ ما كُنْتَ صانِعًا في حَجِّكِ فاصْنَعْهُ في عُمْرَتِكَ» . وقَدْ أخْرَجَهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما مِن حَدِيثِهِ، ولَكِنْ فِيهِما أنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ ﷺ بَعْدَ السُّؤالِ ولَمْ يَذْكُرْ ما هو الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ قالَ: أنْ تُحْرِمَ مِن دُوَيْرَةِ أهْلِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ والبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: مِن تَمامِهِما أنْ يُفْرِدَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما عَنِ الآخَرِ، وأنْ يَعْتَمِرَ في غَيْرِ أشْهُرِ الحَجِّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: تَمامُ الحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ إذا رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وزارَ البَيْتَ فَقَدْ حَلَّ، وتَمامُ العُمْرَةِ إذا طافَ بِالبَيْتِ وبِالصَّفا وبِالمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ. وقَدْ ورَدَ في فَضْلِ الحَجِّ والعُمْرَةِ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذا مَوْطِنَ ذِكْرِها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ يَقُولُ: مَن أحْرَمَ بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ حُبِسَ عَنِ البَيْتِ بِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ أوْ عَدُوٍّ يَحْبِسُهُ، فَعَلَيْهِ ذَبْحُ ما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ شاةً فَما فَوْقَها، وإنْ كانَتْ حَجَّةَ الإسْلامِ فَعَلَيْهِ قَضاؤُها، وإنْ كانَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الفَرِيضَةِ فَلا قَضاءَ عَلَيْهِ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ يَقُولُ: الرَّجُلُ إذا أهَلَّ بِالحَجِّ فَأُحْصِرَ بَعَثَ بِما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ، فَإنْ كانَ عَجَّلَ قَبْلَ أنْ يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، أوْ مَسَّ طِيبًا، أوْ تَداوى بِدَواءٍ، كانَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ، فالصِّيامُ ثَلاثَةُ أيّامٍ، والصَّدَقَةُ ثَلاثَةُ آصُعٍ عَلى سِتَّةِ مَساكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صاعٍ، والنُّسُكُ شاةٌ ﴿فَإذا أمِنتُمْ﴾ يَقُولُ: فَإذا بَرِئَ فَمَضى مِن وجْهِهِ ذَلِكَ إلى البَيْتِ أحَلَّ مِن حَجَّتِهِ بِعُمْرَةٍ، وكانَ عَلَيْهِ الحَجُّ مِن قابِلٍ، فَإنْ هو رَجَعَ ولَمْ يُتِمَّ مِن وجْهِهِ ذَلِكَ إلى البَيْتِ كانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ، فَإنْ هو رَجَعَ مُتَمَتِّعًا في أشْهُرِ الحَجِّ كانَ عَلَيْهِ ما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ شاةٌ، فَإنْ هو لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعَ. قالَ إبْراهِيمُ: فَذَكَرْتُ هَذا الحَدِيثَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقالَ: هَكَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في هَذا الحَدِيثِ كُلِّهِ. وأخْرَجَ مالِكٌ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ قالَ: شاةٌ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ الشّافِعِيُّ في الأُمِّ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ ﴿فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ قالَ: بَقَرَةٌ أوْ جَزُورٌ، قِيلَ: أوَما يَكْفِيهِ شاةٌ ؟ قالَ: لا. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ في تَفْسِيرِ: ﴿فَما اسْتَيْسَرَ﴾ ما يَجِدُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: إنْ كانَ مُوسِرًا فَمِنَ الإبِلِ، وإلّا فَمِنَ البَقَرِ، وإلّا فَمِنَ الغَنَمِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ القاسِمِ عَنْ عائِشَةَ وابْنِ عُمَرَ أنَّهُما كانا لا يَرَيانِ ما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ إلّا مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ. وكانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ: " ﴿فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ﴾ " شاةٌ. وأخْرَجَ الشّافِعِيُّ في الأُمِّ وعَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لا حَصْرَ إلّا حَصْرُ العَدُوِّ، فَأمّا مَن أصابَهُ مَرَضٌ أوْ وجَعٌ أوْ ضَلالٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، إنَّما قالَ اللَّهُ: ﴿فَإذا أمِنتُمْ﴾ فَلا يَكُونُ الأمْنُ إلّا مِنَ الخَوْفِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: لا إحْصارَ إلّا مِن عَدُوٍّ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ عَطاءٍ قالَ: لا إحْصارَ إلّا مِن مَرَضٍ أوْ عَدُوٍّ أوْ أمْرٍ حادِثٍ. وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ عُرْوَةَ قالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَبَسَ المُحْرِمَ فَهو إحْصارٌ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ عَنِ المِسْوَرِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَحَرَ قَبْلَ أنْ يَحْلِقَ وأمَرَ أصْحابَهُ بِذَلِكَ» . وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في ناسِخِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكم حَتّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ ثُمَّ اسْتَثْنى فَقالَ: ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قالَ: لَفِيَّ نَزَلَتْ، وإيّايَ عَنى بِها ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا﴾ يَعْنِي مَنِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ. قالَ: يَعْنِي بِالمَرَضِ أنْ يَكُونَ بِرَأْسِهِ أذًى أوْ قُرُوحٌ، ﴿أوْ بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ﴾ قالَ: الأذى هو القَمْلُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: النُّسُكُ المَذْكُورُ في الآيَةِ شاةٌ. ورُوِيَ أيْضًا عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ﴾ يَقُولُ: مَن أحْرَمَ بِالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الضَّحّاكِ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ أنَّ الزُّبَيْرَ كانَ يَقُولُ: إنَّما المُتْعَةُ لِمَن أُحْصِرَ، ولَيْسَتْ لِمَن خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي لِمَن أُحْصِرَ ومَن خُلِّي سَبِيلُهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا أمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ﴾ قالَ: فَإنْ أخَّرَ العُمْرَةَ حَتّى يَجْمَعَها مَعَ الحَجِّ فَعَلَيْهِ الهَدْيُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ﴾ قالَ: قَبْلَ (p-١٢٩)التَّرْوِيَةِ يَوْمٌ، ويَوْمُ التَّرْوِيَةِ، ويَوْمُ عَرَفَةَ، فَإنْ فاتَتْهُ صامَهُنَّ أيّامَ التَّشْرِيقِ. وأخْرَجَ هَؤُلاءِ إلّا ابْنَ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ إلّا أنَّهُ قالَ: وإذا فاتَهُ صامَ أيّامَ مِنًى فَإنَّهُنَّ مِنَ الحَجِّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والدّارَقُطْنِيُّ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ ومُجاهِدٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الصِّيامُ لِلْمُتَمَتِّعِ ما بَيْنَ إحْرامِهِ إلى يَوْمِ عَرَفَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: إذا لَمْ يَجِدِ المُتَمَتِّعُ بِالعُمْرَةِ هَدْيًا فَعَلَيْهِ صِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ في الحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وإنْ كانَ يَوْمُ عَرَفَةَ الثّالِثَ فَقَدْ تَمَّ صَوْمُهُ، وسَبْعَةٍ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ. وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ عَنْ عائِشَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَن لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، ومَن لَمْ يَكُنْ صامَ تِلْكَ الثَّلاثَةَ الأيّامَ فَلْيَصُمْ أيّامَ التَّشْرِيقِ» . وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذافَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أمَرَهُ في رَهْطٍ أنْ يَطُوفُوا في مِنًى في حَجَّةِ الوَداعِ، فَيُنادُوا: إنَّ هَذِهِ أيّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرِ اللَّهِ، فَلا نَصُومُ فِيهِنَّ إلّا صَوْمًا في هَدْيٍ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطاءٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ قالَ: سِتُّ قَرْياتٍ: عَرَفَةُ، وعُرَنَةُ، والرَّجِيعُ، والنَّخْلَتانِ، ومَرُّ الظَّهْرانِ، وضَجْنانُ. وقالَ مُجاهِدٌ: هم أهْلُ الحَرَمِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هم أهْلُ الحَرَمِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب