الباحث القرآني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رب يسر تفسير سورة المائدة بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مُنْصَرَفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ من الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ: (يَا عَلِيُّ أَشَعَرْتَ أَنَّهُ نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَنِعْمَتِ الْفَائِدَةُ). قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ اعْتِقَادُهُ، أَمَا إِنَّا نَقُولُ: سُورَةُ "الْمَائِدَةِ، وَنِعْمَتِ الْفَائِدَةُ" فَلَا نَأْثِرُهُ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا عِنْدِي لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّبِيِّ ﷺ. وَرُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (سُورَةُ الْمَائِدَةِ تُدْعَى فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ الْمُنْقِذَةَ تُنْقِذُ صَاحِبَهَا مِنْ أَيْدِي مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ). وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مَا نَزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَمِنْهَا مَا أُنْزِلَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ قوله تعالى: "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ"] المائدة: ٢] الْآيَةَ. وَكُلُّ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَهُوَ مَدَنِيٌّ، سَوَاءٌ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ فِي سَفَرٍ مِنَ الْأَسْفَارِ. وَإِنَّمَا يُرْسَمُ بِالْمَكِّيِّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: "الْمَائِدَةُ" مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ، وَفِيهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ فَرِيضَةً لَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا، وَهِيَ: "الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ"] المائدة: ٣]، "وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ"، "وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ"] المائدة: ٤]، "وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ"] المائدة: ٥] "وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ"] المائدة: ٥]، وتمام الطهور "إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ"] المائدة: ٦]، "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ"] المائدة: ٣٨]، "لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ"] المائدة: ٩٥] إلى قوله: "عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ"] المائدة: ٩٥] وَ "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ ١٠"] المائدة: ١٠٣]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ١٠﴾] المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ. قُلْتُ: وَفَرِيضَةٌ تَاسِعَةَ عَشْرَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ عز وجل: "وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ"] المائدة: ٥٨] لَيْسَ لِلْأَذَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، أَمَّا مَا جَاءَ فِي سُورَةِ "الْجُمُعَةِ" فَمَخْصُوصٌ بِالْجُمُعَةِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَامٌّ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ "الْمَائِدَةِ" فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا) وَنَحْوَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَوْقُوفًا، قَالَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ "الْمَائِدَةِ"؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: فَإِنَّهَا مِنْ آخِرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُسِخَ مِنْهَا ﴿أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ١٠﴾ [المائدة: ١٠٦].
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ١٠ قَالَ عَلْقَمَةُ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ١٠" فَهُوَ مدني و "يا أَيُّهَا النَّاسُ"] النساء: ١] فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَهَذَا خُرِّجَ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١ ص ٢٢٩.]]. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا تَلُوحُ فَصَاحَتُهَا وَكَثْرَةُ مَعَانِيهَا عَلَى قِلَّةِ أَلْفَاظِهَا لِكُلِّ ذِي بَصِيرَةٍ بِالْكَلَامِ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: الْأَوَّلُ: الْأَمْرُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، الثَّانِي: تَحْلِيلُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، الثَّالِثُ- اسْتِثْنَاءُ مَا يَلِي بَعْدَ ذَلِكَ، الرَّابِعُ- اسْتِثْنَاءُ حَالِ الْإِحْرَامِ فِيمَا يُصَادُ، الْخَامِسُ- مَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ مِنْ إِبَاحَةِ الصَّيْدِ لِمَنْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ. وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكِنْدِيِّ قَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْحَكِيمُ اعْمَلْ لَنَا مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنِ فَقَالَ: نَعَمْ! أَعْمَلُ مِثْلَ بَعْضِهِ، فَاحْتَجَبَ أَيَّامًا كَثِيرَةً ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَقْدِرُ وَلَا يُطِيقُ هَذَا أَحَدٌ، إِنِّي فَتَحْتُ الْمُصْحَفَ فَخَرَجَتْ سُورَةُ "الْمَائِدَةِ" فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ نَطَقَ بِالْوَفَاءِ وَنَهْيٌ عَنِ النَّكْثِ، وَحَلَّلَ تَحْلِيلًا عَامًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً بَعْدَ اسْتِثْنَاءٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي سَطْرَيْنِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا فِي أَجْلَادٍ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوْفُوا﴾ ٤٠ يُقَالُ: وَفَى وَأَوْفَى لُغَتَانِ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ" [[راجع ج ٨ ص ٢٦٦.]]] التوبة: ١١١]، وقال تعالى: "وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى" [[راجع ج ١٧ ص ١١٢.]]] النجم: ٣٧] وقال الشاعر: [[هو طفيل الغنوي وقلاص النجم: هي العشرون نجما التي ساقها الدبران في خطبة الثريا كما تزعم العرب.]]
أَمَّا ابْنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ... كَمَا وَفَى بِقِلَاصِ النَّجْمِ حَادِيهَا
فَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.
(بِالْعُقُودِ) الْعُقُودُ الرُّبُوطُ، وَاحِدُهَا عَقْدٌ، يُقَالُ: عَقَدْتُ الْعَهْدَ وَالْحَبْلَ، وَعَقَدْتُ الْعَسَلَ [[كذا في الأصول وفي حاشية الجمل عن القرطبي: عقدت الغل.]] فَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعَانِي وَالْأَجْسَامِ، قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ ... شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا [[العناج: خيط أو سير يشد في أسفل الدلو ثم يشد في عروتها: والكرب الحبل الذي يشد على الدلو بعد المنين، وهو الحبل الأول: فإذا انقطع المنين بقي الكرب. وقيل: غير هذا. وهذه أمثال ضربها الحطيئة لايفائهم بالعهد.]]
فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي بِذَلِكَ عُقُودَ الدَّيْنِ وَهِيَ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ، مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَكِرَاءٍ وَمُنَاكَحَةٍ وَطَلَاقٍ وَمُزَارَعَةٍ وَمُصَالَحَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَتَخْيِيرٍ وَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، مَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ مَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ مِنَ الطَّاعَاتِ، كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْقِيَامِ وَالنَّذْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ طَاعَاتِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا نَذْرُ المباح فلا يلزم بإجماع من الامة، قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ. ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧] [[راجع ج ٤ ص ٣٠٤.]]. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ. وَقِيلَ: هِيَ عَامَّةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ لَفْظَ الْمُؤْمِنِينَ يَعُمُّ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَقْدًا فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ، [[في ز: ويعم أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَفِي حاشية الجمل عن القرطبي: وهم من أمة محمد. إلخ. قلت: يعني أمة غير الإجابة. مصححه.]] فَإِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" وَغَيْرِ مَوْضِعٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّ وَبِمَا حَرَّمَ وَبِمَا فَرَضَ وَبِمَا حَدَّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابن شهاب: قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ وَفِي صَدْرِهِ: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" فَكَتَبَ الْآيَاتِ فِيهَا إِلَى قوله: "إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ"] المائدة: ٤] (. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى أَوْفُوا بِعَقْدِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَبِعَقْدِكُمْ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبَابِ، قَالَ ﷺ: (الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) وَقَالَ: (كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) فَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ أَوِ الْعَقْدَ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ أَيْ دِينَ اللَّهِ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا مَا يُخَالِفُ رُدَّ، كَمَا قَالَ ﷺ: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ). ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: اجْتَمَعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ- لِشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ- فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَلَّا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ أَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ إِلَّا قَامُوا مَعَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلَمَتُهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الرَّسُولُ ﷺ: (لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ [عَبْدِ اللَّهِ] [[من ج وز.]] بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوِ ادُّعِيَ [[في الروض الأنف: لو دعيت إليه.]] بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ). وَهَذَا الْحِلْفُ هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً) لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ إِذْ أَمَرَ بِالِانْتِصَافِ مِنَ الظَّالِمِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ عُهُودِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَعُقُودِهِمُ الْبَاطِلَةِ عَلَى الظُّلْمِ وَالْغَارَاتِ فَقَدْ هَدَمَهُ الْإِسْلَامُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَحَامَلَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ عَلَى الحسين ابن عَلِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ- لِسُلْطَانِ الْوَلِيدِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ- فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ بِسَيْفِي ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: وَأَنَا أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ دَعَانِي لَآخُذَنَّ بِسَيْفِي ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يَنْتَصِفَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا، وَبَلَغَتِ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلَغَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ أَنْصَفَهُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ﴾ الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنِ الْتَزَمَ الْإِيمَانَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَمَالِهِ، وَكَانَتْ لِلْعَرَبِ سُنَنٌ فِي الْأَنْعَامِ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ والوصيلة والحام، يأتي بَيَانُهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَافِعَةً لِتِلْكَ الْأَوْهَامِ الْخَيَالِيَّةِ، وَالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الْبَاطِلِيَّةِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى "بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" وَالْبَهِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ ذِي أَرْبَعٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِبْهَامِهَا مِنْ جِهَةِ نَقْصِ نُطْقِهَا وَفَهْمِهَا وَعَدَمِ تَمْيِيزِهَا وَعَقْلِهَا، وَمِنْهُ بَابٌ مُبْهَمٌ أَيْ مُغْلَقٌ، وَلَيْلٌ بَهِيمٌ، وَبُهْمَةٌ لِلشُّجَاعِ الَّذِي لا يدرى من أين يؤتى له. و "الْأَنْعامِ": الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلِينِ مَشْيِهَا [[في مفردات الراغب: أن تسمية الإبل بذلك لأنها عندهم أعظم نعمة. ولا يقال لها أنعام حتى يكون في جملتها الإبل.]]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ"] النحل: ٥] إلى قوله: "وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ"] النحل: ٧] [[راجع ج ١٠ ص ٦٨. وص ١٥٢.]]، وقال تعالى: "وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً" [[راجع ج ٧ ص ١١١.]]] الانعام: ١٤٢] يَعْنِي كِبَارًا وَصِغَارًا، ثُمَّ بَيَّنَهَا فَقَالَ: "ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ"] الانعام: ١٤٣] إلى قوله: "أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ"] البقرة: ١٣٣] وَقَالَ تَعَالَى: "وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها ٨٠" [[راجع ج ١٠ ص ٦٨. وص ١٥٢.]]] النحل: ٨٠] يَعْنِي الْغَنَمَ "وَأَوْبارِها ٨٠" يَعْنِي الْإِبِلَ "وَأَشْعارِها ٨٠" يَعْنِي الْمَعْزَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ تُنْبِئُ عَنْ تَضَمُّنِ اسْمِ الْأَنْعَامِ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ، الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَإِذَا قِيلَ النَّعَمُ فَهُوَ الْإِبِلُ خَاصَّةً. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَقَالَ قَوْمٌ "بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" وَحْشِيُّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَالْحُمُرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ غَيْرُ الطَّبَرِيِّ عَنْ السُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ، فَأُضِيفَ الْجِنْسُ إِلَى أَخَصِّ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْعَامَ هِيَ الثَّمَانِيَةُ الْأَزْوَاجُ، وَمَا انْضَافَ إِلَيْهَا مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ يُقَالُ لَهُ أَنْعَامٌ بِمَجْمُوعِهِ مَعَهَا، وَكَأَنَّ الْمُفْتَرِسَ كَالْأَسَدِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ الْأَنْعَامِ، فَبَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ هِيَ الرَّاعِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِيهَا ذَوَاتُ الْحَوَافِرِ لِأَنَّهَا رَاعِيَةٌ غَيْرُ مُفْتَرِسَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ"] النحل: ٥] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: "وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ"] النحل: ٨] فَلَمَّا اسْتَأْنَفَ ذِكْرَهَا وَعَطَفَهَا عَلَى الْأَنْعَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ: "بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" مَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا، لِأَنَّ الصَّيْدَ يُسَمَّى وَحْشًا لَا بَهِيمَةً، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" الْأَجِنَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ عِنْدَ الذَّبْحِ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ، فَهِيَ تُؤْكَلُ دُونَ ذَكَاةٍ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وفية بعد، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ" وَلَيْسَ فِي الْأَجِنَّةِ مَا يُسْتَثْنَى، قَالَ مَالِكٌ: ذَكَاةُ الذَّبِيحَةِ ذَكَاةٌ لِجَنِينِهَا إِذَا لَمْ يُدْرَكْ حَيًّا وَكَانَ قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ خَلْقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ لَمْ يُؤْكَلْ إِلَّا أَنْ يُدْرَكَ حَيًّا فَيُذَكَّى، وَإِنْ بَادَرُوا إِلَى تَذْكِيَتِهِ فَمَاتَ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ: هُوَ ذَكِيٌّ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِذَكِيٍّ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ يُقْرَأُ عَلَيْكُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قوله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ"] المائدة: ٣] وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ) [[رواية مسلم والنسائي: (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام).]]. فَإِنْ قِيلَ: الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَيْسَ السُّنَّةَ، قُلْنَا: كُلُّ سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهِيَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ الْعَسِيفِ (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ) وَالرَّجْمُ لَيْسَ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ. الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، الْحَدِيثَ. وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ "الْحَشْرِ" [[راجع ج ١٨ ص ١٧.]]. وَيَحْتَمِلُ "إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ" الْآنَ أَوْ "مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ" فِيمَا بَعْدُ مِنْ مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتٍ لَا يُفْتَقَرُ فِيهِ إِلَى تَعْجِيلِ الْحَاجَةِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ أَيْ مَا كَانَ صَيْدًا فَهُوَ حَلَالٌ فِي الْإِحْلَالِ دُونَ الْإِحْرَامِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا فَهُوَ حَلَالٌ فِي الْحَالَيْنِ. وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي "إِلَّا مَا يُتْلى " هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ لَا؟ فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ "بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" وَ "غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ" استثناء آخر أيضا منه، فالاستثناء ان جَمِيعًا مِنْ قَوْلِهِ: "بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ" وَهِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا، التَّقْدِيرُ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إِلَّا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: "إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ" [[راجع ج ١٠ ص ٣٦.]]] الحجر: ٥٩ - ٥٨] عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَثْنًى مِمَّا يَلِيهِ مِنِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ" وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ إِبَاحَةُ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنَ الْمَحْظُورِ إِذْ كَانَ قَوْلُهُ تعالى: "إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ" مُسْتَثْنًى مِنَ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا وَجْهٌ سَاقِطٌ، فَإِذًا مَعْنَاهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ سِوَى الصَّيْدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَيْضًا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ "إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْبَدَلِ عَلَى أَنْ يُعْطَفَ بِإِلَّا كَمَا يُعْطَفُ بِلَا، وَلَا يُجِيزُهُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا فِي النَّكِرَةِ أَوْ مَا قَارَبَهَا مِنْ] أَسْمَاءِ [[[الزيادة عن ابن عطية.]] الْأَجْنَاسِ نَحْوَ جَاءَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدٌ. وَالنَّصْبُ عِنْدَهُ بِأَنَّ "غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ" نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِمَّا فِي "أَوْفُوا ٤٠"، قَالَ الْأَخْفَشُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَالٌ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي "لَكُمْ" وَالتَّقْدِيرُ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ. ثُمَّ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ الْإِحْلَالُ إِلَى النَّاسِ، أَيْ لَا تُحِلُّوا الصَّيْدَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ أَحْلَلْتُ لَكُمُ الْبَهِيمَةَ إِلَّا مَا كَانَ صَيْدًا فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ، كَمَا تَقُولُ: أَحْلَلْتُ لَكَ كَذَا غَيْرَ مُبِيحٍ لَكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَإِذَا قُلْتَ يَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ فَالْمَعْنَى: غَيْرَ مُحِلِّينَ الصَّيْدِ، فَحُذِفَتِ النُّونُ تَخْفِيفًا. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ يَعْنِي الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ حَرَامٌ وَقَوْمٌ حُرُمٌ إِذَا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ [[هو المضرب بن كعب بن زهير.]]:
فَقُلْتُ لَهَا فِيئِي إِلَيْكِ فَإِنَّنِي ... حَرَامٌ وَإِنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ
أَيْ مُلَبٍّ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ إِحْرَامًا لِمَا يُحَرِّمُهُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِهِمَا. وَيُقَالُ: أَحْرَمَ دَخَلَ فِي الْحَرَمِ، فَيَحْرُمُ صَيْدُ الْحَرَمِ أَيْضًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ "حُرْمٌ" بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ يَقُولُونَ فِي رُسُلٍ: رُسْلٌ وَفِي كُتُبٍ كُتْبٌ وَنَحْوَهُ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ تَقْوِيَةً لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَعْهُودِ أَحْكَامِ الْعَرَبِ، أَيْ فَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ السَّامِعُ لِنَسْخِ تِلْكَ الَّتِي عَهِدْتَ مِنْ أَحْكَامِهِمْ تَنَبَّهْ، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ مَالِكُ الْكُلِّ "يَحْكُمُ ما يُرِيدُ" "لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ" [[راجع ج ٩ ص ٣٣٤.]]] الرعد: ٤١] يشرع ما يشاء كما يشاء.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَوۡفُوا۟ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِیمَةُ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ إِلَّا مَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡ غَیۡرَ مُحِلِّی ٱلصَّیۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ مَا یُرِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق