الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإنَّما قِيلَ: ﴿مِن سُلالَةٍ﴾؛ لِأنَّهُ اسْتُلَّ مِن كُلِّ الأرْضِ، هَذا مَذْهَبُ سَلْمانَ الفارِسِيِّ، وابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةٍ، وقَتادَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ ابْنُ آدَمَ، والسُّلالَةُ: النُّطْفَةُ اسْتُلَّتْ مِنَ الطِّينِ، والطِّينُ: آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ الزَّجّاجُ: والسُّلالَةُ: فُعالَةٌ، وهي القَلِيلُ مِمّا يَنْسَلُّ، وكُلُّ مَبْنِيٍّ عَلى ( فُعالَةٍ ) يُرادُ بِهِ القَلِيلُ، مِن ذَلِكَ: الفُضالَةُ، والنُّخالَةُ، والقُلامَةُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْناهُ﴾ يَعْنِي: ابْنَ آدَمَ، ﴿نُطْفَةً في قَرارٍ﴾ وهو الرَّحِمُ، ﴿مَكِينٍ﴾؛ أيْ: حَرِيزٍ، قَدْ هُيِّئَ لِاسْتِقْرارِهِ فِيهِ. وقَدْ شَرَحْنا في سُورَةِ ( الحَجِّ: ٥ ) مَعْنى النُّطْفَةِ والعَلَقَةِ والمُضْغَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَخَلَقْنا المُضْغَةَ عِظامًا﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: ( عِظامًا فَكَسَوْنا العِظامَ ) عَلى الجَمْعِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: ( عَظْمًا فَكَسَوْنا العَظْمَ ) عَلى التَّوْحِيدِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ وهَذِهِ الحالَةُ السّابِعَةُ. قالَ عَلَيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: لا تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتّى تَمُرَّ عَلى التّاراتِ السَّبْعِ.
وَفِي مَحِلِّ هَذا الإنْشاءِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ بَطْنُ الأُمِّ. ثُمَّ في صِفَةِ الإنْشاءِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ نَفْخُ (p-٤٦٣)الرُّوحِ فِيهِ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ أبُو العالِيَةِ، والشَّعْبِيُّ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ في آخَرِينَ. والثّانِي: أنَّهُ جَعَلَهُ ذَكَرًا أوْ أُنْثى، قالَهُ الحَسَنُ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِن بَطْنِ أُمِّهِ. ثُمَّ في صِفَةِ هَذا الإنْشاءِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ ابْتِداءَ ذَلِكَ الإنْشاءِ أنَّهُ اسْتَهَلَّ، ثُمَّ دُلَّ عَلى الثَّدْيِ، وعَلِمَ كَيْفَ يَبْسُطُ رِجْلَيْهِ إلى أنْ قَعَدَ، إلى أنْ قامَ عَلى رِجْلَيْهِ، إلى أنْ مَشى، إلى أنَّ فُطِمَ، إلى أنْ بَلَغَ الحُلُمَ، إلى أنْ تَقَلَّبَ في البِلادِ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ اسْتِواءُ الشَّبابِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ ومُجاهِدٌ. والثّالِثُ: أنَّهُ خُرُوجُ الأسْنانِ والشَّعْرِ، قالَهُ الضَّحّاكُ، فَقِيلَ لَهُ: ألَيْسَ يُولَدُ وعَلى رَأْسِهِ الشَّعْرُ ؟ فَقالَ: وأيْنَ العانَةُ والإبِطُ ؟ والرّابِعُ: أنَّهُ إعْطاءُ العَقْلِ والفَهْمِ، حَكاهُ الثَّعْلَبِيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ﴾؛ أيِ: اسْتَحَقَّ التَّعْظِيمَ والثَّناءَ. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى " تَبارَكَ " في ( الأعْرافِ: ٥٤ ) . ﴿أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾؛ أيِ: المُصَوِّرِينَ والمُقَدِّرِينَ، والخَلْقُ في اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ. وجاءَ في الحَدِيثِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ وعِنْدَهُ عُمْرُ، إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿خَلْقًا آخَرَ﴾، فَقالَ عُمْرُ: فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَقَدْ خُتِمَتْ بِما تَكَلَّمْتَ بِهِ يابْنَ الخَطّابِ "» .
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾ وقَوْلِهِ: ﴿هَلْ مِن خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [ فاطِر: ٣ ] ؟ (p-٤٦٤)
فالجَوابُ: أنَّ الخَلْقَ يَكُونُ بِمَعْنى الإيجادِ، ولا مُوجِدَ سِوى اللَّهِ، ويَكُونُ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ، كَقَوْلِ زُهَيْرٍ:
؎ [ ولَأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ ] وبَعْـ ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي
فَهَذا المُرادُ هاهُنا، أنَّ بَنِي آدَمَ قَدْ يُصَوِّرُونَ ويَقْدِرُونَ ويَصْنَعُونَ الشَّيْءَ، فاللَّهُ خَيْرُ المُصَوِّرِينَ والمُقَدِّرِينَ. وقالَ الأخْفَشُ: الخالِقُونَ هاهُنا هُمُ الصّانِعُونَ، فاللَّهُ خَيْرُ الخالِقِينَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ إنَّكم بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: بَعْدَ ما ذُكِرَ مِن تَمامِ الخَلْقِ، ﴿لَمَيِّتُونَ﴾ عِنْدَ انْقِضاءِ آجالِكم. وقَرَأ أبُو رَزِينٍ العُقَيْلِيُّ، وعِكْرِمَةُ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ( لَمائِتُونَ ) بِألِفٍ. قالَ الفَرّاءُ: والعَرَبُ تَقُولُ لِمَن لَمْ يَمُتْ: إنَّكَ مائِتٌ عَنْ قَلِيلٍ، ومَيِّتٌ، ولا يَقُولُونَ لِلْمَيِّتِ الَّذِي قَدْ ماتَ: هَذا مائِتٌ، إنَّما يُقالُ في الِاسْتِقْبالِ فَقَطْ، وكَذَلِكَ يُقالُ: هَذا سَيِّدُ قَوْمِهِ اليَوْمَ، فَإذا أخْبَرْتَ أنَّهُ يَسُودُهم عَنْ قَلِيلٍ، قُلْتَ: هَذا سائِدُ قَوْمِهِ عَنْ قَلِيلٍ، وكَذَلِكَ هَذا شَرِيفُ القَوْمِ، وهَذا شارِفٌ عَنْ قَلِيلٍ، وهَذا البابُ كُلُّهُ في العَرَبِيَّةِ عَلى ما وصَفْتُ لَكَ.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ","ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ","ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَـٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَـٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ","ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ لَمَیِّتُونَ","ثُمَّ إِنَّكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ تُبۡعَثُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق