* الإعراب:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) الجملة لا محل نها من الاعراب لأنها جواب قسم محذوف واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وخلقنا فعل وفاعل والإنسان مفعول به ومن سلالة متعلقان بخلقنا، فمن للابتداء ومن طين صفة لسلالة أو متعلقان بسلالة لأنها بمعنى مسلولة، فمن للبيان، ولا تلتفت إلى قول بعض المعربين ان الواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام فالكلام مستأنف لا علاقة له بما قبله. (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ)
ثم حرف عطف وجعلناه فعل وفاعل ومفعول به ونطفة مفعول به ثان وفي قرار مفعول به ثالث ومكين صفة. (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) ثم حرف عطف وخلقنا فعل وفاعل والنطفة مفعول به أول وعلقة مفعول به ثان لأن خلقنا متضمن معنى صيرنا. (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) الفاء حرف عطف وخلقنا فعل وفاعل والعلقة مفعول به أول ومضغة مفعول به ثان، فخلقنا فعل وفاعل والمضغة مفعول به أول وعظاما مفعول به ثان. (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) الفاء حرف عطف وكسونا فعل وفاعل والعظام مفعول به أول ولحما مفعول به ثان ثم حرف عطف وأنشأناه فعل وفاعل ومفعول به وخلقا حال وآخر صفة فتبارك الفاء استئنافية وتبارك فعل ماض والله فاعل وأحسن بدل من الله والخالقين مضاف اليه وليس بصفة لأنه نكرة وإن أضيف، لأن المضاف إليه عوض من «من» وهكذا جميع باب اسم التفضيل، ومميز أحسن محذوف للعلم به أي خلقا. (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) ثم حرف عطف وتراخ وان واسمها وبعد ذلك الظرف متعلق بمحذوف حال أو بميتون، واللام المزحلقة وميتون خبر ان، ثم انكم عطف على ما تقدم وجملة تبعثون خبر ان.
* البلاغة:
1- المخالفة في حروف العطف:
في حروف العطف المتتابعة في هذه الآيات أسرار لطيفة المأخذ دقيقة المعنى، فقد ذكر تعالى تفاصيل حال المخلوق في تنقله فبدأ بالخلق الاول وهو خلق آدم من طين، ولما عطف عليه الخلق الثاني الذي هو خلق النسل عطفه بثم لما بيتهما من التراخي وحيث صار إلى التقدير الذي يتبع بعضه بعضا من غير تراخ عطفه بالفاء، ولما انتهى إلى جعله ذكرا أو أنثى وهو آخر الخلق عطفه بثم، ونحن نعلم أن الزمن الذي تصير فيه النطفة علقة طويل ولكن الحالتين متصلتان فأحيانا ينظر إلى طول الزمان فيعطف بثم وأحيانا ينظر إلى اتصال الحالين ثانيهما بأولهما من غير فاصل بينهما بغيرهما فيعطف بالفاء، ومثل هذا تزوج محمد فولد له.
وشيء آخر، وهو ان صيرورة التراب نطفة أمر مستبعد في ظاهر الحال ومثل ذلك صيرورة النطفة علقة لاختلاف إحداهما عن الاخرى اختلافا ظاهرا ولكن صيرورة العلقة مضغة لا غرابة فيه لتقاربهما فلهذا الوجه عطف في قوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ» بثم، وفي الآية التي نحن بصددها لوحظت أطوار الخلق وتباعد الأوقات بين كل طورين. وفي حاشية الشهاب الخفاجي على البيضاوي ما خلاصته:
اختلاف العواطف بالفاء وثم لتفاوت الاستحالات يعني ان بعضها مستبعد حصوله مما قبله وهو المعطوف بثم فجعل الاستبعاد عقلا أو رتبة بمنزلة التراخي والبعد الحسي لأن حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدا وكذا جعل النطفة البيضاء ماء أحمر بخلاف جعل الدم لحما مشابها له في اللون والصورة وكذا تصليبها حتى تصير عظما لأنه قد يحصل ذلك بالمكث فيما يشاهد وكذا مد لحم المضغة عليه ليستره وذلك يقتضي عطف الجميع بثم إن نظر لآخر المدة وأولها، ويقتضي العطف بالفاء ان نظر لآخرها فقط.
2- تشبيه الرحم بالقرار:
في قوله تعالى «فِي قَرارٍ مَكِينٍ» استعارة تصريحية فقد حذف المشبه وأبقى المشبه به، والمشبه هو الرحم وقد شبهه بالقرار أي موضع الاستقرار ثم وصفه بمكين بمعنى متمكن لتمكنه في نفسه بحيث لا يعرض له اختلال أو لتمكن ما يحل فيه كقولهم طريق سائر أي يسار فيه. وبقي إيضاح قوله تعالى «خَلْقاً آخَرَ» وقد كثرت فيه الأقوال واضطربت، وخير ما يقال فيه انه عام والمراد مباينته للخلق الأول مباينة بعيدة جدا حيث جعله حيوانا وكان جمادا، وناطقا وكان أبكم، وسميعا وكان أصم، وبصيرا وكان أعمى أكمه، وأودع باطنه وظاهره وكل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب لا توصف وغرائب لا تدرك.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ","ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ","ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَـٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَـٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ","ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ لَمَیِّتُونَ","ثُمَّ إِنَّكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ تُبۡعَثُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ"}