القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (١٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له= فلله يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعًا، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْهًا حين يُكْرَهون على السُّجود. كما:-
٢٠٢٩٨- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا﴾ ، فأما المؤمن فيسجد طائعًا، وأما الكافر فيسجد كارهًا.
٢٠٢٩٩- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان قال: كان ربيع بن خُثيم إذا تلا هذه الآية: ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا﴾ قال: بلى يا رَبَّاه.
٢٠٣٠٠- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا﴾ قال: من دخل طائعًا، هذا طوعًا= ﴿وكرهًا﴾ من لم يدخل إلا بالسَّيف.
* * *
وقوله: ﴿وظلالهم بالغدوّ والآصال﴾ يقول: ويسجد أيضًا ظلالُ كل من سجد طوعًا وكرهًا بالغُدُوات والعَشَايا. [[انظر تفسير" الغدو" فيما سلف ١٣: ٣٥٤.]] وذلك أن ظلَّ كلٍّ شخص فإنه يفيء بالعشيّ، كما قال جل ثناؤه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ والشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ ، [سورة النحل:٤٨]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٣٠١- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿وظلالهم بالغدوّ والآصال﴾ ، يعني: حين يفيء ظلُّ أحدهم عن يمينه أو شماله.
٢٠٣٠٢- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان قال في تفسير مجاهد: ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال﴾ قال: ظل المؤمن يسجد طوعًا وهو طائع، وظلُّ الكافر يسجد طوعًا وهو كاره. [[قوله:" يسجد طوعًا وهو كاره"، يعني أن الظل، وهو من خلق الله المتعبد له، يسجد طوعًا، وصاحب الظل كاره للسجود، وهو الكافر، أعاذنا الله وإياك.]]
٢٠٣٠٤- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿وظلالهم بالغدوّ والآصال﴾ قال: ذُكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له، وقرأ: ﴿سُجَّدًا للهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [سورة النحل:٤٨] . قال: تلك الظلال تسجد لله.
* * *
و"الآصال": جمع أصُلٍ، و"الأصُل": جمع"أصيلٍ"، و"الأصيل": هو العشيُّ، وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، [[انظر تفسير" الآصال" فيما سلف ١٣: ٣٥٤، ٣٥٥.]] قال أبو ذؤيب:
لَعَمْرِي لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمَ أَهْلَهُ ... وَأَقْعُدُ فِي أَفْيَائِهِ بِالأصَائِلِ [[ديوانه: ١٤١، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٣٩، ٣٢٨، والإنصاف: ٣٠٤، ٣٠٥، والخزانة ٢: ٤٨٩، ٥٦٤، واللسان (أصل) . وللنحاة فيه لجاجة كثيرة.]]
{"ayah":"وَلِلَّهِ یَسۡجُدُ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا وَظِلَـٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ ۩"}