الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ لَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ أوَّلًا أحْوالَ السُّعَداءِ عَقِبَهُ بِذِكْرِ مَبْدَئِهِمْ ومَآلِ أمْرِهِمْ في ضِمْنِ ما يَعُمُّهم وغَيْرِهِمْ وفي ذَلِكَ إعْظامٌ لِلْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ وحَثٌّ عَلى الِاتِّصافِ بِالصِّفاتِ الحَمِيدَةِ وتَحَمُّلُ مُؤَنِ التَّكْلِيفاتِ الشَّدِيدَةِ أوْ لَمّا ذَكَرَ إرْثَ الفِرْدَوْسِ عَقِبَهُ بِذِكْرِ البَعْثِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ أوْ لَمّا حَثَّ عَلى عِبادَتِهِ سُبْحانَهُ وامْتِثالِ أمْرِهِ عَقِبَهُ بِما يَدُلُّ عَلى أُلُوهِيَّتِهِ لِتَوَقُّفِ العِبادَةِ عَلى ذَلِكَ ولَعَلَّ الأوَّلَ أُولى في وجْهِ مُناسَبَةِ الآيَةِ لِما قَبْلَها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ، واللّامُ واقِعَةٌ في جَوابِ القَسَمِ والواوُ لِلِاسْتِئْنافِ. (p-13)وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هي عاطِفَةُ جُمْلَةِ كَلامٍ عَلى جُمْلَةٍ وإنْ تَبايَنَتا في المَعانِي وفِيهِ نَظَرٌ، والمُرادُ بِالإنْسانِ الجِنْسُ، والسُّلالَةُ مَن سَلَّلَتِ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ إذا اسْتَخْرَجَتْهُ مِنهُ فَهي ما سَلَّ مِنَ الشَّيْءِ واسْتَخْرَجَ مِنهُ فَإنَّ فَعّالَةَ اسْمٌ لِما يَحْصُلُ مِنَ الفِعْلِ فَتارَةً تَكُونُ مَقْصُودَةٌ مِنهُ كالخُلاصَةِ وأُخْرى غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنهُ كالقُلامَةِ والكُناسَةِ والسُّلالَةِ مِن قُبَيْلِ الأوَّلِ فَإنَّها مَقْصُودَةٌ بِالسُّلِّ. وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ هَذا البِناءَ يَدُلُّ عَلى القِلَّةِ، ومِنَ الأوْلى ابْتِدائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٍ بِالخَلْقِ، ومِنَ الثّانِيَةِ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ كَذَلِكَ إلّا أنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بِسُلالَةٍ عَلى أنَّها بِمَعْنى مَسْلُولَةٍ أوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِسُلالَةٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ عَلى هَذا تَبْعِيضِيَّةً وأنْ تَكُونَ بَيانِيَّةً، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ ﴿مِن طِينٍ﴾ بَدَلًا أوْ عَطْفَ بَيانٍ بِإعادَةِ الجارِّ، وخَلَقَ جِنْسَ الإنْسانِ مِمّا ذَكَرَ بِاعْتِبارِ خَلْقِ أوَّلِ الأفْرادِ وأصْلُ النَّوْعِ وهو آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنهُ فَيَكُونُ الكُلُّ مَخْلُوقًا مِن ذَلِكَ خَلْقًا إجْمالِيًّا في ضِمْنِ خَلْقِهِ كَما مَرَّ تَحْقِيقُهُ، وقِيلَ: خَلَقَ الجِنْسَ مِن ذَلِكَ بِاعْتِبارِ أنَّهُ مَبْدَأٌ بَعِيدٌ لِأفْرادِ الجِنْسِ فَإنَّهم مِنَ النُّطَفِ الحاصِلَةِ مِنَ الغِذاءِ الَّذِي هو سُلالَةُ الطِّينِ وصَفْوَتُهُ، وفِيهِ وصْفُ الجِنْسِ بِوَصْفِ أكْثَرِ أفْرادِهِ لِأنَّ خَلْقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ أوْ يُقالُ تَرْكُ بَيانِ حالِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ، واقْتَصَرَ عَلى بَيانِ حالِ أوْلادِهِ. وجاءَ ذَلِكَ في بَعْضِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقِيلَ المُرادُ بِالطِّينِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى أنَّهُ مِن مَجازِ الكَوْنِ، والمُرادُ بِالسُّلالَةِ النُّطْفَةُ وبِالإنْسانِ الجِنْسُ ووَصَفَهُ بِما ذَكَرَ بِاعْتِبارِ أكْثَرِ أفْرادِهِ أوْ يُقالُ كَما قِيلَ آنِفًا، ولا يُخْفى خَفاءَ قَرِينَةِ المَجازِ وعَدَمِ تَبادُرِ النُّطْفَةِ مِنَ السُّلالَةِ، وقِيلَ المُرادُ بِالإنْسانِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَماعَةٍ وما ذَهَبْنا إلَيْهِ أوَّلًا أُولى، والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب