الباحث القرآني
سُورَةُ المائِدَةِ
وتُسَمّى أيْضًا بِالعُقُودِ، والمُنْقِذَةِ، قالَ ابْنُ الفُرْسِ: لِأنَّها تُنْقِذُ صاحِبَها مِن مَلائِكَةِ العَذابِ.
وهِيَ مَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، وقَتادَةَ، وقالَ أبُو جَعْفَرِ بْنُ بِشْرٍ والشَّعْبِيُّ: إنَّها مَدَنِيَّةٌ إلّا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ فَإنَّهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ.
وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ القُرَظِيِّ قالَ: «نَزَلَتْ سُورَةُ المائِدَةِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في حَجَّةِ الوَداعِ فِيما بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، وهو عَلى ناقَتِهِ فانْصَدَعَتْ كَتِفُها، فَنَزَلَ عَنْها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وذَلِكَ مِن ثِقَلِ الوَحْيِ».
وأخْرَجَ غَيْرُ واحِدٍ، عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها - أنَّها قالَتِ: «المائِدَةُ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ».
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أنَّ آخِرَ سُورَةٍ المائِدَةُ والفَتْحُ» .
وقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا عَنِ البَراءِ أنَّ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ ( بَراءَةٌ ) ولَعَلَّ كُلًّا ذَكَرَ ما عِنْدَهُ، ولَيْسَ في ذَلِكَ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
نَعَمْ، أخْرَجَ أبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، وعَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ««المائِدَةُ مِن آخِرِ القُرْآنِ تَنْزِيلًا، فَأحِلُّوا حَلالَها وحَرِّمُوا حَرامَها»» وهو غَيْرُ وافٍ بِالمَقْصُودِ لِمَكانِ ( مِن ).
واسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذا الخَبَرِ عَلى أنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ مِن هَذِهِ السُّورَةِ شَيْءٌ، ومِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ النَّسْخِ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ، والحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - كَما أخْرَجَ ذَلِكَ عَنْهُما أبُو داوُدَ، وأخْرَجَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ مِنها إلّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ ولا الشَّهْرَ الحَرامَ ولا الهَدْيَ ولا القَلائِدَ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّهُ قالَ: نُسِخَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ آيَتانِ، آيَةُ القَلائِدِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَإنْ جاءُوكَ فاحْكم بَيْنَهم أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ وادَّعى بَعْضُهم أنَّ فِيها تِسْعَ آياتٍ مَنسُوخاتٍ، وسَيَأْتِي الكَلامُ عَلى ذَلِكَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
(p-48)وعِدَّةُ آيِها مِائَةٌ وعِشْرُونَ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ، وثَلاثٌ وعِشْرُونَ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، واثْنانِ وعِشْرُونَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، ووَجْهُ اعْتِلاقِها بِسُورَةِ النِّساءِ - عَلى ما ذَكَرَهُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أنَّ سُورَةَ النِّساءِ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلى عِدَّةِ عُقُودٍ صَرِيحًا وضِمْنًا، فالصَّرِيحُ عُقُودُ الأنْكِحَةِ، وعَقْدُ الصَّداقِ، وعَقْدُ الحِلْفِ، وعَقْدُ المُعاهَدَةِ والأمانِ، والضِّمْنِيُّ عَقْدُ الوَصِيَّةِ، والوَدِيعَةِ، والوَكالَةِ، والعارِيَةِ، والإجارَةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ الدّاخِلِ في عُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكم أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهْلِها﴾ فَناسَبَ أنْ تَعْقُبَ بِسُورَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالأمْرِ بِالوَفاءِ بِالعُقُودِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يا أيُّها النّاس أوْفَوْا بِالعُقُودِ الَّتِي فُرِغَ مِن ذِكْرِها في السُّورَةِ الَّتِي تَمَّتْ، وإنَّ كانَ في هَذِهِ السُّورَةِ أيْضًا عُقُودٌ.
ووَجْهُ أيْضًا تَقْدِيمِ النِّساءِ وتَأْخِيرِ المائِدَةِ بِأنَّ أوَّلَ تِلْكَ ( يا أيُّها النّاس ) وفِيها الخِطابُ بِذَلِكَ في مَواضِعَ، وهو أشْبَهُ بِتَنْزِيلِ المَكِّيِّ، وأوَّلَ هَذِهِ ( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ) وفِيها الخِطابُ بِذَلِكَ في مَواضِعَ، وهو أشْبَهُ بِخِطابِ المَدَنِيِّ، وتَقْدِيمُ العامِّ وشِبْهُ المَكِّيِّ أنْسَبُ.
ثُمَّ إنَّ هاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ في التَّلازُمِ والِاتِّحادِ نَظِيرَ البَقَرَةِ وآلِ عِمْرانَ، فَتانِكَ اتَّحَدا في تَقْرِيرِ الأُصُولِ مِنَ الوَحْدانِيَّةِ والنُّبُوَّةِ ونَحْوِهِما، وهاتانِ في تَقْرِيرِ الفُرُوعِ الحِكْمِيَّةِ.
وقَدْ خُتِمَتِ المائِدَةُ في صِفَةِ القُدْرَةِ كَما افْتُتِحَتِ النِّساءُ بِذَلِكَ، وافْتُتِحَتِ النِّساءُ بِبَدْءِ الخَلْقِ، وخُتِمَتِ المائِدَةُ بِالمُنْتَهى مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ، فَكَأنَّهُما سُورَةٌ واحِدَةٌ اشْتَمَلَتْ عَلى الأحْكامِ مِنَ المَبْدَأِ إلى المُنْتَهى، ولِهَذِهِ السُّورَةِ أيْضًا اعْتِلاقٌ بِالفاتِحَةِ والزَّهْراوَيْنِ كَما لا يَخْفى عَلى المُتَأمِّلِ.
﷽
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ الوَفاءُ حِفْظُ ما يَقْتَضِيهِ العَقْدُ والقِيامُ بِمُوجِبِهِ، ويُقالُ: وفى ووَفّى وأوْفى بِمَعْنًى، لَكِنْ في المَزِيدِ مُبالَغَةٌ لَيْسَتْ في المُجَرَّدِ، وأصْلُ العَقْدِ الرَّبْطُ مُحْكَمًا، ثُمَّ تُجُوِّزَ بِهِ عَنِ العَهْدِ المُوَثَّقِ.
وفَرَّقَ الطَّبَرْسِيُّ بَيْنَ العَقْدِ والعَهْدِ؛ بِأنَّ العَقْدَ فِيهِ مَعْنى الِاسْتِيثاقِ والشَّدِّ، ولا يَكُونُ إلّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، والعَهْدَ قَدْ يَتَفَرَّدُ بِهِ واحِدٌ.
واخْتَلَفُوا في المُرادِ بِهَذِهِ العُقُودِ عَلى أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّ المُرادَ بِهِ العُهُودُ الَّتِي أخَذَ اللَّهَ تَعالى عَلى عِبادِهِ بِالإيمانِ بِهِ، وطاعَتِهِ فِيما أُحِلَّ لَهم أوْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما.
وثانِيها: العُقُودُ الَّتِي يَتَعاقَدُ النّاسُ بَيْنَهُمْ، كَعَقْدِ الإيمانِ، وعَقْدِ النِّكاحِ، وعَقْدِ البَيْعِ، ونَحْوِ ذَلِكَ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ زَيْدٍ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ.
وثالِثُها: العُهُودُ الَّتِي كانَتْ تُؤْخَذُ في الجاهِلِيَّةِ عَلى النُّصْرَةِ والمُؤازَرَةِ عَلى مَن ظَلَمَ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ، والرَّبِيعِ، وقَتادَةَ، وغَيْرِهِمْ.
ورابِعُها: العُهُودُ الَّتِي أخَذَها اللَّهُ تَعالى عَلى أهْلِ الكِتابِ بِالعَمَلِ بِما في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، مِمّا يَقْتَضِي التَّصْدِيقَ بِالنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وبِما جاءَ بِهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وأبِي صالِحٍ.
وعَلَيْهِ فالمُرادُ مِنَ ( الَّذِينَ آمَنُوا ) مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ، واخْتارَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّ المُرادَ بِها ما يَعُمُّ جَمِيعَ ما ألْزَمَهُ اللَّهُ تَعالى عِبادَهُ، وعَقَدَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّكالِيفِ والأحْكامِ الدِّينِيَّةِ، وما يَعْقِدُونَهُ فِيما بَيْنَهم مِن عُقُودِ الأماناتِ والمُعامَلاتِ ونَحْوِهِما، مِمّا يَجِبُ الوَفاءُ بِهِ، أوْ يَحْسُنُ دِينًا، ويُحْمَلُ الأمْرُ عَلى مُطْلَقِ الطَّلَبِ نَدْبًا أوْ وُجُوبًا، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ اجْتِنابُ المُحَرَّماتِ والمَكْرُوهاتِ؛ لِأنَّهُ أوْفَقُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، إذْ هو جَمْعٌ مُحَلّى بِاللّامِ، وأوْفى بِعُمُومِ الفائِدَةِ.
واسْتَظْهَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَ المُرادِ بِها عُقُودَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ في دِينِهِ مِن تَحْلِيلِ حَلالِهِ وتَحْرِيمِ حَرامِهِ؛ لِما فِيهِ - كَما في الكَشْفِ - مِن بَراعَةِ الِاسْتِهْلالِ والتَّفْصِيلِ بَعْدَ الإجْمالِ، لَكِنْ ذُكِرَ فِيهِ أنَّ مُخْتارَ البَعْضِ أوْلى لِحُصُولِ الغَرَضَيْنِ وزِيادَةِ التَّعْمِيمِ، وأنَّ السُّوَرَ الكَرِيمَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلى أُمَّهاتِ التَّكالِيفِ الدِّينِيَّةِ في الأُصُولِ والفُرُوعِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ (p-49)إلّا ﴿وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى﴾، و﴿اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ لَكَفى، وتُعُقِّبَ بِما لا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ فِيهِ نَزْعَ الخُفِّ قَبْلَ الوُصُولِ إلى الماءِ، وما اسْتَظْهَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ خالٍ عَنْ ذَلِكَ، والأمْرُ فِيهِ هَيِّنٌ، وفي القَوْلِ بِالعُمُومِ رَغِبَ الرّاغِبُ كَما هو الظّاهِرُ، فَقَدْ قالَ: العُقُودُ بِاعْتِبارِ المَعْقُودِ والعاقِدِ ثَلاثَةُ أضْرُبٍ:
عَقْدٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعالى وبَيْنَ العَبْدِ، وعَقْدٌ بَيْنَ العَبْدِ ونَفْسِهِ، وعَقْدٌ بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ البَشَرِ، وكُلُّ واحِدٍ بِاعْتِبارِ المُوجِبِ لَهُ ضَرْبانِ:
ضَرْبٌ أوْجَبَهُ العَقْلُ، وهو ما رَكَزَ اللَّهُ تَعالى مَعْرِفَتَهُ في الإنْسانِ فَيَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إمّا بِبَدِيهَةِ العَقْلِ وإمّا بِأدْنى نَظَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ﴾ الآيَةَ.
وضَرْبٌ أوْجَبَهُ الشَّرْعُ وهو ما دَلَّنا عَلَيْهِ كِتابُ اللَّهِ تَعالى وسُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -فَذَلِكَ سِتَّةُ أضْرُبٍ، وكُلُّ واحِدٍ مِن ذَلِكَ إمّا أنْ يُلْزَمَ ابْتِداءً أوْ يُلْزَمَ بِالتِزامِ الإنْسانِ إيّاهُ.
والثّانِي أرْبَعَةُ أضْرُبٍ:
فالأوَّلُ واجِبُ الوَفاءِ؛ كالنُّذُورِ المُتَعَلِّقَةِ بِالقُرَبِ نَحْوُ أنْ يَقُولَ: عَلَيَّ أنْ أصُومَ إنْ عافانِي اللَّهُ تَعالى.
والثّانِي مُسْتَحَبُّ الوَفاءِ بِهِ ويَجُوزُ تَرْكُهُ؛ كَمَن حَلَفَ عَلى تَرْكِ فِعْلٍ مُباحٍ، فَإنَّ لَهُ أنْ يُكْفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ ويَفْعَلَ ذَلِكَ.
والثّالِثُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الوَفاءِ بِهِ، وهو ما قالَ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ««إذا حَلَفَ أحَدُكم عَلى شَيْءٍ فَرَأى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنهُ فَلْيَأْتِ الَّذِي هو خَيْرٌ مِنهُ ولْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ»».
والرّابِعُ واجِبٌ تَرْكِ الوَفاءِ بِهِ؛ نَحْوُ أنْ يَقُولَ: عَلَيَّ أنْ أقْتُلَ فَلانًا المُسْلِمَ.
فَيَحْصُلُ مِن ضَرْبِ سِتَّةٍ في أرْبَعَةٍ أرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ ضَرْبًا، وظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي كُلَّ عَقْدٍ سِوى ما كانَ تَرْكُهُ قُرْبَةً أوْ واجِبًا، فافْهَمْ ولا تَغْفُلْ.
﴿أُحِلَّتْ لَكم بَهِيمَةُ الأنْعامِ﴾ شُرُوعٌ في تَفْصِيلِ الأحْكامِ الَّتِي أمَرَ بِإيفائِها، وبَدَأ سُبْحانَهُ بِذَلِكَ لِأنَّهُ مِمّا يَتَعَلَّقُ بِضَرُورِيّاتِ المَعاشِ، و( البَهِيمَةُ ) مِن ذَواتِ الأرْواحِ ما لا عَقْلَ لَهُ مُطْلَقًا، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ الزَّجّاجُ وسُمِّي ( بَهِيمَةً ) لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، وإبْهامِ الأمْرِ عَلَيْهِ.
ونَقَلَ الإمامُ الشَّعْرانِيِّ عَنْ شَيْخِهِ عَلِيٍّ الخَواصِّ - قُدِّسَ سِرُّهُ - أنَّ سَبَبَ تَسْمِيَةِ البَهائِمِ بَهائِمَ لَيْسَ إلّا لِكَوْنِ أمْرِ كَلامِها وأحْوالِها أُبْهِمَ عَلى غالِبِ الخَلْقِ لا أنَّ الأمْرَ أُبْهِمَ عَلَيْها، وذَكَرَ ما يَدُلُّ عَلى عَقْلِها وعِلْمِها، وسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ، إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: البَهِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ ذِي أرْبَعٍ مِن دَوابِّ البَرِّ والبَحْرِ، وإضافَتُها إلى الأنْعامِ لِلْبَيانِ، كَثَوْبِ خَزٍّ، أيْ: أُحِلَّ لَكم أكْلُ البَهِيمَةِ مِنَ الأنْعامِ، وهي الأزْواجُ الثَّمانِيَةُ المَذْكُورَةِ في سُورَتِها، واعْتُرِضَ بِأنَّ البَهِيمَةَ اسْمُ جِنْسٍ والأنْعامَ نَوْعٌ مِنهُ، فَإضافَتُها إلَيْهِ كَإضافَةِ حَيَوانٍ إلى إنْسانٍ، وهي مُسْتَقْبَحَةٌ، وأُجِيبَ بِأنَّ إضافَةَ العامِّ إلى الخاصِّ إذا صَدَرَتْ مِن بَلِيغٍ وقَصَدَ بِذِكْرِهِ فائِدَةً فَحَسَنَةٌ، كَمَدِينَةِ بَغْدادَ، فَإنَّ لَفْظَ ( بَغْدادَ ) لَمّا كانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ لَمْ يُعْهَدْ مَعْناهُ أُضِيفَ إلَيْهِ ( مَدِينَةُ ) لِبَيانِ مُسَمّاهُ وتَوْضِيحِهِ، وكَشَجَرِ الأراكِ، فَإنَّهُ لَمّا كانَ الأراكُ يُطْلَقُ عَلى قُضْبانِهِ أُضِيفَ لِبَيانِ المُرادِ، وهَكَذا، وإلّا فَلَغْوٌ زائِدٌ مُسْتَهْجَنٌ، وهُنا لَمّا كانَ الأنْعامُ قَدْ يُخْتَصُّ بِالإبِلِ إذْ هو أصْلُ مَعْناهُ - عَلى ما قِيلَ، ولِذا لا يُقالُ: النَّعَمُ إلّا لَها - أُضِيفَ إلَيْهِ ( بَهِيمَةُ ) إشارَةً إلى ما قُصِدَ بِهِ، وذِكْرُ البَهِيمَةِ وإفْرادُها لِإرادَةِ الجِنْسِ، وجُمِعَ الأنْعامُ لِيَشْمَلَ أنْواعَها، وأُلْحِقَ بِها الظِّباءُ وبَقَرُ الوَحْشِ، وقِيلَ: هُما المُرادُ بِالبَهِيمَةِ، ونَحْوُهُما مِمّا يُماثِلُ الأنْعامِ في الِاجْتِرارِ وعَدَمِ الأنْيابِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الكَلْبِيِّ والفَرّاءِ.
وإضافَتُها إلى الأنْعامِ حِينَئِذٍ لِمُلابَسَةِ المُشابَهَةِ بَيْنَهُما، وجَوَّزَ بْعَضُ المُحَقِّقِينَ في إضافَةِ المُشَبَّهِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ كَوْنُها بِمَعْنى اللّامِ عَلى جَعْلِ مُلابَسَةِ المُشَبَّهِ بِهِ اخْتِصاصًا بَيْنَهُما، أوْ بِمَعْنى ( مِنَ ) البَيانِيَّةِ عَلى جَعْلِ المُشَبَّهِ نَفْسَ المُشَبَّهِ بِهِ، وفائِدَةُ هَذِهِ الإضافَةِ هُنا الإشْعارُ بِعِلَّةِ الحُكْمِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَ المُتَضايِفَيْنِ، كَأنَّهُ قِيلَ: أُحِلَّتْ لَكُمُ البَهِيمَةُ المُشَبَّهَةُ بِالأنْعامِ، الَّتِي بُيِّنَ إحْلالُها فِيما سَبَقَ لَكُمُ، المُماثِلَةُ لَها في مَناطِ الحُكْمِ.
وقِيلَ: المُرادُ بِبَهِيمَةِ الأنْعامِ ما يَخْرُجُ مِن بُطُونِها مِنَ الأجِنَّةِ بَعْدَ ذَكاتِها (p-50)وهِيَ مَيْتَةٌ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ عُمَرَ، وهو المَرْوِيُّ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ، وأبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم - فَيَكُونُ مُفادُ الآيَةِ صَرِيحًا حِلُّ أكْلِها، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ، واسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ما خَبَرٍ، ويُفْهَمُ مِنها حِلُّ الأنْعامِ، وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى القائِمِ مَقامَ الفاعِلِ لِإظْهارِ العِنايَةِ بِالمُقَدَّمِ لِما فِيهِ مِن تَعْجِيلِ المَسَرَّةِ والتَّشْوِيقِ إلى ذِكْرِ المُؤَخَّرِ.
وفِي الآيَةِ رَدٌّ عَلى المَجُوسِ فَإنَّهم حَرَّمُوا ذَبْحَ الحَيَواناتِ وأكْلَها، قالُوا: لِأنَّ ذَبْحَها إيلامٌ، والإيلامُ قَبِيحٌ خُصُوصًا إيلامَ مَن بَلَغَ في العَجْزِ إلى حَيْثُ لا يَقْدِرُ أنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، والقَبِيحُ لا يَرْضى بِهِ الإلَهُ الرَّحِيمُ الحَكِيمُ.
وزَعَمُوا - لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعالى - أنَّ إيلامَ الحَيَواناتِ إنَّما يَصْدُرُ مِنَ الظُّلْمَةِ دُونَ النُّورِ، والتَّناسُخِيَّةُ لَمْ يُجَوِّزُوا صُدُورَ الآلامِ مِنهُ تَعالى ابْتِداءً بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، إلّا بِطَرِيقِ المُجازاةِ عَلى ما سَبَقَ مِنِ اقْتِرافِ الجَرائِمِ، والتَزَمُوا أنَّ البَهائِمَ مُكَلَّفَةٌ عالِمَةٌ بِما يُجْرى عَلَيْها مِنَ الآلامِ، وأنَّها مُجازاةٌ عَلى فِعْلِها، ولَوْلا ذَلِكَ لَما تُصُوِّرَ انْزِجارُها بِالآلامِ عَنِ العُودِ إلى الجَرِيمَةِ بِتَقْدِيرِ انْتِقالِها إلى بَدَنٍ أشَرْفَ.
وزَعَمَ البَعْضُ مِنهم أنَّهُ ما مِن جِنْسٍ مِنَ البَهائِمِ إلّا وفِيهِمْ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ إلَيْهِمْ مِن جِنْسِهِمْ، بَلْ زَعَمَ آخَرُونَ أنَّ جَمِيعَ الجَماداتِ أحْياءٌ مُكَلَّفَةٌ، وأنَّها مُجازاةٌ عَلى ما تَقْتَرِفُهُ مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، ونَسَبَ نَحْوًا مِن ذَلِكَ الإمامُ الشَّعْرانِيُّ إلى السّادَةِ الصُّوفِيَّةِ، وأبى أهْلُ الظّاهِرِ ذَلِكَ كُلَّ الإباءِ، ولَمّا أُشْكِلَ عَلى البَكْرِيَّةِ - مِنَ المُسْلِمِينَ - الجَوابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ عَلى أُصُولِهِمْ واعْتَقَدُوا وُرُودَ الأمْرِ بِذَبْحِ الحَيَواناتِ مِنَ اللَّهِ تَعالى زَعَمُوا أنَّ البَهائِمَ لا تَتَألَّمُ، وكَذَلِكَ الأطْفالُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، ولا يَخْفى أنَّ ذَلِكَ مُصادِمٌ لِلْبَدِيهَةِ ولا يَقْصُرُ عَنْ إنْكارِ حَياةِ المَذْكُورِينَ وحَرَكاتِهِمْ وحِسِّهِمْ وإدْراكِهِمْ.
وأجابَ المُعْتَزِلَةُ بِما رَدَّهُ أهْلُ السُّنَّةِ، وأجابُوا بِأنَّ الإذْنَ في ذَبْحِ الحَيَواناتِ تَصَرُّفٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى في خالِصِ مُلْكِهِ فَلا اعْتِراضَ عَلَيْهِ، والتَّحْسِينُ والتَّقْبِيحُ العَقْلِيّانِ قَدْ طُوِيَ بِساطُ الكَلامِ فِيهِما في عِلْمِ الكَلامِ، وكَذا القَوْلُ بِالنُّورِ والظُّلْمَةِ.
وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: لَمّا كانَ الإنْسانُ أشْرَفَ أنْواعِ الحَيَواناتِ، وبِهِ تَمَّتْ نُسْخَةُ العالَمِ لَمْ يُقْبَحْ عَقْلًا جَعْلُ شَيْءٍ مِمّا دُونَهُ غِذاءً لَهُ بِذَبْحِهِ وإيلامِهِ اعْتِناءً بِمَصْلَحَتِهِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ الَّتِي لا يُحَلِّقُ إلى سِرِّها طائِرُ الأفْكارِ.
وقالَ بَعْضُ النّاسِ: الآيَةُ مُجْمَلَةٌ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ المُرادُ إحْلالَ الِانْتِفاعِ بِجِلْدِها أوْ عَظْمِها أوْ صُوفِها أوِ الكُلِّ، وفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأنَّ ظُهُورَ تَقْدِيرِ الأكْلِ مِمّا لا يَكادُ يَنْتَطِحُ فِيهِ كَبْشانِ، نَعَمْ، ذَكَرَ ابْنُ السُّبْكِيِّ وغَيْرُهُ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ مُجْمَلٌ لِلْجَهْلِ بِمَعْناهُ قَبْلَ نُزُولِ مُبَيِّنِهِ، ويَسْرِي الإجْمالُ إلى ما تَقَدَّمَ، ولَكِنْ ذاكَ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزاعِ، والِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ مِن ( بَهِيمَةُ ) بِتَقْدِيرِ مُضافٍ مَحْذُوفٍ مِـ ( ما يُتْلى ) أيْ: إلّا مُحَرَّمٌ ( ما يُتْلى عَلَيْكم ) وعُنِيَ بِالمُحَرَّمِ المَيِّتَةُ ( وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) إلى آخِرِ ما ذُكِرَ في الآيَةِ الثّالِثَةِ مِنَ السُّورَةِ، أوْ مِن فاعِلِ ( يُتْلى ) أيْ: إلّا ما يُتْلى عَلَيْكم آيَةُ تَحْرِيمِهِ لِتَكُونَ ( ما ) عِبارَةً عَنِ البَهِيمَةِ المُحَرَّمَةِ لا اللَّفْظُ المَتْلُوُّ، وجُوِّزَ اعْتِبارُ التَّجَوُّزِ في الإسْنادِ مِن غَيْرِ تَقْدِيرٍ، ولَيْسَ بِالبَعِيدِ.
وأمّا جَعْلُهُ مُفَرَّغًا مِنَ المُوجِبِ في مَوْقِعِ الحالِ أيْ: إلّا كائِنَةً عَلى الحالاتِ المَتْلُوَّةِ فَبَعِيدٌ - كَما قالَ الشِّهابُ – جِدًّا، وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِناءً عَلى الظّاهِرِ؛ لِأنَّ المَتْلُوَّ لِفَظٌّ، والمُسْتَثْنى مِنهُ لَيْسَ مِن جِنْسِهِ، والأكْثَرُونَ عَلى الأوَّلِ، ومَحَلُّ المُسْتَثْنى النَّصْبُ، وجُوِّزَ الرَّفْعُ عَلى ما حُقِّقَ في النَّحْوِ.
﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في ( لَكم ) عَلى ما عَلَيْهِ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ و( الصَّيْدِ ) يَحْتَمِلُ المَصْدَرَ والمَفْعُولَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ) حالٌ عَمّا اسْتُكِنَّ في ( مُحِلِّي ) (p-51)والحُرُمُ جَمْعُ حَرامٍ، وهو المُحْرِمُ، ومُحَصِّلُ المَعْنى: أُحِلَّتْ لَكم هَذِهِ الأشْياءُ لا مُحِلِّينَ الِاصْطِيادَ أوْ أكْلَ الصَّيْدِ في الإحْرامِ.
وفَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَدَمَ إحْلالِ الصَّيْدِ في حالَةِ الإحْرامِ بِالِامْتِناعِ عَنْهُ وهم مُحْرِمُونَ، حَيْثُ قالَ: كَأنَّهُ قِيلَ: أحْلَلْنا لَكم بَعْضَ الأنْعامِ في حالَةِ امْتِناعِكم عَنِ الصَّيْدِ ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ) لِئَلّا يَكُونَ عَلَيْكم حَرَجٌ، ولَمْ يَحْمِلِ الإحْلالَ عَلى اعْتِقادِ الحِلِّ ظَنًّا مِنهُ أنَّ تَقْيِيدَ الإحْلالِ بِعَدَمِ اعْتِقادِ الحِلِّ غَيْرُ مُوَجَّهٍ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ لَوْ كانَ المُرادُ مُطْلَقَ اعْتِقادِ الحِلِّ، أمّا لَوْ كانَ المُرادُ عَدَمَ اعْتِقادٍ ناشِئٍ مِنَ الشَّرْعِ، ومُتَرَتِّبٍ مِنهُ فَلا؛ لِأنَّ حالَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيْنَ حالِ الِامْتِناعِ فَلَيْسَ بِالأجْنَبِيِّ عَنْهُ كَما لا يَخْفى عَلى المُتَدَبِّرِ، وأشارَ إلَيْهِ شَيْخُ مَشايِخِنا جِرْجِيسُ أفَنْدِي الأرْبَلِيُّ، رَحِمَةُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ.
واعْتُرِضَ في البَحْرِ - عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ - بِأنَّهُ يَلْزَمُ مِنهُ تَقْيِيدُ إحْلالِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ بِحالِ انْتِفاءِ حِلِّ الصَّيْدِ وهم حُرُمٌ، وهي قَدْ أُحِلَّتْ لَهم مُطْلَقًا فَلا يَظْهَرُ لَهُ فائِدَةٌ إلّا إذا أُرِيدَ بِبَهِيمَةِ الأنْعامِ الصَّيُودَ المُشَبَّهَةَ بِها كالظِّباءِ وبَقَرِ الوَحْشِ وحُمُرِهِ، ودُفِعَ بِأنَّهُ مَعَ عَدَمِ اطِّرادِ اعْتِبارِ المَفْهُومِ يُعْلَمُ مِنهُ غَيْرُهُ بِالطَّرِيقِ الأوْلى؛ لِأنَّها إذا أُحِلَّتْ في عَدَمِ الإحْلالِ لِغَيْرِها وهم مُحْرِمُونَ لِدَفْعِ الحَرَجِ عَنْهم فَكَيْفَ في غَيْرِ هَذِهِ الحالِ؟! فَيَكُونُ بَيانًا لِإنْعامِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ بِما رَخَّصَ لَهم مِن ذَلِكَ وبَيانًا لِأنَّهم في غِنْيَةٍ عَنِ الصَّيْدِ وانْتِهاكِ حُرْمَةِ الحَرَمِ.
وعِبارَةُ الزَّمَخْشَرِيِّ كالصَّرِيحَةِ في ذَلِكَ، ودَفَعَهُ العَلّامَةُ الثّانِي بِأنَّ المُرادَ مِنَ الأنْعامِ ما هو أعَمُّ مِنَ الإنْسِيِّ والوَحْشِيِّ مَجازًا أوْ تَغْلِيبًا أوْ دَلالَةً، أوْ كَيْفَما شِئْتَ، وإحْلالُها عَلى عُمُومِها مُخْتَصٌّ بِحالِ كَوْنِكم غَيْرَ مُحِلِّينَ الصَّيْدِ في الإحْرامِ، إذْ مَعَهُ يَحْرُمُ البَعْضُ وهو الوَحْشُ، ولا يَخْفى أنَّهُ تَوْجِيهٌ وحْشِيٌّ لا يَنْبَغِي لِحَمْزَةَ - غابَةِ التَّنْزِيلِ - أنْ يَقْصِدَهُ مِن مَراصِدِ عِباراتِهِ.
وذَهَبَ الأخْفَشُ إلى أنَّ انْتِصابَ ( غَيْرَ ) عَلى الحالِيَّةِ مِن ضَمِيرِ ( أوْفُوا ) وضَعِّفَ بِأنَّ فِيهِ الفَصْلَ مِنَ الحالِ وصاحِبِها بِجُمْلَةٍ لَيْسَتِ اعْتِراضِيَّةٍ إذْ هي مُبَيِّنَةٌ، وتَخَلَّلَ بَعْضُ أجْزاءِ المُبَيِّنِ بَيْنَ أجْزاءِ المُبَيَّنِ مَعَ ما يَجِبُ فِيهِ مِن تَحْصِيصِ العُقُودِ بِما هو واجِبٌ أوْ مَندُوبٌ في الحَجِّ، وإلّا فَلا يَبْقى لِلتَّقْيِيدِ بِتِلْكَ الحالِ - مَعَ أنَّهم مَأْمُورُونَ بِمُطَلْقِ العُقُودِ مُطْلَقًا- وجْهٌ.
وزَعَمَ العَلّامَةُ أنَّهُ أقْرَبُ مِنَ الأوَّلِ مَعْنًى، وإنْ كانَ أبْعَدَ لَفْظًا، واسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِما هو عَلى طَرَفِ الثُّمامِ، ثُمَّ قالَ: ومِنهم مَن جَعَلَهُ حالًا مِن فاعِلِ ( أحْلَلْنا ) المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( أُحِلَّتْ لَكم ) ويُسْتَلْزَمُ جَعْلُ ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ) أيْضًا حالًا مِن مُقَدَّرٍ، أيْ: حالَ كَوْنِنا غَيْرَ مُحَلِّينَ الصَّيْدِ في حالِ إحْرامِكُمْ، ولَيْسَ بِبَعِيدٍ إلّا مِن جِهَةِ انْتِصابِ حالَيْنِ مُتَداخِلَيْنِ مِن غَيْرِ ظُهُورٍ ذِي الحالِ في اللَّفْظِ.
وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّهُ فاسِدٌ؛ لِأنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّ الفاعِلَ المَحْذُوفَ في مِثْلِ هَذا يَصِيرُ نَسْيًا مَنسِيًّا، فَلا يَجُوزُ وُقُوعُ الحالِ مِنهُ، فَقَدْ قالُوا: لَوْ قُلْتَ: أُنْزِلَ الغَيْثُ مُجِيبًا لِدُعائِهِمْ عَلى أنَّ مُجِيبًا حالٌ مِن فاعِلِ الفِعْلِ المَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لَمْ يَجُزْ، لاسِيَّما عَلى مَذْهَبِ القائِلِينَ بِأنَّ المَبْنِيَّ لِلْمَفْعُولِ صِيغَةٌ أصْلِيَّةٌ لَيْسَتْ مُحَوَّلَةً عَنِ المَعْلُومِ، عَلى أنَّ في التَّقْيِيدِ أيْضًا مَقالًا، وجَعَلَهُ بَعْضُهم حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في ( عَلَيْكم ) ويَرُدُّهُ أنَّ الَّذِي ( يُتْلى ) لا يَتَقَيَّدُ بِحالِ انْتِفاءِ إحْلالِهِمُ الصَّيْدَ وهم حُرُمٌ، بَلْ هو يُتْلى عَلَيْهِمْ في هَذِهِ الحالِ وفي غَيْرِها.
ونَقَلَ العَلّامَةُ البَيْضاوِيُّ عَنْ بَعْضٍ أنَّ النَّصْبَ عَلى الِاسْتِثْناءِ، وذَكَرَ أنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا، وبَيَّنَهُ مَوْلانا شَيْخُ الكُلِّ صِبْغَةُ اللَّهِ أفَنْدِي الحَيْدَرِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بِأنَّهُ لَوْ كانَ اسْتِثْناءً لَكانَ إمّا مِنَ الضَّمِيرِ في ( لَكم ) أوْ في ( أوْفُوا ) إذْ لا جَوازَ لِاسْتِثْنائِهِ مِن ( بَهِيمَةِ الأنْعامِ ) وعَلى الأوَّلِ يَجِبُ أنْ يُخَصَّ البَهِيمَةُ بِما عَدا الأنْعامِ مِمّا يُماثِلُها، أوْ تَبْقى عَلى العُمُومِ لَكِنْ (p-52)بِشَرْطِ إرادَةِ المُماثِلِ فَقَطْ في حَيِّزِ الِاسْتِثْناءِ، وأنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ) مِن تَتِمَّةِ المُسْتَثْنى، بِأنْ يَكُونَ حالًا عَمّا اسْتُكِنَّ في ( مُحِلِّي ) لِيَصِحَّ الِاسْتِثْناءُ؛ إذْ لا صِحَّةَ لَهُ بِدُونِ هَذَيْنِ الِاعْتِبارَيْنِ، فَسَوْقُ العِبارَةِ يَقْتَضِي أنْ يُقالَ: وهم حُرُمٌ لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ أخْرَجَ المُحِلِّينَ مِن زُمْرَةِ المُخاطَبِينَ، واعْتِبارُ الِالتِفاتِ هُنا بِعِيدٌ لِكَوْنِهِ رافِعًا فِيما هو بِمَنزِلَةِ كَلِمَةٍ واحِدَةٍ.
وعَلى الثّانِي يَجِبُ تَخْصِيصُ العُقُودِ بِالتَّكالِيفِ الوارِدَةِ في الحَجِّ، وتَأْوِيلُ الكَلامِ الطَّلَبِيِّ بِما يَلْزَمُهُ مِنَ الخَبَرِ مَعَ ما يَلْزَمُهُ مِنَ الفَصْلِ بَيْنَ المُسْتَثْنى والمُسْتَثْنى مِنهُ بِالأجْنَبِيِّ، وكُلُّ ذَلِكَ تَعَسُّفٌ، أيَّ تَعَسُّفٍ! انْتَهى.
وكَأنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى لَمْ يَذْكُرِ احْتِمالَ كَوْنِ الِاسْتِثْناءِ مِنَ الِاسْتِثْناءِ، مَعَ أنَّ القُرْطُبِيَّ نَقَلَهُ عَنِ البَصْرِيِّينَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ فاسِدٌ - كَما قالَهُ القُرْطُبِيُّ وأبُو حَيّانَ – لا مُتَعَسَّفٌ، إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إباحَةُ الصَّيْدِ في الحَرَمِ؛ لِأنَّ المُسْتَثْنى مِنَ المُحَرَّمِ حَلالٌ، نَعَمْ، ذَكَرَ أبُو حَيّانَ أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِن ( بَهِيمَةِ الأنْعامِ ) عَلى وجْهِ عَيْنِهِ، وأنْفُهُ التَّكَلُّفُ والتَّعَسُّفُ، فَقَدْ قالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى -: إنَّما عُرِضَ الإشْكالُ في الآيَةِ حَتّى اضْطَرَبَ النّاسُ في تَخْرِيجِها مِن كَوْنِ رَسْمِ ( مُحِلِّي ) بِالياءِ، فَظَنُّوا أنَّهُ اسْمُ فاعِلٍ مِن أحَلَّ، وأنَّهُ مُضافٌ إلى الصَّيْدِ إضافَةَ اسْمِ الفاعِلِ المُتَعَدِّي إلى المَفْعُولِ، وأنَّهُ جَمْعٌ حُذِفَ مِنهُ النُّونُ لِلْإضافَةِ، وأصْلُهُ ( غَيْرُ مُحِلِّينَ الصَّيْدِ ).
والَّذِي يَزُولُ بِهِ الإشْكالُ ويَتَّضِحُ المَعْنى أنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ) مِن بابِ قَوْلِهِمْ: حِسانُ النِّساءِ، والمَعْنى: النِّساءُ الحِسانُ، وكَذا هَذا أصْلُهُ: غَيْرُ الصَّيْدِ المُحَلِّ، والمَحَلُّ صِفَةٌ لِلصَّيْدِ لا لِلنّاسِ، ووَصْفُ الصَّيْدُ بِأنَّهُ مُحَلٌّ إمّا بِمَعْنى داخِلٍ في الحِلِّ، كَما تَقُولُ: أحَلَّ الرَّجُلُ أيْ: دَخَلَ في الحِلِّ، وأحْرَمَ أيْ: دَخَلَ في الحَرَمِ، أوْ بِمَعْنى صارَ ذا حِلٍّ أيْ: حَلالًا بِتَحْلِيلِ اللَّهِ تَعالى، ومَجِيءُ ( أفْعَلَ ) عَلى الوَجْهَيْنِ المَذْكُورَيْنِ كَثِيرٌ في لِسانِ العَرَبِ، فَمِنَ الأوَّلِ: أعْرَقَ، وأشْأمَ، وأيْمَنَ، وأنْجَدَ، وأتْهَمَ، ومِنَ الثّانِي: أعْشَبَتِ الأرْضُ وأبْقَلَتْ، وأغَدَّ البَعِيرُ، وإذا تَقَرَّرَ أنَّ الصَّيْدَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُحَلًّا بِاعْتِبارِ الوَجْهَيْنِ اتَّضَحَ كَوْنُهُ اسْتِثْناءً ثانِيًا، ثُمَّ إنْ كانَ المُرادُ بِـ( بَهِيمَةُ الأنْعامِ ) أنْفُسَها فَهو اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ، أوِ الظِّباءَ ونَحْوَها فَمُتَّصِلٌ عَلى تَفْسِيرِ المُحِلِّ بِالَّذِي يَبْلُغُ الحِلَّ في حالِ كَوْنِهِمْ مُحْرِمِينَ، فَإنْ قُلْتَ: ما فائِدَةُ هَذا الِاسْتِثْناءِ بِقَيْدِ بُلُوغِ الحِلِّ، والصَّيْدُ الَّذِي في الحَرَمِ لا يَحِلُّ أيْضًا؟
قُلْتُ: الصَّيْدُ الَّذِي في الحَرَمِ لا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ ولا لِغَيْرِ المُحْرِمِ، والقَصْدُ بَيانُ تَحْرِيمِ ما يَخْتَصُّ تَحْرِيمُهُ بِالمُحْرِمِ.
فَإنْ قُلْتَ: ما ذَكَرْتَهُ مِن هَذا التَّوْجِيهِ الغَرِيبِ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رَسْمُهُ في المُصْحَفِ بِالياءِ، والوَقْفُ عَلَيْهِ بِها؟
قُلْتُ: قَدْ كَتَبُوا في المُصْحَفِ أشْياءَ تُخالِفُ النُّطْقَ، نَحْوُ ( لَأذْبَحَنَّهُ ) بِالألْفِ، والوَقْفُ اتَّبَعُوا فِيهِ الرَّسْمَ، انْتَهى.
وتَعَقَّبَهُ السَّفاقِسِيُّ بِمِثْلِ ما قَدَّمْناهُ مِن حَيْثُ زِيادَةُ الياءِ، وفِيها التِباسُ المُفْرَدِ بِالجَمْعِ، وهم يَفِرُّونَ مِن زِيادَةٍ أوْ نُقَصانٍ في الرَّسْمِ، فَكَيْفَ يَزِيدُونَ زِيادَةً يَنْشَأُ عَنْها لَبْسٌ؟ مِن حَيْثُ إضافَةُ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وهو غَيْرُ مَقِيسٍ!
وقالَ الحَلَبِيُّ: إنَّ فِيهِ خَرْقًا لِلْإجْماعِ؛ فَإنَّهم لَمْ يُعْرِبُوا ( غَيْرَ ) إلّا حالًا، وإنَّما اخْتَلَفُوا في صاحِبِها، ثُمَّ قالَ السَّفاقِسِيُّ: ويُمْكِنُ فِيهِ تَخْرِيجانِ:
أحَدُهُما أنْ يَكُونَ ( غَيْرَ ) اسْتِثْناءً مُنْقَطِعًا و( مُحِلِّي ) جُمِعَ عَلى بابِهِ، والمُرادُ بِهِ النّاسُ الدّاخِلُونَ حِلَّ الصَّيْدِ، أيْ: لَكِنْ إنْ دَخَلْتُمْ حِلَّ الصَّيْدِ فَلا يَجُوزُ لَكُمُ الِاصْطِيادُ.
والثّانِي أنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا مِن ( بَهِيمَةُ الأنْعامِ )، وفي الكَلامِ حَذْفُ مُضافٍ، أيْ: أُحِلَّتْ لَكم بَهِيمَةُ الأنْعامِ إلّا صَيْدَ الدّاخِلِينَ حِلَّ الِاصْطِيادِ ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ) فَلا يَحِلُّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَلى بابِهِ مِنَ التَّحْلِيلِ، ويَكُونَ الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا، والمُضافُ مَحْذُوفٌ، أيْ: إلّا صَيْدَ مُحِلِّي الِاصْطِيادِ ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ) والمُرادُ بِالمُحِلِّينَ الفاعِلُونَ فِعْلَ مَن يَعْتَقِدُ التَّحْلِيلَ فَلا يَحِلُّ، ويَكُونُ مَعْناهُ: إنَّ صَيْدَ الحَرَمِ كالمَيْتَةِ لا يَحِلُّ أكْلُهُ مُطْلَقًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ ( لَكم ) وحُذِفَ المَعْطُوفَ (p-53)لِلدَّلالَةِ عَلَيْهِ، وهو كَثِيرٌ، وتَقْدِيرُهُ: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدَ مُحِلِّيهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ أيْ: والبَرْدَ، وهو تَخْرِيجٌ حَسَنٌ.
هَذا ولا يَخْفى أنَّ يَدَ اللَّهِ تَعالى مَعَ الجَماعَةِ، وأنَّ ما ذَكَرَهُ غَيْرُهم لا يَكادُ يَسْلَمُ مِنَ الِاعْتِراضِ.
﴿إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ﴾ مِنَ الأحْكامِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ عَلى الحِكَمِ البالِغَةِ الَّتِي تَقِفُ دُونَها الأفْكارُ، فَيَدْخُلُ فِيها ما ذَكَرَهُ مِنَ التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ دُخُولًا أوَّلِيًّا، وضُمِّنَ ( يَحْكُمُ ) مَعْنى ( يَفْعَلُ ) فَعَدّاهُ بِنَفْسِهِ، وإلّا فَهو مُتَعَدٍّ بِالباءِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَوۡفُوا۟ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِیمَةُ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ إِلَّا مَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡ غَیۡرَ مُحِلِّی ٱلصَّیۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ مَا یُرِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق