الباحث القرآني
(p-2)سُورَةُ المائِدَةِ مَدَنِيَّةٌ وهي مِائَةٌ وعِشْرُونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ الوَفاءُ: القِيامُ بِمُوجَبِ العَقْدِ، وكَذا الإيفاءُ. والعَقْدُ: هو العَهْدُ المُوَثَّقُ المُشَبَّهُ بِعَقْدِ الحَبْلِ ونَحْوِهِ، والمُرادُ بِالعُقُودِ: ما يَعُمُّ جَمِيعَ ما ألْزَمَهُ اللَّهُ تَعالى عِبادَهُ، وعَقَدَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّكالِيفِ والأحْكامِ الدِّينِيَّةِ، وما يَعْقِدُونَهُ فِيما بَيْنَهم مِن عُقُودِ الأماناتِ والمُعامَلاتِ ونَحْوِها مِمّا يَجِبُ الوَفاءُ بِهِ، أوْ يَحْسُنُ دِينًا بِأنْ يُحْمَلَ الأمْرُ عَلى مَعْنًى يَعُمُّ الوُجُوبَ والنَّدْبَ، أُمِرَ بِذَلِكَ أوَّلًا عَلى وجْهِ الإجْمالِ، ثُمَّ شُرِعَ في تَفْصِيلِ الأحْكامِ الَّتِي أُمِرَ بِالإيفاءِ بِها، وبُدِئَ بِما يَتَعَلَّقُ بِضَرُورِيّاتِ مَعايِشِهِمْ.
فَقِيلَ: ﴿أُحِلَّتْ لَكم بَهِيمَةُ الأنْعامِ﴾ البَهِيمَةُ: كُلُّ ذاتِ أرْبَعٍ، وإضافَتُها إلى الأنْعامِ لِلْبَيانِ، كَثَوْبِ الخَزِّ، وإفْرادُها لِإرادَةِ الجِنْسِ؛ أيْ: أُحِلَّ لَكم أكْلُ البَهِيمَةِ مِنَ الأنْعامِ، وهي الأزْواجُ الثَّمانِيَةُ المَعْدُودَةُ في سُورَةِ الأنْعامِ، وأُلْحِقَ بِها الظِّباءُ، وبَقَرُ الوَحْشِ، ونَحْوُهُما.
وَقِيلَ: هي المُرادَةُ بِالبَهِيمَةِ هَهُنا لِتَقَدُّمِ بَيانِ حِلِّ الأنْعامِ، والإضافَةُ لِما بَيْنَهُما مِنَ المُشابَهَةِ والمُماثَلَةِ في الِاجْتِرارِ وعَدَمِ الأنْيابِ، وفائِدَتُها الإشْعارُ بِعِلَّةِ الحُكْمِ المُشْتَرِكَةِ بَيْنَ المُضافَيْنِ، كَأنَّهُ قِيلَ: أُحِلَّتْ لَكُمُ البَهِيمَةُ الشَّبِيهَةُ بِالأنْعامِ، الَّتِي بُيِّنَ إحْلالُها فِيما سَبَقَ، المُماثِلَةُ لَها في مَناطِ الحُكْمِ. وتَقْدِيمُ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى القائِمِ مَقامَ الفاعِلِ لِما مَرَّ مِرارًا مِن إظْهارِ العِنايَةِ بِالمُقَدَّمِ، لِما فِيهِ مِن تَعْجِيلِ المَسَرَّةِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، فَإنَّ ما حَقُّهُ التَّقْدِيمُ إذا أُخِّرَ، تَبْقى النَّفْسُ مُتَرَقِّبَةً إلى وُرُودِهِ، فَيَتَمَكَّنُ عِنْدَها فَضْلَ تَمَكُّنٍ.
﴿إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ اسْتِثْناءٌ مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ؛ أيْ: إلّا مُحَرَّمَ ما يُتْلى عَلَيْكم مِن قَوْلِهِ تَعالى: " ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ " ونَحْوِهِ، أوْ ﴿إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ آيَةُ تَحْرِيمِهِ.
﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾؛ أيْ: الِاصْطِيادِ في البَرِّ أوْ أكْلِ صَيْدِهِ، وهو نَصْبٌ عَلى الحالِيَّةِ مِن ضَمِيرِ لَكم، ومَعْنى عَدَمِ إحْلالِهِمْ لَهُ: تَقْرِيرُ حُرْمَتِهِ عَمَلًا واعْتِقادًا، وهو شائِعٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْتُمْ حُرُمٌ﴾؛ أيْ: مُحْرِمُونَ، حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في مُحِلِّي، وفائِدَةُ تَقْيِيدِ إحْلالِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ بِما ذُكِرَ مِن عَدَمِ إحْلالِ الصَّيْدِ حالَ الإحْرامِ، عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ المُرادِ بِها الظِّباءَ ونَظائِرَها ظاهِرَةٌ لِما أنَّ إحْلالَها غَيْرُ مُطْلَقٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: أُحِلَّ لَكُمُ الصَّيْدُ حالَ كَوْنِكم مُمْتَنِعِينَ عَنْهُ عِنْدَ إحْرامِكم. وأمّا عَلى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ؛ فَفائِدَتُهُ إتْمامُ النِّعْمَةِ وإظْهارُ الِامْتِنانِ بِإحْلالِها بِتَذْكِيرِ احْتِياجِهِمْ إلَيْهِ، فَإنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ في حالَةِ الإحْرامِ مِن (p-3)مَظانِّ حاجَتِهِمْ إلى إحْلالِ غَيْرِهِ حِينَئِذٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: أُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعامُ مُطْلَقًا حالَ كَوْنِكم مُمْتَنِعِينَ عَنْ تَحْصِيلِ ما يُغْنِيكم عَنْها في بَعْضِ الأوْقاتِ، مُحْتاجِينَ إلى إحْلالِها.
وَفِي إسْنادِ عَدَمِ الإحْلالِ إلَيْهِمْ بِالمَعْنى المَذْكُورِ مَعَ حُصُولِ المُرادِ بِأنْ يُقالَ: غَيْرَ مُحَلَّلٍ لَكم، أوْ مُحَرَّمًا عَلَيْكُمُ الصَّيْدُ حالَ إحْرامِكم، مَزِيدُ تَرْبِيَةٍ لِلِامْتِنانِ وتَقْرِيرٌ لِلْحاجَةِ بِبَيانِ عِلَّتِها القَرِيبَةِ، فَإنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ عَلَيْهِمْ إنَّما يُوجِبُ حاجَتَهم إلى إحْلالِ ما يُغْنِيهِمْ عَنْهُ، بِاعْتِبارِ تَحْرِيمِهِمْ لَهُ عَمَلًا واعْتِقادًا، مَعَ ما في ذَلِكَ مِن وصْفِهِمْ بِما هو اللّائِقُ بِهِمْ.
﴿إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ﴾ مِنَ الأحْكامِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ المَبْنِيَّةُ عَلى الحِكَمِ البالِغَةِ، فَيَدْخُلُ فِيها ما ذُكِرَ مِنَ التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ دُخُولًا أوَّلِيًّا. ومَعْنى الإيفاءِ بِهِما: الجَرَيانُ عَلى مُوجَبِهِما عَقْدًا وعَمَلًا، والِاجْتِنابُ عَنْ تَحْلِيلِ المُحَرَّماتِ وتَحْرِيمِ بَعْضِ المُحَلَّلاتِ، كالبَحِيرَةِ، ونَظائِرِها الَّتِي سَيَأْتِي بَيانُها.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَوۡفُوا۟ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِیمَةُ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ إِلَّا مَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡ غَیۡرَ مُحِلِّی ٱلصَّیۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ مَا یُرِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق