الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله﴾ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: فِي الشواذ: " وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة إِلَى الْبَيْت " من غير قَوْله: " لله " وَقَرَأَ الشّعبِيّ: وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله على الِابْتِدَاء.
وَاخْتلفُوا معنى الْإِتْمَام، قَالَ عمر: إِتْمَامهمَا أَن لَا ينْسَخ إِذْ كَانَ جَائِزا نسخه فِي الِابْتِدَاء. وَقَالَ عَليّ، وَابْن مَسْعُود: إِتْمَامهمَا أَن يحرم بهما من دويرة الْأَهْل. وَقيل: إِتْمَامهمَا أَن يكون الزَّاد وَالنَّفقَة من الْحَلَال. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: إِتْمَامهمَا أَن يقْصد ﴿يبلغ الْهَدْي مَحَله فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو﴾ الْحَج وَلَا يقْصد التِّجَارَة.
وَقيل: إِتْمَامهمَا أَن لَا يَعْصِي الله فِيهِ، وَيَأْتِي بِهِ على وَجهه كَمَا أَمر.
ثمَّ اعْلَم أَن الْعمرَة وَاجِبَة، وَهُوَ قَول ابْن عمر، وَعند أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ سنة، وَهُوَ مروى عَن جَابر.
وَالدَّلِيل على وُجُوبهَا: ظَاهر الْآيَة، وَهُوَ قَوْله: ﴿وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله﴾ وَظَاهر الْأَمر للْوُجُوب.
وَقد ورد فِي فضل الْحَج وَالْعمْرَة أَخْبَار، مِنْهَا: مَا روى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " العمرتان تكفران مَا بَينهمَا، وَالْحج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة ".
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَإِن أحصرتم﴾ قَالَ ابْن عمر: الْإِحْصَار: من الْعَدو. (وَقَالَ ابْن مَسْعُود: الْإِحْصَار: من الْعَدو) وَالْمَرَض كِلَاهُمَا مُعْتَبر. وَعَن ابْن عَبَّاس فِيهِ رِوَايَتَانِ. والإحصار والحصر بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الْفراء: الْإِحْصَار: بِالْحَبْسِ، والحصر: منع الْعَدو. وَالصَّحِيح أَنه من الْعَدو دون الْمَرَض لقَوْله: ﴿فَإِذا أمنتم﴾ والأمن: من الْعَدو. وَمن قَالَ: بِالْأولِ قَالَ فِيهِ حذف، وَتَقْدِيره. فَإِذا أمنتم من الْعَدو، وبرأتم من الْمَرَض.
وَقَول تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى﴾ وَأَقل مَا يجب مِنْهُ: ذبح الشَّاة، والأعلى: نحر بَدَنَة، والأوسط: ذبح بقرة، وَالْهدى والتهدية وَالْهدى بِمَعْنى وَاحِد؛ وَهُوَ مَا يهدي إِلَى مَوضِع، أَو إِلَى شخص. قَالَ الشَّاعِر: (حَلَفت بِرَبّ مَكَّة والمصلى ... وأعناق الْهدى مقلدات)
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهدى مَحَله﴾ أَي: حَتَّى ﴿صَدَقَة أَو نسك فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن﴾ يذبح فِي مَوْضِعه، وَمَوْضِع الذّبْح عندنَا: حَيْثُ أحْصر وتحلل.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَوْضِعه: مَكَّة. وَمَا قُلْنَاهُ أصح؛ لِأَن رَسُول الله " لما بلغ الْحُدَيْبِيَة مُعْتَمِرًا، فصده الْمُشْركُونَ، تحلل وَذبح هُنَالك ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَبُو بِهِ أَذَى من رَأسه﴾ نزل هَذَا فِي كَعْب بن عجْرَة. روى عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى. عَن كَعْب بن عجْرَة أَنه قَالَ: " كنت مَعَ رَسُول الله بِالْحُدَيْبِية، وَكنت أنفخ تَحت الْقدر وَالْقمل يتهافت على وَجْهي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: مَا هَذَا؟ ! احْلق رَأسك، وَاذْبَحْ شَاة، أَو صم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو أطْعم سِتَّة مَسَاكِين ". فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك﴾ يَعْنِي: ذبح الشَّاة.
وَذَلِكَ الْمَذْهَب عندنَا، أَن يذبح فِي فديَة الْأَذَى: شَاة، أَو يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو يتَصَدَّق بفرق من طَعَام، وَالْفرق: ثَلَاثَة أصوع، كل صَاع أَرْبَعَة أَمْدَاد، فَيتَصَدَّق على كل مِسْكين بمدين.
وَقَالَ عَطاء: يطعم عشرَة مَسَاكِين.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج﴾ قَالَ ابْن الزبير: يخْتَص التَّمَتُّع بالمحصر؛ لقَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا أمنتم﴾ وَعَامة الصَّحَابَة على أَنه جَائِز على الْعُمُوم للكافة.
ثمَّ مَذْهَب الْمَدَنِيين، والكوفيين: أَن التَّمَتُّع هُوَ: أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج، ﴿لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب﴾ ثمَّ يُقيم بِمَكَّة، ويحج من عَامه ذَلِك.
وسمى تمتعا؛ لِأَنَّهُ يسْتَمْتع بالمحظورات إِذا تحلل عَن الْعمرَة إِلَى أَن يحرم بِالْحَجِّ.
وَقَالَ طَاوس: لَا يخْتَص التَّمَتُّع بأشهر الْحَج، بل إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي غير أشهر الْحَج يكون مُتَمَتِّعا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى﴾ أَي: ذبح الشَّاة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج﴾ وَذَلِكَ بِأَن يَصُوم يَوْمًا قبل التَّرويَة، وَيَوْم التَّرويَة، وَيَوْم عَرَفَة، وَيجوز أَن يَصُوم الثَّلَاثَة مُتَفَرِّقَة.
وَقَالَ ابْن عمر، وَعَائِشَة: يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام منى، وَذَلِكَ التَّشْرِيق وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم. وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَسَبْعَة إِذا رجعتم﴾ قَالَ ابْن عمر: مَعْنَاهُ إِذا رجعتم إِلَى الْأَهْل.
وَالصَّحِيح: أَنه إِذا أَرَادَ الرُّجُوع عَن الْحَج حَتَّى لَو صَامَ السَّبع فِي الطَّرِيق جَازَ وَيجوز مُتَفَرقًا أَيْضا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿تِلْكَ عشرَة كَامِلَة﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: لَا يشكل أَن الثَّلَاثَة والسبع عشرَة، فَلم قَالَ: تِلْكَ عشرَة كَامِلَة؟ قُلْنَا: قيل: إِنَّمَا قَالَه تَأْكِيدًا، وَمثله قَول الفرزدق:
(ثَلَاث وَاثْنَتَانِ فهن خمس ... وسادسة تميل إِلَى شمام)
وَهَذَا لِأَن الْعَرَب مَا كَانُوا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحساب، وَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى فضل شرح وَزِيَادَة بَيَان.
( ﴿١٩٦) الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال﴾
وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا حبس إبهامه فِي الكرة الثَّالِثَة ". فَأَشَارَ إِلَيْهِم بأصابعه ليعرفوا الْحساب.
وَقيل: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، يَعْنِي: فَصِيَام عشرَة أَيَّام: ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رجعتم، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لقطع توهم الزِّيَادَة، فَإِن قَوْله: فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم. يُوهم وَخَمْسَة إِذا فَعلْتُمْ كَذَا، وَنَحْو ذَلِك، فَقَالَ: تِلْكَ عشرَة ليقطع توهم الزِّيَادَة.
وَقَوله: ﴿كَامِلَة﴾ أَي: كَامِلَة فِي الْأجر. وَقيل: كَامِلَة فِيمَا أُرِيد بِهِ وَإِقَامَة الصَّوْم مقَام الْهدى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ قَالَ بعض الصَّحَابَة: أَرَادَ بحاضري الْمَسْجِد الْحَرَام: أهل مَكَّة، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: يَا أهل مَكَّة لَا تمتّع لكم. إِنَّمَا التَّمَتُّع للغرباء.
وَقيل: هم جَمِيع أهل الْحرم. وَقَالَ الشَّافِعِي: كل من كَانَ من مَكَّة على مَا دون مَسَافَة الْقصر؛ فَهُوَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام.
﴿وَاتَّقوا الله﴾ أَي: فِي أَدَاء الْأَوَامِر ﴿وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب﴾ على ارْتِكَاب المناهي.
{"ayah":"وَأَتِمُّوا۟ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَیۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡیِۖ وَلَا تَحۡلِقُوا۟ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡیُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ بِهِۦۤ أَذࣰى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡیَةࣱ مِّن صِیَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكࣲۚ فَإِذَاۤ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَیۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡیِۚ فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ ثَلَـٰثَةِ أَیَّامࣲ فِی ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةࣱ كَامِلَةࣱۗ ذَ ٰلِكَ لِمَن لَّمۡ یَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِی ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق