الباحث القرآني

(p-١)سُورَةُ ”المائِدَةِ“ وتُسَمّى سُورَةَ ”العُقُودِ“؛ وسُورَةَ ”الأحْبارِ“ مَقْصُودُها الوَفاءُ بِما هَدى إلَيْهِ الكِتابُ؛ ودَلَّ عَلَيْهِ مِيثاقُ العَقْلِ مِن تَوْحِيدِ الخالِقِ؛ ورَحْمَةِ الخَلائِقِ؛ شُكْرًا لِنِعَمِهِ؛ واسْتِدْفاعًا لِنِقَمِهِ؛ وقِصَّةُ المائِدَةِ أدَلُّ ما فِيها عَلى ذَلِكَ؛ فَإنَّ مَضْمُونَها أنَّ مَن زاغَ عَنِ (p-٢)الطُّمَأْنِينَةِ بَعْدَ الكَشْفِ الشّافِي؛ والإنْعامِ الوافِي؛ نُوقِشَ الحِسابَ؛ فَأخَذَهُ العَذابُ؛ وتَسْمِيَتُها بِـ ”العُقُودِ“؛ أوْضَحُ دَلِيلٍ عَلى ما ذَكَرْتُ مِن مَقْصُودِها؛ وكَذا ”الأحْبارُ“. ”بِسْمِ اللَّهِ“؛ أيْ: الَّذِي تَمَّتْ كَلِماتُهُ فَصَدَقَتْ وُعُودُهُ؛ وعَمَّتْ مَكْرُماتُهُ؛ ”الرَّحْمَنِ“؛ الَّذِي عَمَّ بِالدُّعاءِ إلى الوَفاءِ في حُقُوقِهِ؛ وحُقُوقِ مَخْلُوقاتِهِ؛ ”الرَّحِيمِ“؛ الَّذِي نَظَرَ إلى القُلُوبِ فَثَبَّتَ مِنها عَلى الصِّدْقِ ما جَبَلَهُ عَلى التَّخَلُّقِ بِصِفاتِهِ. لِما أخْبَرَ (تَعالى) في آخِرِ سُورَةِ ”النِّساءِ“ أنَّ اليَهُودَ لَمّا نَقَضُوا المَواثِيقَ الَّتِي أخَذَها عَلَيْهِمْ؛ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهم مِن كَثِيرٍ مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ؛ المُشارِ إلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦]؛ واسْتَمَرَّ (تَعالى) في هَتْكِ أسْتارِهِمْ؛ وبَيانِ عَوارِهِمْ؛ إلى أنْ خَتَمَ بِآيَةٍ في الإرْثِ؛ الَّذِي افْتَتَحَ آياتِهِ بِالإيصاءِ؛ وخَتَمَها بِأنَّهُ شامِلُ العِلْمِ؛ ناسَبَ افْتِتاحُ هَذِهِ بِأمْرِ المُؤْمِنِينَ؛ الَّذِينَ اشْتَدَّ تَحْذِيرُهُ لَهم مِنهُمْ؛ بِالوَفاءِ الَّذِي جُلُّ مَبْناهُ القَلْبُ؛ الَّذِي هو عَيْبٌ؛ فَقالَ - مُشِيرًا إلى أنَّ النّاسَ الَّذِينَ خُوطِبُوا أوَّلَ تِلْكَ تَأهَّلُوا لِأوَّلِ أسْنانِ الإيمانِ؛ ووُصِفُوا بِما هم مُحْتاجُونَ إلَيْهِ؛ وتَخْصِيصُهم مُشِيرٌ إلى أنَّ مَن فَوْقَهم مِنَ الأسْنانِ عِنْدَهُ مِنَ الرُّسُوخِ ما يُغْنِيهِ عَنِ الحَمْلِ بِالأمْرِ؛ وذَلِكَ أبْعَثُ لَهُ عَلى التَّدَبُّرِ؛ والِامْتِثالِ -: (p-٣)﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أيْ: ادَّعَوْا ذَلِكَ بِألْسِنَتِهِمْ؛ ﴿أوْفُوا﴾؛ أيْ صَدِّقُوا ذَلِكَ بِأنْ تُوَفُّوا؛ ﴿بِالعُقُودِ﴾؛ أيْ: العُهُودِ المُوَثَّقَةِ؛ المُحْكَمَةِ؛ وهي تَعُمُّ جَمِيعَ أحْكامِهِ - سُبْحانَهُ -؛ فِيما أحَلَّ؛ أوْ حَرَّمَ؛ أوْ نَدَبَ عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ؛ أوْ غَيْرِهِ؛ الَّتِي مِن جُمْلَتِها الفَرائِضُ الَّتِي افْتَتَحَها بِلَفْظِ الإيصاءِ؛ الَّذِي هو مِن أعْظَمِ العُهُودِ؛ وتَعُمُّ سائِرَ ما بَيْنَ النّاسِ مِن ذَلِكَ؛ حَتّى ما كانَ في الجاهِلِيَّةِ مِن عَقْدٍ يَدْعُو إلى بِرٍّ؛ وأمّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِعَقْدٍ؛ بَلْ حُلَّ بِيَدِ الشَّرْعِ القَوِيَّةِ؛ تَذْكِيرًا بِما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (تَعالى) - في حَقِّ أُولَئِكَ -: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾ [البقرة: ٤٠] ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكم وإيّايَ فارْهَبُونِ﴾ [البقرة: ٤٠]؛ وإخْبارًا لَهم بِأنَّهُ أحَلَّ لَهم ما حَرَّمَ عَلى أُولَئِكَ؛ فَقالَ - عَلى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ؛ مُشِيرًا إلى أنَّ المَقْصُودَ مِنَ النِّعْمَةِ كَوَّنُها لا بِقَيْدِ فاعِلٍ مَخْصُوصٍ؛ وإلى أنَّ المُخاطَبِينَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ لا مُنْعِمَ غَيْرُهُ - سُبْحانَهُ -: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾؛ والإحْلالُ مِن أجَلِّ العُقُودِ؛ ﴿بَهِيمَةُ﴾؛ وبَيَّنَها بِقَوْلِهِ: ﴿الأنْعامِ﴾؛ أيْ: أوْفُوا لِأنَّهُ أحَلَّ لَكم بِشامِلِ عِلْمِهِ؛ وكامِلِ قُدْرَتِهِ؛ لُطْفًا بِكُمْ؛ ورَحْمَةً لَكُمْ؛ ما حَرَّمَ عَلى مَن قَبْلَكُمْ؛ مِنَ الإبِلِ؛ والبَقَرِ؛ والغَنَمِ؛ بِإحْلالِ أكْلِها؛ والِانْتِفاعِ بِجُلُودِها؛ وأصْوافِها؛ وأوْبارِها؛ وأشْعارِها؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن شَأْنِها؛ فاحْذَرُوا أنْ تَنْقُضُوا كَما نَقَضُوا؛ فَيُحَرِّمَ عَلَيْكم ما حَرَّمَ عَلَيْهِمْ؛ ويُعِدَّ لَكم مِنَ العِقابِ ما أعَدَّ لَهُمْ؛ ولا تَعْتَرِضُوا عَلى نَبِيِّكُمْ؛ ولا تَتَعَنَّتُوا؛ كَما اعْتَرَضُوا وتَعَنَّتُوا؛ فَإنَّ رَبَّكم (p-٤)لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ؛ وسَيَأْتِي في قَوْلِهِ: ﴿لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ﴾ [المائدة: ١٠١]؛ ما يُؤَيِّدُ هَذا. ولَمّا كانُوا رُبَّما فَهِمُوا مِن هَذا الإحْلالِ ما ألِفُوا مِنَ المِيتاتِ ونَحْوِها؛ قالَ - مُسْتَثْنِيًا مِن نَفْسِ البَهِيمَةِ؛ وهي في الأصْلِ كُلُّ حَيٍّ لا يُمَيِّزُ؛ مُخْبِرًا أنَّ مِن أعْظَمِ العُقُودِ ما قُدِّمَ تَحْرِيمُهُ مِن ذَلِكَ في ”البَقَرَةِ“ -: ﴿إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: في بَهِيمَةِ الأنْعامِ أنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ فَإنَّهُ لَمْ يُحَلَّ لَكُمْ؛ ونَصَبَ ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾؛ عَلى الحالِ أدَلُّ دَلِيلٍ عَلى أنَّ هَذا السِّياقَ؛ وإنْ كانَ صَرِيحُهُ مُذَكِّرًا بِالنِّعْمَةِ لِتُشْكَرَ - فَهو مُشارٌ بِهِ إلى التَّهْدِيدِ إنْ كُفِرَتْ؛ أيْ: أحَلَّ لَكم ذَلِكَ في هَذِهِ الحالِ؛ فَإنْ تَرَكْتُمُوها انْتَفى الإحْلالُ؛ وهَذِهِ مُشِيرَةٌ إلى تَكْذِيبِ مَن حَرَّمَ مِن ذَلِكَ ما أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (تَعالى) - في الَّتِي قَبْلَها؛ حِكايَةً عَنِ الشَّيْطانِ -: ﴿ولآمُرَنَّهم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الأنْعامِ ولآمُرَنَّهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩]؛ مِنَ السّائِبَةِ وما مَعَها؛ مِمّا كانُوا اتَّخَذُوهُ دِينًا؛ وفَصَّلُو فِيهِ تَفاصِيلَ - كَما سَيَأْتِي صَرِيحًا في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]؛ الآيَةَ؛ وكَذا في آخِرِ ”الأنْعامِ“ -؛ وفي الأمْرِ بِالوَفاءِ بِالعُقُودِ؛ بَعْدَ الإخْبارِ بِأنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؛ غايَةُ التَّحْذِيرِ مِن تَعَمُّدِ الإخْلالِ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ؛ وإنْ دَقَّ؛ وفي افْتِتاحِ هَذِهِ - المُسَمّاةِ بِـ ”المائِدَةِ“ بِذِكْرِ الأطْعِمَةِ عَقِبَ سُورَةِ ”النِّساءِ“ - الَّتِي مِن أعْظَمِ مَقاصِدِها النِّكاحُ؛ والإرْثُ؛ (p-٥)المُتَضَمِّنُ لِلْمَوْتِ؛ المَشْرُوعُ فِيهِما الوَلائِمُ والمَآتِمُ - أتَمُّ مُناسَبَةٍ؛ وقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا بَيَّنَ (تَعالى) حالَ أهْلِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ؛ ومَن تَنَكَّبَ عَنْ نَهْجِهِمْ؛ ومَآلَ الفَرِيقَيْنِ؛ مِنَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؛ والضّالِّينَ؛ وبَيَّنَ لِعِبادِهِ المُتَّقِينَ ما فِيهِ هُداهُمْ؛ وبِهِ خَلاصُهُمْ؛ أخْذًا وتَرْكًا؛ وجَعَلَ طَيَّ ذَلِكَ الأسْهُمَ الثَّمانِيَةَ الوارِدَةَ في حَدِيثِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - في قَوْلِهِ: «”الإسْلامُ ثَمانِيَةُ أسْهُمٍ: الإسْلامُ سَهْمٌ؛ والشَّهادَةُ سَهْمٌ؛ والصَّلاةُ سَهْمٌ؛ والزَّكاةُ سَهْمٌ؛ والصَّوْمُ سَهْمٌ؛ والحَجُّ سَهْمٌ؛ والأمْرُ بِالمَعْرُوفِ سَهْمٌ؛ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ سَهْمٌ؛ وقَدْ خابَ مَن لا سَهْمَ لَهُ“؛» قُلْتُ: وهَذا الحَدِيثُ أخْرَجَهُ البَزّارُ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ -؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «”الإسْلامُ ثَمانِيَةُ أسْهُمٍ: الإسْلامُ سَهْمٌ؛ والصَّلاةُ سَهْمٌ“؛» فَذَكَرَهُ؛ وصَحَّحَ الدّارَقُطْنِيُّ وقْفَهُ؛ ورَواهُ أبُو يَعْلى المَوْصِلِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا؛ والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُما – قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”الإسْلامُ عَشْرَةُ أسْهُمٍ؛ وقَدْ خابَ مَن لا سَهْمَ لَهُ: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ سَهْمٌ؛ وهي المِلَّةُ؛ والثّانِيَةُ: الصَّلاةُ؛ وهي الفِطْرَةُ؛ والثّالِثَةُ: الزَّكاةُ؛ وهي الطَّهُورُ؛ والرّابِعَةُ: الصَّوْمُ؛ وهي الجُنَّةُ؛ والخامِسَةُ: الحَجُّ؛ وهي الشَّرِيعَةُ؛ والسّادِسَةُ: الجِهادُ؛ وهي الغَزْوَةُ؛ والسّابِعَةُ: الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ؛ (p-٦)وهُوَ الوَفاءُ؛ والثّامِنَةُ: النَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ؛ وهي الحُجَّةُ؛ والتّاسِعَةُ: الجَماعَةُ؛ وهي الأُلْفَةُ؛ والعاشِرَةُ: الطّاعَةُ؛ وهي العِصْمَةُ“». وفِي سَنَدِهِ مَن يُنْظَرُ في حالِهِ؛ قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وقالَ ﷺ: «”بُنِيَ الإسْلامُ عَلى خَمْسٍ“؛» أيْ: في الحَدِيثِ الَّذِي أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ؛ وغَيْرُهُما؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وغَيْرِ واحِدٍ مِنَ الصَّحابَةِ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهم - أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «”بُنِيَ الإسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ وإقامِ الصَّلاةِ؛ وإيتاءِ الزَّكاةِ؛ والحَجِّ؛ وصَوْمِ رَمَضانَ“؛» قالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وقَدْ تَحَصَّلَتْ - أيْ: الأسْهُمُ الثَّمانِيَةُ؛ والدَّعائِمُ الخَمْسُ - فِيما مَضى؛ وتَحَصَّلَ مِمّا تَقَدَّمَ أنَّ أسْوَأ حالِ المُخالِفِينَ حالُ مَن غَضِبَ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ ولَعَنَهُ؛ وأنَّ ذَلِكَ بِبَغْيِهِمْ؛ وعَداوَتِهِمْ؛ ونَقْضِهِمُ العُهُودَ؛ ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهم لَعَنّاهُمْ﴾ [المائدة: ١٣]؛ وكانَ النَّقْضُ كُلَّ مُخالَفَةٍ؛ قالَ اللَّهُ (تَعالى) - لِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ -: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالعُقُودِ﴾؛ لِأنَّ اليَهُودَ والنَّصارى إنَّما أتى عَلَيْهِمْ مِن عَدَمِ الوَفاءِ؛ ونَقْضِ العُهُودِ؛ فَحَذَّرَ المُؤْمِنِينَ؛ انْتَهى. والمُرادُ بِالأنْعامِ الأزْواجُ الثَّمانِيَةُ المَذْكُورَةُ في ”الأنْعامِ“؛ وما شابَهَها مِن حَيَوانِ البَرِّ؛ ولِكَوْنِ الصَّيْدِ مُرادَ الدُّخُولِ في بَهِيمَةِ الأنْعامِ؛ اسْتَثْنى بَعْضَ أحْوالِهِ؛ فَقالَ: ﴿وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾؛ أيْ: أُحِلَّتِ البَهِيمَةُ مُطْلَقًا؛ إلّا ما يُتْلى عَلَيْكم (p-٧)مِن مَيْتاتِها وغَيْرِها؛ في غَيْرِ حالِ الدُّخُولِ في الإحْرامِ بِالحَجِّ؛ أوِ العُمْرَةِ؛ أوْ دُخُولِ الحَرَمِ؛ وأمّا في حالِ الإحْرامِ فَلا يَحِلُّ الصَّيْدُ أكْلًا؛ ولا فِعْلًا. ولَمّا كانَ مَدارُ هَذِهِ السُّنَّةِ عَلى الزَّجْرِ؛ والإحْجامِ عَنْ أشْياءَ اشْتَدَّ ألْفُهم لَها؛ والتِفاتُهم إلَيْها؛ وعَظُمَتْ فِيها رَغْباتُهُمْ؛ مِنَ المَيْتاتِ وما مَعَها؛ والأزْلامِ؛ والذَّبْحِ عَلى النُّصُبِ؛ وأخْذِ الإنْسانِ بِجَرِيمَةِ الغَيْرِ؛ والفَسادِ في الأرْضِ؛ والسَّرِقَةِ؛ والخَمْرِ؛ والسَّوائِبِ؛ والبَحائِرِ؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ ذَكَّرَ في أوَّلِها بِالعُهُودِ الَّتِي عَقَدُوها عَلى أنْفُسِهِمْ لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَواثَقُوا عَلى الإسْلامِ؛ مِنَ السَّمْعِ؛ والطّاعَةِ في المَنشَطِ؛ والمَكْرَهِ؛ والعُسْرِ؛ واليُسْرِ؛ فِيما أحَبُّوا وكَرِهُوا؛ وخَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ - مُعَلِّلًا -: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيْ: مَلِكَ المُلُوكِ؛ ﴿يَحْكُمُ ما يُرِيدُ﴾؛ أيْ: مِن تَحْلِيلٍ؛ وتَحْرِيمٍ؛ وغَيْرِهِما؛ عَلى سَبِيلِ الإطْلاقِ؛ كالأنْعامِ؛ وفي حالٍ دُونَ حالٍ؛ كَما شابَهَها مِنَ الصَّيْدِ؛ فَلا يُسْألُ عَنْ تَخْصِيصٍ؛ ولا عَنْ تَفْضِيلٍ؛ ولا غَيْرِهِ؛ فَما فَهِمْتُمْ حِكْمَتَهُ فَذاكَ؛ وما لا فَكِلُوهُ إلَيْهِ؛ وارْغَبُوا في أنْ يُلْهِمَكم حِكْمَتَهُ؛ قالَ الإمامُ - وهَذا هو الَّذِي يَقُولُهُ أصْحابُنا -: إنَّ عِلَّةَ حُسْنِ التَّكْلِيفِ هي الرُّبُوبِيَّةُ والعُبُودِيَّةُ؛ لا ما يَقُولُهُ المُعْتَزِلَةُ مِن رِعايَةِ المَصْلَحَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب