الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا ننسخ من آيَة﴾ قَرَأَ ابْن عَامر " مَا ننسخ " بِضَم النُّون وَكسر السِّين وَمَعْنَاهُ مَا تَجدهُ مَنْسُوخا وَهُوَ مثل قَوْلهم: أحمدت فلَانا. أَي: وجدته مَحْمُودًا، وأبخلت فلَانا. أَي. وجدته بَخِيلًا.
الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة ﴿مَا ننسخ﴾ على الْفَتْح.
والنسخ فِي اللُّغَة: رفع الشَّيْء وَإِقَامَة غَيره مقَامه. يُقَال: نسخت الشَّمْس الظل. أَي رفعته وأقامت الضياء مقَامه.
وَقد يكون بِمَعْنى رفع الشَّيْء من غير إِقَامَة غَيره مقَامه.
يُقَال: نسخت الرِّيَاح الْآثَار إِذا رفعتها من أَصْلهَا من غير شَيْء يقوم مقَامهَا. والنسخ جَائِز فِي الْجُمْلَة بِاتِّفَاق الْأمة. وَنسخ الْقُرْآن على وُجُوه:
مِنْهَا نسخ يُوجب رفع التِّلَاوَة وَالْحكم جَمِيعًا. وَذَلِكَ مثل مَا روى عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف " أَن قوما من الصَّحَابَة قَامُوا لَيْلَة ليقرءوا سُورَة فَلم يذكرُوا مِنْهَا إِلَّا قَوْله: ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ فَغَدوْا على النَّبِي وَأَخْبرُوهُ بذلك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " تِلْكَ سُورَة رفعت بتلاوتها وأحكامها ".
وَقيل إِن سُورَة الْأَحْزَاب كَانَت مثل سُورَة الْبَقَرَة؛ فَرفع أَكْثَرهَا تِلَاوَة وَحكما.
وَمن النّسخ مَا يُوجب رفع التِّلَاوَة دون الحكم وَذَلِكَ مثل آيَة " الرَّجْم " رفعت تلاوتها وَبَقِي حكمهَا.
وَمِنْه مَا يُوجب رفع الحكم دون التِّلَاوَة. مثل آيَة " \ الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين " وَآيَة " عدَّة الْوَفَاة بالحول " وَمثلهَا آيَة " التَّخْفِيف فِي الْقِتَال " وَآيَة " الممتحنة " وَنَحْو ذَلِك.
وَمن وُجُوه النّسخ مَا يُوجب رفع الحكم وَإِقَامَة غَيره مقَامه، وَذَلِكَ مثل الْقبْلَة نسخت إِلَى الْكَعْبَة، وَالْوَصِيَّة نسخت إِلَى الْمِيرَاث، وعدة الْوَفَاة نسخت من الْحول إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، ومقاومة الْوَاحِد الْعشْرَة فِي الْقِتَال نسخت إِلَى مقاومة الْوَاحِد الِاثْنَيْنِ. وَنَحْو ذَلِك.
﴿ألم تعلم أَن الله لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا لكم من دون الله من ولي وَلَا﴾
وَمِنْهَا: رفع الحكم من غير إِقَامَة شَيْء مقَامه؛ وَذَلِكَ مثل امتحان النِّسَاء، نسخ من غير خلف. وَكَذَلِكَ أَمْثَال هَذَا.
رَجعْنَا إِلَى تَفْسِير الْآيَة فَقَوله: ﴿مَا ننسخ من آيَة﴾ أَي: نرفع من آيَة. فَأَما قَوْله: ﴿أَو ننسها﴾ اخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس مَعْنَاهُ: أَو نتركها فَلَا ننسخ. وَهُوَ مثل قَوْله: ﴿نسو الله فنسيهم﴾ أَي تركُوا الله فتركهم. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
(إِن عَليّ عقبَة أقضيها ... لست بناسيها وَلَا منسيها)
أَي: لست بناسيها وَلَا تاركها. فعلى هَذَا يرجع قَوْله: ﴿نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا﴾ إِلَى قَوْله: ﴿مَا ننسخ من آيَة﴾ .
وَقيل: معنى قَوْله: ﴿أَو ننسها﴾ يعْنى ننسيها على قَلْبك يَا مُحَمَّد. وَذَلِكَ مثل مَا روينَا فِي حَدِيث أبي أُمَامَة.
وروت عَائِشَة " أَن رَسُول الله سمع رجلا يقْرَأ سُورَة، فَقَالَ: إِن هَذَا الرجل ذَكرنِي آيَة كنت نسيتهَا ". وَهُوَ نَظِير قَوْله تَعَالَى ﴿سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ الله﴾ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " مَا ننسك من آيَة أَو ننسخها " وَهَذَا يُؤَيّد هَذَا القَوْل؛ فعلى هَذَا يكون الإنساء على الْقلب فِي معنى النّسخ.
وَفِيه قَول ثَالِث: معنى قَوْله أَو " ننسها " أَي: نأمر بِتَرْكِهَا، ونبيح تَركهَا، وَذَلِكَ مثل نسخ آيَة الممتحنة وَنَحْوهَا.
فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا كَانَ الإنساء بِمَعْنى إِبَاحَة التّرْك. فَأَي فرق بَينه وَبَين النّسخ.
قُلْنَا: هما وَجْهَان من النّسخ إِلَّا أَنه أَرَادَ بالنسخ الأول: رفع الحكم وَإِقَامَة غَيره مقَامه، وَأَرَادَ بِالثَّانِي: نسخ الحكم، من غير إِقَامَة غَيره مقَامه. كَمَا ذكرنَا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو. وَابْن كثير " أَو ننسأها " على الْفَتْح والهمز وَحكى أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام، عَن أبي نعيم الْقَارئ. أَنه قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله فِي الْمَنَام، فَقَرَأت عَلَيْهِ بِحرف أبي عَمْرو فَغير على شَيْئَيْنِ: فَقَوله: " وأرنا " فَقَالَ: " قل وأرنا " بِكَسْر الرَّاء قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَأَحْسبهُ قَالَ الْحَرْف الثَّانِي: قَوْله: أَو " ننسأها " فَقَالَ: قل: " أَو ننسها " النِّسَاء والإنساء: بِمَعْنى التَّأْخِير، تَقول الْعَرَب: أنسأ الله أَجلك ونسأ الله فِي أَجلك. فِي مَعْنَاهُ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن معنى قَوْله: " أَو ننساها " أَي: نرفع تلاوتها، ونؤخر حكمهمَا، كَمَا فعل فِي آيَة " الرَّجْم ". وَيكون النّسخ الأول بِمَعْنى رفع التِّلَاوَة وَالْحكم جَمِيعًا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: " أَو ننسأها " أَي نؤخر إنزالها، ونتركها فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فَلَا تنزل.
وَقَوله: " مَا ننسخ من آيَة " يَعْنِي: مَا ينزل، أَو " ننسأها " فَلَا ينزل، نأتي بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا.
فَإِن قيل: أيش معنى قَوْله: ﴿نأت بِخَير [مِنْهَا] ﴾ وآيات الْقُرْآن سَوَاء، لَا فضل لبعضها على بعض. وَإِن أَرَادَ بِهِ الْخَيْر فِي السهولة، فقد نسخ الأسهل بالأشق، مثل الصَّوْم كَانَ على التَّخْيِير بَينه وَبَين الْفِدْيَة، فنسخه بِصَوْم رَمَضَان على الحتم. فَمَا معنى الْخَيْرِيَّة؟
قُلْنَا: قد قيل، تَقْدِيره: نأت مِنْهَا بِخَير، أَي: نرفع آيَة ونأت بِآيَة.
وَالصَّحِيح: أَنه أَرَادَ بِالْخَيرِ الْأَفْضَل، يَعْنِي فِي النَّفْع والسهولة. وَمَعْنَاهُ: نأت بِخَير مِنْهَا، أَي: أَنْفَع وأسهل.
﴿أَو مثلهَا﴾ فِي النَّفْع والسهولة. وَإِن نسخ الأسهل بالأشق فَمَعْنَى الْخَيْر فِيهِ بالثواب. فَإِن ثَوَاب الأشق أَكثر. فَإِن قيل: هما سَوَاء فِي (امْتِثَال) الْأَمر فَكيف يَخْتَلِفَانِ فِي الثَّوَاب؟ وَالْجَوَاب: أَن الله تَعَالَى يجوز أَن يثيب على الأشق أَكثر مِمَّا يثيب على الأسهل، وَقد وعد الثَّوَاب على صَوْم رَمَضَان مَا لم يعد على الصَّوْم الْمُخَير فِيهِ أَولا.
وَفِيه قَول آخر: أَنه أَرَادَ بقوله: ﴿نأت بِخَير مِنْهَا﴾ فِي نسخ الْقبْلَة خَاصَّة.
وَبِقَوْلِهِ: ﴿أَو مثلهَا﴾ على الْعُمُوم، وَذَلِكَ أَن التَّوَجُّه إِلَى الْكَعْبَة كَانَ خيرا للْعَرَب وأدعى لَهُم إِلَى الْإِسْلَام؛ إِذْ كَانَت فِي قُلُوبهم نفرة عَن التَّوَجُّه إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس؛ لِأَنَّهُ قبله الْيَهُود.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن المُرَاد بقوله: ﴿نأت بِخَير مِنْهَا﴾ يعْنى: فِي حَال نسخ الأول فَإِن الثَّانِي - الَّذِي نزل جَدِيدا وَيعْمل بِهِ - خير من الأول الْمَنْسُوخ الَّذِي لَا يعْمل بِهِ، وَهَذَا قَول بعيد.
{"ayah":"۞ مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق