الباحث القرآني

قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، يعني: آدم عليه السلام. قال الكلبي ومقاتل: السلالة إذا عصر الطين، انسلّ الطين والماء بين أصابعه. وقال الكلبي: خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني: ابن آدم من نطفة، سُلَّت تلك النطفة من طين، والطين آدم عليه السلام، والنطفة ما يخرج من صلبه فيقع في رحم المرأة. وقال الزجاج: سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، أي من آدم، والسلالة القليل من أن ينسل، وكل مبني على فعالة فهو يراد به القليل، مثل النخالة، والعلامة والفصالة ثُمَّ جَعَلْناهُ: يعني ذرية آدم. قال القتبي: يقال للولد سلالة والنطفة سلالة، وإنما سميت النطفة سلالة لأنها تنسل بين الصلب والترائب ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، يعني: في مكان حريز حصين. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، أي: حولنا الماء دماً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، أي حولنا الدم مضغة، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً أي: خلقنا في المضغة عظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ. قال عكرمة وأبو العالية والشعبي: معناه نفخ فيه الروح. وروى الأخفش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود أنه قَالَ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْل ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ الله عز وجل مَلَكاً، فَيُأْمَرُ بأنْ يَكْتُبَ أَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَهِيَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ يُنْفَخُ فيهِ الرُّوحُ» . وروي، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال: «نفخ فيه الروح» ، وروى ابن نجيح، عن مجاهد: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال: «حين استوى شاباً» وروى معمر، عن قتادة: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، قال: «هو نبات الشعر والأسنان» ، وقال بعضهم: هو نفخ الروح، ويقال: ذكراً أو أنثى، ويقال: معناه ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، يعني: الجلد. وروي عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: «ينفخ فيه الروح» ، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: «ثم أنشأته خلقاً آخر» . فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ، يعني: أحكم المصورين. وروى أبو صالح عن عبد الله بن عباس قال: كان عبد الله بن سعيد بن أبي سرح يكتب هذه الآيات للنبي ﷺ، فلما انتهى إلى قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، عجب من تفضل الإنسان، أي من تفضيل خلق الإنسان فقال: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقال النبيّ ﷺ: «اكتب هكذا أُنْزِلَتْ» فشك عند ذلك، وقال: لئن كان محمد صادقاً فيما يقول إنه يوحى إليه، فقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن قال من ذات نفسه، فلقد قلت مثل ما قال. فكفر بالله تعالى. وقال مقاتل والزجاج: كان عمر رضي الله عنه عند رسول الله ﷺ إِذْ أُنْزِلَتْ عليه هذه الآية، فقال عمر: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ، فقال النبي عليه السلام: «هكذا أُنْزِلَتْ عَلَيَّ» [[عزاه السيوطي: 6/ 94 إلى الطبراني وابن مردويه.]] ، فكأنه أجرى على لسانه هذه الآية قبل قراءة النبيّ ﷺ وقد قيل: إن الحكاية الأولى غير صحيحة، لأن ارتداد عبد الله بن أبي سرح كان بالمدينة، وهذه الآية مكية. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر فَخَلَقْنَا المضغة عظاما فكسونا العظم لحما، وقرأ الباقون عِظاماً بالألف، ومعناهما واحد، لأن الواحد يغني عن الجنس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب